IMLebanon

حين سقطت نظرية فريدمان: برجر «ماكدونالدز» لم يفلح في منع الصراعات

MiltonFriedman
إدوارد لوس

قبل نحو عقدين من الزمن جاء توماس فريدمان بـ”نظرية الأقواس الذهبية لمنع نشوب الصراعات”: لا يوجد بلدان لديهما مطاعم ماكدونالدز يمكن أن يدخلا في حرب ضد بعضهما بعضا. الفكرة كانت مناسبة لفترة ما بعد الحرب الباردة في التسعينيات، عندما كان الناس يعتقدون أن الإنسانية ستتحول إلى أهداف ما بعد الأيديولوجيا، مثل القضاء على الجوع. كما عرضت احتمال استبدال “الإنسان الاقتصادي” وجبة بيج ماك وبطاطا مقلية بالرغبة في الحرب. مع الأسف، عادت الحرب الآن إلى القائمة ومطاعم ماكدونالدز في مأزق. هل يمكن أن يكون عصر العولمة سائرا في الاتجاه المعاكس؟

الجواب الآمن هو لا. ماكدونالدز وغيرها من الرموز الاستهلاكية في الولايات المتحدة، مثل كوكا كولا وكرافت، بالتأكيد تدخل في حالة من الركود. مبيعاتها في الداخل والخارج كانت تتجه نحو الأسفل. عانت مطاعم ماكدونالدز من انخفاض كبير في الإيرادات الآسيوية العام الماضي بعد أن تبين أنها تستخدم لحوما منتهية الصلاحية في الصين، وفي الوقت نفسه ظهرت سن بشرية في إحدى وجبات الهمبرجر في اليابان. لكن الطعم يتغير أيضا. ملك الوجبات السريعة يتلاعب الآن بالساندويشات الحرفية والكرنب. ويدعو هذا إلى “انتعاش العلامة التجارية”.

لكن مشكلات الرموز الاستهلاكية القديمة في الولايات المتحدة من الصعب اعتبارها تراجعا عن العولمة. العلامات التجارية الأمريكية الأحدث، مثل أبل وأوبر وستاربكس، في حالة اندفاع قوي إلى الأمام. وعدل فريدمان أيضا قوله المأثور (الذي هو باعترافه قول لعوب) إلى “نظرية ديل لمنع نشوب الصراعات”. لا يوجد بلدان يعتبران جزءا من سلسلة التوريد العالمية نفسها سيدخلان في حرب ضد بعضهما بعضا: العقوبة الاقتصادية ببساطة ستكون مرتفعة جدا. لكن مع الأسف، الأحداث تشكل تحديا للنسخة المحدثة أيضا من النظرية. فعلى الرغم من نظرة فريدمان الثاقبة، إلا أن أي من النظريتين لم تخرج سليمة مما يدعوه بعضهم “عالم ما بعد الحرب الباردة”.

حتى عندما تصبح المجتمعات من الطبقة المتوسطة، يكون الصراع متوطنا في جنسنا البشري. عودة التنافس بين القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين تذكرنا بأننا لسنا حيوانات اقتصادية بحتة. لو كانت هذه هي الحال، لكنا خفضنا منذ وقت طويل تكاليف المعاملات من خلال إلغاء الدول القومية والعملات.

وحقيقة أن الثقافات المتنوعة تتشارك في عادات سيئة وتستخدم التكنولوجيا نفسها ينبغي عدم الإفراط في تفسيرها. كان المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الصين يرتدي البدلات الرسمية منذ أعوام. المقاتلون الجهاديون يرتدون الجينز ويتصفحون الإنترنت على أجهزة الآيفون الخاصة بهم (ما لا شك فيه أن بعضهم ضعيف أمام وجبة ماك ناجيتس الدجاج). ولا يزالون ينتقدون الهيمنة العالمية. كما أن وجود المئات من مطاعم ماكدونالدز في روسيا لم يمنع فلاديمير بوتين العام الماضي من ضم شبه جزيرة القرم، التي كانت تملك أيضا مطاعم ماكدونالدز. انسحبت ماكدونالدز منذ ذلك الحين من شبه جزيرة القرم، لكن ليس من بقية المناطق في أوكرانيا. كذلك من غير المرجح أن يعمل وجود مطاعم ماكدونالدز على منع حرب خامسة بين الهند والباكستان. وفي الوقت نفسه، الاندماج العالمي للصين لا يبدو أنه خفف من غلواء شعورها القومي.

