IMLebanon

راؤول كاسترو .. ثوري يسعى لإنقاذ اقتصادي للاشتراكية من نفسها

Raul-Castro
جون بول راثبون

كلما تغيرت الأمور بشكل أكبر، بقيت الأمور على حالها. في الأسبوع الماضي انطلق راؤول كاسترو بخطاب مطول ضد الولايات المتحدة. كان يتحدث أمام مؤتمر قمة إقليمي في بنما. تطرق الرئيس الكوبي إلى قرن من الشكاوى، بدءا من الاغتصاب الأمريكي في حروب الاستقلال في القرن التاسع عشر إلى الحصار المستمر حتى الوقت الحاضر، ومن ثم غير الزعيم الثوري فجأة من هجومه – واعتذر.

قال كاسترو، إن باراك أوباما، الذي كان يصغي إليه، “رجل صادق”. حتى إن هذا الجنرال السابق البالغ من العمر 83 عاما، الذي كان يرتدي بدلة داكنة اللون وربطة عنق، بدلا من الزي العسكري، قرأ بالفعل أجزاء من السيرة الذاتية للرئيس الأمريكي. أضاف كاسترو أنه “تأمل كثيرا” في تلك الكلمات، وأنه أزالها مرارا وتكرارا من خطابه ومن ثم أرجعها. قال “أنا مقتنع بهذا”.

هذا الإطراء، واجتماع كاسترو الرسمي اللاحق مع أوباما – الأول من نوعه بين رؤساء الدولتين منذ أكثر من 50 عاما – يعد آخر الخطوات في عملية حساسة من التقارب بدأت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ترمي إلى وضع حد حظر مفروض من قبل الولايات المتحدة منذ 53 عاما، وطي الصفحة الأخيرة من الحرب الباردة. وهي تحوي أيضا تماثلا قويا، فما بدأ مواجهة أيديولوجية بين الجنرال الأمريكي المتقدم في السن، الرئيس دوايت أيزنهاور، والمحامي الشاب صاحب الشخصية الآسرة، فيدل كاسترو، تطور ليصبح محادثة محترمة بين محام أسود صاحب شخصية آسرة من واشنطن مع جنرال أبيض متقدم في السن من هافانا.

بدأ التقارب قبل عامين، على شكل محادثات عبر القنوات الخلفية، بعد وقت قصير من وفاة هوجو تشافيز بالسرطان. قدم الرئيس الفنزويلي الاشتراكي لكوبا مليارات الدولارات من النفط المدعوم وأدرك الأخوان كاسترو أن موت تشافيز أنذر بالفوضى في كاراكاس، الأمر الذي يهدد هافانا في نهاية المطاف. تنازل فيدل، الأخ الأكبر، عن منصب الرئيس في عام 2008، بسبب معاناته اعتلالا صحيا، وحل محله راؤول في مجلس الوزراء وبدأ بتحرير اقتصاد كوبا ذي النمط السوفياتي. خلال الأشهر الأربعة الماضية قلص قطاع الدولة، وسمح بالعمالة الذاتية والسوق الحرة في المساكن، وخطب ود الاستثمار الأجنبي. بتحوله إلى الرأسمالية، يبدو أنه يهدف إلى إنقاذ ثورة كوبا الاشتراكية من نفسها.

