IMLebanon

الخليج… تشريعات رادعة للإتجار بالبشر

gulf
يلاحظ أن دول المجلس كرّست حق ممارسـة العمل واختيار نوعه والحصول على شروط عمل عادلة ومرضـية، وضمان تنظيم توازن العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال، لتتوافق مع ما نصت عليه اتفاقيات العمل الدولية والعربية. كما أن قضية الاتجار بالبشر -بما يشمله هذا المفهوم من أعمال الرق والعبودية والسخرة والعمل الجبري، بالإضافة إلى تقييد الحرية والاستغلال الجنسي للنساء والأطفال- قد شكلت هاجساً عالمياً يؤرق الدول والمنظمات الدولية. فلا بدّ من الإشارة إلى أن دول المجلس لم تدخر جهداً في سبيل محاربة هذه الجريمة على المستويات كافة، إيماناً بأنها تشكل خرقاً للعديد من المبادئ والقيم الإنسانية، الأمر الذي يترتب عليه آثار مجتمعية سلبية، فسعت دول المجلس لاتخاذ تدابير وخطوات ملموسة في سبيل الحد منها، سواء على المستوى التشريعي أم على المستوى التنفيذي، ويدعم هذا التوجه ما تمليه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يحظر المساس بكرامة الإنسان.

التشريعات
فعلى المستوى التشريعي، لم تكن الدساتير والأنظمة الأساسية في دول المجلس في معزل عن حظر شبهات العمل الجبري والسخرة. وتبع ذلك الدور المهم الذي تضطلع به القوانين العقابية وقوانين العمل في حماية الفرد وصيانة كرامته الإنسانية، إذ لم تتوانَ هذه القوانين –نظراً لسياستها التشريعية العقابية- في ترتيب الجزاء الذي يحقق الردع الخاص لمن يرتكب هذا الجرم والردع العام للكافة.

أما على المستوى التنفيذي فقد أنشأت دول المجلس لجاناً وهيئات ومؤسسات وطنية خاصة تعنى بمكافحة هذه الجرائم، يكون من صميم وظائفها تنسيق الجهود الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.

ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، وقفت الجهات المختصة بشدة وحزم ضد صور استغلال البشر كافة، فأصدرت عام 2007 قانوناً يفرض عقوبات صارمة ضد من يقوم بهذه الممارسات، وأنشأت لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، ومن أبرز ما نتج عن إنشاء هذه اللجنة تسجيلها (10) قضايا اتجار بالبشر حتى عام 2007، وفقاً لما ورد في تقريرها الوطني.

وعلى سبيل المثال، أصدرت المحاكم الجنائية أحكاماً بالسجن على (13) شخصاً بعد إدانتهم بعدة اتهامات تتعلق بالاتجار بالبشر وتسهيل ممارسة الفجور. كما تمت إدانة شخصين بعقوبة السجن (5) سنوات بتهمة الاتجار بالبشر وممارسة الرذيلة.

ضد الاتجار بالبشر
ولم يتوقف الأمر عند صدور القانون الاتحادي (51) لسنة 2006 بشأن الاتجار بالبشر، أو إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، بل بذلت الدولة جهوداً حثيثة في هذا المجال، حيث عملت الحكومة على تنفيذ خطة عمل وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر من حيث التشريعات وتطبيق الإجراءات الوقائية، وتأمين حماية الضحايا، وتوسيع آفاق التعاون الدولي. وتعمل الدولة على دراسة القانون ليتماشى مع التوجهات الدولية. كما تأسست “جمعية الإمارات لحقوق الإنسان”، وهي جمعية نفع عام تسعى لمتابعة الشكاوى والقضايا لدى السلطات العامة.

أما مملكة البحرين، فقد استحدثت لجاناً وطنية خاصة ومؤسسات اجتماعية، بهدف تتبع هذه الظاهرة والتعامل السياسي والأمني والنفسي مع القائمين بها والمتضررين منها.

كما أنشأت هيئة تنظيم سوق العمل بهدف تعديل كفة التوازن بين العمالة البحرينية والأجنبية. وشاركت في عديد من المؤتمرات والندوات بغرض تبادل الأفكار والمقترحات، وانضمت إلى عديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تهتم بمكافحة الاتجار بالبشر.
أقرت المملكة العربية السعودية نظام مكافحة الاتجار بالبشر إثر جهود حثيثة وتعاون لا كانت وزارة العمل السعودية قد اتخذت جملة من الإجراءات الحازمة لحماية هذه العمالة، فأصدرت قرارات وزارية تقضي بحظر أشكال المتاجرة كافة بالأشخاص، كبيع التأشيرات، والحصول على مقابل لتشغيل العامل، وتحصيل مبالغ منه مقابل تأشيرة الدخول أو تأشيرة الخروج والعودة، أو رخصة العمل والإقامة، والإخلال بالالتزامات التعاقدية، والاستخدام غير الإنساني، والمعاملة اللاإنسانية وغير الأخلاقية، وتشغيل الأطفال، كما تم إقرار تشكيل لجنة في هيئة حقوق الإنسان لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، حيث تأتي هذه الخطوات ضمن جهود المملكة في الحد من استغلال العمالة في الجنس والتسول والعمل الجبري.

