IMLebanon

النفط الصخري يعوِّل على عودة الأسعار إلى 70 دولارا

OilPrices3

إد كروكس

كانت شركات النفط والأعمال التي تدعمها تسعى باستماتة للحصول على عمال، فتوافد الناس إلى ولاية داكوتا الشمالية من جميع أنحاء البلاد لتلبية هذه الحاجة. “لقد كان ضربا من الجنون”، كما تقول سيندي سانفورد، مديرة مكتب خدمة الوظائف في مدينة ويليستون التي تضاعف عدد سكانها من 14787 نسمة في تعداد عام 2010 إلى نحو 32 ألف نسمة.

ووضع الآلاف منهم في “معسكرات عمال النفط”: مجموعات من الأكواخ الجاهزة حيث ينام العمال ويتناولون الطعام أثناء العمل 12 ساعة في اليوم لمدة أسبوعين متواصلين، والعودة إلى ديارهم في جميع أنحاء البلاد خلال فترة إجازة تستغرق أسبوعين أيضا.

أتى آخرون إلى هناك دون ترتيب كمقامرة دون وظيفة أو أي مكان للعيش فيه. ووصفت إحدى حلقات برنامج “إن بي سي نايتلي نيوز” ويليستون في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 بـ “المكان الذي توجد فيه فرص العمل”، في الوقت الذي كان فيه الانتعاش في الولايات المتحدة بطيئا وكان معدل البطالة في البلاد 8.8 في المائة، ما أدى إلى طوفان من القادمين الجدد المتطلعين إلى فرصة للعمل.

تقول سانفورد “يدخل الناس إلى هنا ويقولون: لقد عدت للتو من فلوريدا”. وتضيف “كانوا ينامون في سياراتهم بسبب عدم وجود سكن”.

ازدحمت الطرق بالشاحنات وسيارات فورد نصف نقل. وقد يضطر المرء إلى الانتظار في الصف 90 دقيقة لقص شعره في وول مارت، أو ساعتين للحصول على طاولة في أحد المطاعم القليلة في المدينة. كان إيجار المنازل المكونة من غرفة نوم واحدة في حدود 2394 دولارا شهريا، وهو الأعلى في البلاد، وفقا لاستطلاع “دليل الشقق” في العام الماضي ـ أعلى من مناطق نيويورك أو سان فرانسيسكو الحضرية.

شركات تزويد الطعام التي تلبي احتياجات القوة العاملة في حقول النفط التي تتكون في الغالب من الذكور، بما في ذلك الحانات وصالونات الوشم، كانت تبيع كثيرا من السلع بسرعة كبيرة. “بوم تاون بيبز”، كوخ وردي مشرق في موقف سيارات فندق، تديره نساء يرتدين سترات، يبيع كوب قهوة اسبريسو لاتيه بأكثر من سبعة دولارات.

الجريمة التي كانت أقل بكثير من متوسط الولايات المتحدة، ارتفع معدلها بشكل حاد. وكان هناك 1328 عملية اعتقال جنائي في ويليستون في العام الماضي، أي أكثر من ضعف العدد عام 2013.

وتدافعت البنية التحتية في ويليستون لمواكبة التطورات. هناك منازل جديدة ومنازل لم يكتمل بناؤها في جميع أنحاء المدينة، وخطط لتطوير مركز تجاري بقيمة 500 مليون دولار، والتوسع في نظام معالجة المياه، وفي مطار جديد.

ويقول جيف زارلنج، من شركة حلول داوا، وهي شركة تصميم مواقع إلكترونية وتسويق محلية “نلعب لعبة سيم سيتي SimCity، لكن في الحياة الحقيقية، كان علينا بناء كل شيء”.

