IMLebanon

استحالة تطبيق قانون الإيجارات قانوناً

RentLaw4
احمد شعيب
الانتقادات التي طالت قانون الإيجارات كثيرة نضيف إليها ثلاثة أسباب بالغة الأهمية:
الأول: الخطأ القانوني الفادح في صيغة نشر هذا القانون مما يجعله غير قابل للتطبيق ومنعدم الوجود.
الثاني: أن هذا القانون منعدم الوجود بقرار المجلس الدستوري.
الثالث: إلغاء هذا القانون لحق مكتسب قررته عشرات قوانين الإيجارات على مدى سبعين عاماً وأكثر وهو الحق بالتعويض العادل. نشدّد العادل إذا ما قرّر القضاء إخلاء المستأجر.
ـ في ما خصّ السبب الأول.
في هذا المجال لا بد من ان نوه وان نقدر الدراسة التي أعدها المحامي الدكتور محمد المغربي والتي بيّن فيها وأثبت قانوناً الخطأ الفادح الذي شاب صيغة نشر هذا القانون، بحيث يمكن اعتباره ليس فقط غير قابل للتطبيق بل انه ومن الناحية الموضوعية والقانونية غير موجود مما يقتضي التذكير بها.
وللإيضاح وإثباتاً لذلك ولأن القانون نشر في الجريدة الرسمية فإن المنطق والقانون يفرضان أن نتطرق إلى ما يلي:
1ـ ما هي الجريدة الرسمية؟ وما هي قيمتها ودورها القانوني؟
2ـ مَن يطلب النشر في الجريدة الرسمية؟
3ـ وهل تضمّنت صيغة نشر القانون شرطها القانوني الأول؟ أي ذكر اسم طالب النشر؟
الجواب على البند ـ1ـ
هل نشر القانون صحيح وقانوني وتمّ وفقاً للأصول؟
وهل هذا النشر يستوفي شروط تبليغ الناس بمضمون قانون الإيجارات لكي يصبح نافذاً بحقهم؟
نُجيب: من يملك سلطة الأمر بالنشر أو طلب النشر هو الجهة الرسمية التي أصدرت النص المطلوب نشره وللإيضاح هنا نطرح المثلين التاليين:
ـ ان الإعلان بالبيع بالمزاد العلني الصادر عن دائرة التنفيذ لا ينشر في الجريدة الرسمية إلا بناء على طلب هذه الدائرة.
ـ ان اعلان الاستحصال على بدل عن ضائع لسند تمليك لا ينشر إلا بناء على طلب أمين السجل العقاري.
وعليه وفي أي من المثلين فلو أن طلب الإعلان جاء من صاحب العلاقة أي من طالب التنفيذ في المثل الأول ومن طالب البدل عن ضائع في المثل الثاني، فإن ذلك لا ينشر وإذا نشر فإنه يكون قد شابه خطأ لكونه صدر عن مرجع غير صالح ويكون بالتالي لا مفعول له بل إنه غير موجود قانوناً.
ولاستكمال البحث وتوضيحه نقول:
إن المادة 56 من الدستور نصّت صراحة على أن رئيس الجمهورية هو الذي يطلب نشر القوانين بعد ان يصدرها أي ان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيتين.
الأولى: إصدار القوانين.
الثانية: نشر القوانين.
فإذن ان طلب نشر القوانين هو من صلاحية رئيس الجمهورية من دون سواه.
فماذا يحصل إذا لم يطلب النشر من رئيس الجمهورية، كما حصل في حالة قانون الإيجارات وهل من سلطة أخرى مختصة في طلب نشره؟
لم ينص الدستور على مرجع آخر لطلب النشر إذا لم يطلبه رئيس الجمهورية. الأمر الذي يعني انه لا يمكن ابتداع سلطة غير سلطة رئيس الجمهورية لطلب نشر القوانين.
