لم يتواصل التحسن الذي شهدته أسواق التجارة بالتجزئة في الفصل الأخير من العام 2014 إلى بداية العام الحالي، بعدما سُجّل تحسّن حقيقي في الفصل الرابع من العام 2014 لامس 3% مقارنة بالفصل الرابع من العام السابق، في الوقت الذي تحسّن فيه مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة للمرة الأولى بعد خفوضات متتالية لنحو ثلاث سنوات ليرتفع من 54.45 إلى 58.42.
ورد ذلك في «مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة» للفصل الأول من سنة (2015 Q1 – 2015) وجاء فيه: «شهدت في المقابل أسواق التجارة بالتجزئة في معظم قطاعاتها، معاودة الضغوط الإنكماشية التي انسحبت سلباً على النشاط الاقتصادي وبالتالي تراجعاً في المبيعات. فبالرغم من الإجراءات الأمنية الصارمة التى حالت دون وقوع هزّات على الساحة الداخلية، وفي ظل شبه التوافق الذى تشهده الحكومة، وأجواء الحوارات الإيجابية بين مختلف الأطراف السياسية، ظلّت الأخطار المحدقة بالبلاد في السلسلة الشرقية، والحروب الإقليمية المحيطة بلبنان، واستمرار شغور سدّة الرئاسة، وعدم التوصّل الى اتفاق في ما يخصّ المراكز الأمنية، كبحَت محرّكات النشاط الإقتصادي وحدّت في معظم قطاعات التجارة بالتجزئة، من القابلية للإستهلاك.
علماً أن مؤشرات غلاء المعيشة، وفق النتائج التى تعلنها إدارة الإحصاء المركزي شهرياً، سجلت – 3.38% ما بين الفصل الأول من سنة 2014 والفصل الأول من سنة 2015، وأيضاً – 0.98% ما بين الفصل الرابع من سنة 2014 والفصل الأول من سنة 2015.
فالواقع الإقتصادي يقول إن تزامن تراجع مؤشر غلاء المعيشة يشير الى تراجع الطلب على السلع الإستهلاكية ما يؤدّي حتماً الى انخفاض أسعارها، وهذه ظاهرة غير صحية على المدى القصير. وفي هذا السياق يُفترض أن يؤدي هذا التزامن لاحقاً الى التعافي بسبب الأسعار التى أضحت مستوياتها محفّزة للإستهلاك مجدّداً، شرط ألا تستجدّ عوامل أخرى قد تعطّل الآلية الإقتصادية الصرفة.
يهمّنا أن ننبّه الى أن مؤشر غلاء المعيشة (إن من سنة الى سنة أو بين فصل وفصل) يسجل اليوم نسباً سلبية للفصل الثاني على التوالي: مؤشر غلاء المعيشة (وفق إدارة الإحصاء المركزي):
– 0.71% الفصل الرابع من سنة 2014 مقارنة بالفصل الرابع من سنة 2013.
– 1.49% الفصل الرابع من سنة 2014 مقارنة بالفصل الثالث من سنة 2014.
– 3.38% الفصل الأول من سنة 2015 مقارنة بالفصل الأول من سنة 2014.
– 0.98% الفصل الأول من سنة 2015 مقارنة بالفصل الرابع من سنة 2014.
