IMLebanon

محكمة الاستئناف المدنية في بيروت: قانون الإيجـارات نافذ

RentLaw4

هديل فرفور
منذ نحو ستة أشهر (في 17/2/2015)، أصدر النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود قراراً يطلب فيه من قوى الأمن الداخلي تأمين المؤازرة للخبراء المكلفين من قبل مالكي العقارات والأبنية المؤجرة، لدخول المساكن من دون رضى ساكنيها، ومن دون قرارات قضائية، وذلك بهدف إجراء عمليات تخمين المآجير لتحديد بدل الإيجار وفقاً لأحكام قانون الإيجارات الجديد.

حينها، اعتبر قضاة ومحامون هذه الخطوة مخالفة للدستور وتشكّل تجاوزاً لحدّ السلطة، وصنّفوها ضمن محاولة «فرض نفاذ القانون بالقوة». بعد قرار النيابة العامة التمييزية هذا، جاء قرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات، المتخذ في الثاني من هذا الشهر، ليمعن في تجاوز حدّ السلطة، إذ بتّ مسألة خلافية ذات أبعاد اجتماعية خطيرة، عبر اعتباره قانون الايجارات الجديد نافذاً، وبالتالي الاحتكام الى مواده في بتّ نزاع أمامه، الامر الذي اعتبره بعض القانونيين لا يدخل في صلاحية هذه المحكمة.

أساس القضية

قضية النزاع التي بتّها القاضي عويدات، تتعلّق بدعوى أقامتها مالكة ضد مستأجرة لاسترداد المأجور القائم في منطقة مار الياس. وفي خلفيات الدعوى يظهر أن المستأجرة كانت قد استحصلت في 30/11/2011 على قرار قضائي قضى بالتعويض لها بنسبة 49% من قيمة المأجور، على أن تكون قيمة المتر المربع الواحد من المأجور 2500 دولار، فما كان من المالكة إلا أن استأنفت القرار في 24/10/2012 «كون التعويض مبالغاً فيه بالنظر لحالة المأجور (الذي تبلغ مساحته 67 متراً) وما يستلزمه من أعمال إصلاح وتأهيل، مما يتوجب معه تحديد سعر المتر الواحد بمبلغ 1400 دولار»، وطالبت باحتساب التعويض بنسبة 25% من قيمة المأجور، أي مقابل تعويض قدره 23450 دولاراً أميركياً. وورد في دعوى الاستئناف أن المالكة تبلغ من العمر 75 عاماً، وهي ترغب بعد وفاة زوجها في استرداد المأجور من أجل سكنها في بيروت قرب أولادها، إذ تعيش في منزل ابنها في إحدى البلدات خارج بيروت.
بتاريخ 29/10/2013، تقدّمت المستأجرة بلائحة جوابية تعرض فيها أنها تسكن العقار وعائلتها المؤلفة من ستة أولاد منذ ما يقارب خمسين عاماً، مدلية بأن سعر المتر المربع الواحد للبناء في منطقة المأجور تبلغ 4000 دولار أميركي». وفي 17/3/2015 قدّمت المستأنفة (المالكة) لائحة أوضحت فيها أنه ينبغي تطبيق أحكام قانون الإيجارات الجديد، في حين قدّمت المستأجرة لائحة أوضحت فيها أن قانون الايجارات الجديد قد طعن فيه وأن المواد المطعون فيها مرتبطة بعضها ببعض، وبالتالي لا يمكن أن يعدّ نافذاً.
المفاجأة كانت أن القاضي عويدات قرر أن القانون الجديد يعدّ نافذاً، مقدّماً في معرض قراره شرحاً حول أسباب «تبنّيه» موقفاً يؤيّد نفاذ القانون.

اجتزاء القانون

من ضمن النقاط التي استعرضها عويدات، لفت الى «أن المجلس الدستوري نفسه قد ردّ المراجعة الرامية الى طلب إبطال القانون الجديد للإيجارات بكافة ما تضمنه من مواد وأحكام وحصر الإبطال بالمادتين 7 و13 والفقرة ب4 من المادة 18 منه، بحيث لا يمكن القول بعدم إمكانية تطبيق المواد التي لم يبطلها المجلس الدستوري إلا عند استحالة التطبيق»، كذلك لفت الى أن مسألة إبلاغ قرار المجلس الدستوري من مجلس النواب لا أثر له على نفاذ القانون الجديد»، و«أن مسألة درس إجراء تعديلات على القانون من قبل المجلس النيابي ليس من شأنه وقف نفاذ القانون».

