IMLebanon

حرب صلاحيات وتسوية “على اللبناني”..سقط الدستور!

tamam-salam-government

 

 

 

كتبت صحيفة “النهار” أنه اذا كانت تسوية “لاغالب ولا مغلوب” على الطريقة “السلامية” الشهيرة انقذت الحكومة من انفجار كاد أن يكون حتميا مع افتعال وزير الخارجية جبران باسيل مشادة مع رئيس الوزراء تمام سلام على اعين الاعلام والصحافة قبيل بدء جلسة مجلس الوزراء “المفصلية” امس، فان ذلك لم يحجب الآثار السلبية للهجوم العوني المنسق الذي توزع بين الداخل الحكومي والخارج “الشارعي”.

صحيح ان التسوية “اشترت “هدنة اسبوعين للحكومة وللفريق العوني المدعوم “سياسيا “لا شارعيا من حلفائه “حزب الله” و”المردة” والطاشناق، لكن المواجهة في صورتها العامة شكلت مردودا سيئا للفريق العوني وإن يكن شاء الظهور مظهر منتزع المكسب الاول في “حربه” الناشئة على الرئيس سلام تحديدا.

ذلك ان تصعيد النبرة الكلامية ضد سلام الذي اضطر للمرة الاولى الى الرد بحدة على باسيل، لم يقتصر على وقائع الجلسة بل اتسع عبر اطلاق حملة تهجم واكبت الشعارات التي رفعها المتظاهرون العونيون والتي شابها بعد طائفي ابعد عنوان المطالب السياسية عن أطرها المعقولة. كما ان نفي وجود قرار بتنظيم التحرك الاحتجاجي المواكب للجلسة والقول بأنه كان تحركا “عفويا” بدده التجمع منذ الصباح في سن الفيل ومسارعة مجموعات الناشطين عند الاشارة الاولى التي صدرت مع افتعال المشادة في مستهل الجلسة الى وسط بيروت مما أثار تساؤلات عما اذا كان القول بعفوية التحرك يعكس استشعارا بفتور الاستجابة للتحرك على النطاق الواسع الذي رغب فيه الفريق العوني ولم يكن على مستوى طموحاته. ولعل النقطة السلبية الثالثة تتمثل في الالتباس الذي نشأ عن التسبب بمواجهات بين المتظاهرين والقوى الامنية والعسكرية والتي أوقعت جرحى في صفوف المتظاهرين بينهم النائب حكمت ديب الذي أصيب بكسر في احدى أصابع يده كما في صفوف العسكريين.

وعلمت “النهار” أن تسوية “لا غالب ولا مغلوب” التي انتهت اليها جلسة مجلس الوزراء امس تمثلت في إقرار الحكومة بند المستشفيات كما طلب رئيس الوزراء في مقابل الموافقة على أن تبحث الجلسة المقبلة للمجلس بعد أسبوعين في آلية عمل الحكومة.

وقد ولدت هذه التسوية وسط صخب حاد بدأ قبل إفتتاح الجلسة بسبب مبادرة الوزير باسيل الى الكلام على صلاحيات رئيس الجمهورية من دون أذن من الرئيس سلام الذي قاطعه وطالبه بالتزام النظام وسط تصفيق من أكثرية الوزراء. بعد ذلك انتحى وزير الداخلية نهاد المشنوق بالوزير باسيل خارج قاعة مجلس الوزراء للتشاور في مخرج ومن ثم انضم الوزيران المشنوق وباسيل الى لقاء مع الرئيس سلام ووزير التنمية الادارية محمد فنيش تخلله عرض هذه التسوية تمهيدا لاعتمادها في الجلسة الموسعة للحكومة. وفي هذه الاثناء دخل وزير الصحة وائل أبو فاعور ووزير المال علي حسن خليل منتقدَين عدم إشراكهما في المشاورات، فبادر الوزير المشنوق الى شرح ما جرى فوافقا عليه لتسلك الامور بعد ذلك في اعمال الجلسة. والخلاصة لما انتهى اليه الفصل الحكومي الاخير، هو احترام صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وإعطاء الفرصة لـ”حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”المردة” والطاشناق لبحث آلية عمل الحكومة.

