IMLebanon

ثغرات في قانون السير تحبط تطبيقه كاملاً

traffic-law-isf-beirut
زينب ياغي
بعد شهر ونصف تقريباً على البدء بتطبيق قانون السير، يبدو أن الذي يحكم التزام الناس به حتى الآن هو الخوف من الغرامات، أكثر من الرغبة في الالتزام بالأنظمة العامة واحترام الحيز المشترك بين المواطنين. وتلك مسألة يجب التعود عليها تدريجياً، بعد سنوات الفوضى الطويلة.
ويسجل للمواطنين حتى الآن التزامهم بنسبة تسعين في المئة بحزام الأمان، وتراجع عدد ضحايا حوادث السير، إذ انخفض العدد في شهر نيسان عشرين قتيلاً مقارنة بالعام الماضي، وتراجع القيادة بسرعة زائدة على الأوتوسترادات. وما يسجل على قانون السير، عدم تسجيل أي مخالفة مرور بحق المسؤولين وهم أكثر المخالفين بمواكبهم، والأماكن التي يقفلونها لدى مجيئهم إليها. كما لم يرافق القانون أي عمل جدي في تأمين مقومات السير. الإشارات الضوئية في حالة فوضى، بينما يلزمها نظام خاص بها يجعلها مترابطة ببعضها، تفتح وتقفل بشكل منسجم، خاصة إذا كانت على خط سير واحد، فلا تضيء واحدة بالأخضر والثانية بالأحمر وتسبب ازدحام السير. عدم وجود خطة لصيانة الحواجز عند الجسور والطرقات كي لا تكون الحوادث مميتة. عدم ردم الحفر في الطرقات. بقاء بناء مواقف السيارات في العاصمة حتى الآن في إطار المشاريع، مع العلم أنها كان يجب أن تسبق تطبيق القانون من أجل تلافي الوقوف المزدوج. عدم تأمين العديد المقبول لعناصر قوى الأمن الداخلي، وتفريغهم بدل ذلك في الحراسات الأمنية. وقبل ذلك كله بقاء النقل العام المنظّم مسألة نظرية، بينما يؤكد كل الخبراء والعاملين في السير على الحاجة الماسة إليه.
تراجع عدد الضحايا
يؤكد المتخصص في إدارة السلامة المرورية وأمين سر «اليازة» كامل ابراهيم أن الانطباع باستمرار الحوادث بالوتيرة نفسها هو غير صحيح. لدى تطبيق القانون قامت القيامة، لكن يوجد حالياً التزام لأن الغرامات العالية أعطت مفعولاً عالياً إيجابياً، على الأقل استطعنا توفير عشرين قتيلاً في نيسان.
ويقول إن القانون هو أداة ومَن يخلق الاستدامة هو الخطة الوطنية الشاملة والسهر على تطبيق القانون، من دونها سوف يخف الوهج الإعلامي، وعندها سوف نعود إلى الحوادث. ويوضح أنه عندما أعلن وزير الداخلية السابق زياد بارود عن تطبيق قانون السير تراجع عدد الحوادث والضحايا بنسبة ثلاثين في المئة، وعندما حصل التغيير الحكومي انتهى مفعول القانون. حصل التغيير.
ويعلن مؤسس مركز التوعية والسلامة المرورية إيلي شمعون بدوره أن عدد الضحايا تراجع بنسبة ثمانين في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. قبل تطبيق القانون كان يقتل شخصان أو ثلاثة أشخاص يومياً، وحالياً يُقتل شخص كل يومين أو ثلاثة أيام. ولم تسجل مفرزة جديدة المتن في قوى الأمن أي ضحية بعد أن كان المتن من أكثر المناطق التي يسقط فيها ضحايا. ويوضح قائد سرية سير بيروت العميد محمد الأيوبي أنهم في السويد وصلوا مثلاً إلى مشروع صفر قتلى، لا يمكن إلغاء الحوادث، ولكن يمكن التخفيف من عدد الضحايا، عبر الالتزام بثلاثة أمور أساسية: حزام الأمان، والخوذة وتخفيف السرعة، عندها يتراجع عدد القتلى.
