IMLebanon

البقاع الغربي ومأساة النزوح السوري : تفاقم أزمة البطالة ومنافسة في العمل والاستثمار

BekaaSyrian
شوقي الحاج
لامست مفاعيل النزوح السوري وارتدادته السلبية، على المجتمع المحلي المضيف، ليس في البقاع الغربي وراشيا فحسب، بل على لبنان ككل، حدود الانفجار الحقيقي، بعدما توسعت حالات المنافسة بين العمالة اللبنانية والعمالة السورية في مختلف القطاعات، واشتدادها مع دخول المرأة السورية سوق العمل دخولا ناشطا، بعدما سقطت العقبات العائلية والتقاليد والعادات المجتمعية، متخطية الحواجز والموانع التقليدية التي كانت سببا في إحجام الفتاة السورية عن العمل في بداية النزوح.
أزمة اقتصادية شديدة
وترافقت المنافسة الحادة، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الضاغطة التي يعيشها اللبنانيون، في ظل ملامسة عدد اللاجئين السوريين المليون ونصف المليون لاجئ، وفق تقديرات شبه رسمية، حيث يتقاسمون الجغرافيا اللبنانية مع البيئة الحاضنة من أقصاها الى أقصاها، مع ما يستتبع ذلك من استهلاكات متعددة غير شرعية، يدفع ضريبتها المكلف اللبناني، من دون أن يستفيد من أية تقديمات أو مساعدات، توزعها الهيئة العليا لإغاثة اللاجئين السوريين، أو الدول الأوروبية والعربية المانحة، حتى أضحت مأساة البيئة اللبنانية الحاضنة للنازحين توازي أو تكاد تفوق مأساة النازح السوري.
ارتدادات سلبية على البيئة
يرى نائب رئيس اتحاد بلديات السهل إبراهيم بدران «أن مفاعيل النزوح السوري وارتداداته السلبية على البيئة المحلية الحاضنة، أخذت تتفاقم دائرته وتتوسع استهدافاته، ليطال معظم القطاعات»، مؤكدا أن «كلفة جمع النفايات وجرف المكبات وتأهيلها، حصدت وحدها 60 في المئة من ميزانيات معظم البلديات المنضوية تحت لواء الاتحاد»، لافتا الانتباه الى أن «الكميات التي كانت تكفي حاجة المنازل من مياه الشفة في العديد من القرى، من خلال عملية ضخ بسيطة لمدة أربع ساعات، باتت تتطلب اليوم ضخا مضاعفا لتأمين الحاجة للمجتمع المحلي وللوافدين السوريين».
ويوضح بدران أن «البلديات التي توفر الكهرباء للسكان المحليين في بعض القرى، عن طريق المولدات الخاصة، تضطر الى قطعها عن المخيمات والتجمعات السورية، في ظل عدم تحمل هذه المولدات للكميات المطلوبة من الطاقة الكهربائية، كما حصل في بلدة المنصورة»، مشيرا الى أن «شبكات الكهرباء داخل القرى أصبحت عرضة للتعليق، ليس من قبل اللاجئين، بل أيضا من قبل بعض السكان المحليين. وهذا الأمر يستدعي حملات واسعة، لتنظيف الشبكات من السرقة، وتأهيلها أو استبدالها بكابلات مبطنة يصعب التعليق عليها».
ويضرب بدران بلدة غزة مثلا لهذه الحالة، فيقول: «يتراوح عدد سكانها ما بين 6 ـ 7 آلاف نسمة، في حين أن المقيمين على أراضيها يتجاوز حدود العشرين ألف نسمة، مع ما يستتبع ذلك من استهلاك غير شرعي للطاقة والمياه اللتين يتحمل أعباءهما المكلف اللبناني، فضلا عن الكلفة المترتبة على جمع عشرات الأطنان من النفايات الناتجة من تجمعات النازحين، إن في المخيمات العشوائية أو في المساكن المستأجرة».
ويحذر بدران «الدولة اللبنانية من التغاضي عن هذه الأزمات التي يواجهها المجتمع المضيف، لأنها قد تؤدي الى انفجار لا تحمد عقباه، إذا لم تتحرك الدولة باتجاه إيجاد الحلول والبدائل المناسبة للعمالة السورية من جهة، وتنظيم أمور اللجوء السوري من جهة أخرى».
ويلفت بدران الانتباه الى أن «السكان المحليين، بدأوا يفقدون حصانتهم في المستوصفات القروية، في ظل إفساح المجال أمام الحالات الإنسانية للنازحين السوريين».
85 في المئة عمالة سورية
أما مسؤول هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية في راشيا الشيخ أيمن شرقية، فيلفت الانتباه الى أن «العمالة السورية تشغل نسبة قد تزيد على 85 في المئة في مجال البناء والمعامل والمصانع والمصالح والتنظيفات، كما وصلت نسبة الفتيات السوريات العاملات في محال بيع الألبسة والأحذية، وفي التعاونيات وفي الحانات الى حدود 75 في المئة، في مدن ضهر الأحمر، والرفيد، وجب جنين، وغزة، فيما اخترقت المرأة السورية مجال التمريض في المستشفيات، وأعمال السكرتاريا في المكاتب وعيادات الأطباء والمهندسين والمهن الحرة، ولامست نسبة العاملات في هذه المجالات حدود 60 في المئة».
