IMLebanon

تعيين قائد الجيش بين الأصول والسياسة وجنبلاط يدعو الحريري لـ”المقايضة”!

jean-kahwaji111

ثلاثة أشهر هي المدة المتبقية من مهلة تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي صدر بقرار من وزير الدفاع السابق فايز غصن في 31 تموز 2013، وتنتهي في 23 أيلول المقبل. لكن المعركة على المنصب، تعييناً أو تمديداً، فتحها رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون استباقياً، طارحاً، بطريقة مستترة، تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش. والسؤال لماذا شامل روكز من دون غيره؟ ولماذا يحق له في نظر عون ما لا يحق لغيره؟

وفق المعلومات التي توافرت لـ”النهار” من مصادر ثقة، تضم المؤسسة العسكرية راهناً 100 عميد ركن مسيحي ماروني، من دورات الأعوام بين 1980 و1985، يحق قانوناً لواحد منهم أن يتولى مهمات القيادة، ولكن تطرح في التداول نحو 10 أسماء، يتمتع أصحابها بصفات مميزة، وسبق أن تولوا وظائف قيادية ومهمات عملانية ومراكز إدارية رفيعة، وخاضوا معارك مهمة أصيبوا خلالها وانتصروا، تخوّلهم تبوّؤ هذا المركز، تماماً مثل العميد روكز الذي لا ينكر أحد من زملائه الضباط كفاءته وشجاعته وخبرته الميدانية. ويسأل بعضهم لماذا لا تراجع على الأقل سيرهم الذاتية، من تاريخ دخولهم الكلية الحربية حتى حصولهم على رتبة عميد ركن، مروراً بالوظائف التي تسلموها وانتاجيتهم، وإذا كان ولاؤهم للمؤسسة العسكرية أو لفريق سياسي معيّن، لتحديد بالتالي من يستحق أو لا يستحق منهم التعيين.

متابعون للشؤون العسكرية يؤكدون أنه لدى اختيار قائد الجيش يُعتمد عاملان: الأول هو الكفاءة ويفضّل من له خبرة ميدانية، والثاني عدم الانتماء السياسي الى أي فر يق، ولا يؤخذ في الاعتبار عامل العمر أو الأقدمية، بل غالباً ما يتم اختيار الأحدث من بين المرشحين. ويلفتون الى أنه لم يعيّن مرة قائد جيش، وهو على أبواب تسريحه وتقاعده من المؤسسة.

تقتضي التراتبية العسكرية خدمة 8 سنوات برتبة عميد وسنتين برتبة عماد، وسن التقاعد للعميد هو 58 عاماً وللعماد 60 عاماً، وفي العودة الى أرشيف المؤسسة العسكرية في العقود الثلاثة الأخيرة يتبيّن أن العماد ابرهيم طنوس عيّن قائداً بعمر 53 عاماً، وخلفه العماد ميشال عون الذي عين قائداً للجيش بعمر 49، تلاه العماد إميل لحود بعمر 54، فالعماد ميشال سليمان بعمر 50 وأخيراً العماد جان قهوجي بعمر 55 عاماً. وهذا يظهر أن معدل أعمار قادة الجيش راوح بين 49 و53 عاماً، وسنوات الخدمة المتبقية تراوح بين 4 و6 سنوات.

من ناحية ثانية، تلفت المصادر المتابعة الى أنه اذا كان صحيحاً أن قائد الجيش يعيّن بمرسوم في مجلس الوزراء، فإن الصحيح أيضاً أنه يؤخذ دائماً برأي رئيس الجمهورية، فهو رئيس المجلس الأعلى للدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ولا يدرج بند التعيين على جدول أعمال مجلس الوزراء، إلا بعد حصول توافق على الاسم، ولم يسبق أن وقف وزراء ضد رغبة رئيس الجمهورية في هذا الخصوص.

مع التمديد أو التعيين؟ لكل رأي داعموه. فالذين يطرحون التمديد، أي تأجيل تسريح قائد الجيش، يعتبرون أن في هذا رسالتين، الأولى أن هناك إرادة فعلية وتوجهاً جدياً لانتخاب رئيس، وهو ما يشكل أولوية لدى هذه الحكومة التي تتمثل فيها كل الكتل السياسية. والثانية عدم استباق انتخاب رئيس الجمهورية بتعيين قائد الجيش، وفرضه عليه.

