IMLebanon

بنك البحر المتوسط ينافس على التميز في الإمارات

Mohamed-Hariri-BankMed
يتذكر محمد الحريري، جيداً الوقت الذي استلم فيه إدارة بنك (البحر المتوسط) اللبناني، في 14 فبراير/ شباط 2005، وهو اليوم الذي اغتيل فيه ابن عمه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق ومالك البنك رفيق الحريري. انتشرت الفوضى في البلاد في ذلك اليوم، إلا أن القطاع المصرفي اللبناني؛ ومعه بنك (البحر المتوسط) بقي ثابتاً وقوياً. ومع حدوث انفجارات ثانوية في أرجاء بيروت، كان رئيس مجلس الإدارة الجديد مشغولاً بتأمين الرخصة الأجنبية الأولى للبنك في تركيا. ومع مرور 10 سنوات، يستمر في عمله هذا؛ فلايزال الحبر لم يجف على الرخصة من الفئة الأولى التي حصل عليها من مركز (دبي المالي العالمي)؛ وهي الأولى التي تمنح لبنك من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليجد الحريري نفسه في مكان مألوف: “مواجهة المجهول في المنطقة والتعطش للنمو”.
يسهل نسيان ما يحدث في المنطقة من صراعات وحكومات على شفير الانهيار، وأنت تقيم في فندق (أرماني دبي) الهادئ، إلا أن أحد أفراد العائلة الشهيرة والثرية لا يحتاج إلى من يذكره بذلك؛ فرئيس مجلس إدارة بنك (البحر المتوسط) قد يكون في الإمارة ليحتفل بالحصول على الرخصة التي يتمناها الجميع؛ وهي الرخصة الأكثر شمولية التي تمنحها سلطة (دبي للخدمات المالية) إلا أن كل حركة يخطوها البنك تحددها مجريات الأحداث في لبنان، والمنطقة التي لا تنام.
ويقول رئيس مجلس الإدارة الذي يقيم في بيروت: “في نهاية المطاف، أنت جزء من البيئة التي تعيش فيها”. وبالنسبة للبنك، الذي يقع تحت مظلة مجموعة (البحر المتوسط)؛ شركة قابضة يملكها أبناء رفيق الحريري أيمن وسعد “%42.24 لكل منهما) وأرملته نازك الحريري، %15.51” فإن هذه البيئة نمت بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة. فمنذ الانفجارات التي أنهت رئاسة قريبه للبنك وأودت بحياته، رفع الحريري عدد فروع البنك إلى 62 داخل لبنان؛ تم افتتاح 20 فرعاً خلال الـسنوات الـ5 الأخيرة، كما عمل على توسعة نطاق عمل البنك ليشمل تركيا وسويسرا وقبرص والعراق والآن الإمارات.
ويملك البنك رخصة الاستثمارات المصرفية في السعودية؛ وهي دولة تربطهم معها علاقات قوية. فالحريري عاش في السعودية 25 سنة قبل أن يعود إلى بيروت. ولايزال يعمل رئيس مجلس إدارة لشركة (سعودي أوجيه). وجدير بالذكر أن سعد وأيمن الحريري أعضاء في مجلس إدارة (سعودي أوجيه) إضافة إلى اشتراكهما في امتلاك بنك (البحر المتوسط) ويملكان ثورة قدرتها (فوربس) بـ1.34 مليار دولار و1.12 مليار دولار على التوالي. أما شقيقهم الأكبر بهاء الحريري فقد انفصل عن المجموعة عام 2008 ويقال إنه يملك حوالي 2.3 مليار دولار.
إلا أن ثرواتهم الشخصية تكاد لا تذكر إلى جانب الأصول التي جمعها البنك بقيمة 15 مليار دولار العام الماضي بزيادة قدرها 1.21 مليار دولار سنوياً، كما أن ميزانيته العمومية تتباهى بارتفاع القروض والودائع والأسهم. وبالرغم من أن الأرقام التي تحققت في 2014 ستنشر لاحقاً، وصل صافي الأرباح إلى 128 مليون دولار في 2013، وهي زيادة متواضعة مقارنة بالعام السابق، حيث وصل إلى 127 مليون دولار.
أما بالنسبة لمحمد الحريري، فالحديث عن الأرقام يخطئ الهدف، حيث يقول رئيس مجلس الإدارة: “أنت لا تستطيع اتخاذ القرارات بناء على الأرباح، أن تشتري بنكاً فهذا أمر عادي، ولكن من سيديره لك؟” هذا سؤال مهم صادر عن رجل خبير ورئيس بنك دخل العراق في 2012. فقد كانت البلاد في حاجة ماسة إلى خدمات مصرفية، وكان عدد من أعضاء مجلس إدارة البنك، الذين يعدون عدم اليقين أمراً اعتيادياً، سعيدين في التوسع إلى العراق لإدارة العمليات في منطقة معقدة ومجهولة. لقد كانت مخاطرة تستحق المحاولة، حيث يقول الحريري: إن الأمور في السنة الأولى كانت “جيدة جداً” و”أفضل مما كان متوقعاً”. ولكن سرعان ما ظهرت (داعش) وفي العام الذي تلى ذلك، كانت الأعمال هادئة نظراً إلى “المشاكل الأمنية والسياسية هنا”، ولكن وبالرغم من المشكلات، يشغل البنك حالياً 3 فروع في بغداد وأربيل والبصرة.
