IMLebanon

سياسة «صُنع في الهند» تعني: عدم الاستيراد من الصين

IndiaChinaEcon

هيني سندر

رئيس الوزراء ناريندرا مودي يريد تحسين الطرق والموانئ، وخطوط السكك الحديدية ومحطات الطاقة غير الكافية على الإطلاق في البلاد، لكن كثيرا من أكبر شركات البنية التحتية الهندية، غارق في الديون.

في يوم من الأيام، سيكون مترو دلهي قادرا على نقل مشجعي السباق إلى حلبة بوده الدولية، التي تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، وتشتمل على 16 دورة، وتمثل أحدث مضمار لمباريات السباق على مشارف العاصمة الهندية المترامية الأطراف.

وبمجرد الانتهاء من طريق سريع جديد لامع، سيتم ربط المسار بالعاصمة نيودلهي، وإلى أجرا، الوجهة السياحية التي يوجد فيها مزار ممتاز محل.

أما الآن، فإن هناك حركة مرور ضعيفة على الطريق السريع المؤدي إلى بوده، وحتى أقل على مضمار السباق غير المستخدم.

مرت ثلاث سنوات منذ أن تخلت “الفورمولا وان” عن حلبة بوده الدولية، ما أضافها إلى قائمة عالم الرياضة المزدحم من المشاريع المكلفة التي لا لزوم لها.

بيد أنها ليست وحدها في عزلة تامة. منطقة بعد منطقة من مباني الخرسانة، من الأبراج التي كان من المفترض أن توفر ما يصل إلى 200 ألف شقة على خط الطريق السريع، تلقي بظلالها على الأراضي البور المتربة ومجاري الأنهار الجافة، وحشائش المسكيت الضارة.

مرحبا بكم فيما هو مرجح أن يكون أكبر مدينة أشباح في الهند، التي تمتد عبر خمس قطع شاسعة من الأراضي على طول الطريق السريع المجاور لمضمار السباق. ما كان من المفترض أن يكون تتويجا لإنجاز مجموعة جايبي وجاي براكاش جاور، الرئيس الكبير للمجموعة البالغ من العمر 85 عاما، أصبح نصبا بدلا من ذلك لتطلعات غير واقعية، وسوء تنفيذ من جهة وعجز في النمو، وارتفاع تكلفة رأس المال والمشهد السياسي غير المؤكد من جهة أخرى.

حجم مدينة أشباح جايبي ينافس بعض المدن الشهيرة غير المأهولة في الصين. لحسن الحظ بالنسبة لشركة جايبي، فهي تمتلك مجموعة من محطات الطاقة والأسمنت في مختلف أنحاء الهند، فضلا عن ثلاث شركات مدرجة في البورصة. للأسف يقول الدائنون والمحللون “إن عليها أيضا نحو 12 مليار دولار من الديون”.

شركة جايبي ليس وحدها في محنتها. تأتي هذه الشركة في المرتبة السادسة من بين عشرة تكتلات هندية مثقلة بالديون، التي تبلغ ديونها مجتمعة للمصارف نحو 125 مليار دولار، وتمثل 13 في المائة من جميع القروض المصرفية في الهند، وفقا للبيانات الصادرة عن أشيش جوبتا، المحلل لدى بنك كريدي سويس.

الشركات الأخرى على القائمة تشمل لانكو، وهي شركة إنشاءات وكهرباء؛ وشركة جي في كيه، وهي مجموعة الطاقة والنقل؛ وشركة جي إم آر، وهي تكتل لأعمال البنية التحتية.

هذه المجموعات هي من بين الشركات التي يفترض فيها أن تقود جهود الهند لتعزيز بنيتها التحتية غير الكافية، ولكنها بدلا من ذلك تظل مثقلة بمستويات الديون المرتفعة والميزانيات العمومية الضعيفة.