أما الذين يعارضون التمديد، ويطالبون بالتعيين، فتلفت المصادر المتابعة الى استياء بعض الضباط الطامحين الذين يرون في التمديد للعماد قهوجي حرماناً لحقّهم في هذا المنصب، خصوصاً أنه سبق أن حرم البعض من هذا الحق في السنتين المنصرمتين، بفعل التمديد لقهوجي، وسيحرم آخرون من الحق نفسه ثانية، إضافة الى اضطرار البعض للاستقالة علماً أن لا نص قانونياً يفرض على هؤلاء الاستقالة، لكن البعض منهم يقدم على هذه الخطوة لاعتبارات معنوية، أبرزها عدم قبول الإمرة ممن كان لهم حق الإمرة عليه.

وفي كلا الحالين تؤكد المصادر نفسها أن المنافسة والتعيين، إذا حصلا بحسب الأصول، لا يؤثران على معنويات الضباط، لكن ثمة امتعاضاً من تأجيل الاستحقاقات أيضاً في مواقع أخرى في المؤسسة العسكرية مثل مدير المخابرات ورئيس الأركان، وملء الشواغر في المجلس العسكري.

سبق أن ذكر العماد عون في أحد تصريحاته أن “هناك 500 عميد في الجيش، ألا يوجد واحد منهم يستحق أن يعيّن قائداً”؟ هذا صحيح. ولكن الجميع يسألون هل من هؤلاء لا يصلح الا العميد روكز؟ أين تكافؤ الفرص؟ ولماذا إقحام الجيش في البازار السياسي؟ وما الهدف من التأثير على معنويات الضباط والعلاقات في ما بينهم؟ ولماذا مصادرة حق رئيس الجمهورية في اختيار فريق عمله وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ وفي هذا السياق تشير المصادر نفسها الى أن مجرد طرح أي طرف سياسي لاسم ضابط ما، بغض النظر عن مناقبية هذا الضابط وكفاءته، يترك أثراً سلبياً على الدور الوطني للمؤسسة وتماسكها، ويحد من حركة قائدها، ما ينعكس تالياً على فاعليتها، خصوصاً في هذه الظروف السياسية والمذهبية المتشنجة.

ويختمون أن حل هذا النزاع بسيط: انزلوا وانتخبوا رئيساً للجمهورية، فتستقيم الأمور، وفي طليعتها تعيين قائد للجيش وفق الأصول.

إلى ذلك، لفتت صحيفة “السفير” الى ان “هناك 3 احتمالات في موضوع التعيينات الأمنية، أولاً، أن تشكل مهلة الأسبوع فرصة لـ”سرقة” تفاهم سياسي على تعيين شامل روكز قائداً للجيش مقابل تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي (أحد الثلاثة أحمد الحجار أو عماد عثمان أو سمير شحادة) يختاره “تيار المستقبل”، وهو احتمال ارتفعت أسهمه في ضوء الحركة الجنبلاطية الأخيرة وما يمكن أن تسفر عنه زيارة سلام الى السعودية.

ثانياً، إن مجرد إلغاء مذكرة المدير العام السابق التي قضت بتسليم مهام المديرية العامة لقوى الأمن بالوكالة الى الضابط الأعلى رتبة من بين قادة الوحدات، يؤدي تلقائياً للركون الى قانون قوى الامن الداخلي (القانون 17) الذي ينص على أن أي موقع يحصل فيه شغور يؤدي الى استلام الأعلى رتبة في المديرية ككل. وفي هذه الحالة، يتسلم القيادة بالوكالة الضابط الماروني ايلي كيوان.

ثالثاً، التمديد بقرار صادر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق للمدير العام الحالي اللواء ابراهيم بصبوص، الى حين تعيين مدير عام جديد”.

واشارت مصادر واسعة الاطلاع لصحيفة “السفير” الى إنه “اذا كانت فرصة الاحتمال الأول (تعيين شامل روكز مقابل تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي) تقل عن خمسين في المئة حتى الآن (في غياب المقايضة على الرئاسة)، فإن فرصة الاحتمال الثاني هي الأقل كلفة على الجميع (الوكالة)، غير أن ما يسري اليوم على قوى الأمن سيسري في أيلول على قيادة الجيش، فهل يمكن لأي جهة سياسية لبنانية أن تتحمل قائداً مسلماً للجيش (سواء أكان شيعياً أو سنياً أو درزياً)، اذا تم اعتماد قانون الدفاع بأن يتولى المهمة بعد تقاعد قهوجي الضابط الأعلى رتبة، وما هي الرسالة التي يراد عندها توجيهها للمسيحيين في ظل شغور أهم موقعين مارونيين (رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش)؟”.

