IMLebanon

التعطيل لن ينجح من دون إنقلاب! (بقلم رولا حداد)

lebanon-presidential-elections

كتبت رولا حداد

ثمة منطقان يتحكّمان بمسار الأمور في لبنان اليوم. منطق تعطيل عمل كل المؤسسات الدستورية، بدءًا من رئاسة الجمهورية، تحت شعار أنه لا يجوز انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يكن رئيساً قوياً بتمثيله السياسي والشعبي. وبطبيعة الحال فإن الإصرار على إبقاء الفراغ في الموقع الدستوري الأول في البلاد، عنيت موقع رئاسة الجمهورية، يؤدي الى تمدّد الفراغ الى كل المؤسسات الدستورية الأخرى، من مجلس النواب مرورا بمجلس الوزراء وصولا الى كل مفاصل الدولة.

والمنطق الثاني هو منطق الإصرار على تفعيل عمل المؤسسات بدءًا برئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس جديد، وذلك ضمن اللعبة الديمقراطية التي يكفلها النظام البرلماني الديمقراطي، على قاعدة أنّ وجود رئيس للجمهورية، بغض النظر عن حيثيته التمثيلية، إنما يفعّل عمل المؤسسات ويضخّ الحياة في مفاصل الدولة كلها.

عملياً، منطق الدستور هو بعكس منطق التعطيل. والقاعدة الدستورية الأهم تبقى في تأمين سير المرافق العامة والمؤسسات، لأن التعطيل يعني الفراغ وشلّ عمل المؤسسات. هكذا يمكن فهم إصرار الدستور اللبناني على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية بالدفع في كل بنوده نحو تأمين كل اللازم لإجراء الانتخابات. هكذا تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد قبل شهرين من انتهاء ولاية السلف. وهكذا يعتبر الدستور مجلس النواب في حال انعقاد دائما في الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق انتهاء الولاية، وأيضا في حال شغور منصب الرئاسة لأي سبب كان. والهدف تأمين انتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن منعاً لأي فراغ دستوري.

أما ما يُحكى عن نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس، رغم أن الدستور لم يتطرّق أبدا الى النصاب في جلسة الانتخاب، فالأمر محصور حكماً بالدورة الأولى التي يحتاج فيها انتخاب الرئيس الى ثلثي الأصوات، في حين يحتاج في الدورات اللاحقة الى النصف زائداً واحداً. وهو المنطق نفسه الذي يسري حتى في الانتخابات النقابية حيث ثمة نصاب مطلوب في الدورة الأولى لا يتأمّن أبدا، لتجري الانتخابات في الدورة الثانية بمن حضر. وهو المنطق نفسه: رفض الفراغ.

أما في الوضع الراهن في لبنان، فإن البعض ومن بينهم قانونيون، يصرّون على تعطيل انتخاب رئيس جديد في لبنان على خلفيات سياسية وشخصانية واضحة وتحت شعار “مرشحنا أو لا أحد”، وذلك في استباحة موصوفة للمنطق الدستوري وللقواعد الأساسية التي ترعى عمل أي نظام.

فعلى سبيل المثال، من يدّعي أنه يمثل الأكثرية المسيحية، إنما يدّعي ذلك بناء على نتائج انتخابات نيابية تمت بموجب قوانين انتخابية يتّهمها بأنها لا تعكس التمثيل الصحيح للمسيحيين. وفي كل الأحوال، فإن أي قانون جديد للانتخابات سيقرّه المجلس النيابي الحالي، كما أن أي رئيس للجمهورية سينتخبه هذا المجلس تحديداً.

في الخلاصة يتضّح أن كل العرقلة التي تجري اليوم إنما تشكل ما يشبه المحاولة الانقلابية على الدستور التي لن يُكتب لها النجاح على الإطلاق، أقله في ظل المعادلات القائمة، وما لم تقترن بعملية انقلاب عسكرية تعيد رسم الواقع السياسي والدستوري اللبنانية وطبيعة ميزان القوى. فهل من يعطّل يراهن على انقلاب عسكري آتٍ، ربما على طريقة 7 أيار أو أكبر أيضاً، في منطقة تعصف بالتحولات والحروب؟ وهل يمكن لـ7 أيار جديد أن ينجح في لبنان بعد 4 سنوات من إنهاك “حزب الله” في سوريا؟

الثابتة الوحيدة من كل ما تقدّم أن أموراً كثيرة تغيّرت باستثناء الرهانات الرئاسية لدى البعض منذ أكثر من ربع قرن!