IMLebanon

تطبيق القيم الفكتورية على سياسة بريطانيا المالية غير صائب

BritishUKEurope

مارتن وولف

جورج أوزبون هو سياسي متطرف. خطة وزير المالية الجديدة لتشريع الفوائض في المالية العامة هي محاولة لإعادة بريطانيا إلى القيم الفكتورية. حتى أنه قام بإحياء هيئة المفوضين الفكتوريين للحد من الديون الوطنية (هيئة كان آخر لقاء لها في عام 1860). هذا يُعتبر امتدادا للمنصة التي تنسب إليها الحكومة انتصارها الانتخابي الأخير: وقعت الأزمة نتيجة التبذير المالي لحزب العمال عندما كان في السلطة. لا يمكن الوثوق بالمعارضة ما لم تعترف بذنبها وتتعهد باتباع المبادئ التوجيهية لأوزبورن. الديمقراطية الاجتماعية سيتم تحييدها، إلى الأبد.

ما الداعي إلى وضع القانون؟ يُطرح السؤال نفسه فيما يتعلق بالقانون المُزمع إصداره لعدم رفع المعدلات الرئيسة لضريبة الدخل، والتأمين الوطني، وضريبة القيمة المُضافة حتى عام 2020. الجواب هو أن هذه القوانين هي بمثابة حيلة سياسية. إذا أرادت الحكومة تحقيق الفائض الشامل في المالية العامة، لكن دون عدم زيادة الضرائب، عندها يجب خفض الإنفاق أولاً، ومن ثم إبقاؤها في مستوى ـ نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي ـ لم يتحقق سوى مرتين في الأعوام الـ 70 الماضية. إذا قام حزب العمال بدعم قوانين حزب المحافظين، فإنه سيتبنى فكرة دولة صغيرة نسبياً إلى الأبد؛ لكن إذا عارضها، سيُحكم عليه بأنه حزب مُبذّر يُنفق بإسراف ويفرض الكثير من الضرائب.

هذا، إذن، فخ سياسي. أما مدى الذكاء في هذا الفخ فسيتبيّن أنه يتوقف على ما إذا كان هناك عدد كاف من الناخبين الذين يعتقدون أن الأفكار تبدو منطقية. فهل هي كذلك؟ لا أعتقد ذلك.

الحجة هي أن الأزمة أثبتت الحاجة إلى الفوائض في الأوقات العادية. مع ذلك، كما كتبت قبل الانتخابات، لو أن حزب العمال كان قد قام بإدارة ميزانية متوازنة قبل الأزمة، ما كان ذلك ليُحدِث الكثير من الفرق في نتائج الأزمة. لننظر إلى إيرلندا وإسبانيا. كل واحدة منهما بدأت بفوائض مالية ومستويات متواضعة جداً من الديون العامة، لكن الأزمة المالية دمرت هذين الاقتصادين.

هناك حجة أخرى هي أن الانتعاش القوي لاقتصاد المملكة المتحدة يُثبت عدم الحاجة إلى السياسة المالية العامة. لذلك التخلّي عن المرونة المالية العامة لن يكون بمثابة خسارة.

لكن الحقيقة هي أن انتعاش المملكة المتحدة ضعيف جداً. والعودة إلى مستويات ما قبل الأزمة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد استغرقت عامين أكثر حتى مما كانت عليه في فترة الكساد العظيم. وكان هذا على الرغم من أنه، بحكمة تامة، تم السماح للتشديد المالي الهيكلي في المملكة المتحدة بأن يتباطأ بشكل حاد بعد العام المالي 2011 – 2012.

وهناك حجة ثالثة هي أن الفائض المالي هو السمة المميّزة للحصافة. لكن التركيز على الديون العامة وحدها أمر خاطئ. الأهم من ذلك، أنها تتجاهل جانب الأصول في الميزانية العمومية تماماً. علاوة على ذلك، هناك أمور أخرى متساوية، كلما زاد الفائض المالي كانت أسعار الفائدة أقل. إذا قام ذلك بتشجيع زيادة قيمة الدين في القطاع الخاص، فقد ينتهي الأمر بالاقتصاد في وضع غير مُستقرّ أكثر حتى من قبل. للأسف، مكتب مسؤولية الميزانية يتوقّع بالفعل ارتفاعاً كبيراً في ديون الأسر.

لكن هناك حجة أفضل هي أنه حتى لو أن التبذير المالي لم يتسبب في الأزمة ولم يوجد صعوبة في التعامل معها (كما تُظهر أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية المنخفضة)، فإن الديون العامة يجب أن تنخفض الآن نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وهذا من شأنه استعادة “الحيّز المالي” المُستخدم من قِبل الارتفاع في صافي الديون العامة من 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 80 في المائة اليوم.

هذا الرأي مُعزّز بحقيقة أن الديون تفرض عبئاً اقتصادياً. وكما توضّح ورقة بحث جديدة أصدرها صندوق النقد الدولي، فإن ذلك يُقلّل من العائد على الاستثمار في القطاع العام. لكنها تذكر أيضاً أن تكاليف السياسات التي تهدف إلى تخفيض الديون ربما لا تزال تتجاوز استحقاقات التأمين من ديون أقل. ويستنتج البحث ضرورة تخفيض الديون من خلال النمو، أو عندما تتجمع الإيرادات الاستثنائية. لنلاحظ أيضاً أن انخفاض الديون نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يتطلّب الفوائض بأي حال. إذا نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 4 في المائة سنوياً، فإن عجزا بنسبة 1.5 في المائة، مثلاً، من شأنه تخفيض نسبة اليوم إلى حد كبير، على مر الزمن.

بطبيعة الحال، مثل هذه الاعتبارات – بما في ذلك حالة التحفيز المالي – لا تنطبق إلا إذا كانت البلاد تملك حيّزاً مالياً. وما إذا كان المرء سيقوم بهذا الأمر فهذه مسألة حُكم. لكن الأسواق وصندوق النقد الدولي يتفّقان على أن المملكة المتحدة تملك مثل هذا الحيّز. وما يدعم هذا الرأي هو حقيقة أن نسبة الديون العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبقى أدنى بكثير من المتوسط الذي تحقق خلال القرون الثلاثة الماضية. من الصعب معرفة ما إذا كان أوزبورن ينوي بالفعل تحقيق فائض مالي شامل باعتباره هدفه الرئيس في هذا البرلمان. ففي النهاية، هو لم يُحقق أهدافه الأولية في البرلمان الماضي. مع ذلك، من الواضح أن الهوس بالديون العامة هو أمر غير صحي. فالاقتراض العام ليس دائماً أمراً شريراً. كذلك الاقتراض الخاص ليس أمراً جيداً أيضاً. من المناسب تماماً الاقتراض من أجل الاستثمار. خاصة أن الوقت لتخفيض الديون العامة يأتي عندما تزدهر الاقتصادات وتكون أسعار الفائدة بعيدة عن القيمة الدنيا.

يُمكن تجنّب الفخ الذي نصبته الحكومة من خلال توضيح أن الفائض ليس الهدف الرئيس. الأهم من ذلك هو طبيعة وقوة ومتانة الانتعاش. ومن المهم، أيضاً، الطريقة التي يتم بها تحقيق ضبط الأوضاع المالية وعلى حساب من. تشريعات الفوائض المالية غير ضرورية وغير حكيمة. لذلك يجب تجاهلها.