IMLebanon

تجاوب فلسطيني مع ورقة سويسرية لتسوية أوضاع 40 ألف موظف في غزة

gaza
ما زالت الفصائل الفلسطينية تتداول الورقة التي تقدّمت بها سويسرا لحل معضلة أكثر من أربعين ألف موظف في قطاع غزة تابعين لحكومة “حماس”، ظلت أوضاعهم المهنية عالقة، إذ تم إيقاف رواتبهم منذ تشكيل حكومة التوافق الوطني قبل نحو سنة وتقول الحكومة إنها لا تملك أموالا لصرف رواتبهم.

غير أن الورقة المقترحة لم تقتصر على تناول هذه المعضلة الفنية، وإنما قدمت من ورائها تصورا شاملا لتكريس المصالحة الفلسطينية من خلال تطبيق اتفاق القاهرة (2011) وإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية.

وكانت الحركتان الكبيرتان “فتح” و”حماس” توصلتا في 23 أبريل 2014 في أعقاب سبعة أعوام من الإنقسام (2007- 2014) إلى اتفاق للمصالحة، من أهم بنوده تشكيل حكومة توافقية لمدة ستة أشهر، تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتشكيل مجلس وطني بشكل متزامن.

ومن المفترض أن تمكن المصالحة وتأليف حكومة الوفاق من تجاوز الإنقسام الذي تكرّس بعد سيطرة حركة “حماس” على الأجهزة الأمنية في قطاع غزة عام 2007، وهو ما تسميه غريمتها حركة “فتح” بـ “الإنقلاب”.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال عضو في المكتب السياسي لـ “حماس”، فضل عدم ذكر اسمه، إن الحركة أبدت بعض الملاحظات على الورقة، لكنها قبلتها في الجملة، مُشيرا إلى أن الطرف الآخر، أي السلطة، هي التي رفضتها. وأوضح أن التحفّظ الأساسي يخُص البند المتعلِّق بإجراء فحْص أمني لجميع الموظفين المعنيين، وضمان اجتيازهم لهذا الفحص، وِفقا للمعايير الدولية، كي يحصلوا على راتب من خلال كشف رواتب موحّد.

مسار إصلاحي واسع

على صعيد آخر، تقترح الورقة السويسرية إطلاق عملية إصلاح واسعة للقطاع المدني وللخدمات المدنية والأمنية في جميع المحافظات الفلسطينية مباشرة، بعد استكمال دمج المؤسسات العاملة في غزة مع تلك الموجودة في الضفة الغربية، واستطرادا إجراء الإنتخابات من أجل إيجاد خدمة مدنية فعّالة وذات كفاءة عالية ومستقرّة ماليا، بما يضمن أن يحصل جميع العاملين على راتب، كما تشترِط أيضا أن يشتغل جميع العاملين الذين يتلقَّون رواتب ضِمن المؤسسات الحكومية بشكل شفّاف.

وبسؤال ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (وهي مرجعية السلطة في رام الله) عن موقف السلطة من المبادرة السويسرية، قال إنه يؤيِّد هذه الصيغة التي تفتح نافذة جديدة، تتمثل في إجراء حوار وطني تحت إشراف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لمساعدة الحكومة الحالية على القيام ببعض أعمالها. وأفاد عبد ربه swissinfo.ch بأن “رئيس السلطة محمود عباس وحكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله أبلغا برن رسميا موافقتهما على الورقة السويسرية”.

“فتح” موافقة

من جهة أخرى، علمت swissinfo.ch أن حركة “فتح”، كبرى فصائل منظمة التحرير، أعطت موافقتها على الورقة في سِياق الإتصالات التي قام بها أعضاء وفد سويسري مع جميع الفصائل، سعيا لتحصيل أوسع توافُق ممكن على مضمونها. إلا أن فصيلين من منظمة التحرير هما “حزب الشعب” (الحزب الشيوعي سابقا) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (اليسارية)، أبديا تحفّظات على الورقة. وعزا عضو اللجنة المركزية لـ “الشعبية” أحمد أبو السعود التحفّظ إلى “خشية الجبهة من أن تكون الورقة مُرتبطة بإقرار هدنة دائمة مع اسرائيل”، مشيرا إلى أن “الشيطان يكمُن في التفاصيل”. واعتبر أنه لو تمّ تنفيذ اتفاق المصالحة بكل ما جاء فيه “لكانت الأمور أفضل مما هي عليه الآن”.

