IMLebanon

ألبرتا الكندية .. تشكل ملامح نظام عالمي جديد للنفط

CanadaAlbertaOil

جريجوري ماير

غابة مقطوعة من الشجر في شمال شرق ألبرتا تحتوي على معلم تذكاري للثروة النفطية. مركز ترفيه أنزاك، الذي افتتح في العام الماضي، يخدم قرية صغيرة مكونة من 800 نسمة فيها 112 ألف قدم مربع من الصالة الرياضية، والمدرجات وحلبة تزلج على الجليد تم بناؤها حسب معايير بطولة دوري الهوكي الوطنية.

وهناك لولب شبكي بدائي يتدلى من نافذة – هدية من راعي المركز وصاحب العمل المحلي الرئيسي، مجموعة النفط الصينية “سنوك” يعمل على تشجيع أولئك الذين يدخلون من أجل “الحلم الكبير”.

الأحلام تسبب الآن القلق أكثر مما تثير الإعجاب في ألبرتا، المقاطعة الكندية الغربية، التي تملك ثالث أكبر احتياطات نفطية مؤكدة في العالم.

مع انهيار أسعار النفط الخام، قررت شركات الطاقة إيقاف أو إلغاء المشاريع الجديدة بقيمة مليارات الدولارات، وآلاف العاملين فقدوا وظائفهم، كما أن الناخبين أطاحوا بالحزب الذي يُدير الحكومة الإقليمية منذ 44 عاماً.

المشاريع الجديدة في مجال الرمال النفطية في كندا تحتاج إلى أن يكون متوسط سعر خام برنت أكثر من 100 دولار للبرميل، حتى تحقق نقطة التعادل (بين التكاليف والإيرادات)، وذلك وفقاً للشركة الاستشارية، ريستاد للطاقة – أقل بكثير من المستويات التي يتطلّع إليها المتنبئون وأسواق العقود الآجلة.

البيئة الاستثمارية يمكن أن تكون أكثر تعقيداً إذا قام رئيس وزراء ألبرتا الجديد بتنفيذ التعهد بمراجعة مبالغ الريع التي تدفعها شركات إنتاج الطاقة، ما يُشير إلى نفقات إضافية على منطقة النفط ذي التكلفة العالية.

الحملة على انبعاثات غازات الدفيئة تعمل أيضاً على تهديد أساليب الاستخراج المُكثّفة بالكربون للرمال النفطية في كندا، التي هي في الأصل هدف لنُشطاء البيئة بسبب التلوث وإزالة الغابات.

في منطقة الرمال النفطية في ألبرتا التي تشمل أنزاك، ارتفع معدل البطالة إلى الضعف ليُصبح 8.2 في المائة عن العام الماضي، عندما بدأت الأسعار في الانخفاض. بعد الشعور بالتوتر، قام المجلس البلدي بتخفيض ميزانيته الرأسمالية.

يقول تايرن أولت، أحد أعضاء المجلس “نحن بحاجة إلى إعادة النظر في المدى الذي سننمو فيه وبأي وتيرة، وأن نكون واقعيين في تقديرات ميزانيتنا”.

كانت الصدمة بمثابة مفاجأة بالنسبة لسكان ألبرتا، لكن بالنسبة لسوق النفط، فإن العرض من كندا لا يزال يتدفق كالمعتاد. على أن آثار التراجع بسبب سياسة التقشف الكبيرة هي ما تظهر فيها بدلاً من ذلك، ومن المتوقع أن تستمر في العقد المقبل.

سيصل نفط أقل تماماً في اللحظة التي يقول فيها المُتنبئون “إن الطلب العالمي على النفط – الذي يبلغ 93 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي – سيتجاوز 100 مليون برميل يومياً، الأمر الذي يُهدد بأن تتعسر الإمدادات في السوق”.

يقول رايان كوبيك، الرئيس التنفيذي لشركة الرمال النفطية الكندية في كالجاري “بإمكانك أن ترى أعواما عديدة من أسعار النفط المرتفعة (في المستقبل)”.

الأثر المُتأخر

كانت كندا مُساهماً حاسماً في تخمة الإنتاج التي أدت إلى تخفيض أسعار النفط إلى النصف. حقولها ورمالها أضافت نحو خُمس النمو في صافي العرض في أمريكا الشمالية خلال الأعوام الخمسة الماضية، أو 1.1 مليون برميل يومياً. وكثير من الباقي جاء من تشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة.