ورب مجتهد يقول إنه وفي حال كهذه وبسبب ضرورة استمرار عمل المؤسسات الدستورية يمكن لأي سلطة ان تبادر إلى طلب النشر، إلا أن ذلك لا ينفي أن يكون هناك دائماً طلب بالنشر من مرجع صالح دستورياً. وهذا يعني وجوب توفر شرطين:
الأول: ان توجد سلطة صالحة لطلب النشر دستورياً وقانونياً.
الثاني: أن تطلب النشر بشكل واضح.
وعليه فلو امتنع رئيس الجمهورية مثلاً عن نشر القانون فإنه يمكن لمجلس النواب وحده وهو السلطة الاشتراعية أن يصدر قراراً يلحظ فيه واقعة عدم النشر التي تقع تحت طائلة المادتين 56 و57 من الدستور، ويطلب فيه من الجريدة الرسمية نشر القانون وبصيغة الأمر.
وبالعودة إلى ما نشر في الجريدة الرسمية بالعدد 7 لسنة 2014 في ما خصّ قانون الإيجارات، فإن هذا النشر جاء خالياً من أي سلطة صالحة لطلب النشر ولا يحمل توقيعاً مما يحمل على الاستنتاج أن من قرر النشر هو رئيس مصلحة الجريدة الرسمية التي هي من مصالح المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء أو من أحد مرؤوسيه، وهذا وذاك لا يملك أي منهما صلاحية طلب النشر بل انهما يتبلغان هذا الطلب من السلطة القانونية المخوّلة ذلك.
وعليه فإن نشر القانون بالصيغة التي نشر فيها هو غير قانوني وهو حتماً لا يشكل، والحال كما تقدم تبليغاً للعموم، والأهم على المحاكم التي يجب أن تعتبره غير نافذ ولا يمكن العمل به وتطبيقه على الدعاوى التي يقدّمها المالكون، وذلك عملاً بنص المادة ـ2ـ من قانون المحاكمات المدنية التي يجب تطبيق القانون الذي تم نشره بصورة صحيحة دستورياً وقانونياً.
وهنا يقتضي التنويه بأن المحاكم وإن لا يسعها ولا يجوز لها ان تلغي قانوناً ولكن لها كل السلطة بمراقبته والتأكد من صحة النشر حتى إذا ثبت لها عدم صحة النشر، كما هي الحال في نشر قانون الإيجارات فإنها تمتنع عن تطبيقه. وبالتالي فإن الدعاوى المقدمة بناء عليه يقتضي ردّها.
وهنا نعود إلى قرار المجلس الدستوري الذي أثبت عدم صحة النشر الأول والذي يعادل ما يُسمّى في قانون أصول المحاكمات المدنية العيب الموضوعي الذي يؤدي إلى البطلان. وهو عيب لا يقبل التصحيح وهذا ينطبق على النشر الثاني.
فماذا يعني كل هذا؟ نجيب أن الدفع الدستوري لقانون الإجراءات بحسب قرار المجلس الدستوري هو مولود ناقص التكوين، وبالتالي هو قانون غير نافذ ولا يجوز للمحاكم أن تطبقه وهو يحتاج إلى طعن جديد امام المجلس الدستوري.
ونقول أيضاً إنه حتى في حال صدور قرار عن مجلس النواب بنشره من جديد فإنه قابل للطعن لأنه يتعارض مع قرار المجلس الدستوري.
وعليه فإنه لا بد من طرح السؤال التالي: ما هو الحل؟
نجيب الحل هو في إصدار قانون آخر مكتمل الشروط الدستورية والقانونية ويرفع الظلم الذي لحق بالمستأجرين.