نقص مقوّمات البنية التحتية
تفتقد البنية التحتية لتطبيق قانون السير، إلى عدد كبير من المقوّمات. ويعدّد الخبير في السلامة المرورية في مجلس الإنماء والإعمار رولان عطية عدداً منها، وهي: نقص الإشارات المانعة والتوجيهية والتحذيرية. غياب الصيانة، فعندما ينكسر حاجز على الجسر مثلاً لدى حصول حادث سير لا يتم إصلاحه، وعندما يحصل الحادث الثاني عند النقطة نفسها يكون قاتلاً، لأن الحاجز يمتصّ الصدمة في الحادث الأول، وفي الثاني يكون مكسوراً. غياب تقاطعات المشاة عند الإشارات الضوئية. عدم وجود الخطوط التي تحدّد مكان وقوف الآليات لكي يقطع المشاة. عدم وجود معرفة كافية لدى السائقين على حقوق المشاة. غياب الخطوط التي تحدد المسارات الخاصة بالسيارات والآليات على الطرقات ما يؤدي إلى حوادث مميتة. النقص في لافتات تحديد السرعة على الأوتوسترادات. وجود فتحات مباشرة من المناطق على الأوتوسترادات وهي عبارة عن أمر واقع تتم فيه مراعاة للمصالح الخاصة، أو كانت تلك الإشارات موجودة قبل بناء الأوتوسترادات واستمر الحال قائماً على ما هو عليه. هناك مدن كبرى مثل طرابلس لا توجد فيها إشارات ضوئية، ويجب على الأقل وضع إشارات توجيهية.
ويقول العميد الأيوبي إنه من المهم وجود الإشارات الضوئية، لكن الأهم هو أن تكون تلك الإشارات مرتبطة ببعضها، مثلا يوجد عند كورنيش المزرعة خمس إشارات ضوئية، تمتدّ من البربير حتى ثكنة الحلو، إذا لم تفتح تلك الإشارات وتتوقف بشكل منسجم، يحصل بلوكاج (توقف) في السير.
ويؤكد كامل ابراهيم أنه عندما يدفع المواطن الغرامات يجب أن تكون هناك صيانة للبنية التحتية من طرقات وجسور وإشارات سير. لا يوجد عدد كافٍ من الرادارات، والقبانات (آلات قياس الوزن) الخاصة بالشاحنات غير جاهزة، ولم تنته المواصفات الخاصة بواقي الصدمات من الخلف للشاحنات من أجل البدء بتطبيقه.
ـ وللعلم فإن الإشارات الضوئية والتوجيهية والتحذيرية تتبع لهيئة إدارة السير. أما صيانة الطرقات فهي من مسؤولية وزارة الأشغال.
في مشكلة تأمين مواقف السيارات، يقول الأيوبي إن مواقف السيارات يجب أن تُقام في الشوارع التي يحتاج لها الناس فيها، وليس في الأماكن التي تتوفر فيها استملاكات، لذلك توجد ضرورة ملحّة لبناء مواقف سيارات في المناطق التجارية مثل الحمرا وفردان وكورنيش المزرعة، ومنطقة سامي الصلح حيث يوجد عدد كبير من المؤسسات والمدارس والجامعات والوزارات، بينما لا يوجد سوى ثلاثة مواقف للسيارات، والباقي يشلح سياراته يميناً وشمالاً.
ويوضح رئيس بلدية بيروت بلال حمد أن البلدية اتخذت قراراً بشراء ثلاثة عقارات في الحمرا والأشرفية وكورنيش المزرعة، وهي في صدد استكمال الإجراءات لبناء ثلاثة أبنية مخصصة لمواقف السيارات في تلك المناطق، كما كلفت مجلس الإنماء والإعمار بدراسة إقامة موقف للسيارات مقابل جامع عين المريسة على أن تخصص الأرض فوقه مكاناً للنزهة، وهناك مشروع موقف سيارات في ساحة الشهداء سوف يلزّم على طريقة الـBOT.
ومع تأكيد الجميع على ضرورة وجود نقل عام منظم، يقول كل من عطية والأيوبي إنه يوجد حالياً مشروع لدى مجلس الإنماء والإعمار لتسيير حافلات النقل العام من مدخل بيروت الشمالي بتمويل من البنك الدولي، ومشروع لدى وزارة النقل، مشابه لسكة الحديد من طبرجا إلى بيروت.
يعدّد ابراهيم ثلاث نقاط لمعالجة مشكلة السير، هي: وجود قرار سياسي لحل المشكلة، وتوفيرالتمويل، ووجود فريق متخصّص يتسلم ملف السير.
واستناداً إلى قانون السير فإنه مهمة المجلس الوطني للسلامة المرورية وضع خطة وطنية تشمل جميع الوزارات المعنية، وكل وزارة تتحمّل المسؤوليات الملقاة على عاتقها، على أن يعين رئيس الحكومة أمين السر مع فريق متخصّص بالسلامة المرورية، ويتم البحث حالــياً لــدى فريق عمل رئـــيس الحكـــومة في مســألة تعيين أميـن ســر ومهام فريــق العمل الذي يجــب تشكيله.
