IMLebanon

أنظمة تكنولوجيا المعلومات الهرِمة في المصارف تتراجع أمام الضغط

DigitalMoneyBank

مارتن أرنولد وتوم بريثويت

إيجور فيتوزا، صاحب مشاريع مولود في البرازيل، ترك هذا الأسبوع رسالة غاضبة على صفحة فيسبوك الخاصة إلى المصرف الذي يتعامل معه.

كتب بعد ثلاث ساعات “سخيفة” قضاها في المصرف: “أريد أن أعرف إذا كنتم أيها الرجال ستدفعون فواتيري المُستحقة وأجور الموظفين العاملين لدي لأني لا أستطيع الوصول إلى أموالي التي (…) أودعتها يوم الجمعة الماضي لأدفع لهم”.

فيتوزا ليس واحداً من عديد من زبائن رويال بانك أوف سكوتلند الذين شعروا بالإحباط من العطل التكنولوجي الأخير الأسبوع الماضي. إنه عميل مصرف الكومنولث الأسترالي، أكبر مصرف في البلاد من حيث القيمة السوقية، الذي يعد واحدا من المصارف الأكثر تقدّماً من الناحية الرقمية، لكن سمعته تلوثت بسبب تعطل أنظمة الدفع وأنظمة الإنترنت أواخر الأسبوع الماضي.

فضلاً عن إثارة نوبات الغضب على وسائل الإعلام الاجتماعية، فإن العطل التكنولوجي المُفاجئ في رويال بانك أوف سكوتلند، الذي تسبب في فقدان نحو 600 ألف من المدفوعات والديون المباشرة، ومصرف الكومنولث الأسترالي يؤكدان كيف أن أكبر المصارف في العالم غالباً ما تفشل في السيطرة على الطلبات المتنامية التي تُوضع على منصات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها.

أنفقت المصارف نحو 188 مليار دولار على تكنولوجيا المعلومات العام الماضي، وهذا الرقم من المتوقع أن يزيد بمعدل يُقارب 5 في المائة سنوياً، ليُصبح أكثر من 200 مليار دولار بحلول العام المقبل، وذلك وفقاً لشركة الأبحاث، سيلينت.

وكثير من المصارف، مثل رويال بانك أوف سكوتلند، لديها أنظمة كمبيوتر تم بناؤها على مدى عدة عقود من خلال عمليات الاستحواذ وعمليات إطلاق المنتجات الجديدة بحيث أصبحت تُشكّل مجموعة مُكلفة ومُعقدة من الأنظمة التي تعمل من خلال الترقيع.

ويقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولويجا في واحد من أكبر المصارف في الولايات المتحدة: “الكثير من هذه البرامج استنفدت ثلاثة أرباع طاقتها”. ويضيف: “إنها واحدة من مشاكل الديون الفنية التي تتراكم على مدار الوقت. إذا حدث معك شيء ما، فقد يتسبّب في سقوط كل شيء”.

وتكلفة الحفاظ على هذه الأنظمة التي غالباً ما تكون هرِمة وغير عملية تستنفد ثلاثة أرباع ميزانية المصارف المخصصة لتكنولوجيا المعلومات، بحسب شركة سيلينت. وهذا لا يترك سوى الربع فقط لإنفاقه على الابتكارات لمواكبة التهديدات الناشئة بسرعة من عديد من مجموعات التكنولوجيا والشركات الناشئة التي تحاول سرقة الحصة السوقية في مجالات مثل المدفوعات.

يقول بيل مايكلز، رئيس الخدمات المالية لأوروبا في مجموعة كيه بي إم جي: “بالنسبة لقطاع ينفق على التكنولوجيا أكثر بكثير من معظم القطاعات الأخرى في العالم، من المفارقة أن يكون هو الأقل ابتكاراً”.

في الوقت الذي تكافح فيه كثير من المصارف في بيئة ما بعد الأزمة المالية لتوليد عوائد تفوق تكلفة رأسمالها، فإن هذه التكاليف المُتصاعدة وعدم الكفاءة تُصبحان أمراً غير مقبول على نحو متزايد لكل من المديرين والمساهمين.

رويال بانك أوف سكوتلند، الذي دفع العام الماضي غرامة قياسية للمُنظمين بسبب انقطاع أكبر للأنظمة في عام 2012، كان يأمل في حل مشاكله من خلال استبدال مُحرك المُعالجة الأساسي بتكلفة تبلغ 750 مليون جنيه. لكن في مقابلة أجرت أخيرا، اعترف الرئيس التنفيذي روس ماك إيوان بأنه لا تزال هناك مهمة كبيرة لتخفيض عدد الأنظمة والتطبيقات في رويال بانك أوف سكوتلند من أكثر من ثلاثة آلاف.

وأنفقت المصارف الآسيوية على تكنولوجيا المعلومات أكثر من المصارف الأوروبية أو الأمريكية المنافسة. وإنفاقها ينمو بسرعة وأموالها الخاصة بتكنولوجيا المعلومات يتم إنفاقها على مشاريع جديدة أكثر مما يتم على الصيانة. مع ذلك، بالكاد هي خالية من مواطن الخلل.

في كانون الثاني (يناير)، أدت مشكلة في النظام الذي يربط الحسابات في المصرف الصناعي والتجاري الصيني، أكبر مصرف في البلاد، مع شركات الوساطة المالية، إلى تعطيل تحويل ما قيمته 4.9 مليار رنمينبي من الأموال، الأمر الذي أثر على نحو 55 ألف زبون في 90 شركة وساطة مالية.

