IMLebanon

حكاية مجموعة السبع مع روسيا من يلتسين «المترسمل» الى بوتين «الحالم»

RussiaEconomy
حيدر الحسيني
من الواضح أن الملفات السياسية، خاصةً الأزمة الأوكرانية وتنامي ظاهرة الإرهاب، تحتل الصدارة في محادثات قمة مجموعة السبع في ولاية بافاريا الألمانية اليوم وغداً، وإن كان على جدول أعمالها مسائل أُخرى، وسط انتقادات حادة لدور المجموعة في الشؤون المرتبطة بتعزيز التنمية في الدول الناشئة والفقيرة، ومدى جديتها وقدرتها عملياً على المساهمة في الحد من ظاهرة الفقر والجوع الآخذة بالتفاقم، وفي هذه النقطة تحديداً يمكن إدراج التحركات الاحتجاجية التي عادةً ما تتزامن مع لقاءات المجموعة.

لعل الانتقادات الموجهة إلى المجموعة تنسجم عملياً مع أهداف تأسيسها، فهي عندما أُنشأت باسم «مجموعة الست» (G6) أواخر عام 1975، لم تكن تستهدف معالجة قضايا الفقراء كأولوية، بل كان غرضها الدفاع عن مصالح أكبر الدول الصناعية على مستوى العالم، آنذاك، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، قبل أن تنضم إليها كندا منتصفَ العام التالي، ليتحوّل اسم شهرتها إلى «مجموعة السبع» (G7) اختصاراً لاسمها الحقيقي المعبّر عن نفوذها الاقتصادي «مجموعة الدول الصناعية السبع».

اليوم، وبعد نحو 40 عاماً، على انطلاقتها، يُلاحَظ أن المجموعة المهيمنة على معايير صندوق النقد والبنك الدوليين المتعلقة بالتنمية وتسوية الأزمات، وعلى قواعد اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، لم تشهد توسيعاً لعضويتها سوى مرة واحدة بضم روسيا رسمياً عام 1998، قبل سنة من وفاة الرئيس السابق بوريس يلتسين، ليتحول اسمها إلى «مجموعة الثماني» (G8)، في محاولة لاحتواء البلد الاشتراكي السابق عبر تشجيع التوجهات الرأسمالية لدى صانعي القرار في موسكو.

انفتاح «اضطراري»

إلا أن الأزمات الاقتصادية الكبرى، خاصةً في آسيا، أواخر التسعينات، أملَت على المجموعة الاعتراف بكيانات اقتصادية صاعدة تطالب بالمشاركة في القرار الاقتصادي العالمي. ومع ذلك أبقت «السبع» على وضعيتها كمجموعة مستقلة بذاتها، ودفعت باتجاه إنشاء منصة «رديفة» أوسع نطاقاً لإشراك اقتصادات ناشئة في الحوار حول القضايا الكبرى، فكانت ولادة مجموعة العشرين (G20) سنة 1999، لتضم في تشكيلتها، إضافة إلى أعضاء «الثماني»، كُلاً من المملكة العربية السعودية وتركيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك وأستراليا والأرجنتين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلاً بمفوضيته ومصرفه المركزي.

غير أن المجموعة التي تبدأ اجتماعاتها اليوم على مستوى رؤساء الدول والحكومات عادت و«قصّت» أحد أطرافها الفاعلة، روسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، ليعود إلى التداول اسم «مجموعة السبع» بدلاً من «الثماني»، بحُجّة أن «السبع» تضم بلداناً «تتقاسم قِيـَماً مشتركة»، على حد تعبير مضيفة الاجتماع، المستشارة أنغيلا ميركل، التي تعتبر أنه ما دامت روسيا متهمة بدعم «المتمردين» شرق أوكرانيا «لا يمكن تصور العودة إلى صيغة مجموعة الثماني».

في هذا السياق، برز نهاية الأسبوع المنصرم، تصريح وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، اعتبر فيه أن على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات جديدة للرد على الصراع في أوكرانيا، لأن العقوبات الاقتصادية والخطوات الغربية الأُخرى فشلت في إقناع الرئيس الروسي بتغيير نهجه.