الرمال النفطية في ألبرتا – محرك نمو العرض في البلاد – تختلف عن معظم حقول النفط الأخرى. حيث تملك تكاليف أولية عالية ويستغرق البناء أعواماً قبل أن يتم إنتاج برميل واحد. تقول الوكالة الدولية للطاقة، إنها “على الطرف الآخر من طيف حساسية الأسعار” عن النفط الصخري.

كانت استجابة شركات إنتاج الزيت الصخري لانخفاض أسعار النفط بأن قررت تعطيل مئات منصات الحفر، ما أدى إلى التوقعات بانخفاض العرض من الولايات المتحدة ابتداءً من أواخر عام 2015.

في المقابل، فإن شركات الرمال النفطية التي ضخت من قبل الأموال في المناجم وآبار حقن البخار في ألبرتا، ليس لديها حافز لإيقاف مشاريع العمل أو البناء التي تهدف إلى تحقيق العوائد على مدى عدة عقود.

بدلاً من ذلك فهي تحاول تشغيل محطاتها، وأساطيل الشاحنات وخطوط الأنابيب بكامل طاقتها، على نحو يشبه المصنع إلى حد كبير.

يقول كوبيك، الذي شركته هي أكبر مساهم في مشروع سينكرود للرمال النفطية، الذي تم افتتاحه في عام 1978 “إنها عقلية التصنيع إلى حد كبير”.

توقعّت الرابطة الكندية لمُنتجي النفط الأسبوع الماضي أن الناتج من غرب كندا سيستمر في الزيادة بنحو 156 ألف برميل يومياً كل عام حتى عام 2020. بعد ذلك سيتباطأ النمو إلى 85 ألف برميل يومياً كل عام حتى عام 2030.

في نفس الوقت، تطبق شركات الرمال النفطية فرزاً لا يرحم على المشاريع غير المُلتزم بها. الإنفاق الرأسمالي من جانب صناعة النفط والغاز الطبيعي في كندا سيصل إلى 45 مليار دولار كندي (37 مليار دولار أمريكي) في عام 2015، وهي نسبة تقل 40 في المائة عن عام 2014.

يقول بريان فيرجسون، الرئيس التنفيذي لشركة سينوفاس للطاقة، شركة الإنتاج القائمة في كالجاري “هذا شيء سيكون له تأثير في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام من حيث الإنتاج، في مقابل الإنتاج خلال الأعوام الثلاثة المقبلة”.

الرمال النفطية في ألبرتا، خليط من الرمال والماء والقطران بحجم بنجلادش، فيها نحو 167 مليار برميل من الاحتياطات المؤكدة. هذه الاحتياطات، التي من الصعب تحويلها إلى هيدروكربونات قابلة للتكرير، أصبحت مُجدية اقتصادياً أكثر عندما اقتربت أسعار النفط من 100 دولار للبرميل قبل عشرة أعوام.

الاضطرابات في غيرها من البلدان المُنتجة للنفط، من فنزويلا إلى ليبيا، عملت على تعزيز جاذبية كندا باعتبارها بلدا مستقرا حيث الحكومة لم تقُم بمصادرة حقول النفط.

مع ازدهار الرمال النفطية، منطقة فورت ماكموري جذبت العمّال من جميع أنحاء كندا لتحصل على لقب “فورت ماكموني” (أي قلعة توليد المال).

بحلول عام 2012، كان متوسط دخل الأسرة في بلدة وود بوفالو الأوسع كان 190 ألف دولار كندي – أكثر من ضعف المتوسط الكندي. كما ارتفعت أسعار المنازل ثلاثة أضعاف في الوقت الذي ارتفع فيه عدد السكان إلى الضعف.

فورت ماكموري، التي غالباً ما توصف بأنها المدينة المُزدهرة ذات الجودة الضعيفة، اتخذت طابعا أقرب إلى العالمية. في مركز ترفيه سنكور المحلي، بإمكان السكان السباحة بدورات في البركة التي يبلغ طولها 54 مترا، ومن ثم الاستماع إلى الكاتب مالكوم جلادويل عندما يأتي من أجل سلسلة من الكلمات. كذلك هناك حانة في وسط المدينة تُقدّم للزبائن الشمندر المحروق وبرجر الكينوا مع الكاجو المُنتشر إلى جانب الطعام المليء باللحم.

