IMLebanon

هل يحلّ سدّ بسري أزمة المياه في “بيروت الكبرى”؟

DamnRiver

عزة الحاج حسن

تحتل أزمة المياه مطلع كل صيف حيزاً كبيراً من النقاشات والدراسات، وهي الأزمة ذاتها التي تفتح الأبواب على مصراعيها موسمياً أمام مزايدات السياسيين ومتاجرة السماسرة والمنتفعين، فلا أزمة الشح السنوية انتهت ولا الحلول رأت النور، باستتثناء بعض مشاريع الآبار والسدود المشكوك بجدواها أو البرك المرخصة عشوائياً والتي قد تنفجر أحياناً كما حصل أخيراً في العاقورة.
ولأزمة المياه في بيروت الكبرى قصة تعود فصولها إلى سنوات مضت، ولم تفلح الحلول المقترحة بإرواء سكانها البالغ عددهم مليوناً ونصف المليون، على الرغم من رصد مئات الملايين من الدولارات لوضع حد لهذه الأزمة. وقد تركزّت الحلول منذ العام 2010 على وضع منظومة مائية لتزويد بيروت الكبرى بالمياه بواسطة سد جنة على نهر ابراهيم، وجر مياه نهر الليطاني عبر سد الليطاني، وسد بسري على نهر الأولي، وكلها مشاريع رُصدت لها الأموال قبل وضع دراسات الجدوى خاصتها. وقد أقرّت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية، يوم أمس، مشروع سدّ بسري، وسط تجاهل الأصوات المعترضة على إقامته والطعن المقدّم أمام مجلس شورى الدولة لوقف العمل به.

وفي حين تصر لجنة الأشغال على أن سد بسري سيصبح أهم مصدر للمياه لمنطقة بيروت وضواحيها، إذ سيخزن 100 مليون متر مكعب وسيخدم المنطقة الممتدة من الدامور الى الجديدة حتى ارتفاع 200 متر، يصرّ في المقابل أحد المعترضين على إقامة سد بسري الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا في حديثه الى “المدن” على أن تزويد بيروت الكبرى بالمياه من سد بسري يُعد جريمة كبرى، فبماذا يبرّر شاتيلا أسباب رفضه للسد؟
لسد بسري على نهر الأولي بحسب شاتيلا مخاطر تقنية وجيولوجية، “فهو يقع فوق طبقات رملية وصلصالية غير متماسكة وعند تشبعها بالمياه، من المنطق أن تصبح لزجة، كما وأن هذا السد يبلغ وزنه نحو 100 مليون طن، وسيجمّع مياه بوزن يقارب 100 مليون طن، ويقع على مسافة لا تبعد أكثر من كيلومترين اثنين فقط من فالق روم الزلزالي الذي ما زال ناشطاً.
وإذا نظرنا الى تكلفة إنشاء السد لوجدنا أنه ممول من البنك الدولي بنحو 810 مليون دولار، في حين أن تكلفته في كتاب وضعه مجلس الإنماء والإعمار بتاريخ 27/12/2014 تبلغ نحو 617 مليون دولار بما فيها الإستملاكات ومحطة لتكرير المياه وغيرها من المنشآت التابعة للسد، فأين ستذهب ملايين الدولارات المتبقية؟
ويُضاف الى الثغرات التي تشوب قرار إنشاء سد بسري أن تكلفته الباهظة وتمويله من قبل البنك الدولي يحتّم على وزارة الطاقة والمياه ممثلة بمصلحة مياه بيروت وجبل لبنان رفع تعرفة المياه على المشتركين خلال السنوات المقبلة بشكل كبير، وبالتالي فإن سكان بيروت الكبرى هم من سيجني ثمار قرار إنشاء سد بسري الخاطئ، بحسب شاتيلا.
وبما أن سد بسري لا يتمتع بالمواصفات الجيولوجية السليمة، وفق شاتيلا، في مقابل وجود دراسات جدوى تثبت صحة استجرار نحو 97 مليون متر مكعب من مياه نهر الدامور وبأكلاف زهيدة لا تتجاوز 153 مليون دولار، فلماذا رفضت وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار إقامة سد الدامور، في حين أصر الطرفان على السير بمشروع بسري الى جانب مشروع سد جنة؟ يعزو شاتيلا ذلك إلى تقاطع مصالح بين متعهدين وسياسيين منتمين الى كبرى الأحزاب السياسية وتصل حصص العمولات والسمسرات بينهم الى ملايين الدولارات.

من الواضح أن مشاريع السدود تتوزع سياسياً على المناطق، وتستفيد منها جهات عديدة معنية بمشاريع المياه، لكن يبقى الخوف من أن تتحوّل مشاريع إرواء بيروت الكبرى بالمياه الى مادة خلافية تهدف إلى حصد مكاسب مالية وسياسية فحسب، عندها ستبقى المياه ككل عام.. الغائب الأكبر عن بيروت وضواحيها.