IMLebanon

ارتفاع أسعار التبغ في غزة جراء صعوبة تهريبه من مصر

GazaTunnels
يستغل الشاب الفلسطيني محمد ساعات الليل لسحب شحنة تبغ جديدة من داخل نفق أرضي على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر مخاطرا بحياته.
وخلال عمل الشاب قصير القامة نحيف الجسد يتعالى أزيز الرصاص وأحيانا تدوي انفجارات في الجانب المصري من الحدود الخاضعة لرقابة شديدة من قبل الجيش المصري بعد أن سوى المنشآت التي كانت مقامة على مسافة كيلو متر واحد بالأرض لتأمين حدود بلاده.
ويقول محمد (37 عاما) الذي اشترط عدم ذكر اسم عائلته لوكالة أنباء ((شينخوا)) “كانت رفح المصرية عاصمة التهريب مع غزة، لكن أصبحت الآن مدينة الشيخ زويد هي المركز الجديد (6 كيلومترات عن حدود غزة)”.ويضيف أن العمل في ظل الإجراءات الأمنية التي يتبعها الجيش يحتاج إلى “الابتكار والكثير من الحيل والطرق الخاصة لبناء الأنفاق حتى لا تستطيع الحفارات المصرية التي تعمل على الحدود ليل نهار الوصول إليها”.
ويعمل محمد في تهريب علب التبغ من مختلف الأنواع والتي باتت تهرب عبر أقل من 10 في المائة من الأنفاق التي مازال العمل فيها متواصلا.
ويقول محمد “في الغالب لا يتم الآن إحداث فتحة للنفق في الجانب المصري، والأمر لا يتعدى إخراج أنبوب بلاستيكي بقطر صغير، يسمى محليا (إشارة) بالكاد تكفي فتحته لرمي علب السجائر داخلها، ومن ثم يسحب الأنبوب، ويغلق مكانه بطريقة خاصة، وينتهي الأمر في غضون دقائق معدودة، وكأن شيئا لم يحدث”.
ويشير زميل محمد الذي خرج للتو من نفق بعد 12 ساعة من العمل، إن “ارتفاع أسعار السجائر وأرباحها العالية تحفز القائمين على الأنفاق لفعل المستحيل لإنجاح تهريبها، فيما لا نحصل نحن رغم تعريض حياتنا للخطر سوى على الفتات”.
ورغم استمرار ما يصل إليه من تبغ مهرب فإن البائع المتجول حسن الجلطة الذي ينشط في هذه التجارة منذ سبعة أعوام بات يبيع عددا محدودا من علب السجائر لزبائنه في قطاع غزة جراء ارتفاع أسعار بيعها للمستهلك.
ومثل مئات العاطلين عن العمل في قطاع غزة اضطر الجلطة وهو في العقد الرابع من العمر للعمل كبائع متجول بعد أن فقد عمله في مجال البناء بفعل القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على دخول مواد البناء إلى القطاع.
ويقول الجلطة ل((شينخوا)) بينما كان يسير وهو يحمل صندوقا وضع فيه كمية قليلة من السجائر وبأنواع محدودة “لم تعد تجارة التبغ مجدية بسبب ارتفاع أسعاره علينا كبائعين وبالتالي على المستهلك (…) لكن لا بديل أمامنا في ظل البطالة التي يشهدها قطاع غزة”.
ويقول تجار محليون إن تكلفة علبة السجائر الواحدة المهربة من مصر تقل عن 10 شيكل إسرائيلي (الدولار يساوي 3.86 شيكل) لكنها تباع في غزة بين 16 إلى 35 شيكل حسب النوع.
وبدأت أسعار السجائر بالارتفاع في قطاع غزة بعد انتهاء الهجوم الإسرائيلي عليه صيف العام الماضي، وتدمير الجيش المصري أكثر من 90 في المائة من الأنفاق الأرضية معه لتصل إلى أسعار غير مسبوقة بارتفاع نسبته 100 إلى 200 في المائة في بعض الأحيان.
ويأتي هذا الارتفاع في أسعار السجائر في حين تتجاوز نسبة البطالة في صفوف سكان قطاع غزة نسبة 43 في المائة وفق تقرير حديث أصدره البنك الدولي أخيرا.
وكانت تجارة أنفاق التهريب بدأت بعد أشهر من سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة بالقوة منتصف يونيو عام 2007 على غزة، وشهدت ازدهارا هائلا أبان ثورة يناير في مصر وحكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وجرى تدمير غالبية الأنفاق من قبل الجيش المصري بعد عزل مرسي مطلع يوليو 2013، وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد ذلك بعام، الأمر الذي جعل التهريب عبر الحدود مهنة خطيرة في ظل إقامة منطقة عازلة بعمق كيلو متر واحد داخل مصر على طول الحدود القطاع الساحلي.
