IMLebanon

2.5 معدل النمو المرتقب و1.1 نسبة التضخم المقدرة في لبنان

FiguresEcon
اشار التقرير الاقتصادي لبنك عودة عن الفصل الأول من العام 2015 إلى ان النمو الاقتصادي في لبنان ما زال دون طاقته المطلقة، متوقعاً معدل نمو بنسبة 2.5 في المئة خلال العام الحالي. في حين قدر نسبة التضخم استناداً لصندوق النقد بحوالي 1.1 في المئة.
ولاحظ التقرير انخفاضاً في في عجز الميزان التجاري بما نسبته حوالي 25.9 في المئة، نتيجة تراجع اسعار النفط، مقابل تراجع الصادرات بما نسبته حوالي 3.7 في المئة.
كما لاحظ التقرير انخفاضاً في حركة التدفقات المالية بنسبة كبيرة مقارنة مع العام الماضي. فيما بلغ عجز ميزان المدفوعات حوالي 850 مليون دولار في ثلاثة أشهر مقارنة مع فائض قدره حوالي 300 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2014. واعتبر التقرير أن نشاط القطاع المصرفي كان متواضعاً خلال الفصل الأول من السنة الحالية، من حيث تراجع نمو الموجودات والتسليفات. وأظهر التقرير أن احتياطي مصرف لبنان من العملات ضرب رقماً قياسياً في نهاية الفصل الأول وبلغ حوالي 38.3 مليار دولار، بما يغطي القسم الأكبر من الكتلة النقدية ويؤشر إلى متانة الوضع النقدي.
وهنا أهم ماجاء في التقرير:
شهد الاقتصاد المحلي تحسناً في الأداء وإن بوتيرة متواضعة نسبياً في ظل استمرار تلبّد الأجواء السياسية الداخلية مع إرجاء جديد للاستحقاقات الدستورية، إضافةً إلى تداعيات الاضطرابات الإقليمية على الساحة المحلية. ووفقاً للتوقعات الاقتصادية العالمية الصادرة حديثاً عن صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نسبة 2.5 في المئة في العام 2015، وهو وإن كان أفضل بعض الشيء من نمو العام الماضي، إلا أنه يبقى دون النمو الفعلي المطلق الممكن تحقيقه. هذا وإن كان تطور معظم مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الفصل الأول من العام 2015 بالمقارنة مع الفصل الأول من العام 2014 يتماشى مع توقعات النمو الاقتصادي المعتدلة نسبياً للعام الجاري.
في الواقع، فإن النمو الاقتصادي للعام 2015 لا يزال دون طاقته المطلقة، بحيث يعمل الاقتصاد الوطني دون مستوى العمالة الكاملة، وذلك في سياق فجوة ملحوظة بين الناتج المحلي الفعلي والناتج الممكن تحقيقه والمقدر بنسبة 20 في المئة. إن التحسن الطفيف في النمو الاقتصادي خلال العام الحالي بالمقارنة مع العام الماضي يعتبر قابلاً للتحقق، استناداً إلى النمو المتوقع في الاستهلاك المحلي، حيث إن انخفاض أسعار النفط يدعم استهلاك الأسر، إضافةً إلى تأثيراته الإيجابية على كلفة الإنتاج لدى الشركات اللبنانية. إلا أنه من غير المرجح أن يتحسن الاستثمار الخاص في البلاد لا سيما في سياق حالة الترقب والتريث السائدة في أوساط المستثمرين وتأجيل القرارات الاستثمارية الكبرى في خضم تلبّد الأجواء المحيطة محلياً وإقليمياً.
العجز التجاري
على الصعيد الخارجي، أشارت إحصاءات التجارة الخارجية إلى انخفاض في عجز الميزان التجاري بنسبة 25.9 في المئة، نتيجة انخفاض الواردات بنسبة 22.7 في المئة في ظل تراجع أسعار النفط بالترافق مع انخفاض في الصادرات بنسبة 3.7 في المئة خلال الفصل الأول من العام. هذا وفي ظل انخفاض في تدفقات الأموال الوافدة يتجاوز الانخفاض المسجل في العجز التجاري، سُجل عجز في ميزان المدفوعات بقيمة 850 مليون دولار خلال الفصل الأول من العام الحالي مقابل فائض بقيمة 301 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام 2014. ما يجدر ذكره في السياق الخارجي كذلك هو ارتفاع عدد السياح بنسبة 23 في المئة في الفصل الأول من العام 2015، بعد زيادة نسبتها 6 في المئة خلال العام الماضي، إلا أنه يبقى دون المستويات المسجلة قبيل الاضطرابات السورية.
