IMLebanon

هل سيبقى لبنان بمنأى عن التفجيرات الإرهابية؟

lebanese-army-clashes

كتب نبيل هيثم في “السفير”

الأمن مجدداً في العناية المركّزة. جهوزية عسكرية وحزبية.. جهد أمني ومخابراتي وعملياتي. إجراءات ظاهرة وملموسة في أكثر من مكان. وزادت نسبياً مع التطورات العسكرية المتسارعة، في الميدان السوري، وعلى الحدود اللبنانية.

كل تلك التطورات، من معركة القلمون والجرود، الى المعركة الجديدة التي بدأها “حزب الله” في الزبداني، معطوفة على العمليات الإرهابية الأخيرة في السعودية والكويت وتونس ومصر وكذلك في فرنسا، وعلى التهديدات المتتالية، فرضت مواكبتها من القوى العسكرية (والحزبية) بما تقتضيه من يقظة وإجراءات ساهمت بترسيخ الاستقرار الحالي، وفق ما يؤكد مرجع أمني كبير يجزم أن “الوضع ممسوك ونحن نقوم بما علينا، في الداخل وعلى الحدود مع سوريا، وقرار الجيش هو إبقاء لبنان آمناً، وإحباط هدف الإرهابيين بإدخاله في دوامة العنف والارهاب، وها هو يسجل نجاحات بإلقاء القبض على رؤوس كبيرة، وإفشال تسلل الإرهابيين واصطياد المتسللين بالعشرات”.

ومما لا شك فيه، والكلام للمرجع الأمني، أن هناك عاملاً مساعداً في توليد هذا الهدوء، هو أن السياسيين أقل توتراً مما كانوا عليه، وما كان يمارَس من توتير، وتحريض سياسي وطائفي ومذهبي، قد تراجع بشكل ملحوظ، ربما لأنهم بدأوا يشعرون “بالسخن”، وبأن “النار قد لا ترحم أحداً وفي مقدمهم من ينفخ فيها”.

في الخلاصة، يقول المرجع الأمني الكبير، “نعيش وضعاً أمنياً أفضل بكثير مما كنا عليه في شهر رمضان من العام الماضي. ولكن برغم هذا الهدوء الذي ننعم به، لا نستطيع أن ننام على حرير، لا نسقط من حساباتنا الغدر التكفيري في اي لحظة، وتهديدات المجموعات الإرهابية نأخذها على محمل الجد، ونحن نتوقع منها أي شيء”.

هذا التوصيف للوضع الأمني “الهادئ” في لبنان، قدّمه المرجع الأمني المذكور العالم بكل التفاصيل، على قاعدة “شهد شاهد من أهله”، يقابله “كلام صريح” نقله الى لبنان ضابط أجنبي رفيع المستوى زار بيروت قبل ايام، وتولى ديبلوماسي بارز في سفارة بلاده في بيروت، ترجمته من الانكليزية الى العربية، وفيه ما حرفيّته: “نحن في الغرب بشكل عام، وواشنطن بشكل خاص، لم نُخرج لبنان من دائرة اهتمامنا، بل هو في صلب هذا الاهتمام. وتبعاً لذلك نحن ننظر بارتياح الى الوضع الأمني في لبنان، ولا نعتقد ان هناك ما يبعث على الخوف على أمنه واستقراره، ونحن متأكدون من أن اللبنانيين يريدون الحفاظ على بلدهم، فهم يرون ما يجري في دول المنطقة من دمار وانهيار، ولا يريدون أن تنتقل تلك الحروب إلى بلدهم”.

يضيف “انهيار لبنان لا يذهب به فحسب، بل هو مشكلة كبرى من شأنها أن تفتح المنطقة على تعقيدات خطيرة، إقليمية ودولية. وتبعاً لذلك، فإن استقرار لبنان بالنسبة إلينا أولوية وضرورة، وقد عبّرت واشنطن عن هذا الموقف بتسريع برنامج تسليح الجيش اللبناني بما يمكنه من صيانة هذا الاستقرار، ومن المواجهة والانتصار في الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب”.

يؤكد أن “لبنان الهادئ والمستقر، بقدر ما هو حاجة لبنانية، هو حاجة آنية ومستقبلية لكل المنطقة من حوله. بل ومتنفس لدول الجوار. وقد يكون له دور ما في وقت ما”.

