IMLebanon

تلزيم محطة شارل حلو واساءة التصرّف بالملك العام

CHarlesHelouStation

تستعجل بلدية بيروت التوقيع على عقد اتفاق بالتراضي بين البلدية ممثّلة بالمحافظ وشركة ميتروبوليتان سيكيوريتي ش. م. ل.، وهي «العارض الوحيد» الذي استدعته البلدية عام ٢٠١٣ لتقديم عرض أسعار لإجراء الصفقة العائدة لتشغيل وصيانة واستثمار محطة شارل حلو للسفر والنقل البري بطريقة الاتفاق بالتراضي، لكن مجلس شورى الدولة حسم قراره باعتبار المحطة ملكاً عاماً لا يجوز استثماره إلا عن طريق الإشغال المؤقت والعرضي

في أواخر عام ٢٠١١ وافق مجلس بلدية بيروت، بناءً على القرار رقم ١٠٦٣، على دفتر شروط خاص ومعدل لتشغيل وصيانة واستثمار «محطة شارل الحلو للتسفير والنقل» بطريقة المزايدة العمومية. وتشمل هذه المحطة مرأباً يتسع لنحو 400 سيارة.
يتبيّن من محاضر لجنة المناقصات البلدية خلال عام ٢٠١٢ أنه لم يتقدم أحد للاشتراك في هذه المزايدة رغم الاعلان عنها مرتين متتاليتين خلال شهري آب وتشرين الاول ٢٠١٢! لاحقاً اقترح محافظ مدينة بيروت بالتكليف ناصيف قالوش اتخاذ قرار بتلزيم المشروع بموجب اتفاق بالتراضي بموجب المادة ١٤٧ من قانون المحاسبة العمومية.

في ٥ آذار ٢٠١٣، اقترحت لجنة المناقصات إجراء مزايدة للمرة الثالثة مع اقتراح تخفيض قيمة انطلاق المزايدة بحيث تصبح ٦٠٠ مليون ليرة لبنانية بدلاً من مليار ليرة لبنانية. وقد وافق المجلس البلدي على هذا الاقتراح مع تخفيض مهلة الاعلان في الجريدة الرسمية والصحف المحلية لمدة خمسة أيام للصفقة بطريقة المزايدة العمومية. لكن المزايدة لم تسفر عن أي نتيحة إيجابية. حينها قرر المجلس البلدي في شهر آب ٢٠١٣ الموافقة على عقد صفقة بطريقة الاتفاق بالتراضي، واستدعاء العارض الوحيد شركة ميتروبوليتان سيكيوريتي ش. م. ل. لتقديم عرض أسعار، وكلف المحافظ قالوش لجنة تضم 3 أعضاء، هم رئيس دائرة القضايا والمهندس غسان الياس وجميل عيسى، مهمتها تقديم الاقتراحات حول هذه الصفقة، وقد أودعت اللجنة المحاضر التي نظمتها بنتيجة اجتماعاتها والاقتراحات التي توصلت اليها.
تشير محاضر اللجنة الى أنه خلال فترة دراسة الملف ومحاولات الاتصال بشركة ميتروبوليتان سيكيوريتي ش. م. ل. «الذي تأخر لأشهر»! وردت الى اللجنة عروض مقفلة عدة وواحد مكشوف بقيمة ٧٠٠ مليون ليرة، وتبين أن هذه العروض غير مستوفية الشروط، وهي لم تقدم أساساً لدى لجنة المناقصات، فلم تقبل. لكن اللجنة خلصت أيضاً الى أن شركة ميتروبوليتان سيكيوريتي ش. م. ل. لم تتقدم بعرض مقبول، خصوصاً بعد أن ورد الى اللجنة عرض مفتوح لم يعد بالامكان تجاوزه حرصاً على المال العام. لاحقاً تقدمت الشركة بعرض أسعار لالتزام المشروع مقابل ٦١٠ ملايين ليرة، وتعهدت باستكمال المستندات المنصوص عليها ضمن دفتر الشروط، ولقد اقترحت اللجنة بتاريخ ٢٧ شباط ٢٠١٤ اعتماد عرض الشركة بعد إضافة نسبة ٢٠% على السعر المقدم ليصبح ٧٣٢ مليون ليرة لبنانية سنوياً، وذلك بعد أن ارتأت أن السعر المطروح من قبل الشركة لا يزال دون المتوقع من قبلها. وقد أعدّت البلدية عقد اتفاق بالتراضي وقّع عليه المكلف بالتوقيع عن الشركة تبلغ مدته أربع سنوات مع إلغاء فترة السماح بناءً على قرار ديوان المحاسبة، وتبدأ مدة العقد من تاريخ تسليم موقع العمل الى الشركة المشغلة، كذلك تتعهد الشركة بتأهيل المحطة وتشغيلها وصيانتها وإدارتها طيلة مدة العقد.

