IMLebanon

تقارير غامضة لصندوق النقد الدولي عن لبنان

EconomicFiguresStat
ابراهيم عواضة
باتت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، وعن مراكز الدراسات المحلية الخاصة برصد مسار الاقتصاد اللبناني «مملة» لكثرة وقوعها بالتكرار في كثير من الاحيان.
ومن يرصد هذه التقارير يتوقف عند أمرين اثنين: الاول تطابق الى حد بعيد بين مضامين التقارير الدولية ومثيلاتها اللبنانية، مما يوحي بأن واضعي هذه التقارير يتلقون معلومات (مؤشرات وارقام) من مصدر واحد، وعلى الارجح ان المصدر «الملقي» لا يملك ارقاماً حقيقية عن اداء القطاعات الاقتصادية، والامر الثاني ان هذه التقارير تفتقر الى قاعدة ثابتة لقياس اداء قطاعات الاقتصاد الحقيقي، اقله لفترة 6 أشهر، بسبب ذلك ان اداء هذه القطاعات بات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسار الوضع السياسي الداخلي، وهذا الوضع غير الثابت، متحرك خلال فترات قصيرة.
وللدلالة والايضاح اكثر على التخبط الذي تقع فيه التقارير المحلية والدولية عند تقييمها لاداء الاقتصاد اللبناني، ولما هو متوقع خلال العام 2015، يمكن الاشارة الى التقرير الاخير لصندوق النقد الدولي الصادر في نهاية الاسبوع الثاني من شهر حزيران الحالي، تحت عنوان «الآفاق الاقتصادية العالمية – حزيران 2015 – الاقتصاد العالمي في فترة الانتقال». التقرير وضع لبنان في المرتبة السابعة في المنطقة لجهة النمو الاقتصادي المرتقب للعام 2015، مع توقعات ان تصل نسبة النمو الى 2.5% مع نهاية العام. وفي اشارة غير مفهومة الاهداف يقول التقرير ان لبنان وبتحقيقه نسبة نمو 2.5% يكون قد تخطى بذلك كل من ايران (1.0%)، الضفة الغربية وقطاع غزة (0.9%)، العراق (نمو سلبي 1.0-%)، اليمن (نمو سلبي -2.8%)؟
ثم يتحدث التقرير عن ابرز الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني (دين عام مرتفع، توترات مستمرة على حدوده مع سوريا، زيادة في عدد اللاجئين السوريين، ضغوط على المالية العامة، يعود ليبرز مؤشرات يضعها في خانة دعم الاقتصاد ومنها (تزايد في الطلب المحلي نتيجة تحسن الانتاج الصناعي والحركة السياحية، وبالاخص السواح العرب؟ اضافة الى الارتفاع المتسارع في القروض والتسليفات، واستمرار تدفق الرساميل الى البلاد؟
ـ التقييم الحقيقي ـ
يتضح مما تقدم ان الصندوق غير قادر على حزم امره لناحية اعطاء تقييم حقيقي لأن الاقتصاد اللبناني في ظل غياب الارقام والمؤشرات، لذا فإن تقرير الصندوق يعتمد على ما يبدو على ما يسمعه من مسؤولي القطاعات الاقتصادية، وعما ينشر في الصحف اللبنانية من معلومات خاصة بالوضع المالي في البلاد، وهي معلومات تختلف بين وسيلة اعلامية، ووسيلة اخرى وذلك بحسب الانتماء السياسي للوسيلة الاعلامية.
ـ ماذا على الصعيد المحلي؟ ـ
في التقرير الاقتصادي الفصلي لـبنك عودة من اداء الاقتصاد اللبناني في الفصل الاول من 2015 معلومات وتحليلات تكاد تكون مطابقة لتلك التي وردت في تقرير صندوق النقد الدولي، حتى ان تقرير صندوق النقد الدولي يتصدر الصفحة الاولى من تقرير «عودة».
ولاعطاء التقرير «خصوصية» ينفرد تقرير «عودة» في الاضاءة على نتائج وارقام لم يتطرق اليها تقرير صندوق النقد الدولي، فيشير على سبيل المثال لا الحصر… الى تحسن الميزان التجاري، انما بموازاة عجز في ميزان المدفوعات بقيمة 850 مليون دولار، والى اوضاع نقدية مؤاتية تعزز احتياطيات مصرف لبنان، الى نمو جيد في الودائع المصرفية في مقابل اداء متفاوت لاسواق الرساميل اللبنانية، لينتهي التقرير الى خلاصة بعنوان «من اجل تقليص الهوة بين الناتج الحالي والناتج الممكن تحقيقه.
من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد اللبناني بالاضطرابات الإقليمية الراهنة التي اندلعت في بداية العام 2011 والتي أتمّت عامها الرابع في ظل مناخ من الفوضى السائدة في المنطقة. إن نظرة سريعة على السنوات الأربع الماضية تشير إلى أن تداعيات الاضطرابات الإقليمية على لبنان قد أضعفت نمو الناتج المحلي الإجمالي، ما وضع حداً لحقبة من الفورة الاقتصادية في البلاد اتسمت بمكتسبات ماكرو اقتصادية ملحوظة.