لكن في حين أظهرت النتائج للفصل الأول من هذه السنة تحسناً نسبياً في حجم مبيعات الوقود، وفي أرقام المبيعات الحقيقية لبعض السلع الأساسية الأخرى، ما زالت النتائج المجمّعة لكافة قطاعات التجارة بالتجزئة ترصد انخفاضاً حقيقياً بمعدّل – 5.05 % ما بين الفصل الأول لسنة 2015 والفصل الأول لسنة 2014 بعد استبعاد قطاع بيع المحروقات (الذي سجّل تحسّناً في الكميات بنسبة 13.02% في هذه الفترة). فهل سيكون في استطاعة انخفاض مؤشر غلاء المعيشة للفصل الثاني على التوالي أن ينشّط الحركة التجارية في خلال الفترة المقبلة، أم أن كل العوامل المكبّلة المعهودة، إضافة الى ازدياد الضغوط التى يسبّبها النزوح السوري على أسواق العمل اللبنانية، ستستمر في تقويض القدرة الشرائية للأسَر اللبنانية؟
إن أبرز القطاعات التى سجلت تحسناً حقيقياً في المبيعات ما بين الفصل الأول لسنة 2014 والفصل الأول لسنة 2015 كانت، بالإضافة الى المحروقات التى سبق وأشرنا إليها، قطاع المخابز (+ 19.41%) والمأكولات (+ 6.56%) والمشروبات الروحية (+ 16.10%) والتبغ (+ 14.94%) وأيضاً الأجهزة المنزلية الكهربائية، والراديو والتلفزيون (+ 9.85 %). واللافت أن القطاعات ذاتها أفادت عن تراجع حقيقي في أرقام مبيعاتها في الفصل الاول من 2015 مقارنة بمستوياتها في الفصل الأخير لسنة 2014، مع الإشارة الى أن هكذا نسباً في التراجع الحقيقي تفوق المتوقع من جرّاء العوامل الموسمية المعهودة. فسجل قطاع المخابز – 19.60 % والمأكولات – 18.32 % والمشروبات الروحية – 31.33 % والتبغ – 8.65 % وأيضاً الأجهزة المنزلية الكهربائية، والراديو والتلفزيون – 11.64 %.
وفي المقابل، شهدت قطاعات عدة مثل السلع الصيدلانية والملابس والأحذية والتجهيزات المنزلية والمفروشات والكتب والصحف، انخفاضاً في أرقام مبيعاتها الحقيقية ما بين الفصل الأول لسنة 2014 والفصل الأول لسنة 2015 تراوح ما بين – 14 % و- 10 %، في حين كان التراجع في قطاع المطاعم أقل وطأة حيث سجل – 4.14 % . وتجدر الإشارة أخيراً الى أن كل تلك القطاعات شهدت أيضاً تراجعاً حقيقياً ما بين الفصل الأخير لسنة 2014 والفصل الأول لسنة 2015، وذلك بنسب فاقت التراجع السنوي الآنف الذكر.
نتيجة لكل ما سبق، وبعد الإشارة الى أن المؤشر الأساس (100) الذي تم تبنّيه هو للفصل الرابع لسنة 2011، وأن تضخم الأسعار في خلال الفصل الأول من سنة 2015، وفق إدارة الإحصاء المركزي، بلغ – 0.98 %.
نعلن اليوم أن «مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة» هو (من دون استبعاد أي قطاع) :
52.78 للفصل الأول من سنة 2015. وبذلك، يبدو واضحاً أن الوتيرة الإنكماشية عادت وتسارعت في الفصل الأول لسنة 2015، بالرغم من تراجع مؤشر غلاء المعيشة، وأن وطأة الموازين السلبية التى تتضافر لإضعاف الطلب والإستهلاك، ما زالت تطال عدداً كبيراً من قطاعات التجارة بالتجزئة، عدا تلك المتعلقة بالسلع الأساسية (لا سيما المحروقات والمخابز)، لا بل برهنت أنها أقوى من الموازين الإقتصادية الصحيحة التي عادة ما تبشر باستعادة الحيوية في الطلب وازدياد الإستهلاك مع تراجع الأسعار.
عليه، نشدد على الافرقاء السياسيين كافة، تفعيل الاهتمام الآني والفعال والإضطلاع بمسؤلياتهم كاملة بهذا الخصوص، والقيام بكل ما من شأنه أن يحفز مناخ الأعمال والحركة الاقتصادية خصوصاً أننا على أبواب موسم صيف. ونأمل أن تكون أسواقنا بمختلف مكوّناتها منتجةً في القطاعات الاقتصادية كافة بصورة خاصة، ما سيكون له من أثر إيجابي على اقتصادنا الوطني الكلي بصورة عامة».