ويرى ابراهيم أنه إذا أقدم رئيس الحكومة على تعيين أمين السر وتشكيل فريق العمل المتخصّص تكون السلامة المرورية في لبنان سابقة تسجَّل له، فيما وعدت هيئة إدارة السير بتأمين كل التجهيزات اللازمة لرفع مستوى امتحان القيادة، قبل تطبيق اختصاص المرور في التعليم المهني الذي تضمّنه قانون السير، وتطوير مناهج تعليم القيادة.

لمن تذهب عائدات المخالفات؟
لم يُحسم الجدل بعد بشأن العائدات الناتجة عن قيمة مخالفات قانون السير. ولا تزال نسب الغرامات تتوزع على الجهات المقرّة في المادة 401 في القانون لأنه لا يمكن إجراء تعديلات على المادة المذكورة في ظل جمود التشريع.
وبالتالي يحصل كل من القضاة وقوى الأمن الداخلي على الحصة الكبرى من الغرامات. ويستثنى منها كل ما يتعلق بتمويل سلامة الطرق، مع العلم أن جميع الخبراء في السير يؤكدون على ضرورة تحويل قسم من الغرامات للسلامة العامة، فلا يمكن فرض تطبيق القانون من دون تأمين مقوماته.
وقد نصت المادة 401 من قانون السير الجديد على توزيع عائدات غرامات السير المستوفاة من المواطنين، على ما يلي: خمسة وعشرون في المئة لصندوق الاحتياط في قوى الأمن الداخلي من حاصل كامل الغرامات، عشرون في المئة للبلديات من حاصل كامل الغرامات، وخمسة وخمسون في المئة للخزينة العامة، يوزّع منها 30 في المئة للقضاة، و25 في المئة للمساعدين القضائيين.
لكن الغرامات كانت في القانون القديم ثلاث فئات تتوزّع بين عشرين ألف ليرة وخمسة وثلاثين ألف ليرة، وخمسين ألف ليرة. وقد أصبحت الغرامات حالياً خمس فئات، تبدأ من خمسين ألف ليرة وتنتهي بمليون أو ثلاثة ملايين ليرة كحد أقصى.
وعلى كل مواطن أن يتخيّل ما هي الاستفادة المادية التي يحصل عليها كل من القضاة وقوى الأمن الداخلي بعد أن أصبح الفارق في العائدات كبيراً لدرجة لا يمكن معها المقارنة بين السابق والراهن منها. وكان السبب في إعطاء جزء من الغرامات لصندوق تعاضد القضاة هو تمويل سلسلة الرتب والرواتب للقضاة، كما هو الحال دائماً في التشريع العشوائي. ومع القانون الجديد سوف تؤدي قيمة الغرامات المرتفعة إلى تشدّد كل من القضاة وقوى الأمن في فرض دفعها ما دامت لمصلحتهما.
أما اقتراح وزير المالية علي حسن خليل لتعديل المادتين 401 و402 المتعلقتين بالغرامات في قانون السير، فهو يذهب بدوره لتأمين تمويل بعض المشاريع ذات الأثر الاجتماعي وبينها سلسلة الرتب والرواتب، وصندوق المساعدة المنصوص عنه في قانون الإيجارات الجديد والذي لا يزال غامضاً. مع بقاء نسب خاصة بصندوق تعاضد القضاة وصندوق الاحتياط في قوى الأمن الداخلي، من دون الاهتمام بتأمين سلامة الطرق.

غرامات مرتفعة.. للتخويف
لا يعرف جميع السائقين ما هي أنواع المخالفات المرورية، مع العلم أنه يترتّب على كل سائق معرفتها لدى تعلّم القيادة. وضعت قوى الأمن الداخلي، مع بداية تطبيق القانون، لائحة بالمخالفات تم توزيعها على السيارات، لكنها لم تكفِ الجميع، كما وضع مؤسس مركز «التوعية والسلامة المرورية» إيلي شمعون لائحة أكثر تفصيلاً، بعنوان «قانون السير وضع لحماية المواطن وليس لمعاقبته».
تضمّنت اللائحة ثلاثاً وخمسين مخالفة، مصنفة ضن الفئات الخمس. يقول شمعون إنه لا توجد معايير موحدة للمخالفات في العالم، لكنها ترتبط بالدخل الفردي للمواطنين في كل بلد. ويوضح أن بعض المخالفات جرى تضخيمها لإخافة الناس منها، بينها:
أولاً، الغرامة على عدم وضع حزام الأمان وقيمتها ثلاثمئة وخمسون ألف ليرة، أما مخالفة السرعة الزائدة فتبدأ بمئة ألف ليرة، ثم مئتي ألف ليرة وثلاثمئة وخمسين ألفاً، وتصل إلى مليون ليرة إذا تجاوز السائق السرعة المحددة له بأكثر من ستين كيلومتراً. ويقارن شمعون مع غرامة حزام الأمان في بريطانيا، التي تصل إلى مئة باوند أي ما يوازي مئة وخمسين دولاراً، وفي الولايات المتحدة إلى ستين دولاراً.
