IMLebanon

النفط بين المرتجى الغربي والواقع العربي!

OilArab
ماجد منيمنة

من يزور مقاطعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة يلفت إنتباهه أن شبكات الطرق المتطورة ومنها الطريق السريع (I-405) وهو أحد من أكثر الطرق إشغالا في أميركا حيث أنه يتكون من 12 تفرعاً تفضي إلى مدينة لوس أنجلوس ومنطقة شمال كاليفورنيا، وتمر عليه أكثر من 450 ألف سيارة يومياً، يعني ما يقارب 3 ملايين سيارة أسبوعياً، أو 165 مليون سيارة سنوياً. إن هذا الطريق السريع هو جزء بسيط من شبكة الطرق المعبدة في أميركا والتي يبلغ طولها بحدود 2.7 مليون كيلومتر وتعد الأطول في العالم. فتخيلوا هنا ومع كل تلك الإحصائيات المذكورة كم تحرق تلك السيارات العاملة من الوقود على طريق واحد من أكثر الطرق إشغالاً فيها ولهذا تعد من أكثر دول العالم المستهلكة للوقود.
إن إستهلاك الولايات المتحدة لكميات هائلة من الوقود هو ما يجعل من سياستها أن تكون حساسة وصارمة تجاه العوامل التي تؤثر على تزويدها بالطاقة وأيضاً على أمن البلاد التي تزودها بالنفط ومشتقاته. ولكن من الآن فصاعداً فإن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر قلقاً لظهور منافس قوي لها في إستهلاك النفط ومشتقاته وهو الصين حيث أنفقت الدولة الصينية في السنوات الخمس الماضية 700 مليار دولار على البنية التحتية المتعلقة بالنقل مما يعد ضعف ما أنفقته الولايات المتحدة للفترة نفسها. إن بناء 12 طريقاً سريعاً في انحاء ضواحي المدن الصينية الكبرى تم إنجازها مؤخراً في فترة زمنية قياسية لم تتجاوز 10 سنوات، والبرامج الموضوعة لإكمال التخطيط المدني تعد إنجازاً ضخماً بكل المعايير. ليس هذا فقط بل إن شبكة الطرق الفرعية في الصين والتي تم بناؤها في فترة عشر السنين الماضية تتجاوز ضعفي ما هو موجود في الولايات المتحدة والتي إستغرق بناؤها ثلاثة عقود.
إن بناء تلك الشبكة الهائلة من الطرق مع مخططات مستقبلية لزيادتها للمساعدة في إنسيابية الحركة على الطرقات سوف يشجع المزيد من المواطنين في الصين على إقتناء سيارة أو أكثر مما يعني زيادة الطلب على الوقود والمحروقات. إن ذلك يعد عامل قلق للولايات المتحدة والمخططين الإستراتيجيين لسياستها لأن ذلك يضعهم في مواجهة مباشرة مع الصين التي سوف تكون أعين حكامها على النفط الكامن تحت رمال الشرق الأوسط وبالذات دول الخليج العربي الذي يتميز نفطها بالجودة العالية وسرعة احتراقه من دون انبعاثات مسمة مقلقة.
إن بريطانيا لم تكن مترددة يوماً في حماية مصادر إنتاج النفط منذ تسجيل أول إكتشاف تجاري سنة 1908 حيث عملت الحكومة البريطانية على ضمان سيطرتها على شركات النفط الوطنية بشراء حصص توازي 51% بمبلغ 2.2 مليون جنيه إسترليني. وقد عملت بريطانيا على تدبير إنقلابات عسكرية في بلدان مختلفة في سبيل حماية مصادر الطاقة الحيوية بالنسبة لها والتي إزدادت أهمية بعد الجهود لتحويل تشغيل سفن البحرية الملكية البريطانية من الفحم إلى النفط. كما عملت بريطانيا على حماية أنظمة تتهمها بإنتهاك حقوق الإنسان في سبيل ضمان تدفق النفط بينما كانت الحكومة البريطانية تقوم بالترويج لموضوع حقوق الإنسان وتستغل ذلك كورقة ضغط على الأنظمة التي تتسبب في خلل في إمدادات النفط لها.
