IMLebanon

الاقتصاد اللبناني على تباطئه… وقطاعات على حافة الانهيار

LebanonEcoCurrencyLira

ابراهيم عواضة
يمضي الاقتصاد اللبناني على وتيرة منخفضة مشوبة بالتباطؤ الذي بلغ بالنسبة لبعض القطاعات حافة الانهيار، بحسب دراسات محلية و دولية.
ويمكن الاستدلال بوضوح على حجم التراجع الذي مني به الاقتصاد اللبناني بقطاعاته الحقيقية من خلال نسب النمو المحققة في السنوات الثلاث الاخيرة حيث نما الاقتصاد بمعدل وسطي قدره 2.5 في المئة اي اقل من منحاه على المدى الطويل والذي هو بحدود 4 في المئة وادنى بقليل من معدّل النمو في البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا والذي هو 2.5 في المئة. وبحسب مصادر اقتصادية مطلعة فانه من الصعب توقع حصول اي تسارع في نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في نهاية العام 2015 الحالي في ظلّ عدم توقع اي تغيير في الوضع السياسي المتأزم وبقائه عرضة للاضطرابات الخارجية الاقليمية. ومن شأن الفراغ الرئاسي المستمر منذ ايار 2014 والمأزق السياسي بوجه عام ان يتستتا الجهود ويحولا دون تمرير التشريعات ذات الضرورة القصوى او يعيقا اجراء الاصلاحات الهيكلية التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
ووسط الاجواء التي سبق ذكرها فانه من المتوقع ان يبقى النمو الاقتصادي عند مستواه المنخفض اي بين 2 في المئة و2.5 في المئة في العامين 2015 و2016. ويشار هنا الى ان وزارة المال تقدر في مشروع موازنة العام 2015 المرفوع الى مجلس الوزراء الناتج المحلي الاجمالي الاسمي بـ 49.8 مليار دولار في العام 2014 و53.3 مليار دولار في العام 2015 اي بمعدل نمو حقيقي قدره 1.5 في المئة و2.5 في المئة تباعا للسنتين المشار اليهما. وتوقع صندوق النقد الدولي من جهته ان يبلغ معدل النمو الاقتصادي الحقيقي في لبنان 2.0 في المئة و2.5 في المئة في كل من العامين 2015 و2016 على التوالي، مع انطلاق الحوار بين الاحزاب السياسية المختلفة وتوقع استمرار اسعار النفط عند مستويات منخفضة، ما يؤثر بشكل ايجابي على الاقتصاد اللبناني.
وبحسب ما بات ثابتا ومقنعا كان يمكن للاقتصاد ان يتراجع بشكل دراماتيكي وخطير في العام 2014 وخلال الاشهر الماضية من العام 2015 لولا السياسة النقدية لمصرف لبنان التي اعتمدها لدعم النشاط والنمو الاقتصادي من خلال توفير رزمة من التحفيزات الداعمة للتسليف المصرفي وتلبية الحاجات التمويلية للقطاع الخاص من افراد ومؤسسات. وكان من الممكن ان يحقق النمو الاقتصادي نسبة اعلى لو تناغمت السياستان المالية والنقدية. من جهة اخرى ساعد التنسيق بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف في المحافظة على الاستقرار النقدي (سعر صرف الليرة ومعدلات الفائدة) وعلى تدعيم الاحتياطيات بالعملة الاجنبية لدى مصرف لبنان والتي تعزز الثقة وتؤمن احتياجات الدولة بالعملات الاجنبية.
وانطلاقا من الحرص على سلامة الاقتصاد وعلى مصالح القيمين والعاملين في مختلف الانشطة والقطاعات الاقتصادية، يرى القطاع المصرفي ضرورة اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولتعزيز عمل المؤسسات الحكومية من اجل استعادة ثقة المستثمرين والمستهلكين في انتظار حل الصراع الدائر في سورية والمنطقة، والذي من شأنه ان يؤدي الى تحسن ملحوظ في الوضع الامني والسياسي والاقتصادي في البلاد، في الوقت نفسه، تشجع المصارف الحكومة والمجلس النيابي على اقرار الموازنة العامة لعام 