IMLebanon

كهرباء لبنان: التدمير تمهيداً للخصخصة

Electricity4

ايمن فاضل
تعتبر أزمة الكهرباء في لبنان مركبة ومعقدة، من حيث أسباب ومصادر تراكمها، وأبرز محطات تعميق المشكلة كان من خلال مشروع إعادة تأهيل القطاع خلال تسعينيات القرن الماضي، والذي قام على أساس تلبية الحاجات الراهنة، ومن دون النظر إلى الحاجات المقبلة.
آنذاك اقتصر مشروع التجهيز الجديد للطاقة على معملين: أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب، الحكومة كانت تعلم أن قدرة هذين المعملين لا يمكن أن تصمد أمام تعاظم الحاجات، وهذا يظهر من خلال محاضر الجلسات الحكومية آنذاك، والتي كانت تتحدث عن كون هذه الخطط راهنة ولا تشكل حلاً لأزمة هذا القطاع، وفعلاً لم تصمد التغذية الكاملة إلا لعامين (2000-2001) لتبدأ بعدها قدرة الإنتاج في التراجع، بالتزامن مع قرار سياسي بتجميد كل الاستثمارات العامة في هذا القطاع، وعدم إفساح المجال لأي مشاريع لرفع الطاقة مستقبلاً.
حالياً يعاني لبنان من عجز قائم يصل إلى 1500 ميغاواط، وهو يتبدى في ساعات التقنين الطويلة التي تفوق 12 ساعة يومياً في العديد من المناطق، أما الأسوأ، فهو أن تزايد الطلب خلال السنوات الخمس المقبلة سيرفع هذا العجز إلى 2500 ميغاواط، وهو ما يخفض ساعات التغذية بشكل حاد، إن في المدن الرئيسية أو في المناطق.
هذا الواقع الذي يراه معظم اللبنانيين كارثياً، يشكل فرصة للبعض الآخر الذي يسعى إلى خصخصة هذا القطاع عاجلاً أو آجلاً، فحتى الخطط الأخيرة التي عملت على تطبيقها وزارة الطاقة في لبنان، لم تلحظ إحداث أي تغيير استراتيجي في وضع الكهرباء، وارتكزت على تغطية العجز المتراكم خلال السنوات الثلاث الأخيرة لا أكثر، بمعنى أن الوزارة لم تعمل إلا على إبطاء الإنهيار من خلال استئجار معامل إنتاج عائمة بأكلاف مرتفعة، بدلاً من الذهاب نحو خيارات أكثر فاعلية لإعادة بناء القطاع على أسس متينة.
الخصخصة تعمق الأزمة
في تقرير للبنك الدولي عام 2008، وهو من أكبر مروجي الخصخصة، أوصى الحكومة اللبنانية بعدم الاتجاه لخصخصة الإنتاج، وقدر الكلفة الاضافية لكل كيلوواط ساعة بـ 3 سنتات، مقارنة مع الاستثمارات من قبل القطاع العام، ما يزيد من كلفة الإنتاج فعلياً 600 مليون دولار سنوياً.
أرقام البنك الدولي تقول إن الخصخصة ليست الحل، مع أنها قد توفر طاقة إضافية، لكن الكهرباء ليست سلعة عادية، بل استراتيجية، وهي مرتبطة بالمستوى المعيشي للسكان والنمو الاقتصادي وأنماط الإنتاج الصناعية والزراعية، وبالتالي فإن تلزيم قطاع بهذه الأهمية لمجموعة من المستثمرين الذين يبغون الربح والمنفعة المباشرة سيؤدي إلى مشاكل أكبر من التي نواجهها اليوم.
