IMLebanon

بريطانيا تمضي شبه نائمة نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي

BritainEURO
جورج باركر وأليكس باركر

ينبغي على ديفيد كاميرون أن يوازن سعيه لتحقيق إصلاح الاتحاد الأوروبي ضد غضب المعارضين للتكامل الأوروبي على هامش حزبه، إذا كان يرغب في تجنب فقدان استفتاء، يمكن أن يشهد مغادرة بريطانيا للكتلة الاقتصادية الأوروبية.

لم يكن ديفيد كاميرون يتوقع الفوز المطلق، لكن جمهور الناخبين في بريطانيا منح للتو رئيس الوزراء فوزا مذهلا في الانتخابات، ووضع أمام بقية أوروبا مشكلة كبيرة.

قال كاميرون للصحافيين في مجلس العموم، بينما كان يستعد لمخاطبة 300 نائب محافظ مبتهج الأسبوع الماضي: “لقد حصلت على ولاية. ستكون صعبة، ولكن لدينا ولاية”.

فوز كاميرون يعني أنه يجب عليه الآن أن يفي بوعده لكي يطرح عضوية البلاد للاتحاد الأوروبي ضمن استفتاء، وهي استراتيجية عالية المخاطر بهدف تهدئة حزبه المناهض للتكامل الأوروبي، وتسوية مسألة أنهكت السياسة البريطانية منذ آخر تصويت للبلاد حول القضية قبل 40 عاما.

أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، أعلنت أن فوز كاميرون يعد “بكل بساطة عظيما”. ووجه فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، دعوة إلى رئيس الوزراء البريطاني لزيارة باريس، ولكن وراء المجاملات الدبلوماسية كانت عملية حسابية بسيطة: أن الوقت قد حان الآن لأوروبا لمواجهة “المسألة البريطانية”.

في حين كانت أوروبا مهووسة في السنوات الأخيرة بخروج اليونان المحتمل من منطقة اليورو، إلا أن إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أخذت فجأة تحتل أهمية أكبر باستمرار، للنادي المكون من 28 عضوا.

يعترف أحد الوزراء الألمان الكبار: “بالنسبة لبريطانيا، سيكون الأمر كارثة. بالنسبة لألمانيا سيكون الأمر مصيبة”.

بالنسبة لبريطانيا، الدولة التجارية، يمكن أن يكون الوصول غير المحدود إلى سوق واحدة تضم 500 مليون مستهلك موضع شك. أعلن دويتشه بانك هذا الأسبوع أنه يمكن أن ينقل أعماله من بريطانيا، إذا صوتت البلاد لمصلحة المغادرة في الاستفتاء الذي وعد به كاميرون بحلول نهاية عام 2017. ويمكن لخروج بريطانيا أيضا أن يسرع في تفكك المملكة المتحدة: حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الاسكتلنديين يتمسكون بقوة لمصلحة عضوية الاتحاد الأوروبي.

وقد يكون رحيل بريطانيا ضربة غير مسبوقة للمشروع الأوروبي. ربما تكون المملكة المتحدة عضوا مزعجا تحاول بشدة إزعاج حلفائها، ولكنها تضيف وجودا عالميا وقوة عسكرية وانضباطا في الميزانية والغرائز الليبرالية إلى أوروبا، التي تعاني أزمة ثقة.

كلا الطرفين لديه الكثير ليخسره. والسؤال الذي يجري طرحه في العواصم الأوروبية هو “ما هو السعر الذي يريده كاميرون؟” – فهو يصر على أنه يجب أن يكون هناك إصلاح أساسي للاتحاد الأوروبي من أجل بقاء بريطانيا عضوا – وهل يمكننا تحمل تكاليف دفع هذا الثمن؟

كاميرون متفائل. فهو يريد استخدام سلطته الانتخابية المكتشفة حديثا للمضي قدما في عملية إعادة التفاوض التي بدأهاً، في محادثات غير رسمية مع قادة الاتحاد الأوروبي على هامش قمة في ريجا عاصمة لاتفيا.

وسيعرض في الأسبوع المقبل مشروع قانون برلماني لتمهيد الطريق لاستفتاء المغادرة أو البقاء في الاتحاد الأوروبي. فيليب هاموند، وزير الخارجية، يقول إنه يريد أن يتحرك “سريعا”، مع وزراء يتطلعون إلى التصويت في وقت مبكر ربما يكون في عام 2016.

على الرغم من أن القادة الأوروبيين كثيرا ما يحثون كاميرون على توضيح ما يريده بالضبط، إلا أن المطالب التفاوضية لرئيس الوزراء البريطاني هي أصلا على مرأى من الجميع، ومنصوص عليها في سلسلة من الخطب والمقالات الصحافية. وكما يقول أحد المسؤولين البريطانيين: “لقد أظهر بالفعل كثيرا من التحرك”.

حدد كاميرون عمدا ما يؤمن بأنه مستوى واقعي – وجهة نظر لا تشاركه فيها بعض العواصم الأوروبية الأخرى – لأنه يريد أن يؤمن تحقيق أهدافه، ومن ثم الاستمرار في حملة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

على الرغم من أنه يقود حزبا معارضا للتكامل الأوروبي، إلا أن الأغلبية العظمى من النواب المحافظين مقتنعون بحجة لمصلحة الجزء المتبقي من أغنى سوق موحدة في العالم.

ويقدر ديفيد ديفيس، المعارض المتشدد للتكامل الأوروبي، أن نحو 60 من مجموع 331 نائبا محافظا سيصوتون لخروج بريطانيا، مهما كانت الصفقة التي سيفاوض عليها كاميرون في بروكسل.