ولكن تغيير الأنظمة لا يأتي دائما بنتائج إيجابية بخصوص تدفق إمدادات النفط سواء كان ذلك التغيير تقف خلفه أيادٍ أجنبية أم أنه نابع من عوامل داخلية. فقد كانت إيران قبل الثورة التي أسقطت نظام الشاه تنتج 6 ملايين برميل من النفط يومياً والآن لا تكاد تصل الكمية المنتجة إلى 3 ملايين رغم مرور كل تلك السنين. والعراق نموذج آخر حيث كان ينتج 3.5 مليون برميل من النفط يومياً قبل الغزو الأميركي للعراق والذي كان هدفه الخفي هو النفط وتم إستخدام كذبة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كذريعة وغطاء، ولكن إنتاج النفط في العراق رغم مرور كل تلك الفترة منذ إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين هو بأقل من التوقعات المرجوة وبمقدار 500 ألف برميل وأقل بكثير من الأهداف المعلنة للحكومة العراقية بوصول الإنتاج إلى سقف 12 مليون برميل بحلول عام 2017. إن من يشكك بالأهداف الحقيقية من وراء الغزو الأميركي للعراق عليه أن يسأل نفسه لماذا كان مبنى وزارة النفط وليس وزارة الدفاع مثلاً هو أول مبنى سيطرت عليه القوات الأميركية قبل أي منشأة أو مؤسسة في العراق؟ إن الشركات النفطية الكبرى مثل بريتش بيتروليوم، شيل، وإكسون تمتلك عقوداً لمدة عشرين عاماً في العراق والكمية التي وضعت اليد عليها توازي نصف إحتياطي العراق من النفط والذي يقدر بـ112 مليار برميل.
كما شكلت الدول الغربية علاقة تكافلية مع دول الخليج العربي ولذلك فإن أكثر ما يقلق أميركا هو إضطرابات دولية أو إقليمية تؤثر على المملكة العربية السعودية التي تعد من أكبر مصدري النفط لها مما سوف يرفع بالتأكيد سعر النفط أكثر مما هو مرتفع حالياً. حتى أن المؤشرات تؤكد أن السعر قد يتجاوز 150 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد في حال نشوب أي معارك عسكرية في العمق الخليجي.
إن أحد أكبر التحديات التي تواجهها دولة مثل السعودية تتعلق بالسوق الداخلية لإستهلاك النفط حيث أن ليتراً واحداً من الوقود في السعودية سعره يعادل 15 سنتاً أميركياً، وهو أرخص من تكلفة زجاجة المياه المعدنية المعبئة، والإبقاء على دعم الوقود يشكل أولوية للحكومة السعودية. والغرب ليس مهتماً بكمية إنتاج النفط في أي بلد، وحتى أنه كان يدعو منظمة الأوبك بزيادة كمية الانتاج لتتعدى الـ 30 مليون برميل يومياً. هذا كلام قد يكون مفاجئاً للبعض فبماذا إذاً يهتم الغرب؟
إن الغرب يهتم بالكمية المخصصة للتصدير فلن تستفيد دولة مثل أميركا إن أنتجت السعودية 15 مليون برميل من النفط يومياً ولم تصدر منها سوى مليون برميل؟ فالسعودية أنتجت 12 مليون برميل من النفط سنة 2005 ولكن تلك الكمية إنخفضت إلى أقل من 9 ملايين برميل سنة 2014 حيث أن هناك توقعات بأن السعودية قد تقترب بخطى متسارعة من التحول لدولة مستوردة للنفط وأن أميركا سوف تتحول لدولة مصدرة للنفط وخصوصاً أنها إعتمدت على إستيراد النفط الرخيص من الشرق الأوسط والخامات الحيوية الرخيصة من أفريقيا مما سمح لها بالإبقاء على ثرواتها الطبيعية الداخلية والراكدة في باطن الأرض وبإحتياطيات ضخمة في مستوعبات بنيت خصيصاً في انحاء الولايات المتحدة ولهذه الغاية الاستراتيجية.
