IMLebanon

لبنان.. 10 سنوات بلا موازنة

lebanese-parliament
يبدو أن مناقشة مجلس الوزراء اللبناني مؤخراً، لمشروع الموازنة لعام 2015، خبراً عادياً في أي بلد تمارس مؤسساته العامة واجباتها التي ينص عليها الدستور، لكن اللافت أن الحكومة اللبنانية الحالية تناقش الموازنة العامة، بعد عقدٍ كامل دون موازنة، واعتاد قاعدة صرف استثنائية ينص عليها الدستور اللبناني، وتسمى “القاعدة الاثني عشرية” نسبة إلى أشهر السنة الميلادية.

لكن الاستثناء المؤقت أصبح واقعاً مستمراً منذ عشر سنوات، نتيجة أسباب سياسية وتقنية وقانونية تساهم جميعها في مضي الدولة في الإنفاق والتحصيل دون رقابة قانونية أو مجتمعية. ولم يستطع مجلس الوزراء حسم نقاشاته التي بدأت الأسبوع قبل الماضي حول الموازنة.

ويعود تاريخ آخر موازنة أقرها مجلس النواب اللبناني إلى عام 2005، قبل أن تؤدي الخلافات السياسية بين “التيار الوطني الحر” بزعامة، النائب ميشال عون، و”تيار المستقبل” بزعامة، النائب سعد الحريري، إلى تجميد الموازنات التي أعدتها الحكومات المتعاقبة دون عرضها على مجلس النواب.

اتخذ الصراع بين الطرفين أوجهاً عدة، وكان رأس الحربة فيها رئيس لجنة المال والموازنة النائب العوني إبراهيم كنعان، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة.

يُعتبر السنيورة مهندس السياسة الاقتصادية التي رسمها رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، للبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وحتى اغتياله في عام 2005، وهو متهم من قبل التيار الوطني الحر بإهدار المال العام، وتحديداً مبلغ 11 مليار دولار؛ هي قيمة سلف الخزينة التي أنفقت بموجبها الحكومات اللبنانية خارج إطار موازنة العام 2005.

إذ ينص الدستور اللبناني في حال تأخر إقرار الموازنة لفترة لا تتجاوز الأشهر، على قسمة رقم الإنفاق من آخر موازنة على 12 (عدد أشهر السنة) والصرف على أساس هذا الرقم، حتى إقرار الموازنة الجديدة. لكن الصرف على أساس “القاعدة الاثني عشرية” مستمر منذ عام 2005 وحتى اليوم.

وقد أصدر “التيار الوطني الحر” عام 2009 كتاب “الإبراء المستحيل” الذي تناول فيه إدارة الحريري المالية للدولة اللبنانية، وتضمن عرضاً لـ “عشرات التجاوزات القانونية والمالية التي ارتكبها فؤاد السنيورة خلال توليه وزارة المالية”، فأصدر “المستقبل”، في المقابل، كتاب “الافتراء في كتاب الإبراء”، دون أن تحل الأرقام والتبريرات القانونية الواردة في الكتابين أي جديد على صعيد الموازنات الغائبة.

اقرأ أيضاً: لبنان يستعدّ لطرح سندات دولية بقيمة 4.4 مليارات دولار

ويشير الخبير الاقتصادي، غازي وزنة، في حديثه لـ “العربي الجديد”، إلى تجاوز قيمة الإنفاقالعام السنوي في لبنان “19 تريليون ليرة لبنانية (الدولار = 1496 ليرة) مقسمة بالتساوي تقريبا بين موازنة العام 2005 والاعتمادات الإضافية التي طلبتها الحكومة لتغطية الإنفاق على أساس القاعدة الاثني عشرية؛ والذي طال التعينات الجديدة، ورفع الحد الأدنى للأجور عام 2008، إضافة إلى سد عجز مؤسسة كهرباء لبنان”.

ويشير وزنة إلى غياب دور مؤسسة الرقابة الرسمية “ديوان المحاسبة” في التدقيق المالي لأرقام “قطع الحساب” بالموازنة، والتي يُفترض بمجلس النواب دراستها قبل إقرار الموازنات الجديد، فيصادق المجلس على قطع حساب عام 2013 على سبيل المثال، قبل الشروع في دراسة مشروع موازنة عام 2015 والتصديق عليه”.

وأضاف أن تعطيل دور “ديوان المحاسبة” قد أدى لتصديق مجلس النواب في السنوات التي سبقت العام 2005 “مع التحفظ”، بحسب ما يشير الباحث في شؤون الحكم الصالح، داني حداد، في حين تم إهمال الموازنات في الفترات التالية.

ويعدد حداد الإشكاليات القانونية التي تحول دون إقرار الموازنات في لبنان، وأبرزها: “عدم جواز مناقشة ميزانية العام 2015 في نفس العام، وغياب الرقابة الرسمية والمجتمعية”. كما يحذر حداد من تدني نسبة الشفافية في الموازنة اللبنانية التي تسجل 30% وفق مؤشر الموازنة المفتوحة، الذي تصدره مؤسسة “شراكة الموازنة المفتوحة IBP” العالمية، ويعود السبب في ذلك إلى “غياب الرقابة الرسمية المتمثلة في مجلس النواب وديوان المحاسبة، والرقابة المجتمعية التي يُفترض بالمواطنين ممارستها، لتتبع إنجاز المشاريع العامة وأوجه الإنفاق”.

وفي ظل الخلاف السياسي والقانوني القائم في لبنان، لا تبدو الآفاق مفتوحة أمام إقرار موازنة العام 2015. ما يزيد من خطورة التبعات القانونية والمالية التي تلحق بلبنان على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ويشير وزنة في هذا الإطار إلى “الصورة السلبية التي يقدمها عدم إقرار الموازنة على لبنان أمام البنك الدولي، والمؤسسات الدولية التي تقدم برامج الدعم، إضافة إلى التقييم السلبي لمعدلات الفائدة في المصارف اللبنانية”.

وفي تقرير سابق، أبقت وكالة التصنيف الدولية “موديز”، للتصنيفات الائتمانية، على نظرة مستقبلية سلبية للنظام المصرفي اللبناني، وعزت ذلك إلى مستوى المخاطر العالية بعدم القدرة على سداد الديون، وضغوط في جودة الأصول من جراء النمو الاقتصادي الضعيف.

وتوقعت موديز أن يظل مناخ العمل للبنوك اللبنانية صعباً في ظل توقعات لنمو الاقتصاد 2% في 2014، مقارنة مع متوسط بلغ 8% بين 2007 و2010، وارتفاع عجز الميزانية إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014، مع اعتماد الحكومة على البنوك المحلية لتمويل نفقاتها.

ويعرف خبراء الاقتصاد الموازنة العامة بكونها “برنامجا ورؤية اقتصادية واجتماعية تقدمها الحكومات لعملها خلال عام”.

وفي لبنان يرى الفرقاء السياسيون في الموازنة ميداناً جديداً للاشتباك، ويرى مراقبون أنه لن ينتهي إلا بتسوية شاملة شبيهة بالتسوية السياسية/الاقتصادية التي أعقبت إعلان انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.