IMLebanon

مكاتب التخليص الجمركي في “المصنع”.. ضحية الحدود “المعطّلة”

LebanonSyrianBorder
لوسي بارسخيان
عندما اتخذت السلطات الأردنية قرارها “المباغت” بإغلاق معبر جابر قبل أسابيع، لم تقفل فقط حدودها مع سوريا، بل قطعت خط الترانزيت الوحيد الذي يربط لبنان بكل الدول العربية، وعملياً أقفلت أيضا حدود لبنان البرية.
صحيح أن معبر المصنع لا يزال مشرعاً أمام شاحنات النقل والمواطنين، ولكن ليس هناك من يعبره، بإستثناء شاحنات قليلة تنتقل بين لبنان سوريا، وأعداد متفاوتة من المواطنين السوريين، الذين تضاءلت نسبتهم أيضاً، مع قرار الحكومة التشدد في إستقبال الوافدين الى لبنان بصفة لاجئ.
الباحة الجمركية في المصنع شبه فارغة هذه الأيام من الشاحنات. لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية لا تكون الشكوى من إكتظاظ تسبب به إقفال الحدود. ليس ذلك فقط بسبب تشرد نحو 200 شاحنة بين السعودية والكويت والإمارات، تسبب به وقوع الاسطول اللبناني البري ضحية سياسة اغلاق الأبواب التي اعتمدتها الأردن، وإنما ايضا بسبب فقدان الأمل في منطقة المصنع، بعودة الحياة الى خط الترانزيت البري مجددا.

وهكذا، بعد أنّ كان همّ المخلصين الجمركيين في المصنع قبل اسابيع رفع مستوى الأداء الجمركي، لتحسين ظروف الشاحنات المنتظرة في الباحة الجمركية، وتيسير عبورها الى الأراضي العربية، صار هاجسهم بعد اقفال حدود الأردن الحفاظ على مصدر دخل مكاتب تشغل اكثر من 300 موظف، سيكونون أول ضحايا تداعيات الأزمة الحدودية المستجدة.
صحيح ان “صحة” الحدود البرية اللبنانية شهدت حالات تدهور متكررة منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان، والعلاقات المتوترة بين لبنان وسوريا التي أعقبته، ولاحقا على أثر إشتعال الحرب في سوريا، ولكن لم يخطر يوماً، لأي من العاملين في قطاعات النقل والتخليص الجمركي، ان تصل الامور بالتجار الى حد التفكير بالإستغناء النهائي عن معبر المصنع البري.
بقي العاملون في القطاع يتحينون الفرص لإعادة الشاحنات الى سكّتها، وفي اعتقادهم انها خاضعة لغطاء جامعة الدول العربية، الضامنة افتراضياً لسلامة طريق الترانزيت.
ولكن بعد الأزمة الأخيرة التي تسبب بها إقفال معبر جابر الأردني، لم يعد لدى المخلصين الجمركيين عند نقطة المصنع الثقة نفسها بعودة الحركة الى خط الترانزيت البري. بل تجدهم متفهمين أكثر للمحاولات الحثيثة التي يجريها المصدرون لاستقدام العبّارات التي ستحوِّل وجهة الترانزيت إلى البحر.

