IMLebanon

قواسم مشتركة وتباينات بين اقتصادَي لبنان واليونان

GreeceNo2
موريس متى

أظهر الاستفتاء في اليونان انتصار الرافضين لخطة الدائنين وشروطهم، ما يعني رفض اليونان سياسة التقشف التي سبَّبت خلال الفترة ما بين 2010 و2013 انكماش الاقتصاد وخسارته حوالى 26% من حجمه، اضافة الى تفاقم الدين العام، ما ساهم برفع حدة الازمة الاجتماعية في البلاد اذ ارتفعت نسبة البطالة الى ما يقارب 26% مع تسجيل عجز في المالية العامة وصل الى نحو 3٫5% من الناتج المحلي.

تواجه اليونان سلسلة تحديات تتعلق بأزمة السيولة في القطاع المصرفي، اضافة الى استحقاقات دين في تموز الجاري للبنك المركزي الاوروبي تقدر بحوالى 3٫5 مليارات اورو، مع إستمرار رفض الاتحاد الاوروبي دفع القسط الاخير من الخطة الانقاذية لليونان البالغة 7٫2 مليارات أورو، ورفض البنك المركزي الاوروبي رفع سقف التمويل الطارئ للمصارف ELA بقيمة 6 مليارات أورو.
ولكن، بالعودة الى الشأن المحلي، الى أي مدى يمكن مقاربة الاوضاع التي تشهدها اليونان والوضع الاقتصادي الذي يمر فيه لبنان.
في هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي غازي وزني لـ”النهار” الى وجود عدد من المؤشرات المتشابهة بين البلدين. ففي اليونان، المستويات المرتفعة للدين الذي وصل نهاية 2014 الى 313 مليار اورو اي ما نسبته 177 من الناتج المحلي يشبه الى حد ما وضع الدين العام اللبناني الذي بلغ 66٫5 مليار دولار اي 140 % من الناتج المحلي. أما بالنسبة الى العجز في المالية العامة، فقد تراجع في اليونان من 15٫7% عام 2009 الى نحو 3٫5% عام 2013، أما في لبنان فقد إستمر مرتفعا في الأعوام الماضية وبقي قرب 10%. وفي يتعلق بالنمو الاقتصادي، يلفت وزني الى ان النمو الاقتصادي تباطأ في اليونان بين عامي 2009 و 2013 وصولاً الى تسجيله نمواً سلبياً تراوح بين 3 و7%. أما في لبنان فقد بقي في حالة تباطؤ ولم يتجاوز 2% خلال هذه الفترة. وعند الوضع الاجتماعي، تفاقم الازمة الاجتماعية في اليونان في الأعوام الماضية بعدما إرتفعت البطالة الى 26% من القوى العاملة ووصلت الى ما يقارب 40% بين الشباب. أما في لبنان، فالوضع لا يختلف كثيرا، إذ ان هذه البطالة تصل الى 25% بين القوى العاملة وتخطت الـ 34% بين الشباب اللبناني نتيجة عوامل عدة أبرزها اللجوء السوري والوضع الاقتصادي المتدهور.
أما بالنسبة الى نقاط التباين بين الوضع الاقتصادي في لبنان والوضع الاقتصادي في اليونان، فيشير وزني الى ان الدين اليوناني خارج السيطرة لكون غالبية مصادره خارجية، فديون البلاد لمصلحة الاتحاد الاوروبي تصل الى حوالى 53 مليار أورو، والى صندوق النقد الدولي ما يقارب 23 مليار أورو، والبنك المركزي الاوروبي 27 ملياراً. أما الديون المستحقة للمصارف الاجنبية فتقدر قيمتها بحوالى 34 مليار اورو والى الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي حوالى 147 ملياراً، بالاضافة الى الديون المستحقة على شكل سندات خزينة وتصل قيمتها الى 14 مليار اورو. مع الاشارة الى ان حجم استحقاقات الدين السنوية في اليونان مرتفعة ووصلت الى 20 مليار أورو في 2014، بالاضافة الى الضعف المستمر في امكانات المصارف اليونانية لتمويل الدين وعجز البنك المركزي الاوروبي في التدخل لتوفير الأموال اللازمة لهذه المصارف من دون موافقة السلطات النقدية والمالية الاوروبية في بروكسيل.
أما في ما يتعلق بالوضع في لبنان، يؤكد وزني ان الدين العام تحت السيطرة كون غالبية مصادر تمويله داخلية، أي من المصارف التجارية ومصرف لبنان بنسبة 83 % للدين بالليرة اللبنانية وبنسبة تفوق 75% للدين بالدولار، إضافة الى كون استحقاقات الدين بالعملات الاجنبية لا تمثل ضغوطاً على الدولة، والتي تصل قيمتها الى حوالى 2٫3 ملياري دولار سنويا. وفي هذا السياق، تبقى المصارف اللبنانية متينة وقادرة على تمويل هذا الدين وكذلك المصرف المركزي الذي يملك سياسة نقدية مستقلة واحتياطات ضخمة بالعملات الاجنبية، وفق وزني.
بالنسبة الى المصارف اليونانية، ففي الفترة الماضية أصبحت هذه المؤسسات المالية هشة ومهددّة وهي تحتاج اليوم الى الرسملة، كما تنقصها السيولة مع إستمرار إعتمادها وبشكل اساسي على المصرف المركزي الاوروبي لمدّها بالسيولة، خصوصاً وان ودائعها التي تشكل 73% من الاقتصاد اليوناني قد تراجعت من بين عامي 2009 و2015 اكثر من 45%، أي من حوالى 238 مليار اورو الى 130 مليار اورو، فضلا عن ان التسليفات المشكوك في تحصيلها وصلت الى مستويات مقلقة، اذ تصل الى 33٫5% من اجمالي التسليفات ما يسبّب ربحية ضعيفة او خسائر للمصارف.
في المقابل فان القطاع المصرفي اللبناني متين وقوي، إذ بلغت ودائعه نهاية 2014 حوالى 144 مليار دولار، مشكّلاً ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد مع تسجيل في الأعوام الاخيرة معدل نمو وسطي وصل الى قرب 8%. اما عن التحويلات الخارجية، ففي اليونان، الارقام تؤكد انها لا تتجاوز 1% من حجم الناتج المحلي. أما في لبنان فهي تعتبر من المقوّمات الرئيسية الداعمة للإقتصاد وقد سجلت نهاية العام 2014 حوالى 8٫9 مليارات دولار، ما شكل تقريباً 18% من حجم الاقتصاد اللبناني.
ومن هنا، وعند المقارنة، يؤكد وزني ان لبنان بعيد عن أزمة ديون شبيهة بالتالي تعصف في اليونان ما دام مستمر في تسجيل معدلات نمو جدية في تحويلات المغتربين وقطاعه المصرفي واحتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، ولكن هذا لا يعني ان عليه تدارك، وبشكل سريع، الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر فيها، عبر تفعيل مؤسساته الدستورية.