IMLebanon

الإستثمارات في لبنان.. ثقة الأجانب أكبر من العرب

WorldInvetReport
خضر حسان

يبحث اللبنانيون بين الدراسات والتقارير الإقتصادية العالمية، عن بشائر تخفف وطأة الضغوط الأمنية والسياسية الطاردة للرساميل الأجنبية والمحلية. يخفقون أحياناً وينجحون حيناً، لكن النجاح مرتبط بشروط فرضتها الأحداث في سوريا والعراق بشكل خاص، بالإضافة الى الإضطرابات الإقتصادية العالمية عموماً. ومن جهة أخرى، فإن إعتماد خلاصة النجاح، تخرقها أحياناً أزمة التباين بين إرتفاع الأرقام حسابياً، وإنخفاض تأثيراتها الفعلية على الإقتصاد.
يندرج التقرير العالمي للإستثمار للعام 2015، الذي أطلقه اليوم مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”، خلال مؤتمر صحافي في بيروت، ضمن التقارير الإيجابية التي يحتاجها لبنان لنفض غبار الضغوط الإقتصادية عنه. فالتقرير سجّل انخفاض الإستثمار المباشر على الصعيد العالمي بمعدّل 16% من 1.5 تريليون دولار في العام 2013، الى حوالي 1.2 تريليون عام 2014، وشكّلت الإضطرابات الإقتصادية والأمنية العنصر الأساس في تكوين هذا التراجع، وإعتبر التقرير ان التراجع سببه هشاشة الإقتصاد العالمي وإرتياب المستثمرين في السياسات، واشتداد المخاطر الجيوسياسية، واستمرار الشكوك في منطقة اليورو، واستمرار وجود مَواطن ضعف في الاقتصادات الناشئة.
لكن في خضم تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي في الدول المتقدمة بنسبة 28% بين عامي 2013 و2014، إرتفعت تدفقات الإستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة الى لبنان من 2880 مليون دولار في عام 2013 الى 3070 مليون في عام 2014، أي بزيادة 6.6%. وهذه التدفقات، بحسب التقرير، تمثّل 6.8% من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة بين الدول العربية، التي شهدت بدورها تراجعاً في حجم التدفقات بنسبة 7.4%. فقد بلغت تدفقات الإستثمارات الخارجية إلى لبنان 44 مليار دولار في العام 2014، بعد ان كانت 47.5 مليار في العام 2013.
الإيجابيات التي حققها لبنان من ضمن 6 دول عربية حققت إرتفاعاً للإستثمارات الأجنبية (الإمارات بمعدل 10 مليارات دولار، السعودية بـ 8 مليارات، مصر والعراق بـ 4.8 مليار، المغرب بـ 3.6 مليار ثم لبنان بـ 3 مليارات)، قابلها تسجيل تراجع عدد الشركات العربية المستثمرة في لبنان، بمعدل 31% من المجموع العام للشركات. ولم يشفع إستمرار الشركات الأميركية بالإستثمار في لبنان، واستحواذها على 18% من حجم الإستثمارات الأجنبية، في دفع الشركات العربية الى ابقاء استثماراتها في البلاد، ولم يشفع في ذلك أيضاً استحواذ المملكة المتحدة على نسبة 8%، واستحواذ الشركات الفرنسية على 13%، والشركات الآسيوية على نسبة 5%، من حجم الاستثمارات في لبنان.
للتراجع العربي مؤشرات، وقعها أشد إيلاماً من “فرحة” إرتفاع حجم الإستثمارات عموماً. لأن التراجع يعني انخفاض الثقة بإستقرار السوق اللبنانية، وارتفاع نسبة مخاطر الإستثمار. وبرغم خرق الإستثمارات الإماراتية والسورية والعراقية لإنخفاض أسهم الإستثمارات العربية، الا ان حجم الإستثمار يبقى ضئيلاً، ولا يعوّل على قدراته. وبإستثناء الإمارات التي تساهم بـ 18% من مجموع الشركات الأجنبية في لبنان، يشكل السوريون 5% من مجموع هذه الشركات، وهي بغالبيتها “شركات أفراد، ولا يمكن إعتبارها كالشركات الكبيرة” وفق ما يذكره الخبير الإقتصادي مروان اسكندر لـ “المدن”. ولا يستغرب اسكندر إنسحاب الشركات العربية من سوق الإستثمارات اللبنانية، اذ انه “لا يوجد مناخ آمن للإستثمار”، وغياب مثل هذا المناخ، يعتبر منفّراً حتى للمستثمرين اللبنانيين. وبالتالي، لا يرى اسكندر ان هناك تأثيرات كبيرة للشركات التي حافظت على استثماراتها في لبنان، وخصوصاً السورية والعراقية. وما يخفف من حدة التفاؤل، هو إقرار مسؤول الشؤون الاقتصادية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، في الإسكوا خالد حسين، بأن الإستثمارات في لبنان لا تطال البنى التحتية، بل تتركز في السياحة والخدمات، على عكس دول شرق آسيا. ما يعني ان الأموال التي تضخ في السوق اللبنانية، لا يستفيد منها لبنان لتحسين بنيته التي تساهم في جذب الإستثمارات.
تفوّق لبنان على 15 دولة عربية فشلت في رفع مستوى تدفق الإستثمارات الأجنبية إليها، لا ينفي إمكانية سقوط لبنان في أي لحظة الى مصاف تلك الدول، خاصة وان إنجاز العام 2014، كان قد سبقه تأرجح لحجم تدفق الإستثمارات، بين العامين 2010 و2013 على الأقل، فالتدفق تراجع من 4.96 مليار دولار عام 2010 الى 3.50 مليار عام 2011، ليرتفع الى 3.78 مليار عام 2012، ليعود الى الانخفاض في العام 2013 الى 2.83 مليار، بحسب تقرير المؤتمر في العام الماضي. وهذا التأرجح يتيح إمكانية التراجع في العام المقبل، خاصة وان الظروف الأمنية والسياسية لم تستقر بعد، لا في لبنان ولا في المنطقة.
وفي المحصلة، يجوز القول إن إرتفاع حجم تدفق الإستثمارات الأجنبية، في ظل المعطيات السلبية التي تحملها السوق اللبنانية، يعود الى عدم وجود خيار آخر أمام تلك الرساميل، تحديداً الرساميل السورية التي ترى إن نسبة الخسائر في نقل الاستثمارات الى لبنان، اقل من تلك التي يمكن ان تترتب في حال الانتقال الى دول اخرى، أو ربما حجم تلك الرساميل غير كافٍ لدخول سوق الاستثمارات في الدول الاكثر استقراراً، حيث المنافسة أشد. اما بالنسبة للشركات غير العربية، فينطبق عليها الوضع عينه، خاصة وان لبنان غير قادر على استقبال الشركات العالمية التي تستثمر في كبريات المشاريع.