تقول لافتة بارزة أثناء قدومك إلى ويليستون “بوم تاون، الولايات المتحدة الأمريكية” (أي بلدة الطفرة) لكن في الواقع لم تعد المدينة مزدهرة كما كانت من قبل. فالشوارع أكثر هدوءا الآن، ووقت الانتظار للحلاقة أصبح أقصر. ومخيمان من مخيمات عمال النفط على مشارف البلدة يغلقان أبوابهما حاليا. وعدد حفارات التنقيب عن النفط في حوض ويليستون تراجع من 190 في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 89 حفارة فقط في بداية نيسان (أبريل). ولأن كل حفار يوفر نحو 120 فرصة عمل، فإن ذلك يعادل تقريبا 12 ألف فرصة عمل اختفت من المنطقة في الأشهر الخمسة الماضية. ونسبة البطالة حسب التقارير في المقاطعة لا تزال 1.9 في المائة فقط – منخفضة بأي معيار من المعايير – لكن الأيام التي كان فيها مجرد القدوم إلى الموقع يتيح خيارات عدة من فرص العمل، ولت الآن.

تقول سانفورد “اعتدنا أن نقول إذا سعيت للعمل، فستتوافر لديك أربع وظائف، أما الآن فربما توجد وظيفة ونصف”.

الإعلانات ذات الإضاءة الساطعة حول ويليستون لتعبئة البنزين مقابل 2.49 دولار للجالون الواحد، أي أقل من ثلث تكلفته في الصيف الماضي، هي تذكير دائم بالسبب وراء ذلك. لقد عانى تشكيل باكن وغيره من مراكز النفط الصخري الأمريكية المصير نفسه الذي تنبأ به مارك بابا لصناعة الغاز: لقد كانت ناجحة فوق الحد على نحو أضر بها.

انهيار أسعار النفط

بين عامي 2010 و2015، نما إنتاج النفط الأمريكي بطريقة لا يكاد يوجد لها مثيل في تاريخ هذه الصناعة. في عام 2009 بلغ متوسط إنتاج النفط الخام 5.4 مليون برميل يوميا. في الشهر الماضي، كان 9.4 مليون، أي يقترب من أعلى مستوياته الذي يزيد قليلا على عشرة ملايين، وهو متوسط بلغه في عام 1970.

كان مارك بابا يعتقد أن النفط أقل عرضة لخطر أن يشهد فائضا في المعروض، لأنه على عكس الغاز، يباع في سوق عالمية متكاملة. الولايات المتحدة لا تصدر النفط الخام كثيرا، لكنها تصدر كثيرا من المنتجات المكررة، مثل وقود الديزل، والارتفاع في إنتاج النفط الخام عمل على الإضرار بالواردات من إفريقيا والشرق الأوسط. والتدفق المستمر للنفط الإضافي من الولايات المتحدة في الأسواق العالمية من عام 2011 إلى صيف عام 2014، كان يقابله تعطيل الإمدادات من بلدان أخرى، بما فيها ليبيا بسبب الحرب الأهلية الدائرة فيها، وإيران نتيجة العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. وحتى في الوقت الذي ارتفع فيه الإنتاج الأمريكي، ظلت أسعار النفط العالمية مستقرة بشكل ملحوظ عند نحو 100 ـ 110 دولارات للبرميل.

لكن التوازن في السوق بدأ التحول في الصيف الماضي. حينها ازداد إنتاج الولايات المتحدة حتى أسرع مما كان متوقعا، بعدما اكتشفت شركات النفط أساليب جديدة لزيادة إنتاجها. وفي الوقت نفسه، كان نمو الطلب العالمي متعثرا، جزئيا بسبب التباطؤ في الصين.

كانت الظروف مناسبة لإشعال حريق في أسواق النفط. فعندما أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنها لن تخفض إنتاجها لدعم الأسعار، تغيرت المعنويات. المملكة، وهي العضو الأكثر تأثيرا في منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك”، كانت قد ألمحت منذ تشرين الأول (أكتوبر) إلى أنها لن تدعم خفض الإنتاج. وحتى اجتماع “أوبك” في فيينا في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، كان هناك كثير من الذين لا يزالون يأملون في أن السعوديين سيفاجئون الجميع ويدعمون خفض الإنتاج بشكل غير متوقع رغم كل شيء. وعندما لم يحدث ذلك، انهارت أسعار النفط. وكثير من إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي، الذي تزيد تكلفة إنتاجه على نفط الشرق الأوسط عادة، أصبح غير مربح.