كما علمت “النهار” أن مجلس الوزراء، وبعد اقفال أبوابه دون وسائل الاعلام التي غطّت المشادة بين سلام وباسيل شهد أيضا معاودة الجدل بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية. ومما قاله الرئيس سلام للوزير باسيل: “أنت بلا وفاء وبلا ذوق. لقد مضى عليّ سنة ونصف سنة وأنا أتحمّل تعطيلك ودلعك وتأتي اليوم لتتكلم على الآلية والدستور؟”. فصفق وزراء “اللقاء التشاوري” و”المستقبل” والاشتراكي للرئيس سلام .ثم تولى عدد من الوزراء الكلام ولاسيما منهم الوزير المشنوق الذي قال: “نحن أمام مشكلة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن التطاول على صلاحيات رئيس الحكومة من حيث إفتتاح الجلسة ومن حيث جدول الاعمال، علما أن الرئيس سلام هو الاكثر حرصاً على تطبيق الطائف”. وكانت مداخلة للوزير بطرس حرب انتقد فيها بشدة انحراف الجلسة عن الاصول مما يشكل سابقة خطيرة في عمل مجلس الوزراء وشدد على انه لا يحق لاي وزير دستورياً ترؤس الجلسة لان تطبيق هذه النظرية يؤدي الى ترؤس 24 وزيراً مجلس الوزراء. واكد ان المحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية تبدأ بانتخاب رئيس وليس بتعطيل جلسات انتخابه وتفريغ موقع الرئاسة المسيحي. وطرح اقتراحاً باقرار بند أو بندين من جدول الاعمال ومن ثم تؤجل الجلسة افساحا في المجال للتفتيش عن حل.

وبعدما سلكت التسوية طريقها الى التنفيذ، قال وزير العمل سجعان قزي قبل ختام الجلسة: “أنه يوم قرف، والسياسة قبل كل شيء أخلاق. وقبل أن نبحث عن آلية دستورية يجب أن نبحث عن آلية أخلاقية. وقبل أن ندخل الجلسة كنا نسأل عن صلاحيات رئيس الجمهورية وخرجنا من الجلسة نسأل عن صلاحيات رئيس الحكومة. ونحن لا نقبل بتسويات حول عمل الحكومة خارج طاولة مجلس الوزراء”. وعندما أعلن الرئيس سلام إجازة أسبوعيّن للحكومة، سأله وزراء عن الموعد المقبل للجلسة، فأجاب أنه بعد عيد الفطر مباشرة على أن تبحث في الالية وجدول الاعمال.

ولاحظت مصادر وزارية أن الجيش تمكّن من اسقاط اضطراب خطير كان سيقع لو وصل المتظاهرون الى السرايا واصطدموا مع حرسها أو طوّقوا الحكومة وهي مجتمعة، والا فإن المشكلة كان يمكن ان تؤدي الى صدام دموي وربما الوصول الى القول إن حرس رئاسة الحكومة قد تعرّض بالضرب والعنف للمتظاهرين العونيين.

وتشهد السرايا اليوم زيارات تضامن وتأييد للرئيس سلام وفي طليعة الزوار الرئيس ميشال سليمان وعدد كبير من الوزراء. وعلمت “النهار” أن الامانة العامة لقوى 14 آذار التي تعقد اجتماعاً استثنائيا اليوم سوف تندد في بيان بـ”الكلام التحريضي والإنفصالي والمذهبي” الذي صدر أمس، كما سيتشكل وفد مشترك من الأمانة العامة و”المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار” يزور الرئيس سلام مؤكداً التضامن معه ومع الحكومة. وتوجه بعد ظهر أمس الرئيس فؤاد السنيورة والوزير المشنوق الى جدة للقاء الرئيس سعد الحريري والتشاور معه في التطورات.

من جهتها، كتبت “السفير”: انتفت الفواصل والجدران والسواتر والأسلاك الشائكة بين وسط بيروت وبين مقر مجلس الوزراء في السرايا الكبيرة. ما قيل في الشوارع قيل مثله لا بل أكثر وأخطر على طاولة آخر المؤسسات التي لا تزال على قيد الحياة، في ظل رئاسة الجمهورية المفقودة والسلطة التشريعية الميتة سريريا.

ربما كان المتظاهرون في الشوارع أكثر رقيا من الوزراء أنفسهم. استخدم البرتقاليون تعبيرات معظمها يأتي من زمن عمره ربع قرن، ولو أنه كان موجها هذه المرة ضد مؤسسة لطالما شكلت البيئة الحاضنة لا بل المؤسِّسة للحالة العونية.

