IMLebanon

إيطاليا .. ثالث أكبر اقتصاد أوروبي يقف مجددا على قدميه

ItalyEcon

جيمس بوليتي

خرج الاقتصاد الإيطالي أخيراً من فترة ركود ثلاثية مؤلمة، لكن أي فكرة للانتعاش تُستقبَل بنوع من عدم التصديق تحت الخيمة البيضاء لمهرجان بروشيتا السنوي في لاريانو، وهي بلدة تضم 13 ألف نسمة في منطقة تغطيها التلال جنوب روما.

فرانسيسكو ألبرتي، الذي تم تسريحه للتو من وظيفة كهربائي منخفضة الأجر، يُحدّق في طبقِه بيأس قبل أن يبدأ في أكل صحن من الفيتوتشيني مع فطر البورسيني ـ أول طبق مُتاح ضمن عرض وجبات بقيمة ثمانية يوروات.

يقول ألبرتي (19 عاما)، “يجعلونك تعتقد أن هناك انتعاشا، لكن الأمر كله مجرد وهم”.

في مكان قريب داخل خيمة المهرجان، بينو روسيني (53 عاماً)، يشعر بالغضب لأن امرأة طلبت منه 100 جرام فقط من جبن الغنم – كمية ضئيلة بحسب تقديره. يقول “اقتصاد إيطاليا ضعيف والجميع يعرف ذلك. الانتعاش مجرد ثرثرة على التلفزيون لإبقاء الشعب هادئاً”.

مثل هذا التشاؤم العميق بشأن الاقتصاد أصبح عميق الجذور في النفسية الإيطالية، بعد أكثر من عقد من الركود الاقتصادي وستة أعوام من الأزمات الاقتصادية والمالية.

لكن المزاج المُتشائم في المهرجان يُخفي التحوّل الذي يجري. فلأول مرة منذ ثلاثة أعوام على الأقل، هناك آمال بأن الدورة الاقتصادية الإيطالية تتغيّر نحو الأفضل، وأن التحسّن يمكن أن يكون مُستداماً. إذا حدث ذلك، فإن الآراء المُتشائمة لألبرتي وروسيني على الأقل ستُصبح أقل انتشاراً، إن لم تكن كلياً بعيدة عن الواقع، مع آثار عميقة في إيطاليا وأوروبا.

انتعاش خجول

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وكالة الإحصاءات الإيطالية، آيستات، أن الناتج المحلي الإجمالي في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو نما بنسبة 0.3 في المائة في الربع الأول من عام 2015. مثل هذه المعدلات قد تكون مُخيبة للآمال بالنسبة لكثير من البلدان المُعتادة على النمو الأسرع، لكن بالنسبة لإيطاليا تمثّل أفضل أداء منذ ثلاثة أعوام.

إيجنازيو فيسكو، مُحافظ بنك إيطاليا، قال هذا الأسبوع “لقد بدأ الانتعاش الآن، وإن كان على أساس أضعف مما هو في منطقة اليورو ككل”. وأضاف “من المتوقع أن يتوسّع الناتج في هذا الربع من العام والأرباع التالية”.

ويتشارك هذا التقييم على نطاق واسع مختصو اقتصاد في شركات كبيرة ومنظمات دولية. وتعتقد المفوضية الأوروبية أن إيطاليا ستنمو بمعدل 0.6 في المائة هذا العام و1.4 في المائة في عام 2016. ولدى صندوق النقد الدولي توقعات مماثلة تشير إلى نمو بنسبة 0.7 في المائة هذا العام و1.2 في المائة العام المقبل.

تقول بيتيا كويفا بروكس، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في إيطاليا، “كنا في هذا الوضع من قبل حين نتساءل ما إذا كانت هذه المرة حقيقية، وأنا أعتقد أن هناك عددا من المؤشرات يُشير إلى أن هذه المرة حقيقية. (لكن) لا نزال نتحدث عن انتعاش يُعتبر متواضعاً نسبياً نظراً لحجم خسائر الإنتاج التي رصدناها على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وبالتأكيد هذا ليس انتعاشاً يحدث تأثيرا كبيرا في معدل البطالة المرتفع ومستويات الديون المرتفعة”.