ميركل ترى في إقصاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحالم بتوسيع النفوذ الروسي دولياً «أمراً محتوماً»، رغم انتقادات واسعة النطاق لتغييبه، على قاعدة أن المحادثات تفقد زخمها في غياب رئيس قادر على أداء دور فاعل في الملفات الدولية الكبرى ويتمتّع بلده بعضوية دائمة تملك «حق النقض» (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، علماً أن اجتماع اليوم سيكون الثالث من نوعه من دون بوتين منذ ضم القرم الى روسيا في آذار عام 2014.

الهمّ الاجتماعي.. أخيراً

يحتج المنتقدون على الشركات المالية الكبيرة التي يعتبرون أن «لها نفوذا كبيرا على السياسة»، بحيث لا مناقشة جدية داخل المجموعة لظاهرة الفقر، فيما تركز على السياسات الخارجية والأمن وتغير المناخ وحماية البيئة وتنظيف المحيطات وقضايا الصحة ومكافحة الأوبئة المستشرية والاضطرابات في الشرق الأوسط وتصاعد العُنف في أوكرانيا، إضافة إلى بعض الشؤون التنموية والتجارية وسبل وتمكن المرأة، والمفاوضات الجارية من اجل التوصل الى اتفاقات تبادل حر بين المناطق الاقتصادية الكبرى، لا سيما اتفاق الشراكة التجارية عبر الاطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

في مقابل انحسار الاهتمام بالشؤون الاجتماعية والمعيشية، من الواضح أن الملفات السياسية الأكثر سخونةً سيتكون الأكثر حضوراً في المحادثات، بدليل عدة تصريحات، ومنها تأكيد مسؤول أوروبي كبير أن القمة ستبحث تمديد عقوبات «الاتحاد» على روسيا 6 أشهر أُخرى على الأرجح، في حين ينتهي أجل العقوبات الحالية الشهر المقبل.

في رد فعل على هذا الإهمال، استبقت جمعية «أوكسفام» اجتماع القادة بحثهم على اختيار «الطريق الصحيح» للتغلب على الفقر وعدم المساواة، لأن جدول الأعمال لا يتضمن قضية عدم المساواة الاجتماعية، فيما من الضروري، برأيها، إصلاح القواعد الضريبية العالمية واتخاذ إجراءات أُخرى، منها تمويل مشروعات التنمية.

وسرت توقعات تفيد بأن زعماء المجموعة التي تمثل حوالى 64 في المئة من الثروة العالمية الصافية، المقدّرة بـ263 تريليون دولار، سيصدرون بيانا في ختام اجتماعهم إلى الحفاظ على النظام العالمي للبحار بناء على القانون الدولي، بعدما أبدوا قلقهم قبل عام بشأن التوترات بين الصين وعدد من الدول الآسيوية الأُخرى بشأن الموارد في بحري الصين الشرقي والجنوبي، علماً أن بكين تطالب بالسيادة على معظم بحرها الجنوبي الذي تمر عبره تجارة بحرية قيمتها 5 تريليونات دولار.

وفي بُعد بيئي مهم، دعت ميركل الزعماء إلى الاتفاق على الحد من ارتفاع متوسط درجات حرارة الأرض درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، محذرة من أنه بدون هذا الالتزام فإن مساعي التوصل إلى اتفاق أشمل بشأن المناخ قد يُمنى بالفشل.

تبقى أزمة الديون اليونانية من القضايا التي تبحثها القمة، مع وصول أثينا إلى شفير التعثر المالي وتلامس حدود الانفصال عن «اليورو». وفي وقت يضغط الأميركيون من أجل تسوية سريعة للخلاف بين اليونان ودائنيها لتلافي تعريض الاقتصاد الدولي لأزمة جديدة، برز تحذير نائب المستشارة الألمانية، زيغمار غابرييل، أثينا من أنه لا مجال لمزيد من الأخذ والردّ في المفاوضات بشأن تقديم تمويل لليونان مقابل إصلاحات يطلبها الدائنون، باعتبار أن «أوروبا نفد صبرها».