على صعيد المالية العامة، تجري في الوقت الراهن مناقشة موازنة عامة توسعية في مجلس الوزراء. ويتضمن مشروع الموازنة نفقات عامة بقيمة 22001 مليار ليرة، مما يشير إلى عجز قدره 6947 مليار ليرة، أي بارتفاع لافت بالمقارنة مع العام الماضي. أما إحصاءات المالية العامة للعام 2014 ككل (والتي صدرت مؤخراً) فهي تشير إلى انخفاض في العجز المالي العام بنسبة 27.2 في المئة، نتيجة ارتفاع الإيرادات العامة بنسبة 15.5 في المئة، في حين ارتفعت النفقات العامة بنسبة 2.3 في المئة خلال العام. هذه الزيادة الملحوظة في الإيرادات العامة تأتي في سياق إيرادات مهمة استثنائية لقطاع الاتصالات، بالإضافة إلى تحسن جباية الضرائب. هذا ويعزى الارتفاع الطفيف في الإنفاق إلى تأجيل بعض النفقات العامة من قبل الحكومة.
على الصعيد النقدي، شهدت سوق القطع في لبنان مزيداً من المناعة خلال الفصل الأول من العام، بحيث بلغت احتياطيات مصرف لبنان مستوى قياسياً مرتفعاً ناهز 38.3 مليار دولار بالقيم المطلقة لتغطي ما يقارب نسبة 78 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة و23 شهراً من الاستيراد. ومع احتساب احتياطيات الذهب تتجاوز الموجودات الخارجية الإجمالية لمصرف لبنان حجم الكتلة النقدية بالليرة، مما يعزز مناعة سوق القطع بشكل عام. في السياق النقدي كذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي نسبة تضخم منخفضة بحدود 1.1 في المئة في العام 2015، وهو أدنى مستوى خلال عقد من الزمن لا سيما في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية.
القطاع المصرفي
أما على صعيد القطاع المصرفي، فقد جاء نمو النشاط متواضعاً نسبياً، وإن بوتيرة أفضل بعض الشيء من تلك المسجلة في الفترة المماثلة من العام 2014. إذ نمت الودائع المصرفية بقيمة 1036 مليون دولار خلال الفصل الأول من العام الحالي مقابل 347 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام 2014. وقد تأتى نمو الودائع المصرفية هذه السنة من الودائع بالليرة في حين أن الودائع بالعملات الأجنبية بالكاد تغيّرت خلال الفترة. عليه، انخفضت نسبة دولرة الودائع إلى 65.2 في المئة، وهو أدنى مستوى لها منذ عامين تقريباً. أما نشاط التسليف فقد كان متواضعاً مع نمو بقيمة 245 مليون دولار في محفظة القروض خلال الفصل الأول من العام وذلك في سياق التباطؤ الاقتصادي القائم والأوضاع السياسية والأمنية الراهنة في المنطقة ككل.
وعلى صعيد أسواق الرساميل في لبنان، لا يزال النشاط واهناً نسبياً. فقد ارتفعت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة طفيفة قدرها 4.8 في المئة خلال الفصل الأول من العام 2015 في ظل نسب تسعير سوقية منخفضة جاذبة للمستثمرين. فقد بلغ متوسط السعر إلى القيمة الدفترية 1.0 في لبنان، مقابل متوسط إقليمي قدره 1.6 ومتوسط عالمي قدره 2.1. كذلك بلغ متوسط السعر إلى المردود 8.1 في لبنان، مقابل متوسط إقليمي قدره 12.8 ومتوسط عالمي قدره 17.2. هذا ولا تزال سوق الأسهم تفتقر إلى الفعالية والسيولة بحيث بلغت نسبة قيمة التداول السنوية إلى الرسملة البورصية 4.3 في المئة. وعلى صعيد سوق السندات، استقرت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في لبنان من فئة خمس سنوات على 400 نقطة أساس في نهاية آذار 2015، لتحافظ تقريباً على مستوى نهاية العام السابق.
وفي ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم متطلبات القطاع الحقيقي والمالي لتحفيز نسب النمو خلال السنوات القليلة المقبلة.
الخلاصة
من أجل تقليص الهوة بين الناتج الحالي والناتج الممكن تحقيقه لقد كان من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد اللبناني بالاضطرابات الإقليمية الراهنة التي اندلعت في بداية العام 2011 والتي أتمّت عامها الرابع في ظل مناخ من الفوضى السائدة في المنطقة. إن نظرة سريعة على السنوات الأربع الماضية تشير إلى أن تداعيات الاضطرابات الإقليمية على لبنان قد أضعفت نمو الناتج المحلي الإجمالي، ما وضع حداً لحقبة من الفورة الاقتصادية في البلاد اتسمت بمكتسبات ماكرو اقتصادية ملحوظة.