ما يطرحه عويدات في قراره أنه يعطي للقاضي المنفرد المدني صلاحية اللجنة المبطلة بموجب قرار المجلس الدستوري، أي اختصاص النظر في النزاعات المتعلّقة بقيمة الزيادات على بدلات الإيجارات بين المالكين والمستأجرين، ليخلص الى حكمه بإخلاء المستأجرة بتعويض تم تحديده وفق قانون الايجارات الجديد (ما يعادل 4 مرات البدل السنوي المحدد بـ5% من قيمة المأجور، معتمداً تخميناً لقيمة المأجور يبلغ 167500 دولار أميركي، أي 2500 دولار للمتر المربع)، وبالتالي قرر التعويض للمستأجرة بـ33500 دولار أميركي. وحكم بـ»حفظ حق المستأجرة بالحصول على المساعدة نتيجة استرداد المالكة للمأجور(..) على أن تدفع لها عند إنشاء وتنظيم الصندوق الخاص من قبل السلطة التنفيذية». وهنا لبّ القضية، إذ إن القاضي قرر إخلاء المأجور وترك عنصراً مهماً يتصل بالمساعدة المستحقة للمستأجرة، بموجب القانون الجديد، عالقاً الى حين إقرار التعديلات على القانون نفسه في المجلس النيابي وإنشاء الصندوق المنصوص عليه ومباشرة أعماله.
يعلّق عضو اللجنة التشريعية في نقابة المحامين، المحامي منير حداد، أن من الواجب دفع التعويض للمستأجر تزامناً مع إخلاء المأجور، عملاً بأحكام المادة 22 من القانون، التي تقضي وجوباً بأن يدفع المالك للمستأجر مباشرة منه، أو بالاقتراض من أي مصدر مالي يختاره. وإزاء هذه الحال، «لا يجوز تعليق دفع هذا التعويض لحين الانتهاء من إنشاء الصندوق كما ورد في القرار، إذ إنه من المعروف قانوناً أن النزاع القضائي يشكل عقداً قضائياً، يلزم كل فريق إنفاذ موجباته تجاه الآخر، تزامناً، مع إنفاذ الفريق الآخر لموجباته»، فيما يقول المحامي أديب زخّور «لا يمكن للمحكمة أن تقرر تنفيذ الإخلاء بحق المستأجر قبل قبض تعويض المساهمة من الصندوق، الذي هو جزء من ذات مساهمة دفع الصندوق لبدلات الايجار وليس مختلفاً عنه، خاصة أن المواد 22 و16 و27 نصّت على دفع المساهمة بالتزامن مع دفع التعويض من المالك».
ويركّز حداد على أن الصندوق الذي قضى به هذا القانون لم يُنشأ بعد، «وبالتالي لا يجوز اعتبار القانون نافذاً ويقتضي تطبيقه، عندها لا يمكن للمستأجر الحصول على المساعدات المالية من الصندوق الذي نص عليه القانون». ويضيف لا يجوز «أن يقوم القاضي المنفرد بالحلول مكان اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة، لبتّ الخلاف بين المستأجر والمالك لجهة تحديد بدل المثل، إذ إن الصلاحية التشريعية في استبدال المادة السابعة هي أمر عائد إلى المجلس النيابي فقط، ولا يجوز التوسع في التفسير، بالسماح للقاضي المنفرد بالحلول مكان اللجنة، لكون القانون هو استثنائي».