وأضاف أبوالسعود قائلا: “على رغم الملاحظات على الورقة السويسرية، فإنها عموما جيدة ونأمل أن تكون رافعة لتسوية مشكلة أربعين ألف موظف يعيشون أوضاعا صعبة”.

في المقابل، رفض حزب الشعب المشاركة في الإجتماع الذي عقدته الفصائل الفلسطينية مع الوفد السويسري، وعلل ذلك بأن الوفد سيبحث إلى جانب آلية استيعاب الموظفين في قطاع غزة المقترحات السويسرية بشأن التهدئة مع إسرائيل، واعتبر ذلك “الْـتفافا على الوفد الفلسطيني الموحّد المُخوّل بحث هذا الملف”.

في السياق، علمت swissinfo.ch أن الورقة تركِّز على تسمية حكومة التوافُق الفلسطينية لجانا من الخبراء التقنيين المتخصّصين تحت إشراف اللجنة القانونية الإدارية، على أن تكون هذه اللجان شرعية وممثلة كقوّة مستقلّة وبدعم تقني خارجي. كما تنص الورقة على أن تتولّى تلك اللجان التقنية تدقيق ملفات جميع الموظفين في غزة كُلا على حِدة.

شبكة أمان مالية

في الوقت نفسه، سيسعى السويسريون إلى تأمين شبكة أمان مالية لتنفيذ ما جاء في الورقة من إجراءات، من خلال اتصالات تقوم بها سويسرا حاليا مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في هذا الشأن. ورأى الخبير الفلسطيني في القانون الدولي الدكتور عبد الكريم شبير، أن الوثيقة السويسرية “مقبولة، رغم وجود بعض الملاحظات التي سُجّلت عليها”.

وقال شبير لـ swissinfo.ch: “إن الورقة أتت لتضع حدّا لمُعضلة موظّفي قطاع غزة، ولاسيما أولئك الذين تمّ تعيينهم في عهد حكومة “حماس” بعد الإنقسام (صيف 2007)، بما يُنهي هذه المسألة العالقة بين طرفيْ الإنقسام، إذ تطرح الورقة حلولا مرحلية وأخرى جِذرية”.

وأضاف أن الوثيقة صنّفت الموظفين إلى ثلاث شرائح، هم الموظفون الذين طلبت منهم السلطة البقاء في بيوتهم بعد الإنقسام، والفئة الثانية تتمثل في الموظفين الذين عيّنتهم السلطة قبل 2007 والذين رفضوا البقاء في بيوتهم فقطعت عنهم السلطة الرواتب، والفئة الأخيرة هي الموظفون الذين عيّنتهم حكومة إسماعيل هنية بعد 2007 لسدِّ الفراغ الذي تركه تغيّب الموظفين عن مكاتبهم، وهؤلاء وضعُهم غير قانوني، لكنهم مصنّفون في خانة “الموظف الفِعلي أو الواقعي”.

بهذا المعنى، يعمل المقترح السويسري على حل مشاكل موظّفي غزة بتحويل الموظفين الفِعليين إلى موظفين قانونيين، وهو عبارة عن خارطة طريق تمنح الأولوية لموظفي قطاعيْ الصحة والتعليم (نظرا لحساسيتهما)، في إطار مساريْن متوازييْن، الأول يرمي لدمج الموظفين المدنيين في قطاع غزة، والثاني يُركّز على تسوية أوضاع الموظفين القُدامى والجُدد الذين لا تثبت كفاءتهم، بمنحهم تعويضات نهاية خِدمة ومساعدتهم على تلقي تدريب للإنتقال من القطاع العام إلى العمل في القطاع الخاص.

والأرجُح، بعدما أرسلت السلطة الفلسطينية ردّا إيجابيا على الورقة وقبول الفصائل بها على أساس أنها أرضية قابلة للنقاش والتعديل، أن تأخذ طريقها للتنفيذ. إلا أن ذلك يبقى مرهونا بتأمين شبكة تمويل من الجهات الدولية والإقليمية القادرة.