إن التحدي الاقتصادي الرئيسي في المدى المتوسط يكمن في الحدّ نسبياً من حلقة النمو البطيء، لا سيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره 2 في المئة خلال السنوات الأربع الأخيرة. الجدير بالذكر أنه نظراً للفجوة الكبيرة بين الناتج المحلي الفعلي والناتج الممكن تحقيقه، فإن لبنان قادر تقنياً على تكرار مسار النمو الاقتصادي المرتفع قبل أن يصل إلى الاستعمال الكلي للطاقات الإنتاجية، إلا أن ذلك يفترض أن تكون البيئة السياسية محلياً وإقليمياً حاضنة لهذا المسار.
أولاً، إن التحدي الرئيسي يكمن في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعفة الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي من 27 في المئة في العام 2015 إلى 32 في المئة في العام 2019، لترتفع بالتالي الاستثمارات الخاصة إلى 25 مليار دولار في الأفق، ما يترافق مع نمو سنوي في الاستهلاك الخاص بنسبة 9 في المئة. هذا وأن نمو الاستثمار من شأنه أن يعزز مكون العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلب خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب أكثر من 30000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان. في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليصل إلى 20 في المئة مؤخراً.
ثانياً، على المستوى الخارجي، المطلوب هو تأمين نمو سنوي في الصادرات بنسبة 15 في المئة بعد التراجع الصافي في الصادرات على مدى السنوات الأربع الماضية. فعقب ازدياد ملحوظ في العجز التجاري خلال السنوات الأربع الماضية، تعود معضلة الحساب الخارجي إلى الواجهة، والتي فاقمتها العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات بمتوسط قدره 1.5 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية. عليه، وفي حين أن الأموال الوافدة لم تعد كافية لتغطية عجز الميزان التجاري، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحد من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه.
متطلبات النمو
ثالثاً، إن متطلبات النمو الاقتصادي المرتفع تقتضي تأمين تحسن تدريجي للبني التحتية الأساسية وذلك لملاقاة متطلبات نمو كهذا. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات كبيرة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. لقد بلغ الاستثمار العام في البنى التحتية في لبنان متوسطاً قدره 1.1في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي نسبة منخفضة جداً بالمعايير الدولية. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج الإجمالي لتصل إلى ما لا يقل عن 5 في المئة في الأفق، وذلك تماشياً مع متوسط الأسواق الناشئة بشكل عام. إن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة في هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية من دون إحداث ضغوط تذكر على وضعية المالية العامة في لبنان.
رابعاً، لا تزال أوضاع المالية العامة تشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي طويل الأجل. فعلى الرغم من أن نسب المالية العامة لا تزال أقل من المستويات القياسية التاريخية، إلا أنها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث أن نسبة المديونية تصل إلى 134 في المئة وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، مع نسبة في العجز المالي العام تصل إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي بين العشر الأول في العالم. فنسبة العجز إلى الناتج في الأسواق الناشئة بلغت متوسطاً قدره 2.2 في المئة في العام 2014، في حين أن نسبة الدين العام إلى الناتج الإجمالي في الأسواق الناشئة وصلت إلى 34 في المئة في نهاية العام 2014. هذا التباين بين نسب المالية العامة في لبنان والمعايير المقابلة لها تؤكد بأن احتواء الانحرافات في أوضاع المالية العامة يعدّ جوهرياً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في لبنان، وضمان سيناريو الهبوط الآمن ودفع عجلة النمو الاقتصادي على المدى الطويل في القطاع الحقيقي للاقتصاد ككل.
خامساً، على مستوى التمويل المصرفي، إن تحقيق المتطلبات المذكورة سابقاً يتطلب حداً أدنى من النمو في الإقراض المصرفي للقطاع الخاص بقيمة 5 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، بالترافق مع تمويل احتياجات القطاع العام بحوالي 2 مليار دولار سنوياً. إن تحقيق مثل هذه الأرقام على صعيد التمويل المصرفي يتطلب نمواً في الودائع المصرفية بنسبة لا تقل عن 11 في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
في الختام، إن تحليلاً دقيقاً لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تحفيز نسب النمو الاقتصادي بشكل يسدّ جزئياً الهوة بين الناتج الحالي والناتج الممكن تحقيقه ليس مستحيلاً من الناحية التقنية، غير أنه يتطلب تعزيز عامل الثقة بشكل عام بالتزامن مع عدد من الإصلاحات الهيكلية المرجوة. يبقى القول إن مثل هذا السيناريو يتطلب إجماعاً سياسياً داخلياً وانخراطاً ملائماً من كافة قوى المجتمع اللبناني وانحساراً تدريجياً للعوامل الإقليمية ذات التداعيات المحلية السلبية التي أدت إلى مرحلة من الوهن الاقتصادي منذ نهاية العقد المنصرم.