مأساة تكبر يومياً
ويشبه الشيخ شرقية مأساة البيئة اللبنانية الحاضنة للنزوح «بكرة الثلج»، التي تكبر يوما بعد يوم، ما قد ينذر بسلبيات وارتدادات لا يسلم من شظاياها المجتمع المحلي الذي ينوء تحت ثقل الأعباء الاقتصادية، الناجمة عن فقدان فرص العمل، نظرا للمنافسة الحادة التي يواجهها اللبناني أو اللبنانية من العمالة السورية، التي ترتضي العمل مقابل أجور زهيدة، لا تكفي اللبناني ثمن كمية الخبز التي تستهلكها عائلته يومياً، ولا تكفي النازحين السوريين الذين أخذ التضييق عليهم يتطور، لجهة منعهم من التجول ليلا، كما فعلت عشرات البلديات في البقاع الغربي وراشيا، فضلا عن صدور قرارات بلدية تمنع السكان المحليين من تأجير البيوت للنازحين أوإيوائهم في قراهم ومدنهم»، وهذه الأمور أكدها بدران واعتبرها من الأساليب التي قد تخفف من حدة الاحتقان.
ويلفت الشيخ شرقية الانتباه الى «إحصاءات شبه دقيقة، (باعتبارها نتاج عمل السلطات المحلية)، تبين أن عدد العائلات السورية اللاجئة الى قرى ومدن قضاء راشيا، تراجعت في الآونة الاخيرة من حوالي 6041 الى 4937 عائلة، نتيجة القرارات التي يطبقها الأمن العام اللبناني على الوافدين السوريين عند النقاط الحدودية مع الدولة السورية، فضلا عن عودة مئات العائلات السورية الى سوريا، بسبب الاستقرار الأمني في العديد من المناطق والمدن السورية، الى جانب توقف بعض الدول والمجالس والهيئات الأوروبية والعربية المانحة عن تقديم المساعدات بنسبة تجاوزت 40 في المئة، وتقليص تقديمات ومساعدات الهيئة العليا التابعة للأمم المتحدة العاملة في مجال إغاثة اللاجئين السوريين، وإسقاط آلاف العائلات السورية، من برنامجها الإغاثي، وخصوصا في المجالين الاستشفائي والغذائي».
الانفجار الاجتماعي
ويشدد الشيخ شرقية، الذي يعمل في مجال إغاثة النازحين منذ البداية، على «التحذير من الانفجار الاجتماعي الاقتصادي، ليس على مستوى راشيا والبقاع الغربي فحسب، بل على مستوى لبنان، لكون عدد سكان قضاء راشيا في حالة الذروة، ومع توافد المغتربين صيفا، لا يصل الى حدود خمسة وعشرين ألف نسمة، بينما الإحصاءات شبه الرسمية تبين إقامة 4937 عائلة نازحة في منطقة راشيا، تضم الواحدة منها خمسة أفراد كمعدل وسطي، الى جانب 400 زوجة شهيد أو مفقود أو معتقل مع أطفالهن، ما يعني اختلالاً في التوازن العددي، وفي الميزان الاقتصادي لمصلحة اللاجئين، الذين يستفيدون من المساعدات والتقديمات، ومن مردود العمالة، على حساب المجتمع المحلي المضيف، الذي يتقهقر اقتصاديا يوما بعد يوم».
الأجور الزهيدة
وإذ أكد الشيخ شرقية أن «العمالة السورية تعمل مقابل أجور زهيدة، فإن الأعباء تتراكم على كاهل البيئة الحاضنة للنازحين، ومن الضروري أن ترفع الهيئة العليا للإغاثة التابعة للأمم المتحدة، والمجالس والهيئات الدولية المانحة من مستوى تقديماتها ومساعداتها، لتشمل العائلات اللبنانية التي أخذت تنهار وتتراجع اقتصاديا، حتى أضحت شرائح واسعة من هذه البيئات الحاضنة تحت خط الفقر والعوز، وهذا قد يؤدي الى الانفجار في حال عدم وضع الخطط لإنقاذ الوضع».
مزاحمة المستثمرين
أما المستثمر في القطاع الزراعي منير حنا فيلفت الانتباه الى ان «المنافسة السورية لم تعد تقتصر على اليد العاملة فقط، بل أخذ العشرات من هؤلاء ينافسون في مجال الاستثمار في الأراضي، حيث رفعوا قيمة ضمان الدونم الواحد من 150 الى 250 دولارا، بعد إبرام الاتفاقيات مع تجار الخضار الكبار في سوق قب الياس الذين يمدونهم بالمال، مقابل تسليمهم الانتاج عند النضوج»، ويؤكد حنا «أن المستثمر السوري قادر على تأمين الأرباح، حتى ولو ضاعف من قيمة ضمان الأرض، لأنه يعمل مع كل أفراد عائلته من بابها الى محرابها، على عكس المستثمر اللبناني الذي يضطر الى دفع أجورعالية للأيدي العاملة».
ويتساءل حنا عن «البدائل في ظل هذه الحالة، حيث فقد حوالي 100 مستثمر في القطاع الزراعي، مشاريعه وعمله، وباتت الدورة الاقتصادية التي تستفيد منها شرائح واسعة من المجتمع المحلي، مهددة بالخطر في أمنها المعيشي واستقرارها الاقتصادي».