IMLebanon

قانون الإيجارات: «ما من تعديل جذري»

RentLaw4
هديل فرفور
نظّم المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، جلسة حضرها نواب وقضاة ومحامون ونقابيون، لـ «التوصل الى اقتراحات تساعد على بلورة الإشكاليات التي يطرحها القانون».
«سيكون النقاش أكاديميا وعلميا ومجرّدا من الانحياز»، هكذا افتتح المستشار القانوني للمركز وجيه زغيب الجلسة، التي دامت نحو ساعتين، تناوب خلالها المجتمعون على عرض اقتراحاتهم وملاحظاتهم حول القانون. وعلى الرغم من أن المجتمعين تبنوا فكرة «ان القانون يعني مختلف الشرائح الأجتماعية، وان هناك حق سكن يجب توفيره»، وحاولوا تجنب «اخذ طرف» بين المالكين والمستأجرين، الا انهم كانوا يجهدون في «سحب» مواقف بعضهم من مداخلاتهم بهدف تصنيفهم: مع مالكين ام مع مستأجرين؟

«الإدارة والعدل»: مكانك راوح

بداية كانت مداخلة للنائب نوار الساحلي. لفت الى «المناوشات» الحاصلة بين اعضاء اللجنة، وإلى سعي كل طرف للدفاع عن جهة دون أخرى. وصّف الساحلي الواقع القانوني الحاصل حول تأويل قرار المجلس الدستوري الذي قضى بإبطال ثلاث مواد من القانون، دون ان يحدد ما اذا كان نافذا ام لا. ونقل الساحلي عن رئيس مجلس النواب نبيه بري رأيه في هذا المجال «بأن إبطال ثلاث مواد كفيل بإبطال القانون كله»، كما لفت الى انه خلال عامي 2008 و2009، «توصلنا الى اتفاق يقضي بإعطاء قروض مدعومة للمستأجر اذا ما رغب في التملّك، وللمالك إذا اراد اعطاء المستأجر تعويضا مقابل اخلاء عقاره»، ليضيف: «في ليلة وضحاها ما عرفنا مصير هيدا الاتفاق». لم يقدم الساحلي طرحا جديدا في مداخلته، بل اكتفى بالتركيز على الضغوط التي يمارسها بعض اعضاء اللجنة «المحسوبين على المالكين»، لافتا الى «الجهود الذي يبذلها النائب وليد سكرية نصرة للمستأجرين».

1.5 مليار ليرة فقط لتمويل الصندوق

من جهته، كشف النائب الوليد سكرية في مداخلته ان تمويل الصندوق المخصص لمساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز معدل دخلهم خمسة اضعاف الحد الأدنى للأجور (بعدما كان ثلاثة اضعاف قبل تعديلات لجنة الادارة والعدل النيابية)، يكلّف نحو مليار ونصف مليار ليرة فقط، «يجري دفعها في السنوات المتعاقبة»، وذلك بعد «استشارة وزارة المالية والخبير في قضايا الاسكان انطوان شمعون»، وهو ما يدحض كل الحديث عن عجز الدولة عن تمويل الصندوق، الذي يمثّل ضمانا مهما للمستأجرين. استفاض سكرية في شرح سبب اعتبار انه من غير العادل اعتماد هذا الاحتساب، باعتبار ان «دخل شخصين مقيمين في المنزل كفيل بحرمانهما الصندوق».

ركّز سكرية على أهمية جعل الإيجار متاحا، «بدنا قانون يتيح أمام المتموّل بناء مساكن للإيجار، البنا كله للبيع». أشار سكرية الى تداعيات «الفرز الطائفي والطبقي الذي يشرّعه هذا القانون». ولفت الى أنه جرى الاتفاق مع المالكين على الا يزيد ايجار العقارات خلال هذه المرحلة على الألف دولار، مشيرا الى أنه كان قد اقترح اقامة مشاريع سكنية بأسعار تشجيعية على اراضي البلديات او المشاعات (سعر كلفة البناء الفعلية) الا ان هذا الاقتراح جوبه بالرفض.

