IMLebanon

ملامح فصل جديد في قواعد التجارة العالمية

International-Trade

شون دونان

شركة دبليو إس دارلي وسيارات الإطفاء التابعة لها لديها تاريخ في التصدي للعمالقة. تأسست الشركة في عام 1908، وبدأت حياتها باعتبارها شركة تجزئة لتقديم الطعام للبلديات من خلال قوائم للوجبات. لكن بحلول العشرينيات، وبعد محادثة مع هنري فورد، تحول المؤسس، ويليام دارلي، إلى تصنيع مجموعة عدد كان يبيعها بمبلغ 690 دولارا، سمحت للمدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة بتحويل السيارات موديل T إلى سيارات إطفاء بأسعار معقولة. كانت هذه الخطوة بمنزلة إزعاج لأكبر منافسي دارلي، إلى درجة أنهم رفضوا بيعه مضخات المياه. وأجاب عن ذلك بصنع مضخات خاصة به.

اليوم، الشركة التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها تلبي خدمات الإطفاء في جميع أنحاء العالم، وتدار من قبل أحفاد المؤسس. وتوظف الشركة 220 شخصا، وتجلب عائدات تبلغ 150 مليون دولار سنويا، وتنجز نصف أعمالها في الخارج، حيث تبيع معدات مكافحة الحرائق للحكومات المحلية في منافسة مع الشركات المصنعة من الصين وأوروبا وخارجها.

لكن ما هو أصلا معركة شديدة على وشك أن يتحول إلى معركة أكثر قسوة وشراسة.

عند منتصف ليل الثلاثاء الماضي انتهى مفعول سلطة بنك التصدير والاستيراد الأمريكي لتقديم قروض جديدة – الذي يأتي نتيجة المعارضة لوجود البنك في حد ذاته بين الجمهوريين المحافظين في الكونجرس – ونتيجة لذلك، فإن شركة دبليو إس دارلي، مثل كثير من الشركات الأمريكية الأخرى، باتت تواجه تحديا جديدا: كيفية التنافس في غياب هذا النوع من تمويل التصدير المنخفض التكلفة والضمانات والتأمين التي يمكن أن يقدمها المنافسون الصينيون ومنافسون آخرون.

تأتي هذه الخطوة لمنع تجديد تفويض مضمن في ترخيص بنك التصدير والاستيراد، وهي للمرة الأولى التي يحدث فيها ذلك خلال تاريخ البنك الممتد 81 عاما. وتشكل الخطوة تتويجا لسنوات من الحملات من قبل جماعات الجمهوريين الذين يقولون إنه يشوه الاقتصاد الأمريكي من خلال تفضيل الشركات العملاقة الموجودة، على لاعبين جدد.

المؤيدون، بما في ذلك جميع المجموعات التجارية الكبرى في الولايات المتحدة، لا يزالون يأملون في أن يكون من الممكن إنقاذ وكالة مولت العام الماضي أكثر من 27 مليار دولار من الصادرات الأمريكية وادعت مسؤوليتها عن 164 ألف وظيفة أمريكية، خاصة في وقت يبدو فيه الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة لا يزال هشا. لكنهم يدركون أنه مع كون جيب هنسارلنج – الجمهوري من تكساس الذي يترأس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب المكلفة بالإشراف على المصارف – أكبر عدو لها الآن، فإن الأمر يتطلب مناورات تشريعية معقدة لاستعادتها.

وسوف تستمر الوكالة في إدارة القروض القائمة. لكن فريد هوشبرج، رئيسها، يقول: “إنها رفعت الأقلام عن تمويل أعمال جديدة”.

وبالنسبة لشركات مثل دارلي هذا يعني إعادة النظر في أنموذج الأعمال الذي جعلها في عام 2013، بمساعدة 15.7 مليون دولار من البنك، تفوز بعقد لبيع 32 سيارة إطفاء للحكومة المحلية في لاجوس، نيجيريا، وتتفوق على منافسين من الصين وموردين أوروبيين، كل منهم كان يحمل ضمانات للقروض مدعومة من الحكومة.

يقول بيتر دارلي، كبير الإداريين التشغيليين: “نحن لسنا شركة كبيرة. لكن التصدير يعتبر جزءا كبيرا مما نقوم به. بنك الاستيراد والتصدير مهم جدا بالنسبة إلينا”.

إجراء أحادي

التأثير يتجاوز الشركات الصغيرة، مثل دبليو إس دارلي التي تعتمد على ضمانات التصدير والقروض، والتي غالبا ما يكون من الصعب الحصول عليها من مؤسسات القطاع الخاص.

وكثير من الثقل المالي للبنك يفضل عملاء من شركات كبيرة – وهي النقطة التي يغتنمها النقاد بانتظام. وقد شكل أكبر عشرة مستفيدين من تمويل الاستيراد والتصدير ما نسبته 75 في المائة من قروضه البالغة 27.3 مليار دولار للأعمال التجارية في عام 2013. شركة بوينج وحدها كانت تمثل ما يزيد قليلا على ثلث القيمة، في حين شكلت “جنرال إلكتريك” نسبة أخرى مقدارها 10 في المائة. وحذرت كل من الشركتين من أنهما ستخسران الطلبيات وربما تضطران إلى نقل الوظائف الصناعية إلى الخارج للاستفادة من آليات تمويل الصادرات في بلدان أخرى، إذا أغلق بنك التصدير والاستيراد أبوابه.

