IMLebanon

اليونان تقول «لا» لاقتراحات الدائنين وترمي اقتصادها في المجهول

GreeceNo2
مراد مراد
حسم الشعب اليوناني امس خياره بـ«لا» واضحة رافضا التقشف وشروط الحزمة التي وضعها الدائنون الاوروبيون لإنقاذ اثينا من ازمتها المالية. وينتظر ان يعيد المصرف المركزي اليوناني صباح اليوم الكرة من جديد الى ملعب الاتحاد الاوروبي عندما يطلب من المصرف المركزي الاوروبي سيولة كافية من عملة اليورو لحماية المصارف اليونانية من الانهيار وتمكينها من تلبية حاجات الشعب من النقد اقله حتى نهاية تموز الجاري، وذلك على امل ان تكون اي مفاوضات جديدة بين اثينا وبروكسل قد توصلت في الاسابيع الثلاثة المقبلة الى حزمة انقاذ بشروط جديدة.

فهل سيرد المركزي الاوروبي ايجابا على هذا الطلب رغم وجود شبه اجماع لدى قادة الاتحاد الاوروبي على انعدام الثقة بالحكومة اليونانية ورئيسها الكسيس تسيبراس الذي آثر على حين غرة التسلح بهذا الاستفتاء الشعبي رغم علمه بأن بروكسل قد تكون فعلا قدمت افضل عروضها الممكنة في حزمة الانقاذ الاخيرة؟. الخبراء الماليون يعتقدون انها كانت مقامرة كبيرة من قبل تسيبراس اجراء هذا الاستفتاء، فهل سيرضخ الاتحاد الاوروبي لهذا الضغط اليوناني ويعود الى طاولة المفاوضات؟ ام ان بروكسل ستفاجىء اثينا في الايام القليلة المقبلة بقرار نهائي يؤدي الى خروج اليونان من منطقة اليورو وانهيار المصارف اليونانية ويفرض على الحكومة اليونانية اعادة عملة الدراخما الى التداول؟ الاجوبة عن هذه الاسئلة ستكون مضمون الاجتماعات الطارئة التي ستشهدها اوروبا خلال الساعات الـ48 المقبلة على مستوى قادة الدول ووزراء المالية.

ولا يختلف اثنان على ان نتيجة استفتاء الامس بأكثر من 61 في المئة لصالح «لا»، تعد بمثابة نصر سياسي واضح لتسيبراس وحزبه اليساري المتشدد «سيريزا» وتصويت اعادة ثقة من قبل الشعب اليوناني بحكومته. فمهما كان رد بروكسل من الآن فصاعدا، يكون تسيبراس قد اراح كاهله من هم تحمل مسؤولية اتخاذ خيار حاسم لمستقبل اليونان بشكل فردي، لأن الشعب اليوناني، بخطوة الاستفتاء هذه، هو الذي يحاور الدائنين وليست الحكومة. وهذه الحقيقة عبر عنها تسيبراس عقب ادلائه بصوته في الاستفتاء عندما قال «لا أحد بإمكانه تجاهل تصميم الشعب اليوناني على تقرير مصيره بنفسه». والوضع الآن ان الشعب اليوناني حسم خياره، والوقت وحده كفيل بمعرفة ما اذا كان هذا الخيار صائبا ام لا، لا سيما وان دائنيه حذروه قبل الاستفتاء من ان التصويت بـ«لا» يمكن أن يحرم المصارف اليونانية من الموارد المالية التي تحتاجها، وتضطر بالتالي إلى خروج فوضوي من منطقة اليورو، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة اقتصادية أعمق للبلد الذي سيضطر عندها الى اعادة عملته السابقة الدراخما الى التداول مجددا.

لكن وزراء حكومة تسيبراس بدوا امس متفائلين بإمكان التوصل الى شروط افضل مع الدائنين، وقال وزير العمل بانوس سكوريلتس «لدى الحكومة الآن أداة تفاوضية قوية للتوصل إلى صفقة من شأنها أن تفتح طريقا جديدة لنا».

فيما اثنى وزير المالية يانيس فاروفاكيس على «قول اليونانيين لا بهذه الغزارة». ووصف الـ«لا» اليونانية بانها «نعم لإعادة الحياة الديموقراطية الاوروبية وشفاء جروحها بعد سياسة ديكتاتورية انتهجتها قمة الهرم في الاتحاد الاوروبي» وتعهد السعي الى «شروط افضل مع الدائنين».