مخالف للدستور وللقانون

كلام حدّاد يتوافق وما يقوله زخور الذي رأى أن القرار «مخالف للدستور وللقانون». يقول زخّور إن اللجنة المبطلة لها جانب وعمل إداري متصل بوزارات عدّة «منها وزارة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية التي هي تقرر من يستفيد من الصندوق بحيث لا يمكن أن يحل قاضي الايجارات مكان عمل الوزارات المعنية وعمل السلطة التنفيذية عملاً أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات، وهي منصوص عليها كعامل أساسي وفي كامل مواد قانون الايجارات ومرتبطة بكافة فقراته، خاصة أن القانون لم يُعد نشره بعد إبطاله وأعيد الى المجلس النيابي لإعادة تعديله مع الاقتراحات والتوصيات الملزمة في المحافظة على حق السكن كخطة متكاملة والتي كانت كجزء لا يتجزّأ من قرار المجلس الدستوري».
يعلّق محام مطّلع بالقول: إن «هذا الحكم يثير أسئلة لا نجد لها جواباً في السياق الذي علل به النتيجة التي خلص اليها؛ فإذا كان قد أقرّ بأن هذا القانون الاستثنائي صادر وفق الأصول ويعدّ نافذاً، كان من الواجب أن يطبقه بكليته وليس بجزئيته»، مضيفاً: « إذا كان القانون قد نص على هيئة إدارية ذات صفة قضائية في سياق معين وأولى هذه اللجنة مهمة بتّ النزاعات القائمة، فإنه لم يعد بالإمكان أن نستعيض بهذه الآلية ونبدلها بصلاحية القاضي المنفرد». ويعلّق المحامي على إسناد الحكم الى المادة 4 من أصول المحاكمات المدنية (لا يجوز للقاضي الاستنكاف عن إحقاق الحق بحجة غموض الحكم) بالقول: هذا الأمر يتناقض والمادة 3 من أصول المحاكمات المدنية، التي تنص على أنه لا مجال للاجتهاد في معرض النص الصريح (تحديد بدل المثل من صلاحية هيئة إدارية لها صفة قضائية).
يستذكر زخور بعض الحالات المشابهة، ويقول: عندما طُعن في قانون حماية المستهلك وفي اللجنة التأديبية للقضاة، «لم يُصر الى تنفيذهما من قبل القضاء قبل إعادة تعديلهما أصولاً والتصويت عليهما مرة أخرى من المجلس النيابي، وأعيد نشرهما في الجريدة الرسمية». ويضيف: «إن الاسس القانونية التي استمرت عشرات السنين، أكدت أن قانون الإيجارات هو قانون استثنائي وخاص لا يجوز التوسع في التفسير»، لافتاً الى أنه «لا يمكن لأي محكمة الاجتهاد في معرض الإبطال الصريح وإحلال نصوص قانونية بديلة من القضاء العادي أو تفسير البطلان الصريح بطريقة تعطي مفعولاً للنصوص الباطلة، وإلاّ كان القضاء العادي بتقريره البديل من اللجنة التي أبطلت وبإحلاله محكمة أخرى مكان اللجنة هو شكل من أشكال المراجعة في قرارات المجلس الدستوري التي لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة». ويختم زخور بالقول: ما يصدر عن محكمة الاستئناف لا يلزم باقي المحاكم، «وكل محكمة حرة في تقرير ما يجوز تطبيقه وما لا يجوز».

المالكون: لتوقيع العقود الرضائية

صرّحت نقابة مالكي الابنية المؤجرة القديمة، أمس، أن «القرار الأخير الصادر عن غرفة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات، أثبت صحّة المواقف والآراء التي أدلينا بها في وقت سابق. ولم يعد من مجال للدخول في سجال حول نفاذ القانون الجديد للإيجارات الذي أكّدت المرجعيّات الرسمية والقانونيّة صحّة نفاذه ودخوله حيّز التطبيق من 28 كانون الأوّل 2015»، لافتة الى أنه «لا يمكن لمحامين من أصحاب المصلحة الخاصّة ادّعاء عكس ذلك، وإدخال المستأجرين والمالكين في نزاعات مكلفة على الطرفين». وقال رئيس النقابة جوزف زغيب: «ندعو المالكين والمستأجرين إلى المضيّ في توقيع العقود رضاءً وتسجيلها في البلديات تحقيقاً لنيّة المشترع في إنهاء الوضع غير السليم بين الطرفين وتوخّياً لإعادة التوازن في العلاقة بينهما».

المستأجرون الى الشارع غداً

دفاعاً عن حق السكن، ورفضاً لـ»إفراغ الأحياء القديمة في بيروت من أهلها وناسها»، كذلك رفضاً لقرار النيابة العامة التمييزية المتعلق بتأمين المؤازرة الأمنية للخبراء المكلفين من قبل مالكي الابنية المؤجرة، ورفضاً أيضاً لقرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات، ينظّم المستأجرون تظاهرة، غداً، عند الساعة السادسة مساءً في شارع مار مخايل تحت شعار «حقك بتاخدو بالشارع ما حدا بيعطيك ايا». يقول رئيس لجنة دعم حقوق المستأجرين أنطوان كرم إنه يحق للقاضي عويدات «أن يستنسب، لكن لا يحق له أن يفسر القانون ويحل مكان المجلس النيابي»، واصفاً ما يجري بالعمل «غير الدستوري الذي يتطلب منا التحرك لتحصيل حقوقنا المكرّسة دستورياً».