2015، مع تدابير التصحيح المالي المرجوة، والتي من شأنها تعزيز ضبط اوضاع المالية العامة، وليد فوائض اولية مستدامة، ووضع الدين العام مرة اخرى في الاتجاه الانخفاضي المستدام، اي اجراء تصحيح مالي جدي وذي مصداقية يرسل حتما اشارة قوية الى المجتمعين الدولي والمحلي بالالتزام الفعلي بالحد من الاختلالات القائمة في الاقتصاد الكلي. فمن البديهي ان غياب قوانين الموازنة العامة منذ العام 2006 والانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية يشكلان عقبة اساسية امام انتظام الوضع المالي ويخلقان ارباكا كبيرا في التقديرات المالية وفي اليات الانفاق، كون الموازنة تحدد الرؤية الاقتصادية والاجمتاعية للحكومة. ثم ان وجود قانون للموازنة يحسن ايضا صورة لبنان لجهة الشفافية ويمنحه فرصة للحصول على تصنيف افضل من قبل وكالات التصنيف العالمية.
وضمن هذا السياق، تبرز الحاجة الى تغيير المسار الحالي وتحويل النفقات العامة بعيدا عن الانفاق الجاري نحو الانفاق الاستثماري الذي هو بالفعل مقيد وغير كاف والذي من شأنه مع تنفيذ الاصلاحات الهيكلية الاوسع. ان يدعم النمو الاقتصادي القوي والمستدام، كما ينبغي تكثيف الجهود من اجل تحسين ادارة الايرادات والتحصيل والحد من التهرب الضريبي. وبالنظر الى ان نسبة الايرادات الى الناتج المحلي تعتبر متدنية في لبنان بالمقارنة مع العديد من الدول المماثلة، يبدو ان ثمة مجالا ضيقا نسبيا لفرض بعض الضرائب الجديدة ولتعديل بعض الضرائب القائمة شرط دراسة توقيتها وان تندرج الايرادات الجديدة ذات الصلة في اطار ضريبي متماسك، فلا يحدث تشويه في هيكل الاسعار والاقتصاد بل يساهم في تطويره. وهناك ايضا مجال للحد من هدر الاموال وتقليص حجم الانفاق المبالغ فيه. اما بالنسبة الى الانفاق الاستثماري، فان لدى المصارف العاملة في لبنان الاستعداد التام والقدرة على التمويل والمشاركة في الاستثمار في البنية التحتية العامة من خلال شراكة القطاعين العام والخاص في ميادين الاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل والمياه والطاقة. يذكر ان متوسط نسبة الانفاق الاستثماري في لبنان بلغ في السنوات الاربع الماضية 3،1% قياسا على الناتج المحلي الاجمالي بالمقارنة مع متوسط قدره 6% في الاسواق الناشئة.
وثمة ضرورة ايضا لاقرار المراسيم والتشريعات العالقة ذات الصلة بقطاع الطاقة (النفط والغاز) اذ ان الاصلاحات والاستثمارات في هذا القطاع قد تشكل خطوة هامة نحو خفض تكلفة ممارسة الاعمال التجارية ورفع مستوى النمو المحتمل وتعزيز الدخل الفردي وتحسين ارقام المالية العامة. وينبغي ان لا يحصل مزيد من التأخير في معالجة ملف التنقيب عن موارد النفط والغاز الواعدة خشية ان يضر ذلك بسمعة لبنان كشريك استثماري موثوق، من جهة، وان يضر بتطوير العديد من المرافق العامة الهامة المدعمة لتوسع النشاط والاقتصاد، من جهة اثنية، ويشمل هذا التحسن القدرة على توليد الطاقة، والتحول الى الغاز الطبيعي، وزيادة الرسوم، وفي الوقت نفسه، حماية المستهلكين ذوي الدخل المحدود، وتعزيز النقل والتوزيع والجباية. ناهيك من جهة ثالثة، عن مساهمة عائدات النفط والغاز والوفر في الانفاق المرتبط بهما في ضبط وتعزيز المالية العامة للدولة.
كما تبرز حاجة ملحة الى اجراء الاصلاحات الضرورية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي واليات عمل التغطية، ما يخفض الاعباء التشغيلية على المؤسسات ويحسن اداء الاقتصاد ويعزز فرص النمو.