ـ في ما خصّ السبب الثاني:
بتاريخ 13/6/2014 أصدر المجلس الدستوري قراراً رد بموجبه الطعن الموجه ضد قانون الإيجارات، لأنه لم يكتمل تكوينه بسبب الخطأ الفادح الذي يعتوره ألا وهو عدم صحة النشر الأول. وهذا الخطأ يعادل ما يُسمّى قانون أصول المحاكمات المدنية العيب الموضوعي الذي يؤدي إلى البطلان. وهو عيب لا يقبل التصحيح إلا إذا زال بإعادة النشر على وجه صحيح والذي يجب أن يحصل قبل صدور قرار المجلس الدستوري عملاً بأحكام الفقرة الأخيرة من نص المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي نصّت على أنه يتوفر العيب الموضوعي إذا انتفت أهلية أو سلطة شخص يقوم بتمثيل أحد الخصوم. وهذه قاعدة عامة يجب أن تتبع عملاً بنص المادة 6 من قانون أصول المحاكمات المدنية.
وعليه فإذا كان المجلس الدستوري بقراره المذكور اعتبر أن قانون الإيجارات عديم التكوين بسبب عدم صحة النشر الأول، فإنه عديم التكوين أيضاً بسبب عدم صحة النشر الثاني، مما يعني لا بل يوجب حتماً على المحاكم أن لا تطبقه وإن لم يوجه طعن جديد، علماً ان الأمر لا يحتاج إلى طعن جديد أمام المجلس الدستوري.
ـ في ما خص السبب الثالث: أي إلغاء الحق المكتسب المقرر للمستأجرين.
ونعني بالحق المكتسب هو الحق بالتعويض الذي يجب أن يدفعه المالك للمستأجرين عند الإخلاء.
ان هذا الحق اوجدته وكرّسته كل القوانين أو المراسيم التي حكمت علاقة المالك بالمستأجر على مدى أكثر من سبعين عاماً والتي خلالها عقدت ونظمت آلاف عقود الايجار برضى طرفيها المالك والمستأجر.
إن عقود الإيجارات القديمة لم توقع كلها دفعة واحدة وفي تاريخ واحد، وإنما خلال سنين طويلة كان المالك يفرض بدلاً يرتئيه هو ويحدده، وبالطبع يكون في نظره عادلاً له ويراعي الظروف الاقتصادية.
وأيضاً فإن المستأجر بدوره كان يقبل بعقد إيجار يفرضه عليه المالك لعلمه الأكيد أنه وفي حال إخلائه سيستحق له تعويض عادل.
ولهذا فإن الكثير من المستأجرين ارتضوا دفع بدل إيجار مرتفع وحتى كان يدفع مبلغاً إضافياً وأحياناً كبيراً إما للمالك أو المستأجر السابق كبدل خلو، كما يُقال وهذا لم يكن ليتم إلا لأن القوانين العديدة ومنذ حوالي السبعين عاماً اوجدت له الحق بالتعويض العادل.
إن الحق المكتسب هو الذي تنشئه القوانين اما صراحة واما ضمناً، وكذلك هو الحق الذي تنشئه الأعراف او التعامل المستمر به. فالحق بالتعويض على المستأجر في حال إخلائه يتوفر فيه الأمران:
الأول: أنه حق مكتسب انشأته وكرسته كل القوانين التي حكمت العلاقة التأجيرية.
الثاني: أنه حق انشأه التعامل المستمر به حتى انه أصبح عرفاً برضى المالك والمستأجر بدليل قيام المالك بالتأجير في ظل هذا العرف وهذه القوانين.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن القوانين كانت تنص على زيادات لبدلات الايجار، بحيث ان هذه الزيادات كانت ملزمة للمستأجرين وتشكل في الوقت نفسه تعويضاً عادلاً للمالكين.
وهكذا يتبين أن الحق بالتعويض عند الاخلاء هو حق مكتسب بالمعنى القانوني، وبالتالي فإنه لا يمكن حتى لقانون إلغاء حق مكتسب كُرّس على مر السنين.
وإذا عدنا إلى قانون الإيجارات موضوعنا، فإننا نجده قد ألغى الحق المكتسب هذا، مما يشكل مخالفة قانونية فادحة تؤدي إلى بطلانه أو على الأقل إلى وجوب إجراء تعديل عليه يحفظ هذا الحق المكتسب للمستأجر، بخاصة إذا ثبت انه دفع بدل خلوّ أو تعويضات للمالك او للمستأجر الذي حل محله.