مع ذلك، أن تصل إيطاليا إلى هذه المرحلة سيكون الأمر مصدر ارتياح بالنسبة لمنطقة اليورو وبقية الاقتصاد العالمي. وتعتبر البلاد منذ فترة طويلة واحدة من الحلقات الأضعف في اتحاد العملة بسبب تباطؤ النمو فيها وارتفاع مديونيتها، التي تبلغ أكثر من 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

مؤثرات خارجية

بالنسبة لكثير من المستثمرين وصنّاع السياسة، فإن احتمال حدوث أزمة ديون إيطالية أمر مُخيف أكثر بكثير مما هو بالنسبة لليونان، بسبب حجم اقتصادها وديونها المُستحقة الأكبر بكثير، مقارنة بجارتها المتوسطية. ولا تزال ذكريات عام 2011، عندما ارتفعت عائدات السندات وارتفعت فرصة حدوث عجز إيطالي إلى حد كبير، تُطارد المسؤولين من روما إلى بروكسل وصولاً إلى واشنطن.

مع ذلك، حتى مع جزء صغير من النمو، ينبغي لإيطاليا أن تكون قادرة على البدء بتخفيض كومة ديونها كنسبة من الناتج الاقتصادي، وتعزيز مركزها المالي، وإبعاد مثل هذا الخطر أكثر. ولكي يحدث ذلك، فسيكون على الانتعاش الاقتصادي الوليد في البلاد أن يُثبت أنه ليس مجرد ظاهرة مؤقتة، لكنه اتجاه أكثر استدامة. وسيتم اختبار هذا بقوة خلال الأشهر المقبلة.

وحتى الآن، تحسين الآفاق الاقتصادية في إيطاليا كان مدفوعاً إلى حد كبير بالعوامل الخارجية. برنامج التسهيل الكمي الذي أطلقه البنك المركزي الأوروبي في كانون الثاني (يناير)، أدى إلى انخفاض حاد في قيمة اليورو، الأمر الذي عزّز شركات التصدير الإيطالية وأبقى تكاليف الاقتراض عند مستويات منخفضة جداً. ومن شركات صناعة المواد الغذائية إلى شركات تصنيع البضائع الفاخرة، مثل مونكلر وسلفاتوري فيراجامو، إلى شركات إنتاج الآلات الصناعية وشركات الأدوية، الشركات الموجّهة نحو البيع في الخارج هي التي تعمل على دفع الانتعاش.

دينو مارتيلي، صاحب مصنع معجنات إيراداته سنوية تبلغ نحو مليون يورو بالقرب من بيزا، في توسكانا، يقول “إن الموزعين الذين يتعامل معهم في الولايات المتحدة يطلبون منه تسريع الطلبيات”، لكن لا مفر أمامه من تخييب آمالهم لأنه في “ذروة الإنتاج”. ماينا سفيتيك، صاحبة مصنع ماسكياريلي، مع إيرادات سنوية تبلغ 13.5 مليون يورو في المنطقة الوسطى من أبروزو، تقول “إن صادراتها ارتفعت بنسبة 7 في المائة مقارنة بالعام الماضي، والمبيعات إلى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 30 في المائة”.

إضافة إلى ذلك، الانخفاض في أسعار النفط يجلب بعض الراحة للأُسر الإيطالية التي تعاني ضائقة مالية، التي تعمل على إصلاح شؤونها المالية حتى البدء في التسوّق مرة أخرى. وفي بعض المجالات، مثل السيارات، الأسر تفعل ذلك بقوة ـ ارتفع التسجيل لشراء السيارات الجديدة بنسبة 16 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

لكن هذه الآثار بدأت في الانعكاس جزئياً، مع ارتفاع أسعار النفط، ومع استعادة اليورو بعض الأراضي التي فقدها، وانتعاش أسعار الفائدة على السندات الإيطالية التي كان يتم التداول بها في أدنى المستويات التاريخية.

إصلاحات رينزي

يقول بيير كارلو بادوان، وزير المالية الإيطالي “قد يكون أمامنا بضعة أرباع حيث أوضاع الاقتصاد الكلي لا تزال توسعية، لكن بعد ذلك ستختفي المكاسب قصيرة الأجل وما سيبقى هو المكاسب طويلة الأجل إذا فعلنا الأشياء المناسبة”.

