IMLebanon

800 مليون دولار مساعدات للسوريّين ساهمت بنمو 1,3%: اللاجئون دعموا الاقتصاد وأرهقوا الخدمات

syrian-refugees
سلوى بعلبكي

مع وصول عدد اللاجئين السوريين المسجلين رسمياً في لبنان الى مليون ومئة وثمانين الف لاجئ، وعلى رغم الانعكاسات السلبية لهذا اللجوء على الاقتصاد اللبناني، إلا أن بعض القطاعات تعول على المساعدات والاموال التي تضخها المنظمات الدولية لهؤلاء بما يرفع السيولة في السوق الاستهلاكية اللبنانية.

نظراً الى حجم المساعدات المالية التي تنفقها الوكالات الدولية على جهود الإغاثة في استجابة لتداعيات الأزمة السورية على البنى التحتية والخدمات العامة وسوق العمل في لبنان، كان من الضروري تقويم تأثير برنامج المساعدات المالية تلك على الاقتصاد. وتحقيقاً لهذه الغاية، قام كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدراسة لتقويم الآثار المترتّبة على الاقتصاد اللبناني من جرّاء المساعدات الإنسانية التي تقدمها بعض وكالات الأمم المتحدة للاجئين السوريين.
ويشير التقرير إلى أنه من أصل رزمة مساعدات سنوية تبلغ 800 مليون دولار في 2014، أُنفقت وفق هيكلية استحدثتها 4 وكالات رئيسية للأمم المتحدة (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، برنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، فإن نحو 44% من تلك المساعدات ضُخت في الاقتصاد بشكل نقدي ومباشر للمستفيدين (معظمها على شكل بطاقات غذاء تابعة لبرنامج الأغذية العالمي)، في حين أّنفق أكثر من 40% على شكل مشتريات عينية، و14% منها أنفقت على رواتب موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة. ويظهر التوزيع القطاعي لتلك المساعدات أن أعلى نسبة منها انفقت على المنتجات الغذائية (27%)، تلتها العقارات التي تتضمن الإيجارات (14%)، والمواد الكيميائية التي تشمل المنتجات الصيدلانية (9%)، وخدمات التعليم (7%).
ووفقاً للتقرير، انعكس ضخ المساعدات المالية تلك والبالغة قيمتها 800 مليون دولار في 2014، بنمو إضافي في الناتج المحلي الإجمالي اللبناني نسبته 1,3%. فمن حيث مضاعف الإنفاق، تبيّن أن إنفاق كل دولار على المساعدات الإنسانية له مضاعف بقيمة 1,6 دولار في القطاعات الاقتصادية. بمعنى آخر، عندما تقدّم وكالات الأمم المتحدة الأربعة 800 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، فهي كما لو أنها ضخت 1,28 مليار دولار في الاقتصاد.
صحيح أن وجود اللاجئين حرك نوعاً ما الاقتصاد عبر افادة قطاعات محددة من استهلاكهم، لكن ثمة كلفة كبيرة على الاقتصاد تتمثل بالأعباء التي فرضها وجودهم عليه. وهذه المعادلة وفق كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عوده الدكتور مروان بركات، تعتبره “سيفاً ذا حدين”. كلنا، وعلى رغم أن اللاجئين وفروا بلا شك الدعم للاقتصاد عبر تأثيرهم على الاستهلاك الخاص من سلع وخدمات مثل الأغذية والمشروبات والأدوية والطاقة والإيجارات، ما ساعد نوعاً ما في تجنب مناخ من الركود الاقتصادي، إلا أن التداعيات والتكاليف كانت ضخمة هي الأخرى تمثلت بعبءٍ ثقيل على سوق العمل وعلى البنى التحتية الأساسية وعلى أوضاع المالية العامة. فوجود اللاجئين السوريين يرخي بثقل إضافي على الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي والتعليم الابتدائي والصحة، ناهيك عن المنافسة الزائدة على الوظائف المتوافرة على قلتها.
وفي الوقت الذي ساهمت هذه المساعدات الإنسانية في التخفيف من تداعيات الأزمة السورية، فإن برنامج الدعم هذا وفق ما يقول التقرير، لا يعوّض بشكل كامل التداعيات السلبية المترتّبة على الاقتصاد والمتمثلة بشكل رئيسي في الناتج الفائت والمرتبط بشكل أساسي بانكماش قطاع السياحة إضافةً إلى انخفاض الصادرات. في الواقع، إن تقويم التأثير المشترك لتراجع حركة السياحة بنسبة 23%، وانخفاض الصادرات بنسبة 7,5%، إضافة إلى ضخ مساعدات مالية بقيمة 800 مليون دولار، يظهر نمواً سلبياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0,3% بدل النمو الإيجابي والمقدّر بنسبة 1,3%.
ولعل من أبرز تداعيات اللجوء السوري هو التأثير السلبي على سوق العمل عبر مزاحمتها اليد العاملة اللبنانية، وهذا ما يؤكده بركات الذي يعتبر إن تدفق اللاجئين أرخى بثقله على سوق العمل، ما رفع معدل البطالة في لبنان إلى أكثر من 20% حالياً، في مقابل 11% في 2011. مع الاخذ في الاعتبار أن أكثر من 60% من اللاجئين يعملون في قطاعات ذات المهارات المحدودة (كالزراعة والبناء والخدمات الشخصية)، وهم على استعداد لقبول أجور أقل بكثير من أجور اللبنانيين، ما من شأنه أن يشكل ضغوطاً انكماشية على مستوى الأجور وتسريح العمال اللبنانيين.
أمام هذا الواقع، يؤكد بركات أنه يجدر على السلطات اللبنانية القيام بجهود محلية إنقاذية راسية على قاعدة توافق وطني واسعة النطاق لحماية لبنان من الاخطار المحدقة والمرتبطة بتدفق اللاجئين السوريين من جهة وتأمين الموارد المالية الكافية لجبه الأزمة واحتواء تداعياتها الجمة من جهة أخرى. لذا، فإن معالجة آنية وحازمة لأزمة اللاجئين، باتت حاجة ملحة للحفاظ على استقرار لبنان السياسي والاقتصادي والبيئي والسكاني والاجتماعي عموما.
والجدير ذكره، أن الجزء الثاني والأخير من التقرير، والذي يقوّم تأثيرات الأزمة السورية على العرض والطلب على العمالة والرساميل في الاقتصاد اللبناني، سيتم التطرق إليه في مرحلة لاحقة.