ثانياً: الغرامة على المخالفة الخاصة بعكس السير، وتبدأ بثلاثمئة وخمسين ألف ليرة، وهنا يدعو شمعون للتفريق بين المخالفة على طريق فرعي وبين المخالفة على طريق رئيسي، مثل الأوزاعي والطــريق البحرية عند ثكــنة الفـــهود و «الغولدن بيتش».
ثالثاً: غرامة الرجوع إلى الخلف وقيمتها ثلاثمئة وخمسون ألف ليرة، ويجب التفريق فيها أيضاً بين الطريق الفرعية والطريق الرئيسية، مثلاً العودة إلى الخلف قرب مجمع الـ»آ بي سي» (ABC) يجب أن تكون مرتفعة لأنها خطرة. وركز شمعون في اللائحة التي وضعها على المخالفات المتعلقة بالسلامة العامة، وطبع منها مئة ألف نسخة وزّعها على المواطنين، ويعمل حالياً على مشروع تعبيد الحفر في الطرق، بتمويل شخصي.
من جهته، يقول الخبير في السلامة المرورية في مجلس الإنماء والإعمار رولان عطية، إن قوى الأمن تسطر محاضر ضبط بالمخالفات الظاهرة والخطرة وغير المشكوك فيها، ويجري التسامح بتجاوز السرعة بنسبة عشرة في المئة. ويرى أن التحدي الأكبر في تطبيق القانون هو معرفة كل من المواطنين وعناصر قوى الأمن والحكومة مسؤولياتهم. ويقترح مكننة المخالفات لمنع التلاعب بها أو تدخل الوساطات لإلغائها، إذ يمكن مثلاً وصل رادارات السرعة بغرفة عمليات قوى الأمن الداخلي، وضبط مخالفات اجتياز الإشارات الضوئية بواسطة آلات التصــوير التلقائية والأوتــوماتيكية، ويمـــكن هنا استخدام كاميرات المراقبة التي وضعتها بلـــدية بيروت على الأعمدة لأهداف أمنية من أجل تصوير المـخالفات.
كما تمكن مكننة الغرامات على السيارات التي تتوقف بطريقة مخالفة، إما عبر الكاميرات الثابتة، وإما عبر تركيب كاميرات متحرّكة على عدد من السيارات التابعة لقوى الأمن من ضبطها، لأن الوقوف المخالف من أكـــبر مسبّبات الازدحام المـــروري والحوادث بين السيارات وبين المشاة.
وفي الواقع فقد تراجع عدد المخالفات مع تطبيق القانون. ويقول قائد سرية بيروت محمد الأيوبي إن المعدل اليومي للمخالفات في بيروت كان يقارب الستمئة وخمسين مخالفة، وأصبح حالياً مئتين وثلاثين مخالفة. ويوضح أنه يوجد فارق كــبير عما كانت عليه الأمور قبل البدء بتطبيق القانون الجديد، فقد وصــلت نســـبة التزام سائقي الدراجات بوضع الخوذة إلى نسبة تسعـــين في المئة، وكذلك الالتزام بالإشــارات الضوئية في الشوارع الرئيسية.
كما تراجع عدد السيارات التي تســير من دون معاينة ميكانيكية لأن عدم إجراء المعاينة يسبب حجز المركبة.
يضيف الأيوبي: «لم نرد العمل من خلال سيف مسلط على الناس، حتى لو كان هناك صف ثانٍ من السيارات والسير متواصل، فلا يسجل العنصر مخالفة، إلا في حال كان وقوف السيارة يؤدي إلى الازدحام. لدى البدء بتطبيق القانون، شعر المواطنون بقيمة المخالفة، لكنهم أصبحوا يسألون أيضاً عن الإشارات الضوئية والإنارة والطرق المعبّدة، والحقيقة أنه توجد عراقيل سير مثل الحفر في منتصف الطرق والحفريات الناتجة عن تــمديد الكابلات الكهربائية وإصلاح البنية التحتية للطرق والأعطال».

20419 مخالفة سرعة
إحصاءات غرفة التحكّم المروري في “قوى الأمن الداخلي” خلال شهر أيار الماضي جاءت على الشكل التالي:
20419 مخالفة سرعة زائدة.
34 حادث سير.
47 جريحاً.
ثلاثة قتلى.
خلال شهر نيسان:
20883 مخالفة سرعة زائدة.
26 حادث سير.
43 جريحاً.
أربعة قتلى.
إحصاءات الصليب الأحمر لشهر نيسان: 638 حادثاً، 821 جريحاً، 9 قتلى.