وطبيعة الإنتاج من آبار الصخر الزيتي هي أنه يتناقص بسرعة كبيرة للغاية، لذلك تحتاج الشركات إلى مواصلة الحفر فقط لمجرد الحفاظ على مستوى إنتاجها. الأرقام الآخذة في النقصان في عدد الحفارات العاملة ظهرت علاماتها في الأصل في الهبوط القليل في إنتاج النفط في تشكيلي باكن وإيجل فورد. وإذا بقي عدد الحفارات عند هذا المستوى أو هبط أكثر من ذلك، فمن المرجح أن ينخفض إنتاج الولايات المتحدة أيضا.

هارولد هام، ابن أحد مزارعي أرض مستأجرة في أوكلاهوما، هو الآن من أصحاب المليارات ومالك لحصة أغلبية في كونتيننتال ريسورسيس، وهي من أوائل الشركات في باكن، يقول “إن “أوبك” منخرطة في تسعير جائر، الذي يستهدف الصناعة الأمريكية”.

ويتابع “أدركت أن هذا كان تهديدا كبيرا. تطوير صناعة الصخور الزيتية هذه يشكل تهديدا لحصتها في السوق، لذلك استخدمت التسعير الطارد للمنافسين، في محاولة لجرنا إلى أسفل، لخفض السعر وقتل هذه الصناعة. وهي ناجحة إلى حد كبير في ذلك. خلال 120 يوما خفضت منصات التنقيب عن النفط أكثر من النصف في هذا البلد”.

أيام صعبة

ومثل كثيرين في ويليستون، أصبح ريتش فيستال مهتما بصورة وثيقة بـ “أوبك”. لكنه يعتقد أن قوتها تتضاءل. ويقول “إن الحلم الأمريكي هو أن تكون مكتفيا ذاتيا”، ويعتقد أن تلك نقطة تقترب، بغض النظر عن أحدث انكماش في الصناعة الأمريكية. وجاء فيستال إلى ويليستون خلال الطفرة النفطية السابقة، في أواخر السبعينيات، للعمل لحساب شركة أفلست بسبب إفراطها في التوسع. ومع العملاء والموظفين الذين بنى علاقات معهم، وقرض مقداره 15 ألف دولار قال للبنك “إنه كان لإجراء تحسينات منزلية”، بدأ شركته الخاصة، “النهر الأحمر لخدمات حقول النفط”، التي مضى على عملها في مجال الأعمال التجارية 37 عاما. وجزء كبير من أعمالها يتركز في توريد المواد الكيماوية لـ “الطين” المستخدم في حفر الآبار، لذلك ترتبط ثرواتها مباشرة بعدد الحفارات في المنطقة.

وتتعرض شركات النفط لضغوط لخفض التكاليف وتعزيز الربحية، ويجري نقل ذلك إلى مورديها. وقال بعضهم لشركة النهر الأحمر “إنهم يريدون تخفيضا بنسبة 40 في المائة في الأسعار”.

ويقول كورتيس قشر، نائب رئيس تطوير الأعمال في شركة النهر الأحمر “إنه أمر صعب. الموردون لم يبق لديهم مجال للتخفيضات، لقد وصلوا إلى مستوى العظم. إنه أمر مؤلم إلى حد كبير”. قبل عام، كان لدى الشركة نحو 120 موظفا، اليوم انخفض العدد إلى 80 موظفا.

لكن فيستال يتذكر أوقاتا كانت سيئة تماما في الماضي. في عام 1985، انخفض عدد أجهزة الحفر في ولاية داكوتا الشمالية من 225 حفارة إلى حفارتين اثنتين فقط. ويقول “مر علينا 32 يوما دون إنجاز طلب تسليم واحد. لقد كان وضعا قبيحا حقا”. وكانت الصناعة تتأرجح صعودا وهبوطا من قبل، وهو يتوقع أن تصعد مرة أخرى في الوقت المناسب.