واعتبرت المصادر أنه “في هذه الحالة، تبقى الأرجحية للاحتمال الثالث، أي التمديد للمدير العام الحالي اللواء ابراهيم بصبوص، الأمر الذي يعني تلقائياً، دفع “حزب الله” ورئيس “المردة” سليمان فرنجية الى التضامن مع رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون في خيار تعطيل الحكومة، بعنوان الاشتراط أن يكون في طليعة جدول أعمال أية جلسة جديدة لمجلس الوزراء بدءاً من الاثنين المقبل ملف التعيينات الأمنية في الجيش وقوى الأمن الداخلي”.

واوضحت أن “وزير الداخلية نهاد المشنوق سيبادر تلقائياً، بعد استنفاد الخيارات، الى التمديد لبصبوص مهما كانت تبعات هذه الخطوة، وهو صارح كل من راجعوه بأنه لا يمكن أن يرسل العسكر الى الحرب وظهرهم مكشوف سياسياً، وهذه النقطة يلتقي فيها مع الرئيس نبيه بري الذي بدا متحمساً للتعيين لكنه اعتبر أن الفراغ في أية مؤسسة بمثابة انتحار للبلد”.

واشارت المصادر الى أن “عون بات أسير السقف السياسي الذي رفعه وبات “حزب الله” في الوقت نفسه، أسير التضامن معه، ولو أن قناعته تشي بعكس ذلك، في ما يخص قيادة الجيش الحالية، وهذا ما سيؤدي الى إقدام الوزراء العونيين على خطوة هي أقل من اعتكاف أو استقالة، لكنها ستؤدي في النهاية الى تعطيل الحكومة وجعلها حكومة تصريف أعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية أو أمنية”.

صحيفة “السفير” قالت: “هدأت معظم المحركات السياسية، باستثناء محركات وليد جنبلاط. تحرك الزعيم الدرزي في أكثر من اتجاه. أجرى، أمس الأول، اتصالاً بسعد الحريري وتمنى عليه السير بخيار شامل روكز قائداً للجيش، معتبراً أنه إذا كان يصعب في هذه المرحلة البت بالرئاسة، فماذا يمنع إرضاء ميشال عون بقيادة الجيش؟.
وأضافت: “لم يقفل الحريري الأبواب بل طلب مهلة للتفكير في الأمر، علماً أنه كان قد أعطى في السابق إشارات إيجابية قبل أن ينقلب عليها فؤاد السنيورة. دقّق جنبلاط في معطيات بعض «14 آذار» وبعض «الوسطيين» عن عدم وجود حماسة غربية لأي بديل للعماد جان قهوجي في هذه المرحلة. كان جواب سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل واضحاً بأن بلاده لا تضع “فيتو” على أي ضابط وأن ما يعنيها هو تماسك الجيش ودوره الضامن للاستقرار ومكافحة الإرهاب، ولذلك، لن تتردد في المضي بدعمه بشتى الإمكانات”.

وما قاله ديفيد هيل عبَّر عنه أقرانه من السفراء الغربيين، بأن حماية الجيش اللبناني واستقرار بنيانه القيادي أولوية تتقدم على رئاسة الجمهورية لا بل على كل الاستحقاقات السياسية، خصوصاً في ظل المهمات الكبيرة الملقاة على عاتقه في الداخل أو على طول الحدود اللبنانية.
وبحسب الصحيفة، عندما قرع البعض أبواب السعوديين، لم يكن جوابهم مختلفاً عن الأميركيين بترك هذه المسألة للقيادات اللبنانية، وأنهم لم ولن يتدخلوا أبداً في هذا النوع من الملفات الداخلية، ولعل هذا الكلام سيسمعه رئيس الحكومة تمام سلام مجدداً، الأربعاء المقبل، في السعودية من ملكها سلمان وولي عهده الأول محمد بن نايف وولي عهده الثاني محمد بن سلمان، مع التأكيد السعودي على دعم الجيش، سواء بالمليارات التي خصصت له في زمن الملك عبدالله، أو بمبادرات جديدة ستشمل بطبيعة الحال ملف النازحين السوريين بالدرجة الأولى.