وعقب النتيجة، سارعت روما لدعم خيار اليونانيين فطالب وزير الخارجية الإيطالي باولو غينتلوني في تغريدة على «تويتر» باستئناف جهود التوصل إلى اتفاق مع اليونان، قائلا «حان الوقت للبدء في محاولة السعي للتوصل إلى اتفاق مرة أخرى». لكن هذا التفاؤل اليوناني – الايطالي بإمكان العودة الى طاولة المفاوضات، ليس موجودا على الاطلاق في برلين، وقد بدا هذا واضحا في تصريحات اعلامية لوزير الاقتصاد ونائب المستشارة الالماني، سيغمار غابريال، الذي قال «من الصعب جدا ان نتخيل حصول مفاوضات جديدة. فمن يرفض قواعد منطقة اليورو، لا اعتقد ان اي محادثات معه حول ديون بمليارات اليورو سيكون امرا ممكن الحصول». واعتبر المسؤول الالماني ان «تسيبراس بخياراته الاخيرة دمر آخر جسور الثقة التي كان من الممكن لبروكسل واثينا عبورها للتوصل الى حل عبر التفاوض». هذه التصريحات الالمانية دفعت تسيبراس الى الاسراع بإجراء اتصالات جس نبض مع الزعماء الاوروبيين بدأها ليل امس، بحسب التلفزيون اليوناني الرسمي، باتصال مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

واعتبر نائب وزير الاقتصاد الروسي الكسي ليخاتشيف ان تقدم رافضي خطة الدائنين لليونان يعني ان اثينا «قامت بخطوة على طريق الخروج من منطقة اليورو».

ورغم وجود 18 بلدا آخرا الى جانب اليونان في منطقة اليورو، تتركز الخيارات الرئيسية للمنظومة المالية الاوروبية دائما في عهدة البلدين اللذين يشكلان نواة الاتحاد الاوروبي، اي المانيا وفرنسا. ولهذا السبب تتجه الانظار مساء اليوم الى قصر الاليزيه حيث سيستضيف هولاند المستشارة الالمانية، انغيلا ميركل، في قمة يعتبرها المراقبون مهمة جدا لمستقبل العلاقة بين بروكسل واثينا ومصير الاقتصاد اليوناني.

وفي بيان لرئاسة الحكومة الالمانية، ان ميركل وهولاند بحثا هاتفيا الملف اليوناني ودعيا الى عقد قمة لمنطقة اليورو. اضاف البيان «انهما اتفقا على ان تصويت المواطنين اليونانيين يجب ان يحترم» كما «عبرت المستشارة والرئيس عن تاييدهما للدعوة لعقد قمة لقادة منطقة اليورو الثلاثاء» وابلغا رئيس المجلس الاوروبي دونالد تاسك بذلك، بحسب بيان منفصل للرئاسة الفرنسية.

وتجدر الاشارة الى ان اي قرار اوروبي بإخراج اليونان من منطقة اليورو سيكون بمثابة كارثة بالنسبة لألمانيا التي سيتأثر اقتصادها بشكل مباشر كونها اكبر المقرضين لليونان وستضطر الحكومة الالمانية الى فرض المزيد من الضرائب على شعبها في سبيل تعويض الخسائر التي ستنتج عن رحيل اليونان من منطقة اليورو. كما يستبعد الخبراء الماليون ان تقوم دول كبرى كروسيا بسداد ديون اليونان لإخراجها سريعا من الاتحاد الاوروبي لأن موسكو نفسها ترزح تحت عقوبات اقتصادية غربية منذ اشهر وعاجزة عن دفع مبالغ مالية بهذا الحجم.

وفي اول بوادر الازمة التي قد تخلقها نتيجة الاستفتاء اليوناني للاوروبيين عموما، هبطت قيمة اليورو امس بنسبة 1 في المئة امام الدولار الاميركي عند افتتاح التعاملات المالية في البورصة الآسيوية صباحا. ويتوقع ان تهبط هذه القيمة بنسبة حوالي 2 في المئة في مؤشر «فوتسي« في وقت لاحق اليوم.

وادت نتيجة الاستفتاء ايضا الى استقالة رئيس الوزراء اليوناني السابق انتوني ساماراس من منصبه في رئاسة حزب المحافظين اليوناني المعارض «الديموقراطية الجديدة«.