عشرات آخرون ينتظرون ليروا النتيجة: إذا فشل رئيس الوزراء في الحصول على صفقة أفضل، يمكن للسلام الهش للحزب بخصوص أوروبا أن يتمزق.

الرأي العام البريطاني، وفقا لمعظم استطلاعات الرأي، هو في مصلحة بقاء البلاد في الاتحاد، ولكن استفتاء استقلال اسكتلندا الذي كان الفوز فيه بفارق ضئيل في العام الماضي، هو تذكير بكيف يمكن لهذه الأصوات أن تمزق الأعصاب.

على الرغم من أن الأحزاب الرئيسة المعارضة، إلا أن معظم المجموعات التجارية والحي المالي في لندن سيعارضون خروج بريطانيا، ويمكن للنقاش أن يجري في جو إعلامي تسوده مشاعر العداء تجاه التكامل الأوروبي.

يحتاج كاميرون إلى صفقة جيدة في أوروبا ويتم بناء استراتيجيته حول ثلاثة مجالات رئيسة هي: جعل الاتحاد الأوروبي أكثر قدرة على المنافسة، والحد من قوته فيما يتعلق بالدول الأعضاء، والحد من وصول العمال المهاجرين إلى نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا – محاولة لتهدئة المخاوف العامة حول حجم الهجرة. نيك كليج، الزعيم السابق في حزب الديمقراطيين الأحرار والمؤيد للتكامل الأوروبي، يصف جدول كاميرون بـ “الأمومة وفطيرة التفاح” وحزب المعارضة الرئيس، حزب العمال، يوافق على نطاق واسع. بعبارة أخرى، موقف كاميرون لا يعد أضغاث أحلام للمتشككين المحافظين المتشددين، بل ينسجم مع الرأي العام السياسي في بريطانيا.

في حين أن نهج كاميرون لا يعد بأي شكل من الأِشكال حازما بما فيه الكفاية بالنسبة لبعض الأفراد في حزبه، إلا أن السؤال هو ما إذا كان الأمر سيذهب بعيدا فوق الحد بالنسبة لشركاء التفاوض لديه.

هناك نوعان من العقبات التي تلوح في الأفق. الأول هو أن بلدان أوروبا الشرقية معارضة لما يعتبرونه نهج كاميرون التمييزي بخصوص الفوائد التي تعود على المهاجرين البولنديين والليتوانيين، وغيرهم من الذين يأتون إلى بريطانيا للعمل.

وكما يقول جان كلود بيريس، مستشار قانوني بارز سابق لقادة الاتحاد الأوروبي: “بمجرد أن يكون لديك تمييز بين مواطني الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك يشكل انتهاكاً للمعاهدات”.

المشكلة الثانية الكبيرة هي معارضة كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لرغبة كاميرون الحصول على “تغيير كامل على المعاهدة” لتتويج صفقته الجديدة. لا يوجد بلد يرغب في التعرض إلى صدمة لمحاولة التصديق على استفتاء وطني حول معاهدة أوروبية جديدة. هولاند وميركل لا يريدان للألم العصبي البريطاني التدخل في الحملات الانتخابية المحلية لديهما لعام 2017. وقال هاموند في الأسبوع الماضي إن الدافع وراء تغيير المعاهدة ليس “السياسة”، بل ببساطة لأن ضمان أي اتفاق هو قانوني على نحو لا لبس فيه. كبار المسؤولين البريطانيين يعترفون بأن هناك مخاطرة كبيرة بالفشل. هناك قلق من أن هولاند قد يعرقل عملية التوصل إلى اتفاق، أو أن مطالب المملكة المتحدة قد تؤدي إلى سباق لا يمكن السيطرة عليه، لتقديم تنازلات من الدول الأعضاء الأخرى.

أهم ما في الأمر، كما يقول كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، فإن تهميش بريطانيا المتنامي في بروكسل يجعل من الصعب على كاميرون المطالبة بامتيازات.

وكما يقول أحد كبار المسؤولين الذين سيشاركون عن كثب في المحادثات: “يجب على البريطانيين ألا يبالغوا في تقدير نفوذهم – لقد فعلوا ذلك في الماضي.

يمكن إيجاد الحلول”. ويضيف: “المطالبة بالكثير فوق الحد، والسعي إلى سقف عال للمطالب، سيؤديان بالمفاوضات إلى طريق مسدود. الدول الأعضاء الأخرى لديها سياسة داخلية عليها أن تتعامل معها أيضا”.

يقول المسؤولون في بروكسل إن إبرام اتفاق أمر ممكن، شريطة ألا يسعى كاميرون إلى تغييرات غير واقعية لاسترضاء المتشددين لديه. السوابق ليست ميمونة: بعد كل شيء وافق رئيس الوزراء فقط على الاستفتاء في المقام الأول تحت ضغط من نوابه المعارضين للتكامل الأوروبي. قال كاميرون لجان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، إنه لا بد أن يكون قادرا على بيع الصفقة لـ”الإنسان العادي”. ثم إنه يعتقد أن بإمكانه أن يضع حدا للجدل حول دور بريطانيا في أوروبا، ومنعها من “المشي وهي نائمة نحو الخروج”. وكما يقول هاموند: “الناس يقولون لا، لا، لا، هذا لا يمكن أن يتم ذلك إلى أن يصلوا إلى المرحلة التي يقولون فيها موافقون، وسنفعل ذلك. وكما تقول المستشارة ميركل، حيث تكون الإرادة توجد الوسيلة. وقد أظهر الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا أنه رغم جميع اللغة والمواقف الخطابية، إلا أنه عملي تماما من الناحية البرجماتية، حين تدعو الحاجة إلى إنجاز شيء ما”.