شركة الخدمات النفطية “بتروليوم سيرفسس”، وهي شركة أخرى موردة لصناعة النفط في ويليستون، سرحت في العام الماضي نحو 30 شخصا من قوتها العاملة البالغة 137 موظفا. وإذا لم تتحسن الظروف، كما يقول ميهير فاريا، محلل أعمالها، “سيتعين علينا التخلص من أكثر من 30 وظيفة”. وتتعرض الشركة لضغط هائل لخفض الأسعار التي تتقاضاها من الزبائن. لكن فاريا يقول “إن هناك حدودا للمدى الذي يمكن أن تبلغه معدلات الأسعار. إذا كنا بحاجة إلى تخفيض آخر لسعر البيع بنسبة 20 في المائة، فلا يمكننا البقاء على قيد الحياة”.

لكن شركة الخدمات البترولية هذه والشركات المشابهة لها تقدم جزءا من الحل للأزمة في هذه الصناعة. ويغلب على التكاليف أن تكون أعلى في باكن مما هي عليه في مناطق الطفرة النفطية في ولاية تكساس، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن داكوتا الشمالية لم تطور نظاما بيئيا للموردين لدعم الصناعة على نطاق واسع. فعندما يتعطل جهاز معين يجب أن يتم جلب البديل في كثير من الأحيان ونقله بالشاحنات من هيوستون أو كالجاري، بتكلفة كبيرة في الوقت والمال. وبناء شبكة قوية من الموردين المحليين سيكون أحد الطرق لتخفيض التكاليف.

عمليات التكسير

في منطقة تبعد نحو ساعة من ويليستون، يتحطم الهدوء بسبب أزيز الآلات. على بعد بضع مئات من الأمتار، في منطقة مليئة بالحصى، تتزاحم 12 شاحنة كبيرة مزودة بمضخات ذات ضغط عال، وصف من خزانات المياه، ومقطورات تحمل رمالا، لتكسير مجموعة من الآبار تابعة لـ “شتات أويل”، شركة النفط النرويجية التي اشترت بريجهام إكسبلوريشن مقابل 4.4 مليار دولار في عام 2011، ومنذ ذلك الحين تعتبر المشغل الأجنبي الأكثر نجاحا في الصخر الزيتي الأمريكي.

العمال، الملثمون للوقاية من هبات الرمال التي يجري نثرها في الهواء، يحافظون على أعمال التكسير وكأنها آلة منظمة بشكل جيد. هناك ثماني آبار في موقع واحد، منتشرة من تحت السطح، ويجري الانتهاء من أربع آبار في وقت واحد. يتم توصيل المضخات إلى البئر، ويضخ نحو 200 ألف جالون من المياه لتكسير مقطع واحد. ثم يوضع قابس لإغلاق ذلك جيدا مؤقتا، بينما يتم تكسير المرحلة التي تليها، وهلم جرا، في التناوب.

يمكن لعمليات الحفر وإكمال الآبار بهذه الطريقة أن تكون وسيلة أرخص بكثير وأكثر كفاءة للعمل من صنع كل واحد منها لمرة واحدة. راسل رانكين، وهو الآن مدير الجيولوجيا في شتات أويل، يقول في عام 2013/2014 كانت البئر الواحدة تحتاج إلى 22 أو 23 يوما للحفر والانتهاء منها. الآن تحتاج فقط إلى عشرة أو 11 يوما.

في الأيام الأولى لطفرة الصخر الزيتي كانت الشركات الصغيرة مثل EOG وبريجهام هي التي تتولى الابتكار. الآن، كما يقول رانكين، “شتات أويل” وغيرها من الشركات الكبيرة تحتاج إلى أن تكون ذكية على قدم المساواة ومبدعة، لحفر مزيد من الآبار مع كل جهاز حفر، واستخراج مزيد من النفط من كل بئر. ويقول “نحن نواصل ضغط هذا الظرف، وهناك كثير من الكفاءات الموجودة التي يمكن كسبها هناك”.