البناء بهدف البيع لا الإيجار

«صوت» المالكين، كان خافتا بعض الشيء في الجلسة، او «ملطفا» على حد تعبير الساحلي، هذا الصوت «الملطّف» عبّر عنه كل من المحامي حسين محيدلي وفادي حدّاد. الأخير أقرّ بأن السكن حق، «ولكن حق يجب الا يُكتسب على حساب المالك»، لافتا الى وجوب اعتماد سياسة اسكانية كجزء من الحل، ومشيرا الى امكانية تملك المستأجرين في الأطراف، فيما اكتفى محيدلي بطلب بت القانون وحسم مسألة نفاذه، قبل ان يعلن انه «ضمنيا مع استرداد حقوق المالكين».
«عدد كبير من اللبنانيين يفضلون السكن في العاصمة وضواحيها»، قال الدكتور غازي وزني، الخبير الاقتصادي الذي وضع بعض الملاحظات. لفت وزني الى أن سوق الإيجارات متدنٍّ وضعيف، وأن «معظم المشاريع السكنية منذ الـ2007 كانت للبيع لا للإيجار»، مؤكدا ان هناك تفاوتا كبيرا بين مداخيل الأسر وسعر السكن، تملكا كان ام ايجارا. ولفت وزني الى ان تشجيع عوامل الاستثمار خارج العاصمة من شأنه أن يساهم في معالجة هذا الواقع، ووضع بعض المقترحات المتمثلة في تكفّل الدولة بالبنى التحتية وباعتماد سياسة ضريبية على الربح العقاري وعلى الشقق الفارغة.
اجتمع المحاضرون على مبدأ ضرورة تحمّل الدولة مسؤولياتها، الا ان اقتراح تقديم الدولة للمشاعات، لم يتبنّه الجميع. «ليش بدون اللبنانيين يوهبوا مشاعاتهم لفئة من المستأجرين، ولشو الصندوق؟»، هذا ما قاله عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت ناضر غاسبار، فيما طالب النقابي علي محيي الدين منفعلا بطرح استعادة الأملاك البحرية العامة المستباحة واستثمار مردودها دعما لقضية السكن.
لم يُفهم من تساؤل غاسبار هذا أي «ميل» للمالكين، ذلك انه اردفه بالقول «إن صياغة قانون واضح لا تحتاج الى هذه الإرباكات»، مشيرا إلى ان القانون يحتوي على الكثير «من الألغام». تطرّق الى المادة الـ29 من القانون، التي تنص على انه: في حال وفاة المستأجر يستفيد زوج المستأجر او من يحل محله قانونا قبل تاريخ 23/7/1992 او انسباؤه الذين دخلوا معه الى المأجور عند بدء تنفيذ الإجارة، وكانوا لا يزالون مستمرين في إشغاله من دون انقطاع».
وتساءل: «فهل يعطى الأنسباء الأفضلية على الأولاد؟»، ليقاطعه سكرية ويقول له «سنعدل المادة وسنضمن حق الاولاد في الاستفادة من مأجور اهلهم».
كلام غاسبار يتوافق وما قاله أحد قضاة الإيجارات، الذي كان حاضرا، عبّر القاضي عن حجم الإرباك الذي يتعرّض له من جراء تطبيقه هذا القانون، ولفت الى «الصياغة المعقّدة له، وإلى وغياب النقاط الواضحة فيه». واشار الى ان غالبية المواد لحظت اللجنة القضائية والمجلس الدستوري ابطل هذه اللجنة، «فكيف بنا نتعامل مع قانون ابطلت معظم مواده»؟
القاضي الذي اصر على ضرورة البت والحسم في تحديد اي قانون يعتمده القضاة في ظل انتهاء مفعول القانون القديم، رأى ان هناك موادّ متناقضة، لافتا الى ان النص القانوني لم يلحظ مهلة لإنشاء الصندوق، «وهو امر يعد مستغربا».

القانون يعزز الانقسام المذهبي

عرض رئيس مركز اشراق للدراسات والمعلومات الدكتور احمد بيضون مسلمات، «يجب التطرق اليها قبل البحث القانوني». أولاها، «أن الوضع الحالي في لبنان يشهد انقساما مذهبيا وسياسيا خطيرا»، وبالتالي التساؤل المطروح هنا، «هل قانون الإيجارات يعالج مشكلة اجتماعية، ام هو عامل اضافي لتعزيز هذا الواقع؟». برأي بيضون ان القانون يعزز هذا الخطر.
ورأى بيضون ان مشكلة الإيجارات معقّدة، ولا يمكن الاستهانة بمعالجتها، مشيرا الى غياب المناقشات الجدية التي كانت مترتبة على النواب، عندما أقروا هذا القانون بمادة وحيدة. ولفت بيضون في هذا الصدد الى التساؤل الأكبر الذي يجب ان يكون مطروحا: «هل القانون يؤدي دوره على مستوى حياكة النسيج الاجتماعي؟».
في رأيه، فإن القانون ينص على معالجة مؤقتة لـ9 سنوات فقط، وانه لا يطرح معالجات موضوعية لأزمة الإيجارات. أبرز الاقتراحات التي قدّمها بيضون تمثلت في «الإخلاء المتدرّج»، بحيث يبدأ البحث عن إخلاء المستأجرين الذين لا يقيمون على نحو دائم في شققهم، فضلا عن ضرورة البحث عن اسباب الإخلاء.

بري: غير نافذ

رحّبت كل من لجنة المحامين المكلفة الطعن وتعديل قانون الإيجارات الجديد ولجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين، بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي نقله عنه بعض النواب، الذين حضروا لقاء الأربعاء، والقاضي باعتبار «قانون الإيجارات الجديد غير نافذ في ظل ابطال المجلس الدستوري ثلاث مواد منه»، كما نقل النواب عن بري عدم موافقته على «صدور الأحكام بكافة أنواعها»، مقدّما طرحا يقضي إما بشراء المأجور من المستأجر، أو باسترداده من المالك لقاء تعويض عادل.
ورأت لجنة المحامين ان عدم موافقة بري على الاحكام الصادرة، «يستتبع بالطبع عدم شرعية الزيادات والانذارات المرسلة ولا قانونيتها التي أدخلت المالك والمستأجر بنزاعات ودعاوى ومصاريف وخلافات شخصية بين المواطنين نتيجة لذلك».
ودعا المستأجرون الكتل النيابية لتطوير «هذه المبادرة وصولا الى صياغتها في مشروع قانون متكامل تمهيدا لاقرارها سحب القانون الاسود من التداول»، فيما شدد تجمّع مالكي الأبنية المؤجرة على «وجوب احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وحصر العمل التشريعي بالمؤسّسات الرسمية، ولا سيّما لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب، التي تتمثّل فيها جميع الكتل النيابية الكبرى، والتي شرعت منذ فترة وفق الأصول بترميم المادتين والفقرة التي أبطلها المجلس الدستوري في القانون الجديد النافذ للإيجارات، مع التوسّع ببعض التعديلات لمصلحة المستأجرين، برغم تحفّظنا واعتراضنا عليها»، كما اكد التجمّع «وعلى نحو قاطع ونهائي»، عدم وجود أيّ نزاعات أو دعاوى أو انذارات قضائية مستجدة بعد دخول القانون الجديد للإيجارات حيّز التطبيق.