في المقابل، الدولة مهيأة للاستثمار في زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية وإعادة النظر في التعرفة تبعاً للأكلاف مع مراعاة دعم الفئات الفقيرة، أما إذا تولى القطاع الخاص الإدارة والإنتاج، فالأمر مختلف، والأسعار ستخضع لمعيار الربح وليس لمعيار تغطية الحاجات، بمعنى أن مروجي خطط الخصخصة يحاولون دوما محاولة غش وخداع الرأي العام، عن طريق الايحاء بأن اللبنانيين يدفعون فاتورتين، وأن هناك معاملاً متقادمة تحتاج إلى تطوير، وهي حقيقة، لكن هذه الحقيقة تستخدم اليوم للإيحاء بأن لا حل لتخطيها إلا بالخصخصة التي توفر الكهرباء، وأنه لا ضرر من نهب اللبنانيين مقابل توفير الكهرباء، فكما هو معلوم من واجب الدول أن توفر الكهرباء لكافة المواطنين بشكل كامل، فهذا هو دور الدولة وهذه وظيفتها.
واقع صعب
يمارس تقنين حاد يصل إلى 12 ساعة في اليوم على كل المناطق خارج بيروت، وبالتالي فإن تشغيل كل المعامل الموجودة حالياً لا يؤمن الحاجة، وكل الأحاديث عن إعادة تشغيل المعامل المتوقفة عن العمل (في صور وفي البقاع) لن تؤدي إلى أي نفع حقيقي، فطاقتهما المجمّعة تصل إلى 140 ميغاواط، وتشغيلها يؤمن زيادة في التغذية بمعدل ساعتين فقط، في والحل يبدأ من خلال إنشاء معامل جديدة وإعادة النظر بالسياسة الحالية للكهرباء في لبنان، بدءاً بالتخطيط على المدى المتوسط والبعيد، ما يمهد لمواجهة المشكلة بطريقة مختلفة عن الحالية التي تتسم بالعشوائية وتغليب المصالح الخاصة لبعض الزعامات والمستثمرين المرتبطين بهم.
ويحتاج لبنان تقنياً إلى زيادة عدد معامل الإنتاج، وتحديث شبكة النقل والتوزيع، فهذه الشبكة المهترئة تتسبب في إهدار 15 في المئة من الطاقة المنتجة، وهي نسبة هائلة، تفوق بشكل كبير المعدل العالمي المحدد عند 7 في المئة.
وتشغّل المعامل الحالية على المازوت، وهو الأعلى كلفة من جميع أنواع الوقود الأخرى، في تسعينيات القرن الماضي عندما قرر بناء معملي الزهراني وطرابلس، اعتمدت تقنية حديثة آنذاك هي الدارة المختلطة، عن طريق تشغيل مجموعتين تعملان على الغاز، ومجموعة ثالثة تعمل على البخار الناتج عن تشغيل المعملين الآخرين، وكان الهدف خفض كلفة الإنتاج، لكن بالتزامن مع بناء المعملين، لم تخطط الدولة لطرق إيصال الغاز إليهما، وحينها أقيم معملين بعيدين عن بعضهما واحد في الشمال والآخر في الجنوب، فيما كان الأجدى أن يتم تشييدهما بمناطق قريبة من بعضهما، وتتسم بإمكانية جر الغاز براً (عبر أنابيب) أو بحراً عن طريق بناء محطة لتحويل الغاز السائل المستورد بالسفن إلى غازي، وهو مشروع أعلى كلفة بسبب ضرورة تشييد هذه محطة.
الاسباب الطائفية التي وقفت وراء إنشاء المعملين البعيدين جغرافياً عن بعضهما، أدت إلى تشغيلهما على الفيول أويل أو المازوت، ليدفع كل اللبنانيين فاتورة هذا النوع من الفساد، عن طريق فقدان الطاقة الكهربائية.
تنويع مصادر الطاقة
كمرحلة أولى يتوجب على لبنان أن يعمل على إعادة تشييد قطاع الطاقة على أسس علمية تراعي الحاجات المتنامية وتلحظ واقع دول الجوار، وهناك أنواع عديدة من الوقود التي يمكن استخدامها، وبالتالي تخفيض درجة المخاطر المتعلقة بمصادر الطاقة، من خلال إنشاء معامل على الغاز ومعامل تعمل على الفحم الحجري، إضافة إلى المعامل القائمة التي تعمل على الفيول أويل والمازوت، وعلى الرغم من أن الفحم الحجري ليس خياراً بيئياً، إلا أن مسألة الكهرباء هي أيضاً قضية اقتصادية واجتماعية، ويجب النظر إلى الكلفة المرتفعة التي يتكبدها اللبنانيون حالياً كفاتورة نفطية، فهي تصل إلى 5 مليارات دولار سنوياً في الوقت الحالي.