أطلق هذا المشروع العنان لمهرجان من توقعات الشركات الأمريكية. رغم أنها مجرد سوق تتألف من 11 مليون شخص، مشابهة في حجمها لجمهورية الدومينيكان المجاورة، تتمتع كوبا بسحر الفاكهة المحرمة، حيث يتم افتتاح فروع لشركتي نيتفليكس وإيربنب، والمصارف الكبرى تقول إنها مهتمة بالأمر. أما وكلاء السياحة فإنهم يرسملون على المزاج الطائش، فأخذوا يحثون الناس على الزيارة حتى قبل أن تفتح أبواب اليانكي على مصراعيها. وأفادت تقارير بأن عدد الزيارات ارتفع بنسبة 16 في المائة في كانون الثاني (يناير) الماضي. مثل فيدل، ولد راؤول في مزرعة العائلة شرقي كوبا، وكان والدهما، أنجيل، مهاجرا إسبانيا وأحد ملاك الأراضي الأثرياء، أما أمهما، لينا روز جونزالز، فهي الخادمة التي أصبحت الزوجة الثانية لأنجيل. وكلاهما التحق بالمدارس اليسوعية. ولسنوات عدة، عاش راؤول فعليا في ظل شقيقه الأكبر – أقصر منه بثماني بوصات. لكنه يعد رجلا متمكنا، ظل منذ أكثر من خمسة عقود في منصب وزير الدفاع، تمكن خلالها من بناء الجيش ليصبح قوة هائلة انتصرت للحملات العسكرية الإفريقية المتعددة في صراعات الحرب الباردة ويسيطر الآن على مرافق الاقتصاد. في بعض الأحيان كان إنسانا لا يرحم – كان بارزا في الحملة ضد الجنرال أورلاندو أوتشوا، الجندي المعروف والمنافس المحتمل، الذي أعدم بتهمة الفساد في عام 1989 – وراؤول يشاطر فيدل الأيدولوجية نفسها. مع هذا، هناك تباعد تام بين نهجيهما. إذ يعد راؤول أكثر واقعية، ومعروف أنه رجل عائلة وأقل تقشفا من فيدل الذي قيل إنه جفف حمام السباحة الخاص به خلال فترة الأيام الحالكة من التقنين الكامل التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي. ولديه أربعة أبناء من زوجته فيلما إسبين، ابنة محامي عائلة باكاردي الثرية، التي توفيت في عام 2007. ويعيش في مجمع في ضواحي هافانا، يحيطه غطاء نباتي وسياج معدني. وهو شخصية بشوشة في الحياة الخاصة، ويقال “إن هوايته المفضلة هي لعب الدومينو مع أصدقائه”، وفي الحياة العامة يعرف بطرافته الساخرة. فعندما سأل هيو توماس، المؤرخ البريطاني، خلال الأيام الأولى المؤثرة للثورة، إذا كانت لديه أي رسالة لإنجلترا، رد راؤول قائلا، “لمن في إنجلترا”؟

وبعد تولي راؤول السلطة لحق به حلفاؤه وعائلته. فمن بين أعضاء المكتب السياسي الـ 14 يوجد تسعة ممن يعملون في الخدمة العسكرية، وكذلك خمسة من أصل سبعة أعضاء يشكلون مجلس الوزراء. وكان ولده الوحيد، أليخاندرو، المسؤول في وزارة الداخلية، حاضرا في اجتماعه مع أوباما في بنما. لويس ألبرتو فيرنانديز، الذي كان في السابق متزوجا من ابنته، ديبورا “سرت شائعات أنهما انفصلا بالطلاق”، يحمل رتبة عقيد ويدير مصالح الجيش التجارية. أما ابن ديبورا، راؤول، فإنه يظهر دائما إلى جانب جده أمام الناس، على ما يبدو كحارس شخصي.

تأرجح المزاج الشعبي الأمريكي وراء تحرك أوباما، وفي الخطوة الأخيرة، قررت واشنطن يوم الثلاثاء الماضي إسقاط كوبا من قائمتها الخاصة بالدول التي ترعى الإرهاب، ما فتح المجال أمام هافانا للوصول إلى مصادر التمويل الدولي. لكن رفع الحصار الذي يتطلب إصدار قانون من الكونجرس، لا يزال أمرا بعيد المنال. إن رهان واشنطن هو أن الانفتاح التدريجي يعزز التغيير، أما رهان راؤول فهو أن بإمكان هافانا السيطرة على الوضع، ما يعني “إتقان” الاشتراكية. ومن المقرر أن يتنحى عن منصبه في عام 2018 ليحل مكانه ميجيل دياز – كانيل، نائب الرئيس المدني، لكن منشقين يحذرون من أن أليخاندرو سوف يظل في السلطة خلف العرش خلال المرحلة المقبلة. قال كاسترو في بنما “لا ينبغي أن يكون لدى أحد أي أوهام. هناك خلافات كثيرة بين الولايات المتحدة وكوبا. نحن بحاجة إلى أن نكون صبورين، صبورين جدا”.