في نواح كثيرة، الصعوبات التي تواجه هذه المجموعات تجسد المشكلات التي تواجه الهند الحديثة، حيث استثمارات القطاع الخاص متوقفة تماما. تكلفة رأس المال عالية، والمصارف تحجم عن تقديم القروض لأن لديها كثيرا من القروض المعدومة.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة هندية بارزة “شركات البنية التحتية معتلة، والحكومة وحدها يمكنها دفع عجلة البنية التحتية. أنا لا أرى أي عامل يحرك السوق”.

إذا كان ناريندرا مودي، رئيس الوزراء، يسعى إلى تحقيق هدفه المتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي، فإنه يحتاج إلى جذب رؤوس الأموال من القطاع الخاص لتحسين الطرق والسكك الحديدية والموانئ والكهرباء، وغيرها من مكونات البنى التحتية.

البنية التحتية في الهند يمكن أن تتطلب استثمارات تصل إلى 1.7 تريليون دولار بحلول نهاية العقد الحالي، حسب تقديرات البنك الدولي.

وعلى الرغم من أن الحكومة تقول إنها تبني نحو 13 كيلومترا من الطرق كل يوم، إلا أن البناء في المدن الهندية لم يواكب النمو السريع في عدد السكان في المناطق الحضرية، وحالة وسائل النقل العام لا تزال رديئة.

وقد أسهم ذلك في مجموعة من المشكلات في المدن الهندية، بما في ذلك الازدحام المروري، وأعداد كبيرة من حوادث الطرق والتلوث، وذلك وفقا لما لاحظه بنك باركليز. مدينتان فقط من بين 53 مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة أو أكثر لديهما برامج سكك حديدية عامة مجدية. أكثر من 120 مليار دولار ينبغي أن تستثمر في مترو السكك الحديدية بحلول عام 2031، كما تشير تقديرات البنك.

على الرغم من اللغة الخطابية المؤيدة لقطاع الأعمال من مودي، فإن الاستثمار الخاص اللازم لمثل هذه المشاريع لا يزال متخلفا بسبب القوانين التنظيمية التي لا يمكن التنبؤ بها، والكيانات القوية المرتبطة بالحكومة التي في كثير من الأحيان لا تحترم العقود، وغيرها من المشكلات الهيكلية.

ثم هناك الديون. جايبي، كمثال على ذلك، تحتاج ما لا يقل عن مليار دولار سنويا فقط لخدمة ديونها، وذلك وفقا لما يقوله المصرفيون. وكما يلاحظ جوبتا من بنك كريدي سويس، فإن جايبي، شأنها في ذلك شأن كثير من الشركات الأخرى المثقلة بالديون في البلاد، تخلفت من الناحية الفنية عن سداد بعض ديونها.

في بعض الحالات، فإن بنك الاحتياطي الهندي “المركزي” يسمح للمصارف بترحيل القروض لشركات البنية التحتية المثقلة بالديون، متى ما كان لديها أصول جيدة.

حتى تتمكن المجموعات المثقلة بالديون من توفير التمويل لسداد الديون للمصارف – إما من خلال بيع الأصول أو إنجاز المشاريع بما يساعدها على توليد التدفق النقدي – فالاستثمار الجديد الذي تحتاج إليه الهند لم يتحقق ولو من قريب بالحجم الذي تطلبه البلاد.

يقول مسؤول كبير في البنك الاحتياطي الهندي “المشكلة هي أن التدفقات النقدية من البنية التحتية مسألة تمتد على مدى 25 عاما، في حين إن المصارف لا تقدم قروضا طويلة الأجل. مزيج من التباطؤ الاقتصادي والتدفقات النقدية التي لا تتطابق مع مواعيد التسديد هو ما يثير المشكلة”.

