IMLebanon

مزاج البحر متقلب كالسياسيين أمام شباك الصيادين في لبنان

Fisherman-Beirut
عبدو سليط، واحد من هؤلاء، تجاوز البحر في عينه كونه مجرّد مصدر للرزق، فهو يمثل له عشق المكان الذي تربّى فيه وكبر مع قصصه منذ أن ورث عن والده هذه المهنة التي تحوّلت مع الوقت إلى شغف لا ينضب.
يقول سليط، 42 عاما، الذي يسكن في عين المريسة، “أعشق البحر.. لقد تربيت في هذا المكان وكبرت مع قصصه”.

ويضيف “لقد أمضيت حياتي وأنا أعمل هنا بين عدة الغطس والسباحة، وبين أقفاص الصيد والشِباك.. البحر بالنسبة لي هو كل شيء، وأكاد لا أفارق هذا المكان”.

كغيره من صيادين كثر، يبدأ عبدو نهاره الطويل مع ساعات الفجر الأولى، فبعد تحضير عدّة الصيد يركب قاربه المتواضع الذي يقوم بإصلاحه كل فترة، ليخرُج من حوض “السنسول”، وهو حاجز صخري أو إسمنتي يردّ الأمواج عن الميناء كي لا تدمر المراكب ولا يتضرّر الميناء، ليبدأ مشواره الشاق في عرض البحر ولا يعود إلا في ســاعة متأخرة من اللــيل.

في عرض البحر يوقف عبدو مركبه، ومن خلفه تبدو بيروت كلوحة غارقة بسلامها وسحرها، عاكسة صورة مغايرة لما تعانيه المدينة وسكانها من أزمات سياسية وأمنية تتناسل كلّ يوم وتكاد لا تنتهي.

يُنزل عبدو الشباك، وينتظر طويلا حتى تعلق بعض الأسماك فيها.. يلقي التحية على زملاء له مرّوا بجانبه.. يستمر الانتظار، ويستمر صيادنا بالحديث عن سرّ تعلقه بالبحر.

“أحيانا أعود بعدد كبير من الأسماك التي علقت في الشباك، وأحيانا أخرى لا تكون الغلّة كبيرة، فالأمر يختلف في البحر، إذ على الرغم من أن الصيد يعتبر مهنة كغيرها من المصالح لكن القانون هنا يسير وفق منطق يوم لك ويوم عليك، وبالتالي فإن الشباك لا تمتلئ دائما بالأعداد الوفيرة من الأسماك”، هكذا يصف عبدو مهنة الصياد التي لا تستوي فيها كل الأيّام.

“مستورة رغم كل الصعوبات”. هكذا يجيب صيادنا عندما تسأله عن سير العمل، وهكذا يمضي حديثه “الصيادون هنا يجمعهم الصبر والكفاح من أجل العيش بكرامة”.

يفضّل عبدو ممارسة مهنة الصيد في مياه البحر النظيفة على متابعة الأخبار السياسية على شاشات التلفزة، فالسياسة بالنسبة إليه “اصطيادٌ في الماء العكر”.

ويشكو الصياد القوي البنية من تقصير الدولة في الاعتناء بالموانئ والمرافئ المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني، قائلا إنه “مع كل عاصفة أو كارثة جوية أو بيئية تُصاب مراكبنا بنكبة، والوزارات المعنية غائبة ولا تقوم بدفع التعويضات بالشكل المطلوب”، حسب ما ذهب إليه.

في مركب عبدو أسرار كثيرة يأخذها معه كل فجر قبل عودته المتأخرة ليلا إلى العاصمة، فالظروف الصعبة التي يواجهها، من مادية إلى اجتماعية وعائلية ونفسية، ينساها ويرميها في قعر البحر، وكما يقول “أسرار كبيرة تجمع الصياد بالبحر، وهي أسرار لا تعرفها إلا هذه الأمواج، ولا يمكن البوح بها إلا هنا”.

ويضيف “البحر هو المتنفس الوحيد بالنسبة لي، فبمجرد الجلوس وسط هذه السكينة والنظر إلى الأفق بين ألوان السماء الزاهية، وعمق ألوان البحر وانعكاساتها، يعود السلام الذاتي والروحي، ويتصالح المرء مع نفسه”.

قصة عبدو تشبه قصص الصيادين من الشمال اللبناني وحتى أقصى جنوبه، هي رحلة يومية مصحوبة بالتعب والصبر وكثير من التفكير، من أجل كسب الخبز اليومي والعيش بكرامة، بعيدا عن تلاطم أمواج المشهد السياسي في لبنان.