من الواضح أن المسائل الجيوسياسية عادت. كما أن هناك مؤشرات على أن الاقتصاد العالمي يندمج بشكل أبطأ من ذي قبل. وفي بعض النواحي نراه يسير في الاتجاه المعاكس. في العقود التي سبقت الانهيار المالي عام 2008 سجلت التجارة العالمية، وفقا للمكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية، توسعا بلغ تقريبا ضعف وتيرة النمو الاقتصادي العالمي. ومنذ ذلك الحين تباطأت التجارة وأصبحت تتوسع بوتيرة النمو نفسها. جزء من هذا يرجع إلى العوامل الهيكلية، وعلى رأسها تحول الصين من أنموذج نمو يعتمد على الصادرات إلى أنموذج يعتمد أكثر على الاستهلاك الداخلي.

تلعب التكنولوجيا أيضا دورا في ذلك. فقد عملت الأتمتة على تمكين شركات التصنيع من الاقتراب من زبائنها دون تكبد فواتير أجور عالية وتكاليف شحن باهظة. إذا انطلقت الطباعة ثلاثية الأبعاد، فإن هذا الاتجاه سوف يصبح أعمق.

لكن بعض التباطؤ يحدث أيضا عن طريق الاختيار. انتخابات الأسبوع الماضي في المملكة المتحدة كانت تتبع الحملات الأكثر تطلعا إلى الداخل التي تعيها الذاكرة. لم يعد بالإمكان اعتبار طابع بريطانيا العالمي أمرا مفروغا منه. كما ينبغي عدم تجاهل رسالتها: بريطانيا تبقى رائدة ديمقراطية. إن ظهور سياسات أكثر قومية في الغرب من المرجح أن يبقى بمنزلة مشكلة لبعض الوقت في المستقبل.

مستويات الدخل في بلدان العالم النامي بدأت تلحق بتلك التي في الغرب، في بعض الحالات على حساب الطبقة المتوسطة في الغرب. على الأقل هذه هي الطريقة التي يتصورها كثير من الناخبين. بعد عقود من الموافقة على خفض الحواجز العالمية، من المرجح أن يتم وضع حواجز جديدة في الوقت الحاضر. وهذا يؤثر في الأنظمة المالية، والقواعد الخاصة بكيفية حكم الإنترنت، والتسامح مع المهاجرين، والحواجز التجارية الخالية من الرسوم الجمركية. حتى أن أكبر بنك في بريطانيا، إتش إس بي سي، يفكر في إعادة مقره الرئيسي إلى هونج كونج.

في الوقت نفسه، أكثر ما يربط العالم – الفضاء الإلكتروني – يتحول إلى ساحة معركة باختيار العالم نفسه. القوى الصاعدة ليست أكثر احتمالا من الاتحاد السوفياتي القديم في استخدام الأسلحة النووية، أو نشر جيوش تقليدية ضد الولايات المتحدة. لكن عقيدة التدمير الأكيد بشكل مشترك ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة لحرب الفضاء الإلكتروني. الردع ينجح عندما يكون بالإمكان تحديد الجاني. بدلا من الحرب الباردة، فإن كون الأطراف غير معروفة يعمل على تغذية “حرب هادئة”، وهي تصبح أقل هدوءا بقليل كل عام. ويوفر انتشار الأسلحة الإلكترونية – ورغبة الصين وروسيا في نشرها – نوعا مختلفا من التحدي لمفهوم “الأقواس الذهبية”. الأمل كان أن الاهتمامات الاقتصادية المشتركة من شأنها إقناعنا بوضع أسلحتنا جانبا. من الناحية العملية الطموحات الجيوسياسية المتباعدة تتحرك في الاتجاه الآخر. اللاعبون العدائيون يستطيعون إطلاق هجمات قابلة للإنكار مقابل تكلفة اقتصادية لا تذكر. بمعنى من المعاني، ربما يكون هذا شكلا رفيعا من العولمة. لكنه شكل بعيد تماما عما كنا نتوقعه على نحو بهيج.