مقابل المعامل التي تنتج الكهرباء من خلال الوقود الأحفوري، يجب أن تلجأ الدولة إلى خطط بعيدة المدى لاعتماد إنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة، لكن موضوعياً، إن إنشاء محطات إنتاج كهرباء باستخدام الطاقة الهوائية يحتاج إلى أراضٍ شاسعة، وينتج كمية كهرباء لن تكون مجدية، وبالتالي تعد الطاقة الهوائية جزءا من البدائل وليست بديلاً، وهذا ينطبق على الطاقة الشمسية، فلبنان يمكن أن يستفيد من الشمس المتوافرة على فترة طويلة من العام، لكن هذا الأمر يحتاج إلى استثمارات هائلة، في وقت إن الحاجات طارئة، لكن هذا لا يعني عدم الذهاب لخيار تشجيع الإنتاج الفردي لتخفيض استهلاك الطاقة من مؤسسة الكهرباء، ولكن من المبكر بحث إنشاء محطات كبيرة للطاقة الشمسية.
كلفة الدعم
تمارس الحكومة اللبنانية خدعة عن طريق تحميل كلفة دعم تعرفة الكهرباء لمؤسسة الكهرباء، في الواقع ليس هناك عجز بالمعنى الحسابي المالي في مؤسسة كهرباء لبنان، والحكومة تقوم بتجميل حسابات الموازنة عن طريق إلقاء عبء الدعم على ميزانية المؤسسة، فالتعرفة التي تجبى من الناس تتراوح ما بين 50 ليرة و120 ليرة لبنانية (حسب الشطور لكل كيلواط) وهي دون كلفة الإنتاج الفعلية التي تصل إلى 200 ليرة لكل كيلوواط حسب أسعار النفط العالمة.
وتتكبد الدولة اللبنانية 2 مليار دولار سنويا لدعم تعرفة الكهرباء والناس يتكبدون حوالى 2.5 مليار دولار لتعويض العجز في إنتاج الكهرباء (عن طريق الاشتراك في المولدات الخاصة)، بمعنى أنه إذا اردنا أن نتحدث عن عجز مالي، فالواقع الكهربائي الحالي يتسبب بعجز يصل إلى 5 مليارات دولار وهذا رقم كبير وينطوي على كلفة اجتماعية بالغة الأهمية، قادرة على تفسير ضعف الاقتصاد والقطاعات المنتجة.
الأولويات تقتضي وضع خطة سريعة لإعادة بناء قطاع الكهرباء في لبنان بإدارة الدولة، ومن ثم تأمين الكهرباء بشكل كامل، وإعادة النظر بالتعرفة، باتجاه تدفيع أصحاب المداخيل المتوسطة والعليا الكلفة الفعلية لاستهلاكهم الكهرباء، وخفض حجم الكهرباء غير المفوترة (والتي تصل حالياً إلى 50 في المئة من الإنتاج) عن طريق تحديث آليات الإدارة والنقل.
جدوى الاستثمار في إعادة بناء قطاع الكهرباء تظهر من خلال الميزانية الهائلة لواقع قطاع الكهرباء (إن عبر ميزانية الأسر أو الميزانية العامة) التي تقدر بـ 5 مليارات دولار، فأي أكلاف لإنشاء معامل جديدة لن تتعدى حجم الخسائر خلال عام أو عامين.
الربط الاقليمي
الوضع الاقليمي الراهن يجعل من خطط الربط الرباعي أو السباعي السابقة ضرباً من الخيال، وبالإضافة إلى ذلك، ماذا كانت ستؤمن هذه الخطط للبنانيين؟ كانت ستوفر لهم الحصول على كهرباء فائضة عن بعض الدول بأكلاف منخفضة، لكن هذا لا يعني أنها مشروع بديل يلبي الحاجات، فلا يمكن لقطاعات على هذه الدرجة من الاستراتيجية أن تكون مرهونة بالكامل لسيادات دول أخرى، على لبنان أن يمتلك لسيادته لإنتاج الكهرباء على أراضيه.