وتشتكي الشركتان من أن المنافسين من الصين والاتحاد الأوروبي ينافسون على العقود مسلحين بتمويل حكومي بأسعار فائدة منخفضة. وإغلاق البنك أمام أعمال جديدة، كما تقولان، هو المعادل التجاري لنزع السلاح من جانب واحد.

وتغذي ملحمة الاستيراد والتصدير هذه واحدة من أكبر مناقشات السياسة في واشنطن: ما مقدار التهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة لقيادتها الاقتصادية في الوقت الذي تتقدم فيه الصين إلى أسواق جديدة وتطلق مؤسسات جديدة، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية؟

وبسعيه إلى اتفاقية تجارية ضخمة جديدة لحوض المحيط الهادئ تضم اليابان وعشرة اقتصادات أخرى، يقول الرئيس باراك أوباما إنه يصد هجوم الصين الصاعدة. وبعد أن هلل له مجتمع الأعمال الأمريكي الذي لم يكن له دائما علاقة سهلة معه، كان أوباما واضحا في قوله الذي لا لبس فيه إنه يريد أن تعيد الولايات المتحدة كتابة قواعد التجارة للقرن الحادي والعشرين قبل أن تتمكن الصين من ذلك.

لكن لا يشارك الجميع الرئيس في هذه الرؤية. تأمين سلطة الكونجرس التي يحتاج إليها لاستكمال اتفاق تجارة الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما فعل في الأسبوع الماضي، استغرق شهورا من النقاش الحاد ورأى الأغلبية العظمى من حزبه الديمقراطي في الكونجرس وهم يحاولون منع ذلك.

على الجانب الجمهوري الهدف هو بنك التصدير والاستيراد. وحتى مع إصرار المؤيدين على أنه أداة حيوية ومربحة للشركات الأمريكية في الخارج (675 مليون دولار من الأرباح دفعت إلى وزارة الخزانة الأمريكية في العام الماضي)، إلا أن النقاد يتهمون البنك بأنه وسيلة للمحسوبية والفساد.

وقال هنسارلينج الأسبوع الماضي: “هذا [إغلاق البنك] يعتبر خطوة صغيرة نحو تجديد اقتصاد السوق الحرة التنافسي وتوقيف صعود دولة الرفاه التقدمية والمحسوبية المتصلة بها”. لكن النقاش محبط للشركات الأمريكية. جيف إيميلت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، حذر الشهر الماضي من أن “النفوذ الاقتصادي لأمريكا في العالم في تراجع” وأن الجدل حول بنك التصدير والاستيراد من شأنه فقط تعقيد المشكلة. وقال في قمة للأعمال عقدت في مصر هذا العام، إن حكومات في منطقة الخليج عرضت على مصر مليارات في صورة قروض وعرضت ألمانيا عشرة مليارات يورو لتعزيز صادراتها.

واشتكى إيميلت من “أن الوجود الاقتصادي الأمريكي كان مفككا. إذا كنت تعتقد أن الانخراط الاقتصادي الأمريكي له أهميته في مكان غير مستقر في العالم، إذن على الولايات المتحدة أن تظهر نفسها (…) الآخرون يفعلون ما هو أكثر”.

تزايد غضب الأعمال

جون إنجلر، الحاكم السابق لميتشيجان الذي يترأس حاليا اجتماع المائدة المستديرة لرجال الأعمال، وهو تجمع يمثل الرؤساء التنفيذيين في واشنطن، يهز رأسه عندما يناقش المستقبل غير المؤكد لبنك التصدير والاستيراد.

لكنه يرى أن ذلك عرض لشيء أكبر: الحاجة إلى جهود أكبر وأفضل من أجل تحسين القدرة التنافسية الأمريكية التي تتجاوز ثورة الطاقة الأخيرة إلى تحسين نظام الضريبة على الشركات، والقيام بكل ما يلزم لتشجيع المزيد من الصادرات والنمو. الولايات المتحدة، كما يقول، كانت متراجعة أكثر من اللازم لترتاح لفترة أطول من اللازم في المنافسة مع بلدان مثل الصين.

ويضيف: “السياسة الصناعية هي عبارة غير مريحة ومنفرة”. ويتابع: “لكن ينبغي أن تكون لدينا استراتيجية”.

قد يكون ذلك من الظلم لأوباما وإدارته. فمنذ أزمة عام 2008، كان على الأقل يمارس تركيزا جديدا على توسيع الصادرات الأمريكية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد. وما يؤكد سلامة جهوده في اتفاقية الشراكة عبر الهادئ هو الحاجة إلى استعادة النمو الاقتصادي.

لكن حتى قبل إيقاف بنك الاستيراد والتصدير، كانت الصين تتفوق على الولايات المتحدة في عالم تمويل الصادرات.