كذلك تتضمن مسودة عقد الاتفاق بالتراضي تأليف لجنة بقرار يصدر عن المحافظ مهمتها الإشراف على تنفيذ المشروع من قبل الشركة، والتثبّت من صحة تقيّدها بأحكام دفتر الشروط، وتقديم الاقتراحات المناسبة بشأن نطاق عمل المتعهد ضمن المحطة، وتجديد التعاقد معه بعد انتهاء المهلة المذكورة، وتفسير بنود العقد وأحكام دفتر الشروط، ورفع تقارير دورية إلى المحافظ عن وضعية المحطة.
تؤكد مصادر متابعة لـ»الأخبار» أن نواب وفعاليات العاصمة المسيحيين يعترضون على توقيع العقد بالتراضي، ويتهمون رئيس بلدية بيروت بلال حمد بأنه تفرد في خطوة تلزيم المحطة، ومكمن اعتراضهم أن شركة ميتروبوليتان سيكيوريتي ش. م. ل. يرأس مجلس إدارتها رجل الاعمال جهاد العنان، وأنهم يعترضون على الصفقة من منظار طائفي، ويرون أن المحطة ستشكل نقطة لتمركز عدد كبير من الموظفين من «خارج المنطقة»، وفق تعبيرهم! كذلك اقترح هؤلاء أن تضاف فقرة في دفتر الشروط تشير إلى ضرورة تخصيص مساحة محددة في المحطة المذكورة خاصة بسيارات سكان منطقة الجميزة وروادها، كي يتمكنوا من ركن سياراتهم ضمنها والانتقال إلى منطقة الجميزة بواسطة وسائل نقل مخصصة لهذه الغاية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعادتهم إلى المحطة بهدف المساهمة في حل أزمة الازدحام التي تشهدها منطقة الجميزة كل مساء، وتخفيفاً للإزعاج الذي يتعرض له أهالي المنطقة وسكانها. وهو اقتراح سبق أن تقدم به الوزير زياد بارود عام ٢٠٠٩ إبان الإعداد لدفتر الشروط.
لكن مسودة العقد التي رفعت الى المحافظ القاضي زياد شبيب لم تسلك طريقها الى التوقيع. يفنّد المحافظ شبيب أسباباً وجيهة وقانونية لعدم التوقيع، وقد أبلغ الوزير نهاد المشنوق موقفه، خلال اجتماع للمجلس البلدي حضره الوزير، الشهر الماضي، طالباً إعطاءه مهلة لإعادة درس الملف وتقديم اقتراح مفصّل حول تلزيم محطة شارل حلو.
أخرج القاضي شبيب من جعبته استشارة بالغة الوضوح وغير قابلة للتأويل تتعلق بمحطة شارل حلو تحمل الرقم ٤٦٠/٢٠٠٠ صادرة بتاريخ ٢٤ تموز ٢٠٠٠ عن مجلس شورى الدولة، بناءً على طلب مدير عام مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، لإبداء الرأي حول عقد ونظام استثمار موقع بين المصلحة وشركة محطة انطلاق بيروت للبولمان في محطة شارل حلو.
تشير الاستشارة الى أن الاملاك التي تقوم عليها المحطة، كائناً من يكون الشخص المعنوي العام المسجلة هذه الاملاك على اسمه (بلدية بيروت)، وأياً تكن الصفة التي سجلت بها تلك الاملاك في السجل العقاري، تكون قد قد اكتسبت بمجرد تخصيصها للمنفعة العمومية صفة الملك العام. لذلك، فإن نقل حق الاستثمار الى الغير يوجب التقيد بالاحكام التشريعية والتنظيمية التي ترعى اشغال الملك العام لوسائل ومرافق النقل. وتضيف الاستشارة «إن أملاك الدولة أو البلدية في المدن لا يمكن أن تكون إلا موضوعاً لإيجار يعقد بالاستناد الى مزايدة علنية ويعطى لمدة أربع سنوات وفقاً للاصول المحددة في القرار رقم ٢٧٥/١٩٢٦ إذا كانت تلك الاملاك من الاملاك الخصوصية. أو لترخيص بالاشغال المؤقت والعارض الذي يعطى لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد الضمني ولقاء رسم إشغال، إذا كانت الاملاك المذكورة من الاملاك العمومية، وإذا كان مشروع طالب الترخيص هو لمنفعته الخاصة. أو لامتياز يعطى بقانون، إذا كان المشروع يبغي إنشاء واستثمار مصلحة عمومية.
وبناءً على هذه الاستشارة، يتبيّن أن المجلس البلدي لبلدية بيروت ومحافظها كانوا يتصرفون طيلة السنوات الخمس الماضية، في آلية تلزيم محطة شارل حلو، على أنها من الاملاك الخصوصية، وهو ما يثبت عدم صحته بناءً على استشارة شورى الدولة، الأمر الذي يجعل من دفتر الشروط والمزايدة العمومية التي نتجت منه والعقد بالتراضي الذي أوصى المحافظ السابق باعتماده، باطلة حكماً وتستوجب الإلغاء.
ويؤكد مصدر متابع للملف أن محافظ بيروت لن يكتفي بالطلب من المجلس البلدي اتخاذ قرار بإلغاء العقد بالتراضي والشروع في إعداد دفتر شروط جديد على قاعدة الاشغال المؤقت، بل إنه طلب رسمياً من مجلس الانماء والاعمار إعداد دراسة حول كلفة تأهيل المحطة على نفقة البلدية قبل تلزيمها، خصوصاً أن أعمال التأهيل على الجسر الفوقي للمحطة تجري حالياً على نفقة البلدية، ولا مانع من استكمال أعمال التأهيل لجميع الطوابق، لأن ذلك سيرفع قيمة رسم الاشغال الذي يجري احتسابه على قاعدة 3% من سعر المتر المربع التخميني».