لم يعد يحتاج أحد إلى شواهد للتدليل على أن لبنان يمر بأزمة وطنية كبيرة اسمها أزمة حكم أو صيغة أو مشاركة. ما جرى، أمس، كان شاهدا إضافيا على سقوط الدولة هيبة واسما وشكلا ومضمونا ورموزا.. وسلوكا وخطابا. أما من يتحمل المسؤولية، فان الكل شريك، ولو أن نسب الشراكة تتفاوت بين مكون وآخر.
ما جرى بالأمس دليل إضافي على سقوط الدستور. صارت مجموعة القوانين العليا التي أشبه ما تكون بعقد بين الدّولة والشعب، رزمة أوراق مجموعة ضمن كتاب اسمه «الدستور اللبناني» مدموغا بالأرزة. هذا هو الدستور. مجرد عدة للاستهلاك والتسويق وكل فريق يقاربه من الزاوية التي تخدم لحظته وحرتقاته وليس ثوابته أو المصلحة العليا للدولة.

خير دليل على ذلك، تحول 23 وزيرا في الحكومة، بين ليلة وضحاها، إلى رؤساء للجمهورية. «أنا أتحدث من موقع رئيس الجمهورية» قالها جبران باسيل أكثر من مائتي مرة والياس بو صعب مائة مرة ورددها عدد كبير من الوزراء، بمن فيهم وزراء ينتمون إلى «14 آذار».

صار الوزير الوحيد في الحكومة هو رئيس الحكومة تمام سلام الذي وجد نفسه محاطا برؤساء يخلطون ترؤس جلسة بالصلاحيات وإدارة الجلسة بجدول الأعمال. رؤساء بدا بعضهم مهووسا بالإعلام، فأراد أن يهزم رئيسه أمام الكاميرات، ولولا العيب والحياء، لما تردد في كيل لكمة التزاما منه بأمر رئيسه، ما دام أن لكل وزير رئيسا وزعيما يعلو اسمه فوق الدولة والدستور وكل المؤسســات.

معيب ما جرى، أمس، بكل معنى الكلمة. المنتصرون من السياسيين كثر، أما الخاسرون، فهم الناس الذين لم ولن يغادروا تلك المستنقعات التي وضعهم فيها قادة الطوائف.

لن يجد اللبنانيون اليوم من يقدم لهم قراءة موحدة موضوعية. كل قراءة ستتناسب مع مصلحة هذا أو ذاك. لا أحد يسأل عن تقنين الكهرباء والمياه المهددين بالانقطاع التام، ولا عن الرواتب والأجور المهددة، ولا عن سلسلة الرتب والرواتب التي تآمر عليها الإصلاحي والمحافظ، ولا عن المواسم الزراعية التالفة، والصيف الاغترابي المهدد والمؤسسات المهددة بالإقفال؟
الكل مأزوم والكل مهزوم وقد أقفل ميشال عون باب القصر الجمهوري نهائيا بانتظار انتخابات نيابية تحتاج الى قانون، والقانون يحتاج الى تفاهمات مستحيلة.
أما الحكومة، فإنها صامدة لمدة أسبوعين، فاذا تعذر التوافق على آلية جديدة لمجلس الوزراء، وهو الأمر الأكثر ترجيحا، فإنها ستكون محكومة بأحد أمرين: اما التعطيل أو الاستقالة، وفي كلتا الحالتين، سيكون القرار رهن ارادات خارجية لا تريد المس بالاستقرار اللبناني، إلا إذا حصلت مفاجآت من نوع إقدام تمام سلام على رمي استقالته بوجه الجميع بمن فيهم حلفاؤه.

أما بعد،
ماذا يمكن أن يسجل على هامش المنازلة العونية ـ «المستقبلية» التي توزعت صورها، أمس، بين شوارع وسط بيروت التجاري من جهة و «شوارع» السرايا

الكبيرة وقاعاتها من جهة ثانية؟
أولا، انتهت الجولة الأولى بين ميشال عون و «المستقبل» إلى تعادل بين الاثنين، فلا هيبة تمام سلام انكسرت، بدليل إصراره على تمرير بند وحيد هو الأهم في جدول الأعمال (اعتمادات المستشفيات) ولا هيبة ممثلي «الجنرال» في مجلس الوزراء قد انكسرت بدليل نيلهم تعهدا واضحا من رئيس الحكومة، بإجراء مقاربة جديدة لآلية عمل مجلس الوزراء بعد أسبوعين، برعاية وضمانة وزير الداخلية نهاد المشنوق، وبحضور وزير الدولة محمد فنيش.

ثانيا، نجح تمام سلام في إظهار مظلوميته في شارعه وفي الوقت نفسه، قدم وجها جديدا غير مألوف عندما رفع صوته أكثر من مرة، برغم تعرضه لكم كبير من الاهانات والشتائم في جلسة مجلس الوزراء، ربما لم ينلها رئيس للحكومة من قبل منذ الاستقلال حتى الآن.