التكنولوجيات الجديدة تأتي إلى حيز الاستخدام في كل وقت: سوائل التكسير الجديدة، والتدريبات الأفضل، ومزيد من أجهزة الاستشعار لتقديم البيانات حول ما يحدث أسفل البئر، ومزيد من طاقة الكمبيوتر لتحليل هذه البيانات لاتخاذ قرارات صائبة بشأن الكيفية التي ينبغي بها حفر البئر المقبلة. هناك أيضا وفورات أكثر وضوحا ليتم تحقيقها ببساطة عن طريق إدارة العمليات بشكل أفضل.

ويقول كورتيس شاك، من شركة النهر الأحمر، “إن الصناعة خلال فترة الازدهار كانت خارج السيطرة”. ويضيف “عندما كانت الأمور تسير بشكل جنوني، لم يكن لدى أي شخص الوقت للتفكير في الأمر. لم يكن أمامك مجال إلا كسب المال، الآن نحن نفعل ذلك بشكل صحيح. لا يوجد حل سحري واحد لعلاج مشكلات هذه الصناعة برمتها”. ويتابع “لكن عن طريق قيام الجميع بحفر عميقة والسحب معا، فجأة، تبدأ الاقتصاديات في أن يكون لها معنى”.

وهناك إجماع في ويليستون على أنه إذا انتعش النفط إلى 70 دولارا للبرميل للخام الأمريكي القياسي، مقارنة بـ 56 دولارا في الأسبوع الماضي، فإن الصناعة ستنتعش. من الناحية العملية، من شأن ذلك أن يضع سقفا لأسعار النفط، لأنه بمجرد أن يصبح النفط مكلفا بما فيه الكفاية، سيكون هناك مزيد من الحفر وزيادة في المعروض القادم إلى السوق. ويتوقع هارولد هام، من كونتيننتال، انتعاش النفط لكن يعتقد أنه سيكون انتعاشا محدودا “ربما نصل إلى سعر يبلغ 75 دولارا أو 80 دولارا، لكننا لن نحصل على سعر يراوح من 120 إلى 130 دولارا”.

أبعاد جيوسياسية

كان للطفرة النفطية الأمريكية آثار عميقة على بقية العالم، أدت إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز نفوذ أمريكا العالمي. ويجادل دانيال يرغين في برايس، الذي يشغل منصب نائب رئيس شركة الأبحاث IHS، بأنها كانت حاسمة في الضغط على إيران للتفاوض على اتفاق بشأن برنامجها النووي. وكانت العقوبات الدولية التي خفضت صادرات النفط الإيرانية فعالة، لأن أسواق النفط كانت مطمئنة إلى أن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من شأنه أن يوفر مصدرا بديلا للإمدادات. وبحسب يرغين، دون طفرة الصخر الزيتي “لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع إيران، لأن إيران لم تكن تنوي القدوم إلى طاولة المفاوضات”.

كذلك ساعدت الطفرة في الضغط على المنافسين الجيوسياسيين الآخرين للولايات المتحدة. في روسيا، عمل الانهيار في أسعار النفط، الذي هو مادة التصدير الأساسية، على تعقيد المشكلات التي تواجه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي كان يتعرض أصلا للضغط بسبب العقوبات الغربية على غزوه غير المعلن لشرقي أوكرانيا. لكن انخفاض أسعار النفط يعتبر سلاحا عشوائيا، لأنه يؤذي أيضا حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك السعودية ونيجيريا والعراق، التي كانت تحذر من أن الضغط على مواردها المالية يعرقل حربها ضد تنظيم داعش.

وإذا لم يبلغ سعر النفط الدولي سقفا جديدا عند نحو 80 دولارا للبرميل، فإن الدول التي تحتاج إلى سعر أعلى لتحقيق التوازن في ميزانياتها ستتعرض إلى ضغوط مالية متزايدة.