ومع ذلك يحاول اصحاب مكاتب التخليص الجمركي التمسك بقشة خلاصهم. يتقصّون المعلومات عن الجانب الآخر من الحدود، يقال لهم إن هناك حديثاً بين العشائر العربية عن تسليم حدود نصيب البرية لسلطة مدنية، على أن يصبح المركز الحدودي السوري في منطقة السويداء، ولكن يشككون بالمقابل بنيات السلطات الأردنية، وما اذا كانت مستعدة فعلاً لإعادة فتح حدودها البرية. في وقت يحث حسين ديب صالح أحد أصحاب مكاتب التخليص والرئيس السابق لمجلس بلدية مجدل عنجر، الدولة اللبنانية على التواصل معها. وبرأيه “إذا كانت علاقات الأردن وسوريا ليست على ما يرام، فالأردن صديق لبنان، يجب ان يشارك في حلحلة الأزمة”.
ولكن حتى لو فتحت الحدود البرية مجدداً، بحسب عدنان حسين أحد اصحاب مكاتب التخليص الجمركي في المصنع، “فمن سيملك الجرأة على عبور الأراضي السورية المتوترة، بعد تجربة الخطف والإحتجاز التي تعرض لها عدد من السائقين”، متحدثاً عن “خوات” دفعت لإستعادة بعض الشاحنات التي علقت عند معبر نصيب وفي منطقة السويداء.
ومن هنا لا أفق واضحاً لدى أصحاب نحو 50 مكتب تخليص جمركي في معبر المصنع عن مستقبل مهنتهم، وإن اتفقوا على كون “الأزمة طويلة” هذه المرة. في حين لا يتردد سامي العجمي، رئيس بلدية مجدل عنجر الذي تقع الحدود في نطاقها، بوصف الحال بأنها “الأسوأ منذ بداية الأزمة السورية”.

لا يقلق اصحاب مكاتب التخليص في المصنع على مستقبلهم، معظمهم على ما يبدو لديهم مداخيل أخرى تؤمن استمرار العيش، إلا أنّ اسفهم الأكبر على مستقبل المداخيل التي كان يوفّرها المرفق للدولة اللبنانية وخزينتها، وكذلك على الشباب العاملين في هذه المكاتب. معظم هؤلاء هم من بلدة مجدل عنجر، وهناك اعداد منهم من القرى المجاورة، هم من عائلات متواضعة، ولا يملكون سوى أجر عملهم في تعقيب المعاملات. وبنتيجة الأزمة يقول عدنان حسين، “من كان لديه عشرة موظفين تخلى عن خمسة منهم بإنتظار حلّ المشكلة، وتأخُر الحل سيؤدي إلى صرف الموظفين الباقين واقفال المكاتب، علماً أن البعض ايضا عمد الى تخفيض الرواتب مراعاة لظروف موظفيه، وحتى لا يضطر إلى صرفهم”. ومن هنا تحذيرات كل من صالح ومنذر العجمي، من تداعيات “القلّة” على أفكار الشباب، فـ”من أين سيعتاشون هم وعائلاتهم؟”.
في المقابل، تهكم كبير عند معبر المصنع يقابل به قرار الحكومة الأخير، الذي نفض اليد من كلفة اعادة الشاحنات العالقة في السعودية عبر العبَّارات، وتعهد في المقابل بدفع كلفة بطاقة سفر السائق. “فهل نحن شحاذون” يتساءل عبد القادر عبد الفتاح صاحب احد مكاتب التخليص ومالك لعدد من الشاحنات العالقة في الخارج.
يشعر العاملون في القطاع أن الدولة استقالت من دورها في موضوع الشحن البري، “مع أن الضرر اللاحق بالقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية في البلد نتيجة لإقفال الحدود، سينعكس ايضا على مداخيلها”.
بينما الخطير بحسب صالح هو أنّ “السلطات الرسمية لا تقدر مدى حساسية الوضع الذي وصلنا اليه” فالمعبر البري مصدر دخل كبير لقطاع الترانزيت، “ومجدل عنجر قد تكون اول المتضررين المباشرين من الأزمة”، كما يقول رئيس بلديتها سامي العجمي، و”انما الضرر العام أكبر بكثير، وسيلحق بكل لبنان اذا ما اقفلت الحدود البرية. فالحدود مركز عبور لكل لبنان، للمرفأ ولبيروت، وللخضار والمواد الأولية التي تحتاجها المصانع اللبنانية. بينما النقل البحري سيرفع كلفة انتاجنا إلى حد لا يعود قادراً على منافسة الانتاج الخارجي”. أما الضرر اللاحق بمعبر المصنع وبالتالي بالمستفيدين من قطاعات التخليص الجمركي، فليس سوى مؤشر لانهيار إقتصادي تسود تخوفات كبيرة منه في حال لم يتم تدارك الأمور، وسريعاً جداً.