بدورها، أدركت سلطنة عمان أهمية معالجة قضية الاتجار بالبشر، ليس بسبب خرقها لقانون الجزاء العماني أو قانون العمل فحسب، بل لتعديها مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للدولة، بالإضافة إلى الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع العماني، فقد أصدرت السلطنة قانوناً لمكافحة الاتجار بالبشر عام 2008، وأنشأت “اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر”. كما بذلت الجهات المعنية جهوداً حثيثة لمكافحتها من خلال القوانين والنظم والإجراءات، مراعية في ذلك الاتفاقيات الدولية والتعاون الإقليمي والدولي، ووضعت خطة لمواجهة هذا التحدي عبر تنسيق الجهود الوطنية، وجمع المعلومات من خلال آلية عمل مناسبة وتحليلها، بغية معرفة اتجاهاتها، بهدف العمل على معالجة جذور المشكلة والسيطرة عليها، وتسليط الضوء على مسؤولية أرباب العمل في حماية العمالة.

كما قامت السلطنة عام 2008 بتشكيل “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” بموجب المرسوم السلطاني رقم (124) والتي تعنى بمتابعة وحماية حقوق الإنسان وحرياته في السلطنة، وفقاً للنظام الأساسي للدولة والمواثيق والاتفاقيات الدولية.

دولة قطر

أعلنت دولة قطر عن إيمانها أهمية مكافحة هذا النوع من الجرائم، فأقدمت على إنشاء مؤسسة لمكافحة الاتجار بالبشر، والتي قامت بإنجاز عديد من النشاطات في هذا الخصوص، فقد قامت ببرامج توعوية متنوعة، فضلاً عن إقامة ورش العمل والمؤتمرات وحلقات نقاشية، وعملت على إعداد مشروع قانون بشأن المستخدمين في المنازل (العمالة المنزلية). كما أسهمت هذه المؤسسة في تكثيف الجهود التي تقوم بها دولة قطر لمكافحة هذه الجرائم، ويتضح ذلك من خلال توصياتها بإصدار قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، والتوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية، وهذا لا ينفي الدور المهم الذي يضطلع به قانون العقوبات القطري وقانون العمل وقانون حظر تدريب وإشراك الأطفال في سباقات الهجن.

مشكلات تتفاقم
وفي إطار السياق ذاته، سبق أن قامت دولة قطر بإنشاء “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، والتي تلتزم بمبادئ باريس التي وضعتها الأمم المتحدة، لترسم الأسس الرئيسة الواجب اتباعها على جميع منظمات حقوق الإنسان. لكن قطر واجهت –مؤخراً- انتقادات دولية وحقوقية بسبب وفاة مئات العمال الآسيويين خلال عملهم في ظروف صعبة وشاقة، من أجل بناء المنشآت الرياضية التي ستستضيف كأس العالم عام 2022، مما دفع ببعض هذه الحكومات والمنظمات إلى المطالبة بحرمان الدوحة من هذه الاستضافة.

بالنسبة لدولة الكويت، فقد بذلت جهوداً في مكافحة هذه الجرائم، إذ إنه انسجاماً مع حرصها منذ عهد بعيد –شأنها شأن بقية دولة المجلس– على مكافحة أشكال الاتجار بالبشر والعمل الجبري، فقد نص الدستور الكويتي على حظر العمل الجبري والقسري، وتضمن قانون الجزاء تجريم خطف الأشخاص، والسخرة، واحتجاز الأجر بغير مبرر، فضلاً عن قانون العمل والقرارات المنفذة له، التي جاءت لترفض هذه الممارسات، وقانون تنظيم مكاتب تشغيل الخدم المخصصين ومن في حكمهم. وقد وافقت الكويت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المقارنين بها، بالإضافة إلى ارتباطها بمجموعة اتفاقيات دولية متعلقة بحماية حقوق الإنسان، كاتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، وميثاق منع الاتجار بالأشخاص واستغلالهم في البغاء، والاتفاقية الخاصة بالرق، والاتفاقية الخاصة بالسخرة والعمل الجبري، الأمر الذي جعل من دولة الكويت محل تقدير فيما يخص جهودها في مكافحة الاتجار بالبشر.

مسؤولية وزارات العمل
وإذا كان ما تقدم يعبّر عن الجهود التشريعية والأمنية التي قامت بها دول الخليج، فإن وزارات العمل في دول المجلس لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الظاهرة، حيث إنها تعمل بشكل مستمر على تطوير أجهزتها الإدارية بشكل عام، وأجهزة التفتيش بشكل خاص، وتساندها في ذلك منظمة العمل الدولية من خلال نقل الخبرات والأساليب التي تكفل فاعلية أجهزة التفتيش للرقابة على المنشآت وأصحاب الأعمال، في سبيل الوصول للتطبيق الأمثل لقوانين العمل وضبط الخروقات التي قد تحدث، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل الجبري وكرامة الإنسان.

إذاً، فقد قامت دول الخليج العربي بتوفير الملاذ الآمن للعمالة الوافدة، ولكن لهذه العمالة الأجنبية الوافدة أبعاد خطيرة على مجتمعات هذه الدول.