أما في الموضوع السياسي اللبناني فيشدّد على أنه “شأن داخلي. الغرب، وفي مقدمته واشنطن، مع أن يستقيم الوضع السياسي في لبنان، وفي أقرب وقت ممكن، وبالتالي أن يتفق اللبنانيون على إدارة بلدهم وتسيير شؤونهم، وان يختاروا وحدهم رئيساً للجمهورية، من دون اية تدخلات”.

لكن بمعزل عما تقدم، الى اي حد استقرار لبنان ممسوك، وهل لبنان فعلاً في منأى عن خطر المجموعات الإرهابية والتفجيرات الامنية الدموية التي ضربت السعودية والكويت، وتونس، ومصر، وصولاً الى فرنسا؟

تجزم قراءة أمنية للوقائع اللبنانية أنه من الخطأ الكبير الذهاب الى فرضية أن لبنان في منأى عن خطر المجموعات الإرهابية والتفجيرات، إذ إنه لم يكن في اية لحظة في منأى عن هذا الخطر، خاصة أنه كان الساحة الأولى التي استهدفها الارهابيون، ومن دون مقدمات، حيث ضُربت الضاحية في الرويس وحارة حريك، والسفارة الإيرانية، وبئر حسن، والطيونة.. وكذلك اللبوة والهرمل بالسيارات المفخخة.

إلا أن الإجراءات التي نفذها الجيش اللبناني، وكذلك “حزب الله”، في الضاحية الجنوبية تحديداً، بالاضافة الى مهاجمة تجمعات الارهابيين في الجانب السوري قرب الحدود اللبنانية، ولاسيما في القلمون، وصولا الى جرود عرسال، ادت الى اقفال معابر الموت، وادت بالتالي الى إلقاء القبض على مجموعة كبيرة من الرؤوس الكبيرة التي تدير تلك العمليات، من نعيم عباس الى عمر الاطرش وجمال دفتردار وغيرهم من الإرهابيين.

كل تلك الإجراءات، بحسب القراءة الامنية، وكذلك النجاحات على مستوى التوقيفات والاحتياطات التي صارت كالخبز اليومي، لم تلغِ المخاطر الإرهابية نهائياً، بل جعلتها تنحسر الى حد كبير، ومكنت بالتالي من تمرير ذروة التجمعات الجماهيرية الكبرى، وخصوصاً المجالس العاشورائية في الضاحية والجنوب والبقاع ومنطقة بعلبك الهرمل، من دون اية مخاطر. ولو لم تكن تلك الإجراءات والاحتياطات مستمرة، لكنا شهدنا حتماً ضربة أو ضربات على غرار ما حصل في الكويت والسعودية.

واذا كان الأكيد أن لبنان ليس بمنأى عن الخطر الارهابي او عن التفجيرات، كما تؤكد القراءة الأمنية، فإنه بمنأى كلي عن الاهداف التي ترمي اليها المجموعات الارهابية. فالتفجيرات يمكن ان تحصل نتيجة خلل أمني، او نجاح الإرهابيين في تحقيق اختراق ما وتمرير سيارة مفخخة او حزام ناسف إلى أحد الأمكنة هنا أو هناك، إلا أن تلك التفجيرات لن تستطيع تحقيق هدف الإرهابيين بنقل الحرب السورية الى لبنان.

هذا لن يحصل، تؤكد القراءة الأمنية، ذلك أن المظلة الأمنية والسياسية الإقليمية والدولية حول لبنان وتحييده عن الأزمة السورية، برغم انخراط كل الفرقاء اللبنانيين من دون استثناء في الحرب الدائرة في سوريا، ما زالت قائمة وفاعلة وملزمة للقوى الداخلية والخارجية على اختلافها.

وعلى الرغم مما يجري على الساحة السورية من تطورات دراماتيكية، ووقوع لبنان في قلب المنطقة الساخنة، تحده التوترات والانهيارات من كل جانب، فإن كل ذلك على خطورته، وكما تلحظ القراءة الأمنية، نزل الى درجة أدنى في السلم، فيما صعدت الى قمة الرصد والاهتمام والتقييم والمتابعة للتفجيرات التي ضربت المساجد في الكويت والسعودية.