وبالنسبة لحكومة إيطاليا – بقيادة ماتيو رينزي، رئيس وزرائها الحيوي البالغ من العمر 40 عاماً – هذا يعني أجندة إصلاح طموحة لمعالجة بعض أوجه القصور التي تراكمت على مدى عقود. حتى قبل الأزمة المالية العالمية، كانت إيطاليا قد تراجعت مقارنة بنظيراتها في أوروبا، بسبب سوق العمل المُتشددة، ونظام العدالة البطيء وغير المتوقع، والفساد المُنتشر على نطاق واسع، وارتفاع الضرائب، والإدارة العامة المُكلفة وغير الفعّالة التي عملت جميعها على إعاقة الاستثمارات الجديدة. وتضخمت نقاط الضعف هذه خلال فترة الركود مع العائق المُضاف من النظام المصرفي المتضرر، الذي أصبح مليئاً بالقروض المتعثرة وكان غير قادر على زيادة عمليات الإقراض حتى في المراحل المبكرة للانتعاش.

يقول لورنزو بيني سماجي، رئيس مجلس إدارة بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، وشبكة نقل الغاز الإيطالي، سنام “إن الانتعاش الإيطالي لا يعمل بشكل تلقائي. هناك بعض الأمور التي يتعيّن القيام بها للحفاظ عليه. نحن بحاجة لجعل الاقتصاد أكثر قدرة على التنافس وحجم الإصلاحات اللازمة لتحقيق هذا الأمر ضخمة”.

حتى الآن، نجح رينزي في بعض المجالات، لكنه تخلّف في مجالات أخرى، غالباً في مواجهة معارضة اقتصادية قوية. الانتصار الرئيسي لعمدة مدينة فلورنسا السابق منذ توليه المنصب قبل 15 شهراً كان تأمين إقرار إصلاح سوق العمل، الذي يعمل على إزالة بعض الحمايات الضخمة في عقود العمل الدائمة، في الوقت نفسه الذي يعمل فيه على توفير حوافز مالية للشركات لتوظيف عاملين جُدد.

نُفِّذت هذه التدابير في آذار (مارس)، ويتم الشعور بالأثر منذ الآن: زاد عدد عقود العمل الجديدة المفتوحة إلى 171 ألفا في نيسان (أبريل)، وهو ارتفاع بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام السابق. وبعض المكاسب المُبكرة قد تكون بسبب تحويل العقود الثابتة القائمة، وليس الوظائف الجديدة، والاختبار الحقيقي سيأتي بمجرد أن يتم سحب الحوافز المالية في نهاية العام. وسيتم الحُكم على نجاح السياسة استنادا إلى ما إذا كانت فعّالة في تخفيض معدل البطالة البالغ 13 في المائة – يبقى قريباً من ذروته البالغة 13.2 في المائة – ونسبة الشباب العاطلين عن العمل العالقة عند 43.1 في المائة.

لكن في تصويت كبير على الثقة بالحكومة الإيطالية، اختارت شركة لامبورجيني الأسبوع الماضي منطقة خارج بولونيا، بدلاً من سلوفاكيا، مركزا لإنتاج مركبتها الجديدة ذات الدفع الرباعي، التي سيتم تصنيعها أساساً من أجل التصدير واستحداث 500 وظيفة جديدة.

وتم البدء بإصلاحات أخرى تعتبر حاسمة – لكن في كثير من الحالات لم تكتمل سوى جزئي. كما تمت الموافقة على تدابير جديدة لتقليص مدة الدعاوى القضائية المدنية والقضاء على الفساد، لكن لا يزال العمل جاريا على تدابير أوسع لتحسين كفاءة المحاكم لتنفيذ عقود الأعمال. ويدرس البرلمان إصلاحات أنظمة الإدارة والتعليم غير الفعّالة، وليس واضحاً متى يمكن الانتهاء من دراستها. مع ذلك، يبدو أن صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي قد تشجّعا من التقدّم المُحرز، ولا سيما بالمقارنة مع عجز الحكومات الإيطالية السابقة عن المضي قُدما في الإصلاحات.

تقول بروكس “إن ما تم في الأشهر القليلة الماضية كان صعباً للغاية سياسياً من حيث التصدي والوقوف في وجه المصالح الراسخة. نحن نشهد كثيرا من النشاط وكثيرا من جهود الإصلاح. السؤال هو إلى أي مدى ستكون مُثمرة. لكن هذه الإصلاحات تُشير بوضوح إلى رغبة الحكومة في تغيير الأمور”.