إن التحدي الاقتصادي الرئيسي في المدى المتوسط يكمن في الحدّ نسبياً من حلقة النمو البطيء، لا سيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره 2% خلال السنوات الأربع الأخيرة. الجدير بالذكر أنه نظراً للفجوة الكبيرة بين الناتج المحلي الفعلي والناتج الممكن تحقيقه، فإن لبنان قادر تقنياً على تكرار مسار النمو الاقتصادي المرتفع قبل أن يصل إلى الاستعمال الكلي للطاقات الإنتاجية، إلا أن ذلك يفترض أن تكون البيئة السياسية محلياً وإقليمياً حاضنة لهذا المسار.
أولاً، إن التحدي الرئيسي يكمن في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعفة الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي من 27% في العام 2015 إلى 32% في العام 2019، لترتفع بالتالي الاستثمارات الخاصة إلى 25 مليار دولار في الأفق، ما يترافق مع نمو سنوي في الاستهلاك الخاص بنسبة 9%. هذا وأن نمو الاستثمار من شأنه أن يعزز مكون العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلب خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب أكثر من 30000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان. في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليصل إلى 20% مؤخراً.
ثانياً، على المستوى الخارجي، المطلوب هو تأمين نمو سنوي في الصادرات بنسبة 15% بعد التراجع الصافي في الصادرات على مدى السنوات الأربع الماضية. فعقب ازدياد ملحوظ في العجز التجاري خلال السنوات الأربع الماضية، تعود معضلة الحساب الخارجي إلى الواجهة، والتي فاقمتها العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات بمتوسط قدره 1.5 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية. عليه، وفي حين أن الأموال الوافدة لم تعد كافية لتغطية عجز الميزان التجاري، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحد من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 35% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه.
ثالثاً، إن متطلبات النمو الاقتصادي المرتفع تقتضي تأمين تحسن تدريجي للبني التحتية الأساسية وذلك لملاقاة متطلبات نمو كهذا. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات كبيرة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. لقد بلغ الاستثمار العام في البنى التحتية في لبنان متوسطاً قدره 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي نسبة منخفضة جداً بالمعايير الدولية. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج الإجمالي لتصل إلى ما لا يقل عن 5 % في الأفق، وذلك تماشياً مع متوسط الأسواق الناشئة بشكل عام. إن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة في هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية من دون إحداث ضغوط تذكر على وضعية المالية العامة في لبنان.
رابعاً، لا تزال أوضاع المالية العامة تشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي طويل الأجل. فعلى الرغم من أن نسب المالية العامة لا تزال أقل من المستويات القياسية التاريخية، إلا أنها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث أن نسبة المديونية تصل إلى 134% وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، مع نسبة في العجز المالي العام تصل إلى 10 % من الناتج المحلي الإجمالي وهي بين العشر الأول في العالم. فنسبة العجز إلى الناتج في الأسواق الناشئة بلغت متوسطاً قدره 2.2% في العام 2014، في حين أن نسبة الدين العام إلى الناتج الإجمالي في الأسواق الناشئة وصلت إلى 34% في نهاية العام 2014. هذا التباين بين نسب المالية العامة في لبنان والمعايير المقابلة لها تؤكد بأن احتواء الانحرافات في أوضاع المالية العامة يعدّ جوهرياً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في لبنان، وضمان سيناريو الهبوط الآمن ودفع عجلة النمو الاقتصادي على المدى الطويل في القطاع الحقيقي للاقتصاد ككل.
خامساً، على مستوى التمويل المصرفي، إن تحقيق المتطلبات المذكورة سابقاً يتطلب حداً أدنى من النمو في الإقراض المصرفي للقطاع الخاص بقيمة 5 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، بالترافق مع تمويل احتياجات القطاع العام بحوالى 2 مليار دولار سنوياً. إن تحقيق مثل هذه الأرقام على صعيد التمويل المصرفي يتطلب نمواً في الودائع المصرفية بنسبة لا تقل عن 11% سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
في الختام، إن تحليلاً دقيقاً لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تحفيز نسب النمو الاقتصادي بشكل يسدّ جزئياً الهوة بين الناتج الحالي والناتج الممكن تحقيقه ليس مستحيلاً من الناحية التقنية، غير أنه يتطلب تعزيز عامل الثقة بشكل عام بالتزامن مع عدد من الإصلاحات الهيكلية المرجوة. يبقى القول إن مثل هذا السيناريو يتطلب إجماعاً سياسياً داخلياً وانخراطاً ملائماً من كافة قوى المجتمع اللبناني وانحساراً تدريجياً للعوامل الإقليمية ذات التداعيات المحلية السلبية التي أدت إلى مرحلة من الوهن الاقتصادي منذ نهاية العقد المنصرم.