وفي الوقت الذي يطلب فيه المُنظمون مطالب متزايدة باستمرار من المصارف من أجل تزويدهم بكميات هائلة من البيانات التي تُغطي مجالات من اختبارات الإجهاد إلى مراجعات مكافحة غسل الأموال، فإن المصارف تتدافع لإبقاء أنظمتها مواكبة.

المُطّلعون في دويتشه بانك يلقون اللوم على أعوام من ضعف الاستثمار في مجال التكنولوجيا بأنها تسبّبت في فشله في اختبار الإجهاد الأمريكي هذا العام، بحيث جعلته غير قادر على تلبية طلبات المُنظمين في الولايات المتحدة.

ويتزايد القلق بشأن الأمن الإلكتروني بعد هجمات قرصنة رفيعة المستوى، مثل سرقة العام الماضي لبيانات 76 مليون زبون من أنظمة الكمبيوتر في جيه بي مورجان تشيس.

ويقول مسؤولون تنفيذيون إن هذا التركيز على الأمن الإلكتروني هو عامل مُحفّز للتغيير، الأمر الذي يدفع المصارف لتبسيط وتحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات فيها. ويقول مسؤول تنفيذي أمريكي في مجال التكنولوجيا: “إن جعل شيء ما آمناً يتطلب منه أن يكون متناسقاً ونظيفاً وحديثاً ومُدارا بشكل جيد”.

جيمس أونيل، كبير المُحللين في شركة سيلينت، يتوقع أنه في غضون عقد من الزمن، ستكون معظم المصارف الكبرى قد تحوّلت من استخدام أجهزة الكمبيوتر المركزية المُكلفة من أجل معالجة بيانات الزبائن في الليل إلى استخدام خدمات أكثر مرونة بكثير قائمة على خدمة السحابة.

على الأقل، فإن نقص المُطوّرين الذين تدربوا على لغة البرمجة “كوبول” التي تقوم بتشغيل معظم الأجهزة المركزية في المصارف سوف يُجبرهم على القيام بالتحويل. مصرف الكومنولث الأسترالي انتقل إلى نظام قائم على خدمة السحابة، في حين أن دويتشه بانك استعان أخيرا بإحدى شركات تزويد خدمة السحابة من أجل العديد من تطبيقاته.

ويقول أونيل: “إن قصة الأنظمة القديمة التي تُعيق الابتكار مُبالغ فيها قليلاً. أنا لا أقول إنها ستستمر إلى الأبد، لكنها قامت بعمل رائع جداً في توفير منتجات وخدمات جديدة”.

لكن مثل العديد من القطاعات، بدأت المصارف تُدرك الحاجة لتسخير قوة “البيانات الكبيرة” لتوفير خدمات رقمية أفضل إلى زبائنها.

ويقول مايكل، من شركة كيه بي إم جي، إن عملاءه للخدمات المصرفية يعرفون أن المخاطر عالية. “لقد رأوا ماذا فعلت التكنولوجيا بالموسيقى والتسوّق من المنزل وحتى الآن كانوا بطيئين نسبياً في التكيّف – لكن كلما طالت مدة انتظارهم، أصبح الأمر أصعب”.

فرانسيسكو جونزاليس، مهندس البرمجيات السابق الذي يتولى الآن منصب الرئيس التنفيذي في مصرفBBVA في إسبانيا، ينتقد بشدة التسويات الفوضوية التي تقوم بها كثير من المصارف لتجميع أنظمة تكنولوجيا المعلومات فيها معاً.

وقال في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”: “معظم المصارف بدأت من السطح. كيف تمكّنت من العمل بدون الأساسات والأرضيات؟ مجرد البرامج الوسيطة – المزيد من السباجيتي على السباجيتي”.

بعد جولات من عمليات الاستحواذ، كثير من مصارف الأفراد والشركات الكبرى مُتشابكة في الأنظمة القديمة التي تُخاطر بإيجاد أو تقديم الفرص للمُتسلّلين للحصول على إمكانية الدخول.

وتقوم المصارف بالبناء على مزايا أكثر بكثير لتقديم مُنتج رقمي جذّاب إلى الزبائن. في الوقت نفسه، الشركات الناشئة للتكنولوجيا المالية بدأت تأخذ حصصا صغيرة من الأعمال، الأمر الذي يُشكّل ما يعتبره جونزاليس تحديا وجوديا بالنسبة للمصارف.

ويقول: “وجهة نظري هي أن عديدا من المصارف لن تنجح. نحن نتصدّر المجموعة ونطمح لنكون المُعطّلين”.

وأنفق BBVA أكثر من 850 مليون يورو سنوياً على التكنولوجيا خلال الأعوام القليلة الماضية، بما في ذلك القرار المؤلم والمُكلف لاستبدال مركز بيانات حديث بالأنظمة القديمة – السباجيتي التي يكرهها جونزاليس.

ويشعر الآن أنه مُستعد لمواجهة الولايات المتحدة، حيث يحتل المصرف المرتبة رقم 33 من حيث الأصول.

ويقول جونزاليس إن الولايات المتحدة هي “أكبر سوق في العالم، وهي من أكثر المجتمعات تعاملا بالرقمية في العالم، ونظام مصرفية التجزئة فيها بدائي تماما. لا بد من سد الفجوة من قبل جهة معينة، ونحن نريد أن نكون هذه الجهة”.