IMLebanon

قانون الإيجارات الجديد يمسّ «الأمن القضائي»

justicePalace

هديل فرفور
عندما سُئل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد عن المسلك القضائي المتعلّق بنفاذ قانون الإيجارات الجديد، انطلق من خلاصة حاسمة: «القضاء لا يعترف بالفراغ التشريعي»، ليؤكد ان القاضي ملزم ببت اي نزاع أمامه كي لا «يستنكف عن إحقاق الحق». حينها، وفي حديثه لـ «الأخبار»، شدّد على عدم إمكانية الزام القضاة برأي محدد. من هنا، تبرز معضلة القرارات القضائية المتناقضة بين قضاة الإيجارات.

في 4/3/2015، أصدرت القاضية المدنية المنفردة في بيروت نادين مشموشي حكماً قضائياً قضى باسترداد المالك لمأجوره استناداً الى نصوص القانون92/160 وليس الى قانون الإيجارات الجديد، إذ حددت تعويض المستأجر بنسبة مقاربة لـ 50% من قيمة المأجور (تم تحديد قيمة المأجور بـ283 الف دولار فيما حُدد التعويض بـ141 الف دولار).
هذا القرار قابله قرار القاضي المنفرد المدني في كسروان القاضي طارق طربيه، الذي بت أيضاً في دعوى استرداد المأجور بتاريخ 15/2/2015، ولكن مستنداً الى مواد القانون الجديد الذي اعتبره طربيه نافذاً ابتداء من 28/12/2014، وحدد التعويض للمدعى عليه استناداً الى مواد القانون الجديد (14 الف دولار اميركي اي ما يوازي 4 اضعاف بدل المثل المحدد وفق المادة 20 من القانون الجديد).
تكثر «نماذج» هذين القرارين، بحيث أصبح «طرفا النزاع» يتنافسان في «تجميع» القرارات القضائية التي تصب في مصلحة كل طرف وتظهر أن كلاً منهم «على حق»، على اعتبار ان القضاء هو الجهة التي تكرس الحقوق. في حديثه السابق، شرح فهد مفهوم «الأمن القضائي» الذي يرتكز إلى «استقرار الاجتهاد»، حينها، لفت إلى أن «مقتضيات الامن القضائي تفرض نوعاً من رؤية موحدة أو فهم موحد للنصوص القانونية».
ألا يعدّ هذا الأمر مساً بالأمن القضائي؟ يجيب أحد الخبراء القانونيين المطلعين: «بالتأكيد، فالأمن القضائي يفرض أن يعرف المواطن أن معطيات محددة من شأنها أن تؤدي الى نتائج واضحة ومحددة، بحيث يُحكم له ولسائر المواطنين الذين يمتلكون المعطيات نفسها بنتيجة موحدة، وإذا لم يتحقق هذا الأمر، فإننا أمام فوضى قضائية».

منذ أكثر من أربعة أشهر، اجتمع فهد مع قضاة الإيجارات «لتخفيف حدة التباينات المحتملة بين الأحكام القضائية وحفاظاً على الأمن القضائي»، على اعتبار ان انتظار وصول الدعاوى المقامة بين المستأجرين والمالكين الى المحكمة التمييزية، الجهة التي تتولى دوراً في توحيد الاجتهاد، يغدو غير منطقي «ذلك أن هذا النوع من الدعاوى يأخذ وقتاً طويلاً (سنوات)». بعد هذا الاجتماع، عُقد اجتماع آخر للغاية نفسها: تداركاً للأحكام القضائية المتباينة.
بعد الاجتماع الثاني، برز توجه واضح لعدد كبير من القضاة بـ»عدم البت في الدعاوى المقامة واستئخار النظر فيها الى حين تعديل القانون في المجلس النيابي»، وفق ما أكّدت حينها، مصادر قضائية مطلعة.
الا ان المعطيات الحالية تؤكد أن عدداً من القضاة أخذ على عاتقه البت بالدعاوى المقدّمة اليه، انطلاقاً من مبدأ قانوني واضح وعام مفاده «أن لا رأي ملزماً للقاضي يجبره على استئخار النظر بالدعاوى».
يعلق المحامي ماجد فياض على هذا الأمر بالقول: «إن الضرر الذي يتوّلد عن اجتهادات قضائية متناقضة هو ضرر جسيم يُسأل عنه بالدرجة الأولى المجلس النيابي»، لافتاً إلى أن «المجلس الدستوري بقرار إبطاله المواد 7 و13 والفقرة ب من المادة 18، قد ابطل ما يزيد عن عشرين مادة تتعلّق باللجنة ذات الصفة القضائية»، معتبراً أنه «كان على المجلس الدستوري ان يأخذ موقفاً أكثر جرأة ويبطلها جميعها، لينجلي الموقف القضائي أكثر». يشرح فياض الواقع القانوني الحاصل ويقول: «المعضلة اليوم أن مبادئ القانون الأساسية لجهة مقدار بدل المثل واسترداد المأجور للهدم أو للضرورة العائلية، كذلك تلك المتعلّقة بمقدار التعويض هي مبادئ سارية، لكن المرجعية القضائية التي يفترض ان تقام أمامها الدعاوى لم تعد واضحة في ضوء قرار الإبطال للمواد الثلاث».
ويضيف: «ليس للقاضي المنفرد ان يحل نفسه، إحلالا لا يتيحه له القانون، مكان هذه اللجنة بحجة مبدأ ان القاضي الطبيعي هو قاضي الأصل»، ويبرر فياض رأيه بالقول: «إن نية المشترع في هذا القانون الاستثنائي كانت واضحة في اخراج هذه الصلاحية من القاضي المنفرد وجعله صلاحية لجنة ذات صفة قضائية، وان كان المجلس الدستوري قد أبطلها». وبالتالي «لا يستطيع القضاء ان يُحلّ نفسه مكان المجلس النيابي من خلال اجتهاد أو تفسير يجعل من حكمه صيغة اشتراعية او قانونية عملاً بمفعول المادة 3 من قانون اصول المحاكمات المدنية». ويختم فياض بالقول: «من هنا، نشأت الحاجة التي دفعت عدداً وافراً من القضاة الى استئخار النظر في دعاوى الإيجارات الى حين اجراء التعديلات التي أوجبها قرار المجلس الدستوري»، واصفاً هذا التوجه بـ «الحكيم» وبأنه ينسجم مع قرار المجلس الدستوري اكثر من الاجتهاد الذي يحلّ القاضي المنفرد مكان لجنة مبطلة من المجلس الدستوري.