قد يكون العمل في العراق معيقاً للبعض إلا أن محمد الحريري يرى الصورة الأشمل هنا حيث يقول: “لأنجح في دبي، يجب أن تكون لدي قاعدة عملاء تخدمها الإمارة، فإن كنت أعمل في لبنان فقط، وأتيت إلى دبي ستكون فرص النجاح أقل”. ولكن يتعلق الأمر بما هو أكثر من فرص النجاح، فهو يعد النمو “الطريقة الوحيدة للاستمرار”.
وهذه حقيقة يصعب إنكارها، فعبر تاريخه الممتد على مدار 70 عاماً، تحمل البنك تبعات الحرب والأزمة السياسية وتطور خلالها ليصبح اليوم واحداً من أسرع البنوك اللبنانية نمواً وتصل حصته السوقية إلى %10 اليوم. ومع حيازته رخصة مركز (دبي المالي العالمي)، يستفيد الحريري من خبرته في القطاع المصرفي المؤسسي وحلول الخزينة والتمويل التجاري وإدارة المخاطر لتصب في مصلحته. ويقول: “آمل أنه خلال 5 سنوات من الآن سأكون قادراً على مضاعفة حجم البنك”.
هذا طموح كبير، ولكن لدى الرئيس الناجح الذي يشترك في عدة مجالس إدارة؛ منها شركتا (3C Telecommunications Ltd) في جنوب أفريقيا والشركة التركية (Ojer Telekomünikasyon)، استراتيجية لربط عملاء البنك الموجودين مع الخليج وربط الخليج بهم. فقد حصلت (MedSecurities)، إحدى الشركات الـ8 التابعة للبنك، على مكان لها في مركز (دبي المالي العالمي) في فبراير/ شباط، لتضيف الخدمات الاستثمارية إلى محفظة دبي، التي تتضمن أيضاً وساطات التأمين.
والحريري، الذي يعمل رئيساً لمجلس الإدارة في شركة (أوجيه للاتصالات) في الإمارات، ليس غريباً عن الإمارات؛ فهو يعلم تماماً أنه يحدد لنفسه موضع قدم في بيئة محفوفة بالمنافسة. ولكنه يؤمن بوجود مساحة للمزيد من المنافسين، ويقول: “لدينا سوق جديدة ونسعى وراء الشركات المتوسطة والصغيرة. لم نأتِ إلى هنا لنكون مجرد بنك آخر، بل لنقدم خدمة مخصصة واستثنائية تجعلنا نؤمن بنجاحها”.
وينبع تفاؤله من خبرته؛ فبالشراكة مع (البنك العربي)؛ الذي يعمل فيه الحريري أيضاً عضو مجلس إدارة، استحوذ بنك (البحر المتوسط) على (Turkland Bank) في 2006، ليطور قاعدة عملاء مزدهرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة. أما في لبنان، فطالما خدم بنك (البحر المتوسط) هذا القطاع القوي، والذي بالرغم من صعوبة قياسه، قد يشكل %95 من الصناعة وفقاً لمنظمة (التعاون الاقتصادي والتنمية).
إن هذا لا يعني أن الشركات الكبرى لا تلقى الاهتمام، إذ يقول الحريري إن بنك (البحر المتوسط) ينافس لينال حصة في “أفضل 50 أو 60 مؤسسة في لبنان”. إلا أنه يصعب تجاهل مدى جاذبية الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد، فهي ليست كثيرة وحسب بل إن نسب تعثرها منخفضة أيضاً، حيث تبلغ نسبة احتياطات البنك %200 من القروض غير المسددة؛ وهذا إنجاز يصفه رئيس مجلس الإدارة بأنه “مذهل”.
وفي سياق الشركات الصغيرة والمتوسطة الواعد، يوضح الحريري أمراً وهو أن العمل في الإمارات لا يعني إيقاف العمل في لبنان؛ البلد التي يدعي أنها تحتضن أقوى قطاع مصرفي في العالم. فهذا القطاع “نجا من الحروب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي والاغتيالات والفشل الحكومي”.