بيد أن مهربين في غزة مازالوا يمتلكون أنفاقا لم يتم تدميرها يهربون عبرها حوالي مائة ألف علبة سجائر من مصر يوميا، وفق ما يفيد تجار محليون.
ويقول سعد الشاعر الذي كان يتوسط عددا من تجار التبغ في أحد المتاجر في رفح “كل يوم تكون هناك محاولات لإدخال السجائر إلى غزة (…) أحيانا يتم مصادرة الشحنة من قبل الجيش المصري قبل وصولها إلى النفق،
وهذا يعني أن كارثة أصابت صاحبها”.ويضيف الشاعر الذي يبلغ (52 عاما) ل((شينخوا)) “ما نفعله مثل القمار يوم نربح وآخر نخسر”.
ويشير زملاء الشاعر إلى أن عددا من أصحاب الأنفاق زادوا مسافتها داخل الأراضي المصرية لمسافة نصف كيلو متر على الأقل لتصل إلى ثلاثة كيلو مترات في عمق الأراضي المصرية في بعض الأحيان كإجراء احترازي في ظل توسيع المنطقة العازلة في الجانب المصري من الحدود.ويمكن معاينة إجراءات الجيش المصري ضد الأنفاق يوميا من أعلى برج سكني يقع وسط رفح الفلسطينية ويتخذ عددا من الصحفيين أحد شققه كمقر لتوثيق ما يحدث في الجانب المصري.
ويعزو تجار في مدينة رفح الارتفاع الكبير في أسعار بيع السجائر في غزة إلى ما يحصله أصحاب الأنفاق وسلطات الحكومة المقالة السابقة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).ويحصل مالك النفق نظير مرور كل علبة سجائر على ثمانية شواكل، بينما تفرض وزارة المالية في الحكومة المقالة السابقة في غزة ضريبة على كل علبه 2 شيكل.
وكشف مصدر مسؤول في وزارة المالية في غزة ل((شينخوا)) شريطة عدم كشف هويته، عن توجه لرفع الضريبة المفروضة على السجائر المهربة عبر الأنفاق من مصر والقادمة عبر المعابر من إسرائيل تطبيقا لقانون ضريبي أقرته كتلة حماس البرلمانية الشهر الماضي.
ومثلما تحصل الحكومة في غزة على ضريبة نظير دخول السجائر المهربة من مصر، فإن نفس قيمة الضريبة تجبيها من السجائر التي بدأت تدخل حديثا إلى القطاع عبر معبر تجاري وحيد مع إسرائيل.
ويقول تجار تبغ محليون إن السلطات في غزة تجبي من وراء التبغ ما يصل لربع مليون شيكل يوميا.
وتشتكى حكومة الوفاق الفلسطينية التي تشكلت مطلع يونيو الماضي من عدم تمكينها من بسط ولايتها على قطاع غزة خاصة إدارة الملف الأمني وإدارة المعابر، وسبق أن ألمحت إلى استمرار وجود حكومة “ظل” في القطاع تهيمن عليها حماس وتواصل جمع الضرائب.
وكلفت حكومة الوفاق عند إعلان تشكليها مطلع يونيو الماضي بمهام توحيد المؤسسات الفلسطينية والبدء بالتحضير لانتخابات فلسطينية عامة خلال مهلة ستة أشهر غير أنه لم يتم التقدم عمليا بهذه المهام.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الفلسطيني معين رجب، أن ارتفاع أسعار التبغ بهذه الصورة يعود إلى عدة عوامل أبرزها الإجراءات الأمنية المصرية، وارتفاع تكليف نقلها، والضرائب المفروضة، إضافة إلى عامل رابع وهو دخول بعض المستثمرين ممن يمتلكون رؤوس أموال على خط هذه التجارة.
ويوضح رجب ل((شينخوا)) “أن هؤلاء (أصحاب رؤوس الأموال) يترقبون انخفاض أسعار السجائر، ويجمعون كميات كبيرة من السجائر من الأسواق، ويخزنونها ثم يتحكمون في أسعارها عندما يتقلص التهريب بفعل الإجراءات المصرية المتبعة على الحدود”.
ويشير رجب إلى أن أسعار السجائر المهربة باتت تخضع لما يشبه “قانون العرض والطلب”، فكلما زادت الكميات المعروضة في السوق انخفضت الأسعار، والعكس صحيح.