خارج المدينة، قامت مناجم النفط بتعرية أقسام من الغابة لتُصبح مساحات مُسطّحة رمادية خالية من الحياة. شركات إنتاج أخرى تعمل في ضخ البخار عميقاً تحت الأرض لتليين القطران، حتى يُصبح بالإمكان جلبه إلى السطح ضمن عملية تُسمى “في الموقع”. كلا الأسلوبين يتطلّب كثيرا من الطاقة لفصل النفط اللزج عن الرمال.

تصاعدت تكاليف الصناعة وسط النقص في الأيدي العاملة وقطع الغيار، حيث أرسلت شركات النفط آلاف العاملين إلى الشمال البارد للعمل في نوبات متواصلة على مدار الساعة.

في “معسكرات” مُسبقة الصُنع في الغابة أو أراضي تعدين تُشبه سطح القمر، تقوم الشركات بممارسة سباق تسلّح للاحتفاظ بالموظفين، إضافة إلى كوخ خشبي على غرار أكواخ الصيادين، وملاعب الاسكواش وخدمة الإنترنت اللاسكي.

يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في مخيم شركة إحدى شركات الإسكان “كثير من هؤلاء الرجال يجنون 100، و150، و200 ألف سنوياً. حيث يعملون لمدة 12 ساعة، ثم يحصلون على طعام جيد بالفعل، ويلعبون على أجهزة الإكس بوكس الخاصة بهم، ويتحدثون مع صديقاتهم عبر تطبيق الفيستايم، ويشاهدون بعض الأفلام الإباحية والذهاب إلى النوم. ويقومون بتكرار ذلك في اليوم التالي. هذه هي حياتهم. تقوم بذلك لمدة عشرة أيام وتعود إلى البيت وتعيش حياة مثل نجوم موسيقى الروك لمدة أربعة أيام”.

التخفيضات المؤلمة

ثم جاء الانهيار. ريتش كروجر، الرئيس التنفيذي لشركة إمبريال أويل، أخبر المساهمين في الآونة الأخيرة “لقد تغيّر عالمنا في وقت قصير جداً، وقد تغيّر بشكل عجيب”.

خام ويسترن كندا سيليكت، معيار النفط الثقيل، كان بسعر 86 دولارا للبرميل قبل عام. بحلول آذار (مارس) كان يُتداول بسعر يقل عن 30 دولارا. وقامت شركات النفط بسرعة بإعادة تقييم مخاطر الاستثمارات التي تُحقق عوائد على مدى أكثر من 30 أو 40 عاماً.

شركة رويال داتش شل، على سبيل المثال، قامت بسحب طلبها لبناء منجم رمال نفطية لإنتاج 200 ألف برميل يومياً في نهر بيير، شمال فورت ماكموري. كما أجلت لعدة أعوام مشروعا جديدا يعمل بطريقة “في الموقع” لإنتاج 80 ألف برميل يومياً في كارمون كريك، بالقرب من نهر السلام في ألبرتا.

يقول مارفين أودم، رئيس الاستكشاف والإنتاج في الأمريكيتين لشركة شل، التي تقوم بإنتاج 225 ألف برميل يومياً من الرمال النفطية “الطريقة التي أنظر بها إلى أعمالنا في مجال الرمال النفطية في الوقت الراهن هي أننا في الأساس نعمل ونتقن ما لدينا. فنحن لسنا في عجلة من أمرنا للتوسّع أبعد من ذلك”.

قامت الشركات بالتعويض عن تخفيضات الاستثمار من خلال الإجراءات القوية لتخفيض التكاليف. حيث كانت شركات الخدمات، لكل من الرمال النفطية وشركات الإنتاج التقليدية، مُضطرة لإعادة التفاوض على الأسعار. الرابطة الكندية لمُقاولي حفر آبار النفط تتوقع أن يتم فُقدان 25 ألف وظيفة هذا العام.

في نيسكو، وهي مدينة صناعية تقوم بتصنيع المعدات لكل من الرمال النفطية والحقول التقليدية، لوحات الإعلان عن وظائف في الشارع تُظهر أن لا أحد يقوم بالتوظيف وشركات تصنيع المعدات تنهي العمل على معدات لا تريدها الشركات.

الضغط من أجل خفض التكاليف قد يستمر، بهدف استعادة هوامش الأرباح وإطالة فترة انخفاض أسعار النفط. شركة سنكور للطاقة تنوي استبدال 800 سائق شاحنة تفريغ بشاحنات آلية في مناجم الرمال النفطية التابعة لها، بالتالي توفير نحو 200 ألف دولار كندي عن كل موظف.