“لقد دفعنا الثمن”

هذا هو السبب، بعد عام من تولي مودي السلطة، فإن التفاؤل حول الحكومة يتضاءل. لمحة في ظروف مجموعة جايبي تبرز مقدار الوقت الذي تحتاج إليه الشركات الهندية للتعافي من سنوات من النمو البطيء وسوء الحوكمة.

تحتاج شركة جايبي إلى مئات الملايين من الدولارات لاستكمال بناء الأبراج السكنية التي يعتبر معظمها فارغا على طول الطريق السريع، ولكن هذا المال لا يأتي إليها. ويقول أحد المستثمرين العقاريين الأكثر نجاحا في الهند “على الأمد الطويل وبعد مرور ما يكفي من الوقت، كل شيء يمكن أن ينجح.

بيد أن ذلك سينجح فحسب، إذا كنت تستطيع البقاء على المسار. دون ديون، يمكنك أن تحاول كسب الوقت، ولكن نحن نتحدث عن عقدين من الزمن في المستقبل، ومع تلك الأنواع من أعباء الديون، كيف يمكنك الحفاظ على نفسك على قيد الحياة حتى ذلك الحين”؟

جاور يعتبر أن السياسات المتغيرة وغير المتناسقة من الحكومات السابقة هي المسؤولة إلى حد كبير عن ظروفه اليوم. ويقول من مكتبه خارج دلهي، وجدرانه مغطاة بالتقويمات الموضحة برسومات هندوسية “المشكلة تكمن في السياسة الاقتصادية للحكومة. ظلت الهند تحقق نموا بنسبة 9 في المائة لمدة عشرة أعوام. ثم فجأة من 2009 فصاعدا، دفعنا الثمن. انخفض استخدام الأسمنت، ولم نحصل على الثمن الذي كان متوقعا”.

بدأت مشكلات جاور في عام 2003، عندما حصلت شركة جايبي، التي تعد واحدة من أكبر الشركات المنتجة للأسمنت في الهند، على حق بناء الطريق السريع، المعروف رسميا باسم يامونا السريع.

المجموعة ستبني الطريق بطول 165 كيلومترا وتجمع رسوم استخدامه لمدة 36 عاما، ثم تعيده مرة أخرى إلى حكومة ولاية أوتار براديش.

جاءت الفوائد الحقيقية من الحصول على حق تطوير خمس قطع من الأرض، تبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من ستة آلاف فدان (2.43 مليون متر مربع). الأرض، التي لم يُدفع مقابلها إلا تكاليف الاستحواذ، تقع على مقربة من دلهي إلى جانب الطريق السريع في نويدا ونويدا الكبرى.

أصبح جاور واحدا من أكبر ملاك الأراضي في المنطقة. وعززت خطط رسمية لتوسعة مترو دلهي ليصل إلى المنطقة، عززت من آفاق الزيادة في قيمة الأرض.

كما يقول يودايان شارما، مدير علاقات المستثمرين في المجموعة “بدون تطوير الأراضي، الطريق ليست مربحة”.

شرعت المجموعة في خطة طموحة لبناء شقق سكنية في كتل شاهقة تحمل أسماء مثل كنسينجتون بارك والساحة الإمبراطورية، فضلا عن المنازل الواسعة التي تتألف من عدة طوابق، التي يمكن أن يصل سعرها إلى مليوني دولار. جاء في النشرات التسويقية اللامعة “في جايبي نقول: مهما كان حجم الحلم كبيرا، نستطيع تحقيقه”.

الأمور لم تسر كما كان مخططا لها. “الفورمولا وان” تخلت عن المسار بعد أن عقدت سباقات هناك لمدة ثلاث سنوات، حتى عام 2013، وقد تم إيقاف أعمال الإنشاء على معظم مشاريع الإسكان. وكما يقول جاور “إن مضمار السباق هو مرساة؛ وليس القرص الدوار الذي يولد المال”.

