IMLebanon

إمارة رومية: غرفة تعذيب وأحكام تتراوح بين الاحتجاز والجلد!

prison-roumieh

انتهت “إمارة سجن رومية.. والوضع لن يعود إلى سابق عهده”، هذا ما يؤكّده وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق. ومع ذلك لم تنته بعد “الأساطير” التي حصلت داخل “الإمارة” التي سلّمها عدد من العناصر الأمنيّة “على طبق من ذهب” إلى بعض الإسلاميين الموقوفين تحت ذريعة “تعيينهم شاويشاً” على الزنازين.. أو أقلّه التعاون.

هذا ليس تفسيراً لكلّ ما جرى على مدى أعوام، وإنّما هذا ما قاله “أمراء رومية السابقون” بلسانهم، مشيرين إلى أنّهم كانوا يدخلون ويخرجون إلى الأمنيين المسؤولين في رومية من آمر السجن إلى غالبيّة الضباط المولجين أمن السجن.

واحدة من القصص التي لم تنته بعد هي مقتل السجين غسّان القندقلي الذي قيل إنّه انتحر، بالرغم من أن إفادات عدد من الموقوفين، بالإضافة إلى عمليّة الكشف على جثته تشير إلى أنّه قُتل، ليعمد المسؤولون عن هذه الجريمة إلى إخفاء معالمها عبر “تعليقه” في قسطل مياه الحمّام بشاله، ليقال إنّه انتحر.

المسؤولون عن “غرفة التعذيب” هما اليمني سليم علي عبد الكريم صالح الملقّب بـ “أبو تراب” واللبناني بلال خضر ابراهيم الملقّب بـ “أبو عبيدة”، بالإضافة إلى سطوة كان يملكها خالد محمّد يوسف الملقّب بـ “أبو الوليد” وعامر الجاسم الملقّب بـ “أبو قتادة”، والمتهّمون بقتل قندقلي وضرب وإيذاء عدد من المساجين، هم أنفسهم “أبو تراب” و “أبو عبيدة”، وبمساعدة ستة موقوفين آخرين بينهم “أبو الوليد” و “أبو قتادة”، فيما يُتّهم المعاون م. ط. والرقيب س. أ. بإهمال واجباتهما الوظيفيّة.

وربّما تفتح ملابسات مقتل قندقلي في المحكمة العسكريّة، برئاسة رئيسها العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم، عدداً، ولو ضئيلاً، من القصص الصادمة التي كانت تحدث “خلف كواليس رومية”، وقد يكون أكثرها غرابةً هو قيام أصحاب النفوذ من “الإسلاميين” بتحويل غرفة داخليّة داخل الغرفة التي تحمل الرقم 359 (تتألف من غرفة كبيرة وغرفة صغيرة وحمّام) من نظارة مخصّصة لتفتيش الموقوفين الجدد إلى غرفة تعذيب! هؤلاء افتتحوا لأنفسهم، وفق إفادات عدد من المساجين، شيئاً أقرب لـ “محكمة شرعيّة” تحاسب “من يرتكب الجرائم التالية: شتم الذات الإلهية أو تعاطي المخدرات أو ممارسة اللواط”، وفق الشهود، ثم الانتقال إلى تنفيذ العقوبات داخل النظارة، والتي تتراوح بين احتجاز تأديبي داخل الغرفة بعد نقله من زنزانته، وصولاً إلى الضرب باليدين أو حتى عبر قفازات الملاكمة، أو الجلد بالكرباج أو بأسلاك كهربائيّة!

وعندما سأل العميد ابراهيم: “لماذا نزل قندقلي من زنزانته إلى النظارة؟”، أجاب المتّهم الأبرز بقتله ويُعرف بأنّه “أمير الإسلاميين” داخل رومية “أبو تراب” بكلّ وقاحة: “نزّلته عقوبة لتحت وأبلغته أنّه سيتمّ نقله تأديبياً لتحت، حيث ضربته كفّين أمام الموقوفين وأمرته بأنه يبقى تحت ولا يتوجّه إلى زنزانته”. ليكمل أيضاً: “يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار أن المبنى (ب) كان الأفضل بين كلّ المباني داخل رومية لأننا منعنا عنه الممنوعات، وذلك بالتعاون مع القوى الأمنيّة، فآمر السجن العقيد ع. ز. والضباط كانوا يعلمون بشأن الضرب، ولكنني لم أكن أجلد أياً كان. وليس صحيحاً أنّ هناك غرفة تعذيب ومحكمة شرعيّة داخل رومية، فالنظارة فيها 100 موقوف وأنا كنت أضرب المساجين أمامهم وليس في الخفاء. وأنا أصلاً كنت شاويشاً وقد عينني آمر السجن العقيد ع. ز”.

وبالوقاحة عينها، أكمل زميله “أبو عبيدة” قائلاً: “نحن كان لنا سلطتنا داخل السجن، والإدارة تعلم بذلك. ونحن فعلاً كنّا نضرب ولكن بيدنا وليس بالأسلاك، فبعض المساجين يخافون منّا”. وأضاف: “هناك تعاون بيننا وبين الإدارة، وهم كانوا يطلبون منّا إحضار أي سجين، وحتى كنّا نحضر في أي محضر بطلب من الضباط. وأنا كنت أجلس مع الضبّاط وآمر السجن العقيد ع. ز في مكاتبهم، وهذا ما كان يحصل من أيّام النقيب الذي فُرز اليوم إلى سريّة التدخّل”، ما دفع بالعميد ابراهيم إلى سؤاله كيف تعرف تشكيلات الضباط، ليشير إلى أنّه رآه في رومية.