هوشبرج يحب أن يحكي قصة يقول فيها إنه بعد وقت قصير من إبرام صفقة قيمتها 350 مليون دولار في أنجولا، التقى أحد نظرائه الصينيين. وبنوع من الاعتزاز، ذكر هوشبرج نجاحه الأخير. أجاب منافسه الصيني إن هذا لا يعد شيئا، لأنه قبل فترة قصيرة أبرم اتفاقيات بعشرة مليارات دولار تتعلق بأعمال تجارية في البلاد.

وبلغ إجمالي تمويل الصادرات المتوسطة وطويلة الأجل من الصين في عام 2014 ما قيمته 58 مليار دولار، نحو خمسة أضعاف 12.1 مليار دولار تمثل تمويل الصادرات الذي قدمته الولايات المتحدة، وفقا لتقرير في حزيران (يونيو) الماضي، أعده باحثون في البنك الأمريكي للاستيراد والتصدير. ومولت كل من ألمانيا وكوريا الجنوبية صادرات بأكثر من 14 مليار دولار في العام الماضي.

منافسون متهللون

إغلاق البنك أمام الأعمال الجديدة، كما يصر هوشبرج، فتح بكل بساطة الطريق أمام المنافسين.

ويقول: “المنافسون يحومون منذ الآن، وهو أمر يفعله أي منافس جيد، حيث يطرحون الحجة التي تقول إن الحكومة الأمريكية لا تدعم شركاتها. الوظائف التي دعمناها في العام الماضي، البالغ عددها 164 ألف وظيفة، إما أننا سندعمها للعمال الأمريكيين وإما أنها ستكون مدعومة للعمال في الصين، أو ألمانيا، أو كوريا”. ويأمل هوشبرج في أن يعاد تفويض البنك في نهاية المطاف. لكن الأسئلة لا تزال قائمة، وليس من المرجح للنقاش حول المستقبل الذي يرى بعضهم أنه هش، بالنظر إلى المنافسة الضخمة التي تواجهه، أن يذهب بعيدا. ولدى هنسارلينج حلفاء أقوياء في الحزب الجمهوري. وعلاوة على ذلك، المعارضة لبنك التصدير والاستيراد تعتبر بمنزلة اختبار حقيقي لأي مرشح جمهوري – في انتخابات 2016 – من قبل الجماعات المحافظة القوية مثل “أمريكيون من أجل الازدهار” التي ـ مع الدعم المالي من الأخوين كوتش المتنفذين ـ ساعدت على تحويل حزب الشاي إلى قوة سياسية في عام 2010. ولهذا السبب، تضمن القضية دعما رفيع المستوى من الجمهوريين في الكونجرس وكذلك الجزء الأكبر من المرشحين الجمهوريين للرئاسة، بمن فيهم الوسطي جيب بوش.

يقول هوشبرج إن المصدرين الأمريكيين قد بدأوا بالفعل في دفع الثمن. بعضهم، كما يقول، شهد حالة لبس بشأن حصولهم على تمويل الاستيراد والتصدير الذي تسبب في تطلع العملاء في الخارج إلى أماكن أخرى. ومن بين تلك العقود المهددة عقد بقيمة 350 مليون دولار لتصدير قاطرات من “جنرال إلكتريك” إلى أنجولا، كان ذات مرة مصدر اعتزاز لهوشبرج وللشركة. وكما هو متوقع، فإن بلدانا أخرى تكافح لإخفاء فرحها. الآن يقهقه مسؤولو التجارة في الاتحاد الأوروبي في مجالسهم الخاصة عندما يتحدثون عن بنك الاستيراد والتصدير، الذي كان على مدى عقود يساعد “بوينج” في المنافسة مع “إيرباص” في حروب طائرات الركاب في جميع أنحاء العالم. وردا على سؤال حول الجدل الأمريكي خلال منتدى في الصين الأسبوع الماضي، أعرب مسؤول كبير في بنك التصدير والاستيراد في بكين عن تعاطفه مع نظرائه الأمريكيين. وأضاف وفقا لرويترز، لكن “فيما يتعلق بالمنافسة الاستراتيجية والسياسات بين الولايات المتحدة والصين، هذا أمر جيد”. بيتر دارلي لا يشارك في هذا الحماس ويقول إنه يتعامل بالفعل مع عملاء عصبيين من الذين يخشون فقدان دعم الاستيراد والتصدير. ومن شأن إغلاق طويل الأجل للبنك أن يكون له تأثير أكثر عمقا ويعني فقدان فرص العمل، ليس فقط في دبليو إس دارلي ولكن أيضا لدى شركات التوريد. ويقول دارلي: “سوف يصبح الأمر صعبا أكثر وأكثر بالنسبة لشركتنا للتنافس في الخارج. بنك الاستيراد والتصدير لا يعمل حتى على جعل الملعب مستويا. لكنه يساعد في [توفير] فرص متكافئة لشركة صغيرة مثلنا للمنافسة. في كثير من المجالات ليس هناك طريقة يمكننا التنافس دونها”.