صدمات محتملة

مع ذلك، الانتعاش الإيطالي يبقى هشّاً وعُرضة بشكل خاص للصدمات الخارجية. في العام الماضي أيضاً كانت هناك آمال في انتعاش اقتصادي ناشئ، لكنها تبدّدت جزئياً بسبب الأزمة الأوكرانية وعقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو، التي أدت إلى تخفيض مبيعات المنتجات الإيطالية في روسيا.

هذا العام، ما يُمكن أن يُقال إنه أكبر تهديد خارجي على الاقتصاد الإيطالي يتعلق بالعدوى المالية المحتملة من عجز اليونان وخروجها من منطقة اليورو، الأمر الذي يمكن أن يُخيف المستثمرين في السندات الإيطالية.

لكن المسؤولين الإيطاليين يعتقدون أنهم – وبلدان منطقة اليورو ككل – في مركز أقوى بكثير يُمكّنهم من تجنّب الآثار الجانبية مقارنة بما كانوا عليه قبل بضعة أعوام، بعد إنشاء الاتحاد المصرفي الأوروبي وآلية الاستقرار الأوروبي، وهي صندوق الإنقاذ المُصمم لضمان الاستقرار المالي في منطقة اليورو.

في الوقت نفسه، بادوان يعترف بأنه لا تزال هناك طريق طويلة قبل أن يشعر كثير من الإيطاليين بآثار الانتعاش. ويقول “عانى الشعب ثلاثة أعوام الركود، أدت إلى توليد كثير من الخسائر في الوظائف وكثير من فقدان الثروة. لقد عانوا مما يُعادل الحرب من الناحية الاقتصادية، وسيحتاج الأمر إلى وقت قبل أن تبدأ في أن تعتقد أن الأوقات القديمة الطيبة يمكن أن تعود مرة أخرى. لكن عندما تعود الثقة، ستكون بمثابة نقطة تحوّل كبيرة لأنها ستعني أن الماضي قد ولّى”.

بالنسبة لبعضهم في إيطاليا، هذه اللحظة وصلت – أو أنها تقترب بسرعة. يقول مارتيلي، صاحب مصنع المعجنات في توسكانيا “أنا واثق أننا وصلنا إلى القاع والأزمة العميقة قد انتهت”.

لكن الأمر يبدو بعيد المنال في لاريانو، في الوقت الذي يشاهد فيه السكان المحليون والمتنزهون من روما حاملي الإعلام في البلدة وهم يأخذون قضمة من الخبز المُحمّر المدهون بالثوم والملح.

فيوريلا روسي، عاملة التجزئة المُتقاعدة البالغة من العمر 67 عاماً، تقول “أنا لا أقوم بالإنفاق إلا إذا كان الأمر ضرورياً”. وتُضيف “أقوم بتأجير شقة لبعض الأولاد الذين تم تعيينهم بعقود قصيرة الأجل، لكن بعد ذلك تم طردهم بعد شهرين. لدي ابنة مُتخصصة في علم البراكين ذهبت للعيش في المملكة المتحدة حيث لا توجد براكين. نحن بالفعل لا نرى الانتعاش على النحو الذي يتحدثون عنه إلينا”.

أرقام أوروبية

89 في المائة، نسبة الإيطاليين الذين يرون أن الأحزاب السياسية فاسدة، أو فاسدة تماما.

223 يوما، الفترة التي يستغرقها الحصول على ترخيص للبناء أو الإنشاءات في البلاد.

1185 يوما، الفترة التي يستغرقها إنفاذ عقد من خلال النظام القضائي في إيطاليا.

23.4 يورو، تكلفة الكهرباء المنزلية في إيطاليا، بما في ذلك جميع الضرائب والرسوم (متوسط السعر لكل 100 كيلو واط/ ساعة في النصف الثاني من عام 2014).

65 في المائة، النسبة المئوية للألمان الذين يعتقدون أن الأحزاب السياسية فاسدة، أو فاسدة تماما.

96 يوما، الفترة التي يستغرقها الحصول على ترخيص للبناء في ألمانيا.

394 يوما، الفترة التي يستغرقها إنفاذ عقد من خلال السلطة القضائية في ألمانيا.

20.4 يورو، تكلفة الكهرباء المنزلية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك جميع الضرائب والرسوم (متوسط السعر لكل 100 كيلو واط/ساعة في النصف الثاني من عام 2014).