خارج السباق

يرتبط انسحاب “الفورمولا وان” في جزء منه بفقدان الإعفاء عن ضريبة الترفيه التي كانت قد منحت لها من قبل الحكومة السابقة في الولاية. يقول جاور “إن الأمر له علاقة أيضا برغبة منظمي المضمار في إعادة جدولة السباق في آذار (مارس)، بدلا من تشرين الأول (أكتوبر) كما كانت تريد شركته”. في الوقت نفسه، تأخرت أعمال الإنشاء في المباني الشاهقة بعد أن أثارت محكمة البيئة الوطنية المخاوف من تأثير ذلك في ملاذ قريب للطيور.

ليس هناك كثير من الشقق التي يبدو أنها مأهولة؛ الملابس المغسولة ليست منشورة سوى على عدد قليل من الشرفات المعزولة في بافيليون كورت. هناك مستشفى يعمل، وكذلك عدة مدارس. لكن المواقع تعتبر بعيدة كل البعد عن المجتمعات المتكاملة التي وعدت بها المنشورات.

يقول شارما، بمزيج من الحزن والاعتزاز “لقد سمعت بعض الناس يقولون “إن المكان الوحيد الذي شاهدوه على نفس هذا النطاق هو في الصين”.

يقول المسؤولون التنفيذيون في المجموعة “إنه ليس لديهم ديون مصرفية خاصة بالعقارات”. جايبي تجمع الودائع من المشترين، ولكن تلك الودائع يتم دفعها على أساس متجدد كعائدات بناء؛ ومع تباطؤ البناء، يتباطأ النقد من المشترين.

ويقول مستثمر للعقارات “هذه هي قصة الغالبية العظمى من العقارات في الهند”. ويضيف “هناك تأثير متسلسل. عندما يتوقف المال المخصص لأحد المشاريع، لا يوجد مال للمشروع المقبل”.

المسار الذي استضاف مرة “الفورمولا وان” معروض الآن للإيجار ويستضيف أحيانا سباقات شركة مثل الحدث الأخير لشاحنات شركة تاتا، ومعارض السيارات، وعمليات إطلاق الموديلات الجديدة. في الليل، الأسلاك الشائكة وحراس الأمن تمنع الشباب من اقتحام المنطقة للدخول إلى سباق الدراجات النارية.

في حين يقول جاور “إن مغادرة الفورمولا وان هي مؤقتة، إلا أن الإيرادات المقبلة هي جزء يسير من الأموال المستثمرة”.

“الأرض هي دائما

لا تقدر بثمن”

باعت المجموعة بعض أصولها في مجال الكهرباء والأسمنت في محاولة لجمع المال، وهو أحد أسباب صبر الدائنين على جايبي. ويقول سانجاي بنداركر، الذي يرأس الفرع الهندي لبنك روتشيلد “لقد كانوا من بين الأكثر نشاطا من بين جميع المجموعات المثقلة بالديون”.

وحيث إن شركة جايبي استخدمت معدات عالية الجودة، استطاعت المعامل اجتذاب المشترين بسهولة. ومع ذلك، كما تقول المصارف، فإن قيمة الأصول أقل بكثير (بمبلغ إجمالي قدره 3.4 مليار دولار تم تحصيله من خلال هذه المبيعات) من القيمة الاسمية للدين. ويسأل رئيس أحد المصارف الذي لديه تعامل صغير مع المجموعة “هل ستفرض المصارف مزيدا من مبيعات الأصول لكسب الوقت؟».

جاور لا يزال متفائلا

وكما يقول جاور مع إيماءة إلى جدار مكتبه “هناك دائما دورة. الأرض تعتبر دائما ثمينة، لكن في بعض الأحيان تستغرق وقتاً لاستثمارها. عندما تبني الحكومة المطار الجديد بالقرب من أجرا، فإن الأرض تصبح من البلاتين. كيف يمكن أن نكون في ورطة حين يكون لدينا مثل هذه المشاريع الرائعة، العام المقبل سنكون كلنا على حق”.