IMLebanon

مراقبة الشراء العام في لبنان: الصحافة مسؤولة

FInanceMinistryLeb
حنان حمدان
تعتبر الصفقات العامة إحدى أهم وسائل الإدارات العامة في تنفيذ السياسة الإقتصادية والإجتماعية للدولة، على إعتبار أن إنجاز تلك الصفقات له تأثيره المباشر على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن. وإذا ما تم شرح “الصفقات العامة”، نجد أن كلمة صفقة تدل أساساً على تعاقد يتم بين طرفين، بهدف إنجاز أشغال أو تقديم خدمات. أما كلمة عامة فيشار بها إلى أن أحد طرفي التعاقد هو الدولة، المؤسسات العامة أو الإدارات المحلية، كالبلديات مثلاً.
وجود الدولة كأحد طرفي التعاقد، يجعل من تلك الصفقات أداة أساسية، يفترض أن تكون من أجل ترشيد الإنفاق العام وتحقيق النتائج الفضلى منه. غير أن واقع إنجاز الصفقات العامة في لبنان، أخذ منحى مغايراً لمنحاه المفترض، ويقصد بذلك آلية عقد تلك الصفقات، إذ أن القطاع العام ومنذ سنوات، لم يعد يعقد الصفقات، في الغالب، بإجراء مناقصات أو إستدراج العروض من خلال دفتر شروط تحدد فيه الدولة أولوياتها ومواصفاتها، لاختيار أفضل العروض من حيث الجودة والنوعية والتكلفة.
وبالرغم من أن المشرع اللبناني حدد في شروط إجراء المناقصات أنها لا تتم إلا بوجود أكثر من ثلاث شركات، إلا أن الإدارات العامة تقوم بوضع مواصفات دقيقة لا تنطبق إلا على عمل بعض الشركات، ليكون تلزيم تلك الشركة دون الشركات الأخرى، بالأعمال موضوع المناقصة، متاحاً أكثر. والأسوأ أنها تسمح بوجود شركات متعددة أحياناً، ولكن بهيمنة إحداها ومن خلال إتفاق ضمني بين الشركات لتلزيمها دون سواها، وتقاسم هوامش الأرباح المرتفعة.
خيار إجراء المناقصات يتم إستبعاده في الغالب، لصالح خيار العقد بالتراضي، إذ أصبح الشراء العام في لبنان، كما الإلتزامات، يتّمان وفقاً لهذه العقود التي تفتقد لعنصر المنافسة، ما يفتح الباب أمام كم هائل من الرشى والفساد والمحسوبيات، ويسمح بتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، كما هي الحال في مختلف القضايا العامة في لبنان.
ويشير الخبير الإقتصادي غالب أبو مصلح، في حديث لـ “المدن”، إلى أن عقود التراضي المختلفة تعكس الواقع اللبناني، على اعتبار أنها صفقات تجارية مشبوهة، “كصفقة شراء طائرات البوما قديمة الصنع، وقد أجبر مصرف لبنان حينها على دفع مبلغ مالي مرتفع لتمرير تلك الصفقة. كما تلزيم الأتوستراد الساحلي بعشرة ملايين دولار للكيلومتر الواحد، بالرغم من أن حجم كلفته تبلغ مليون دولار فقط، إضافة الى العقود التي تجريها مصانع الطاقة والتي تكلف لبنان ضعفي الكلفة العالمية”. ولا بد من التذكير بصفقة طباعة جوازات السفر اللبنانية والتي تمت الموافقة على تمريرها بالتراضي خلال الشهر الفائت.
ولأن الصفقات العامة اليوم تعتبر أداة أساسية في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية لدى الدول المتقدمة، عقد لقاء في معهد باسل فليحان المالي والإقتصادي اليوم، بعنوان “دور الصحافة في الإضاءة على أهمية الشراء العام (الصفقات العامة) في لبنان”. وتضمّن اللقاء البحث في عناوين متعددة أهمها: الشراء العام كسلاح إستراتيجي للتنمية المستدامة، واقع الشراء العام وممارساته في لبنان مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كيفية إصلاح أساليب الشراء العام من أجل تحقيق القيمة الفضلى من إنفاق أموال المكلَفين، والخطوات الجديدة لوزارة المال لاسيما لجهة التوجه نحو القطاع الخاص لجذب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للإستثمار في الصفقات العامة كسوق جديدة لهذه المؤسسات.
ثم عرض فريق المعهد لوضع الشراء العام في إطاره الماكرو اقتصادي والقانوني، وحدّد الجهات المعنية به، وأضاء على الجهود التي تقوم بها الدولة لتحديث الشراء العام. وبعد هذا العرض، دار نقاش حول كيفية مقاربة الصحافة موضوع الشراء العام بطريقة علمية وموضوعية لزيادة درجة الوعي في شأنه والتشديد على أهميته للاقتصاد الوطني والعدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة.
ولكن كيف يمكن للصحافة أن تقارب موضوع الشراء العام بطريقة علمية وموضوعية، ومفيدة للإقتصاد الوطني؟ من وجهة نظر رئيسة المعهد لمياء المبيَض بساط، فإن الدور الأهم للصحافة يكون، بـ”الضغط من أجل تحديث إجراءات الشراء العام وممارساتها في لبنان، وتسريع إصدار قانون عصري حديث، يضبط عملية الشراء ويفتح باب المنافسة أمام الجميع”. علماً بأن مشروع القانون لا يزال قابعاً في أدراج مجلس النواب منذ العام 2012!
تلك هي أدوات القطاع العام في عقود الصفقات العامة، ولكن ماذا عن الرقابة التي يفترض أن تجريها مؤسسات المحاسبة في لبنان؟ وفق أبو مصلح فإن “تلك المؤسسات تم تجميدها، بدءاً من البرلمان والتفتيش المركزي وصولاً الى ديوان المحاسبة”. وهذا ما أكدت عليه البساط، في إجابة عن سؤال لـ “المدن”، بقولها “لا رقابة ممارسة في هذا الشأن، إلا أن القانون الجديد لا بد أن يلحظ آلية الرقابة والمحاسبة في حال وجود خلل ما”.
في المحصلة، لا بد من تفعيل أدوات الرقابة وإن تم تجميد مؤسساتها، لاسيما وأن ذلك تزامن مع تفاقم أزمة الدين العام، نتيجة لهدر المال العام في صفقات عامة حققت مكاسب مربحة لبعض الفئات على حساب المواطن، ما انعكس سلباً على الإقتصاد اللبناني والمجتمع في آن، وساهم في تقليل فرص التنمية وزيادة بؤر الفقر وظهور الثراء الفاحش لبعض الأقليات الحاكمة، وانتشار الفساد في مختلف أروقة ودوائر الحكم في لبنان، فأين هو قانون المحاسبة العمومية من كل ما يجري؟