هذا قد يكون كلاماً، أمّا ما عرضته هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة، أمس، خلال استجواب المدعى عليهم بقتل قندقلي، فيمكن وصفه بالأخطر لصور موقوفين مضروبين أكّدوا أنّ عدداً من الموقوفين الإسلاميين هم من ضربوهم وجلدوهم وعذبوهم داخل “غرفة التعذيب”. الصور واضحة لكدمات في شتى أنحاء الجسم بعد التعرّض للجلد والتعذيب، أحدهم احمرّ جسده من الجلد، وآخر بدا أن الدماء وصلت إلى عينه اليمنى، وثالث سُحب ظفره من إصبعه!

ولكنّ هذا لا يعني أن المسجونين الذين تعرّضوا للضرب لم يتقدّموا بشكوى إلى القوى الأمنيّة المولجة حمايتهم، بل إنهم قاموا بذلك. وأحدهم هو السجين خالد ن. الذي أشار إلى أنّه تعرّض للضرب بعد أن ضبطت معه حبوب مخدّرة، وقدَّم شكوى إلى القوى الأمنية “التي فتحت محضراً، فيما كان أبو عبيدة موجوداً خلال التحقيق وكان هو أو أحد الشبان التابعين له يجيبون عنّي، ليقفل المحضر بأنني وقعت على الدرج”، مؤكداً أن القوى الأمنيّة، وأحدهم ملازم أوّل، كان يتفرّج حينما كانوا يضربونني!

لماذا وكيف قتل القندقلي؟

وبالعودة إلى قضيّة قندقلي، فالسؤال: لماذا تمّ قتل قندقلي أو لماذا نفّذ فيه “أبو تراب” عقوبة التوجّه نحو النظارة؟ “جرمه” هو أنّه أرسل صوراً مشينة إلى إحدى النساء خارج السجن، التي ما لبثت أن اشتكت إلى قريبٍ لها موقوف في رومية، الذي بدوره أبلغ “أبو تراب”. الأخير سارع بالتوجّه إلى زنزانة قندقلي حيث سحب منه هاتفه وتأكّد من مسألة الصور، ثمّ أمره بالتوجّه لـ “تحت”. وهناك قام “أبو تراب”، بمعاونة عدد من المساجين بضربه وجلده وتعذيبه، بحسب رواية الشهود الذين سمعوا صراخ قندقلي. ثم قامت المجموعة بجرّه حتى الحمّام، حيث علّقوه مربوط اليدين ثم فتحوا حنفيّة المياه وتركوها مفتوحة للإيحاء بأنّه ما زال في الداخل ويستخدم المياه.

وفي الصباح، وبعد معرفة الجميع أنّ قندقلي مات، أتى حارسان من قوى الأمن الداخلي ثم الصيدلاني ح. ق. الذي أشار إلى أنّ قلب قندقلي ما زال ينبض. وحينها، يشير بعض الموقوفين إلى أنّ الحارسين خرجا لإبلاغ رئيسهم بما يجري فأمر “أبو عبيدة” كلّ المساجين بالتوجّه إلى زنازينهم “لا أريد أن أرى أحداً إلى جانب الجثة”، ليقوم و “أبو تراب” وبعض الموقوفين الملثمين بركله وسحله حتى الموت.

في المقابل، فإنّ “أبو تراب” يؤكّد أنّه لم يجلد قندقلي ولا أياً من الموقوفين، بل ضربه “فقط كفّين” وتركه في النظارة، حتى علم صباح اليوم الثاني من المساجين وحين كان في زنزانته وليس في النظارة أن السجين انتحر شنقاً، نافياً أن يكون “أبو عبيدة” حاضراً خلال هذه الحادثة.

وبالرغم من نقل القوى الأمنيّة لـ “أبو تراب” و “أبو عبيدة” إلى سجن وزارة الدفاع في الريحانيّة لأنهما كانا المسؤولين المباشرين عن أعمال الشغب التي حصلت الأسبوع الماضي في سجن رومية، إلا أن ذلك لم يطمئن عدداً من الشهود الموقوفين في رومية وغيره من السجون الذين رفضوا الإدلاء بإفاداتهم قبل نقلهم إلى سجن آخر، حتى أن واحداً من الموقوفين في سجن طرابلس أشار إلى أن بعض الموقوفين هدّدوه وينتظرون إفادته حتى “يقوموا بواجباتهم”.

و “حفاظاً على حياة الشهود”، عمد رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم إلى تأجيل استجواب موقوفيْن اثنين بعد نقلهما من سجن إلى آخر وهما أحمد ن. وهاني ح. وعمد خلال الجلسة إلى فصل المدَّعى عليهم في هذه القضيّة عن الشهود عبر عسكريين، حتى لا يصار إلى تهديدهم كما حصل في جلسة سابقة.

وبعد الاستماع إلى إفادات الشهود كـشادي ش. وخالد ن. واستجواب “أبو تراب” و “أبو عبيدة”، أرجأ العميد ابراهيم الجلسة إلى 16 أيلول المقبل وإعادة سوق المدعى عليهم والشهود من سجونهم.