وأسعار النفط الأضعف هي في المقابل أخبار جيدة بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي يتوقع أن يضيف نسبة نمو تراوح بين 0.5 في المائة و1 في المائة هذا العام، وفقا لتقديرات البنك الدولي. لكن الأثر المترتب على بعض الخاسرين من النفط الرخيص يمكن أن يكون كارثيا. وبحسب إدوارد مورس، رئيس قسم أبحاث السلع في سيتي جروب “ثورة الصخر الزيتي تعتبر العامل الأكثر تخريبا من الناحية السياسية في سوق النفط العالمية منذ تشكيل “أوبك” في عام 1960″. والبلدان الأضعف ماليا التي تعتمد على عائدات النفط، التي لم تراكم احتياطيات كبيرة للوقاية من تقلبات الأسعار، التي لا يمكنها التنويع بسهولة في الصناعات الأخرى، تواجه خطر ضعف الحكومة أو حتى “فشل الدولة. وهذا يشكل وصفة لعدم الاستقرار العالمي”.

وقد أسهمت فترات الهبوط أو الانهيار السابقة في أسعار النفط في اضطرابات سياسية، بما في ذلك الثورة الإيرانية عام 1979، وانهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وانتخابات عام 1998 التي منحت هوجو شافيز رئاسة فنزويلا. وينبغي للمستهلكين الذين يتمتعون بانخفاض أسعار الوقود الناتجة عن طفرة الصخر الزيتي الأمريكي الاحتراس من الاضطرابات التالية.

البلدان المنتجة للنفط التي تبتهل من أجل أن تُكشَف الغمة الناتجة عن انخفاض الأسعار، ربما تشعر بالارتياح لفقدان الوظائف ووجود آلات الحفر المعطلة في الولايات المتحدة. لكن مواطن القوة الأمريكية التي حققت الطفرة، المتمثلة في ثقافة المشاريع، وعمق المعرفة في مجال النفط والغاز، والابتكار، والأسواق الرأسمالية المساندة – يجري استخدامها الآن لإبقائها على قيد الحياة. ويشير التاريخ الحديث إلى أنه سيكون من التسرع أن نراهن ضدها.

يقول راسل رانكين، من “شتات أويل” “انظر إلى التقدم الذي حققناه منذ 2006. إنه أمر لا يصدق. لذلك بالنسبة لنا (…) أن تقول إن الأمر انتهى إنما هو دلالة على الحمق. سنظل دائما نأتي بحل بشكل أو بآخر”.

مفردة قذرة

في أنحاء كثيرة من الولايات المتحدة وأوروبا، أصبحت كلمة “التكسير” مفردة قذرة. ولاية نيويورك، واسكتلندا، وفرنسا، وبلغاريا من بين المناطق والبلدان التي فرضت أنواعا من الحظر على التكسير بالضغط العالي، وهو ما يحول دون تطوير موارد النفط والغاز الصخري. وفي أماكن أخرى، بما فيها إنجلترا وكاليفورنيا، تشهد اعتراضا شديدا على استخدام التكسير.

أصبحت الكلمة تمثل ليس فقط تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي بحد ذاتها، إنما الممارسة العامة المتعلقة باستخراج النفط والغاز، وهو خلط غالبا ما يؤدي إلى الإرباك في الجدل الذي يدور بين الصناعة والجمهور. المخاوف من “التكسير” بمعناه الأوسع تشتمل على إمكانية تلوث الهواء والماء، وخطر حدوث هزات أرضية صغيرة، خصوصا من الآبار المستخدمة للتخلص من المياه المستهلكة. المدافعون عن البيئة الذين يشعرون بالقلق من التهديد القادم من التغيرات المناخية يعترضون أيضا على تراجع التكاليف وزيادة توافر أنواع الوقود الأحفوري، الذي أصبح ممكنا نتيجة لتكنولوجيا التكسير.

في داكوتا الشمالية وتكساس، وهما مركزا طفرة النفط الأمريكية، لا توجد معارضة قوية للتكسير، وهذا علامة على أهمية الصناعة لاقتصاد هاتين الولايتين. وبطبيعة الحال تبرز إلى السطح أحيانا المخاوف حول التلوث، لكن مصادر القلق الأكبر تدور عموما حول اختناق الطرق والإجهاد الذي يصيب البنية التحتية المحلية.