فالدول الغربية تعلم أن عليها أن لا تتفاءل في حال أعلنت الدول المصدرة للنفط (أوبك) زيادة إنتاجها النفطي لأن نسبة كبيرة منه قد تكون مخصصة للإستهلاك الداخلي.
إن الوقود الرخيص ليس هو الرفاهية الوحيدة التي يتمتع بها المواطن الخليجي مقارنة بغيره من البلدان، فأسعار إستهلاك الكهرباء والمياه في السعودية تعد من الأرخص عالمياً مما يعد مشجعاً على الإستهلاك. وفي بلد مثل الدانمارك تقوم الحكومة بفرض أسعار عالية لإستهلاك الكهرباء والمياه حتى تشجع المواطنين على الحد من إستهلاكها، كما تقوم بمحاولة الإستثمار في مصادر بديلة للطاقة مثل الرياح والمياه الجارية وهي حققت نجاحاً لافتاً حيث أن نسبة لا بأس بها من إستهلاك الكهرباء في الدانمارك وخصوصاً المنزلي تأتي من مصادر الطاقة البديلة. أما في دول مجلس التعاون فإن الحكومات توفر الدعم لوقود السيارات كما توفره لإستهلاك الكهرباء والماء، أي أن مليون برميل نفط يومياً تذهب لإستهلاك الطاقة في محطات تحلية المياه التي تعتمد عليها السعودية مثلا لتوفير المياه الصالحة للإستهلاك الإنساني. إن أكثر من 70% من إستهلاك المياه الصالحة للشرب في السعودية مصدرها محطات التحلية. وفي السعودية كما في الكثير من دول العالم العربي لا يوجد شيء إسمه ثقافة الطاقة البديلة حيث يمكن مثلاً توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. كما أن الطلب على الطاقة الكهربائية ينمو بمعدل 10% في دولة مثل السعودية ويتوقع أن يبلغ الطلب الى 68 ألف ميغاوات في سنة 2020. والمعروف أن السعودية لا تعتمد على الفحم الحجري الذي لا ينتج أصلاً فيها كما أن إمكانية بناء السدود لتوليد الطاقة لا تتوفر عنها دراسات مفصلة تبين إمكانياتها المستقبلية. الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو حذر من وصول معدل الإستهلاك الداخلي للنفط إلى أعلى النسب وإن بقيت تلك الإستهلاكات دون سيطرة وترشيد إلى ما دون 7.5 مليون برميل يومياً فقد تكون تلك هي من المشاكل الكبرى التي سوف تواجهها السعودية ومعظم دول مجلس التعاون التي تعتمد من ريع النفط لتمويل موازناتها وقد لا يبقى نفط للتصدير.
تحديات عديدة تواجهها ليس فقط السعودية بل دول منظمة الأوبك والتي بدأت تثير إنتباه الغرب وإهتمامه وهي ليست متعلقة بكمية الإنتاج بل بنسبة ما يتم تصديره من ذلك الإنتاج. إن توفر النفط وأسعاره هو أولوية بالنسبة للدول الغربية حين يتعلق الأمر بالحديث عن النهوض الإقتصادي واستمرار الحالة العمرانية والتقدم التكنولوجي، فكيف سوف يتم ذلك بدون توفر انتاج نفطي وبأسعار معقولة!.
لهذا يبقى النفط العربي خطاً أحمر للغرب وهو من أولوياته وسوف تسعى تلك الدول الصناعية إلى حمايته وتوفير كل النظم الأمنية وشبكات الأمان للحفاظ والسيطرة عليه بشتى الأساليب المتاحة أمامها ومن دون منازع!.