IMLebanon

لا للعبث بمستقبل النظام السياسي في لبنان! (بقلم رولا حداد)

baabda-parlement

 

 

هل يعاني لبنان من أزمة نظام؟ السؤال مشروع بعد أكثر من 13 شهراً على الشغور في مركز رئاسة الجمهورية وعدم تمكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا الواقع أقلّ ما يُقال فيه إنه “شاذ” ولا يحصل في أي دولة من دول العالم.

والأسوأ من الفراغ هو الشعور العام بالعجز التام عن إحداث أي خرق داخلي من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي. يُضاف إليه واقع أن البعض يعتبر أن تعطيله الانتخابات الرئاسية يأتي من ضمن الدستور وليس انقلابا عليه، وهنا تكمن مشكلة أساسية تتعلق بطبيعة النظام اللبناني.

فالدستور اللبناني، كما معظم الدساتير في العالم، لم يُبنَ على المنطق السلبي، بمعنى أن المشرّع ومنطق الدستور يفترضان حسن النية دائماً ممن يُفترض بهم أنهم رجال دولة ومؤتمنين على الدستور. وبالتالي لم يكن ليخطر على بال أي مشرّع لبناني أن نائباً أو كتلة نيابية يمكن بأي لحظة أن تلجأ الى مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية!

يُضاف الى ذلك أن دستور الطائف، في معظم بنوده لم يُطبّق، لا بل تمّ تجاوز الدستور في مواد كثيرة من أجل الحفاظ على واقع يؤمن مصالح وتنفيعات قائمة لجهات حزبية ومذهبية، من دون أن ننسى أن مرحلة الاحتلال السوري شوّهت “الطائف” الى أقصى حد.

ولكن، ما بين الانتقاد الموضوعي لثغرات قد تكون موجودة في الدستور، والعمل من داخل المؤسسات الدستورية لمعالجتها، وما بين محاولة الانقلاب على الدستور عبر ممارسات لا علاقة لها بمنطق الدولة فرق شاسع جداً. وكل الطروحات التي نسمعها اليوم، سواء بالدعوة الى مؤتمر تأسيسي أو الى المثالثة أو الى الفدرالية في ظل الوضاع الحالية والتوازنات القائمة في الداخل اللبناني كما في الإقليم، إنما تنمّ على الأقل عن سوء تقدير أو ربما عن سوء نية. والأخطر هو ادعاء البعض ممن يطرحون مثل هذه الطروحات بالحرص على المسيحيين.

الأسباب واضحة، وأهمها أن المسيحيين اليوم ليسوا في أفضل حالاتهم للذهاب نحو مؤتمر تأسيسي يحاول فيه كل طرف، أو حتى كل طائفة، زيادة حصتها من “الشركة اللبنانية المساهمة” التي اسمها لبنان. وموازين القوى في ظل محورين إقليميين إيراني وسعودي لا تصب في مصلحة المسيحيين حتما، من دون أن يعني ذلك أن المسيحيين مستضعفون على الإطلاق.

أما الحديث عن طرح الفدرالية اليوم فهو ليس أكثر من محاولات لذرّ الرماد في العيون، وللضغط الإعلامي على الحلفاء قبل الخصوم في قلب حملة انتخابات رئاسية لن توصل صاحبها الى أي مكان. ولذلك، تبقى الدعوة الى الفدرالية قنبلة دخانية يزول مفعولها سريعا لأن لا أفق داخلية لها اليوم، في انتظار انقشاع الرؤية الإقليمية.

تبقى المثالثة وهي رهان إيران لتغيير المعادلات اللبنانية المبنية على المناصفة التي كرّسها “الطائف”، للدفع في اتجاه تغيير وجه لبنان تدريجياً.

في الخلاصة، يبقى على اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً أن يتمسكوا ببنيان الدولة اللبنانية وبدستور الطائف في هذه المرحلة الانتقالية والخطرة من تاريخ المنطقة عوض التفريط بما هو موجود سعياً وراء سراب مستحيل. وكل من يرتكب “جريمة” العبث بالدستور حالياً إنما يكون يمارس الداعشية السياسية بحق مصالح المسيحيين في لبنان وبحق الشراكة الوطنية في وطن نريده أن يبقى منارة للحريات والتنوّع في هذا الشرق البائسّ.