اما في تفصيل ذلك، فتشير القراءة الامنية الى امر واقع جديد في المنطقة والعالم عنوانه: “مَن طبخ السم بدأ يأكله”، وثمة أمثلة متعددة، من “شارلي ايبدو”، الى الهجوم على مصنع في ليون، ناهيك عن مصر وتونس. وللتذكير فقط، فإن رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون كان أول من خرق التعمية الأوروببة والغربية على “داعش”، حين قال في تصريح علني قبل أشهر “لقد بتّ أخشى أن نستيقظ يوماً ونرى داعش قد وصل الى شوارع لندن”. وها هو بالأمس بعد حادث فرنسا والتفجيرات الاخيرة في الخليج يعود ويقول إن “الارهاب الداعشي هو خطر وجودي”، ويحذر من تمدده ولاسيما في اتجاه الى اوروبا والى بريطانيا بشكل خاص.

اما لماذا صارت اولوية الرصد والاهتمام خليجية، فتجيب القراءة الأمنية، “ربما لأن الخليجيين باتوا يشعرون لأول مرة بأنهم دخلوا دائرة الخطر الفعلي، وربما بدأوا يقرأون الهدف الحقيقي لتنظيم “داعش”، والذي يهدّد وجودهم.

“داعش” يناصب الشيعة العداء، ويدعو الى قتلهم كواجب وطريق الى الجنة. وإن استهدفهم خارج منطقة الخليج فلا تأثير على تلك الدول، إما اذا استهدفهم داخلها، كما حصل في السعودية والكويت، فإن الأمر في منتهى الخطورة التي لا تستطيع تلك الدول ان تتحملها، فربما بدأت دول الخليج تخشى على نفسها من هدف “داعشي” مبيت لها خلاصته:

أولاً، ضرب الشيعة في دول الخليج، معناه أن “داعش” يحشر انظمة تلك الدول ويهددها بالانهيار والتداعي، كما يهدّد مجتمعاتها بالتفكك. إذ إن استهداف الشيعة في أي دولة خليجية، سيدفع النظام الى التحرك اعتراضاً على هذا الارهاب، وتنفيذ إجراءات وقائية، ومن ضمنها اجراءات حماية للشيعة. فإن تحرك النظام في هذا الاتجاه معناه أن “داعش” المتغلغل في المجتمعات الخليجية، ولا سيما المجتمع السعودي، سيرى في ذلك مبرراً له لمحاربة هذا النظام.

ثانياً، ضرب “داعش” الشيعة، في دولة ما ولم يحرك النظام ساكناً، فسيجد داعش في ذلك “قبّة باط” من ذلك النظام، فيكمل حربه على الشيعة بلا هوادة.

كلا الحالين يعني أن مسرح عمليات “داعش” ومَن معها قد تبدّل، فبدل أن يكون القتال في العراق، وقتال بشار الأسد في سوريا حصراً، يتمدّد مسرح العمليات الى الداخل الخليجي الذي ولّدها ورعاها بالسلاح والمال وغذّاها بالفكر التكفيري لكل الآخرين، والسم الذي طبخ لغيرهم، بدأ الطباخون بأكله.

ويعني ايضاً، وهنا تكمن الخطورة، دخول دول الخليج في مهب الفوضى. فالعمليات الإرهابية التي نفذها او قد ينفذها “داعش” في الخليج، من شأنها أن تضرب الوحدة الوطنية لتلك الدول، وضرب الوحدة الوطنية نتيجته الحتمية تفكيك المجتمع وخلخلة النظام، فليس مستبعَداً أبداً أن يأتي من ينادي في لحظة ما بـ “الحماية الذاتية”، و “الحماية الذاتية” باب من ابواب التقسيم.

وربما هذا الخطر استشعره ولي العهد السعودي محمد بن نايف الذي سارع شخصياً الى الدمام للتعزية بضحايا التفجير الارهابي والوقوف على خاطر المنكوبين، وكانت تظاهرة القطيف معبرة آنذاك، إذ إنها المرة الأولى في تاريخ السعودية تخرج تظاهرة تزيد عن نصف مليون شخص.

الخطر نفسه استشعره أمير الكويت ما دفعه للمسارعة الى المسجد المستهدَف في الكويت قبل تأمين المنطقة، ليقول “هؤلاء هم عيالي”، ويتبع ذلك بالتعازي المشتركة، وبصلاة الجمعة المشتركة ايضاً، فقط للتأكيد على الوحدة الوطنية، وأن ما يُضرب هو المجتمع وليس الشيعة فقط.

في الخلاصة، الإرهاب لم يعُد على باب الخليج، بل وصلت عملياته الى الداخل الخليجي.. فهل تغيّرت فعلاً الأولويات وتبدّلت الساحات؟