وقد أكد نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين ومدير مركز الدراسات الاقتصادية في مجموعة بنك (بيبلوس)، على ادعاء الحريري؛ حيث يقول: “إن مقدار الأصول الإجمالية في القطاع المصرفي اللبناني بلغ 176 مليار دولار في نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2015″، ويضيف: “هذا يعادل حوالي %370 من الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم”. كما أنه يقول إن إيداعات القطاع الخاص مرتفعة أيضاً؛ تعادل 144 مليار دولار، أو 3 أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني. علاوة على ذلك، يبلغ معدل القروض غير المسددة أقل من %3 مع استمرار البنوك في الحفاظ على مستوى عالٍ من السيولة، وهذا ما تعكسه نسبة قروض القطاع الخاص إلى الإيداعات التي تبلغ %35. وعلى العموم، يصف غبريل القطاع المصرفي على أنه يشبه “حجر الزاوية لاستقرار الاقتصاد والتمويل العام والنقد”.
ولكن وبينما يعد القطاع المصرفي أساسياً في تشكيل اقتصاد لبنان، إلا أن هذا جزء فقط من القصة. ففي حديثه في قمة (رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط) في أكتوبر الماضي، أعلن رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، عن الحاجة الماسة إلى مجموعة من الحوافز المالية تبلغ مليار دولار لتعزيز الاقتصاد هذا العام. وبالرغم من توفر أكثر من 38 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، أثر الصراع السوري وعبء اللاجئين سلباً في الاقتصاد اللبناني. حيث تقدر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن الدولة الصغيرة في بلاد الشام تستضيف حالياً حوالي 1.2 مليون لاجئ سوري في حين بقي نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ %8 في عام 2010، ثابتاً عند %2.5 أو أقل منذ ذلك الوقت، وفقاً لبيانات (صندوق النقد الدولي).
وبالإضافة إلى هذه الصورة الكئيبة، يضعف مديح الحريري لسيولة قطاعه مع تصنيف (Standard & Poor’s) لبنكه بأنه يمتلك سيولة “كافية”. ولكن وفي بيان أكثر تفاؤلاً، تشير (ستاندرد آند بورز) إلى تحسن بنك (البحر المتوسط) من حيث رضا العملاء والتنوع الجغرافي والإدارة الجيدة وتوليد الإيرادات المرنة. ويؤكد الحريري أنه يقبع خلف هذه المرونة مشرّع راسخ ضمن أن لا تخسر لبنان “قرشاً واحداً” خلال الأزمة المالية. ولكن تأكيده هذا ليس علمياً، ولكن وحتى الآن على الأقل يبدو أن لبنان متماسك، حيث إن البنوك تؤدي دوراً داعماً مرة أخرى في بلاد يغيب عنها الاستقرار السياسي.
ويقول الحريري مشيراً إلى السند الحكومي الذي أصدر مؤخراً: “من الأمثلة العظيمة هو ما حدث مؤخراً في بيروت. أرادوا 500 مليون دولار مبدئياً، ووفرت البنوك 5 مليارات دولار”. ويأتي هذا التطور على خلفية حكومة تعاني اضطرابات؛ فالبرلمان فشل للمرة الـ20 من انتخاب رئيس. ويضيف: “أترى الثقة؟ هذا يبرز الديناميكية بين عالم السياسة والبنوك”. وهذا ليس أمراً جديداً، فبعد الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد، واستمرت 15 عاماً من 1975-1990، اتحدت البنوك اللبنانية، من بينها بنك (البحر المتوسط)، للمساعدة في إعادة إعمار البلد ابتداء من إقراض الحكومة قروضاً بفائدة صفر، وحتى تمويل مشاريع البنية التحتية.
واليوم، تنتشر الصراعات ليس في لبنان، بل في جارتها سوريا. ولكن ليس هناك مجال للشعور بالرضا الذاتي. ويعلم الحريري، الذي أتى إلى الإمارات للاحتفال بحصوله على رخصة لتشغيل بنكه فيها، أن العمل في القطاع المصرفي في دبي مع إدارة العمل الممتد من لبنان إلى العراق مهمة لا تناسب ذوي القلوب الضعيفة.
ومع قرب افتتاح فرع البنك في (مركز دبي المالي العالمي)، لا يفصح الحريري عما ستكون عليه الحال بقية العام 2015، حيث يقول: “مازالوا في طور تجهيز المكاتب، لذا تحدث إلي بعد عام!” وينطبق الأمر على بلده، حيث يقابل الأسئلة التي تتعلق بمستقبل لبنان باستغراب قائلاً: “لو عرفت ذلك، لكنت شخصاً محظوظاً جداً”. وبالفعل، سيتوضح كل شيء بعد مرور العام، ولكن وبصفته مسؤولاً عن بنك ازدهر في وجه المصائب، فإن محمد الحريري على استعداد لمجابهة التحدي؛ فهو حاصل على ترخيص من فئة 1 ومتعطش للنمو.