يقول عاصم جوش، الرئيس التنفيذي لشركة هاسكي للطاقة القائمة في كالجاري، إن التكاليف هي “مشكلة الصناعة. نعم، ألبرتا بالتأكيد كانت جزءا من تلك المشكلة. وأنت ترى عودة إلى هيكل التكاليف”.

آثار خفض التكاليف بدأت تُصبح مؤلمة في فورت ماكموري. في المطار، حيث تم فتح مبنى جديد للمسافرين بقيمة 258 مليون دولار كندي في حزيران (يونيو) الماضي، تقوم الطائرات المُستأجرة بتنزيل عدد ركاب أقل بنسبة 30 في المائة”.

مزيد من العائلات يقوم بزيارة أماكن خدمات الطعام الاجتماعية. وكبادرة تعاطف، قامت شركة وود بوفالو بروينج بتخفيض أسعارها لمُنتج البيرة الخفيفة إلى عُشر تكلفة برميل من نفط خام غرب تكساس الوسيط. نصف اللتر كان بسعر 5.99 دولار كندي في وقت سابق من هذا الأسبوع.

عمّال النفط يتهمون المسؤولين التنفيذيين في الشركة بالمبالغة في آثار الانهيار للضغط على العمّال. يقول دون كامبيل، اللّحام الذي يعمل في مشروع الرمال النفطية في لونج ليك التابع لشركة سنوك “على الرغم من أنهم قالوا إن هناك تراجعا اقتصاديا، إلا أنه غير موجود. لا يزالون يكسبون المال. أجل، إنهم يكسبون كثيرا من المال”.

صناعة النفط في ألبرتا تواجه أيضاً احتمال التكاليف التي لا يُمكن السيطرة عليها. في أيار (مايو)، انتُخِب الحزب الديموقراطي الجديد اليساري، ليحكُم المقاطعة بعد التعهّد برفع الضرائب على الشركات ومراجعة الحقوق النفطية.

هذا العام، حصة ألبرتا من الحقوق ومكافآت الأراضي ستنخفض بقيمة خمسة مليارات دولار كندي لتُصبح أقل من ستة مليارات دولار كندي، وذلك وفقاً لشركة آيه آر سي فاينانشيال.

حتى لو قفزت أسعار النفط إلى مستويات أعلى من 100 دولار، فلن تتم تسوية كل شيء.

في الوقت الذي يعمل فيه المفاوضون للتوصّل إلى اتفاق المناخ في باريس في وقت لاحق من هذا العام، فإن صناعة الرمال النفطية أيضاً تواجه قيودا مُحتملة على انبعاثات الكربون.

بسبب عملية الاستكشاف التي تستهلك كثيرا من الطاقة، فإن النفط الخام المُستخرج من الرمال النفطية يبعث الغازات المُسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، أكثر من كثير من الفئات الأخرى. دراسة أجرتها جامعة كلية لندن وجدت أن 85 في المائة من احتياطيات القطران في كندا ينبغي أن تظل غير محروقة، إذا أراد العالم تجنّب ارتفاع متوسط درجة الحرارة بدرجتين مئويتين، الذي يُعتبر نقطة التحوّل نحو مستويات خطيرة من تغيّر المناخ، ما يُشير إلى أن الرمال النفطية يمكن أن تصبح أصولا محصورة (عالقة في الأرض) في حال قام زعماء العالم بتضييق الخناق على الكربون.

الضحية الأكثر وضوحاً بشأن الكربون هي خط أنابيب كيستون إكس إل الذي يربط كندا مع المصافي الأمريكية في خليج المكسيك، الذي أوقف في واشنطن وسط الضغط من دعاة حماية البيئة.

في فورت ماكموري، الأجواء حذرة لكنها حازمة. على الرغم من القيود على الإنفاق الرأسمالي، إلا أنه تم افتتاح مجمع استاد شل بليس يوم الجمعة الماضي. يقول جيف بيني، مدير البلدية للتنمية الاقتصادية “نحن لا نتوقع كثيرا من التغيير الكبير خلال العام أو العامين المُقبلين، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ متى سنرى التدفق التالي من استثمارات رأس المال الجديدة؟ في الوقت الحالي، لا يستطيع أي شخص في الواقع أن يعطيك إجابة عن ذلك السؤال”.