ثالثا، قالها وزير الداخلية بالفم الملآن لوزير الخارجية في الخلوة الجانبية بأنكم لن تجدوا رئيس حكومة أكثر انفتاحا واعتدالا من سلام، وأكثر سلاسة منه في إدارة جلسات مجلس الوزراء، بدليل أن الآلية التي «فبركها» جبران باسيل والياس بو صعب مع بداية الفراغ الرئاسي، قررا لاحقا تعديلها والانقلاب عليها، قبل أن يكتشفا مجددا ضرورة العودة إليها.

رابعا، بدا واضحا من خلال كل مجريات الجلسة (باستثناء الاحتجاج الموضعي على الجلسة الجانبية) أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد طلب من وزيريه في الحكومة الالتزام بفضيلة الصمت طوال الجلسة، مسايرة لرئيس الحكومة من جهة وللحليف المضطر للوقوف على خاطر «الجنرال»، في كل شاردة وواردة من جهة ثانية.

خامسا، كان لافتا للانتباه أن وزيري «اللقاء الديموقراطي» وبرغم الإشارة التي كانا قد تلقياها مسبقا من وليد جنبلاط بعدم الاندفاع نحو أية مواجهة مع العونيين، قد وجدا نفسيهما، وبالتنسيق مع مرجعيتهما السياسية شريكين في الاشتباك الذي بلغ ذروته عندما خاطب الوزير وائل أبو فاعور جبران باسيل بقوله دفاعا عن سلام: «لو أنا رئيس حكومة بقوم برميك برا»، وهي العبارة التي تلقفها باسيل للقول له: «منعرف إنكم بدكم ترموا المسيحيين برا»!

سادسا، إذا كان مفهوما لماذا تحول الوزير علي حسن خليل إلى «أبو الهول»، في الجلسة، فان وزراء «المستقبل» مارسوا حيادا استثنائيا، حتى أن وزير الداخلية لعب «دور الاطفائي» في ظل صمت الوزيرين أشرف ريفي ورشيد درباس، ليتبين لاحقا أن الرئيس سعد الحريري، هو الذي طلب إليهم بالتنسيق مع سلام عدم تكبير المشكل مع عون وبالتالي التزام الهدوء لأن «الجنرال» يراهن على تجييش الشارع المسيحي باستثارته ضد «المستقبل» سياسيا ومذهبيا، وهذه النقطة سيتطرق إليها الحريري في خطابه الرمضاني المقرر الأحد المقبل.

سابعا، لم يكن سلوك «حزب الله» مفاجئا لأحد. التزم الوزيران محمد فنيش وحسين الحاج حسن، برغم اعتراضهما على بعض التعبيرات الجارحة التي طالت رئيس الحكومة، السقف السياسي الذي سيعيد التأكيد عليه، اليوم، الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بالتضامن الكامل مع ميشال عون ومع مطالبه بالشراكة ورفض التهميش.

ثامنا، بدا واضحا منذ اللحظة الأولى لدخول مجلس الوزراء أن جبران باسيل يريد شراء الاشتباك على مرأى من وسائل الإعلام، وإذا تعذر ذلك، فان كاميرا الياس بو صعب كانت جاهزة للتصوير منذ بداية الجلسة وحتى نهايتها، لا بل إن هناك جهازا أمنيا همس في أذن مراجع عدة أن هناك من يريد افتعال مشكلة قد تصل إلى حد الضرب بالأيدي في مجلس الوزراء!

تاسعا، ما جرى في الشارع بين العونيين والجيش اللبناني تحديدا، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ذلك أنها المرة الأولى، منذ عشر سنوات التي يوضع هذا الجمهور فيها في مواجهة المؤسسة الحاضنة لا بل المؤسِّسة للعصب العوني منذ ربع قرن حتى الآن، وهذا الأمر يطرح أسئلة كثيرة وكبيرة على الجانبين.
عاشرا، لم يكن هناك أحد أشد سعادة من سمير جعجع في معراب بالأمس. كل شيء يشي بالسعادة. مشهد الاشتباك في الشارع. مشهد مجلس الوزراء الذي حرره من حرج الحلفاء لو كان موجودا على الطاولة نفسها. بدا واضحا أن «إعلان النيات» جعل جعجع يتموضع في مكان يعطيه أريحية التحرك والاستثمار إذا ربح «الجنرال» والتحرر منه سريعا إذا خسر، خصوصا أنه ملزم كباقي حلفاء الحريري بتسديد فواتير سياسية سريعة حماية للحكومة التي لا يمكن تحمل خسارتها حاليا.

حادي عشر، اذا اعتمدت آلية لمجلس الوزراء في الجلسة المقررة بعد أسبوعين أم لم تعتمد، فإن استحقاق انتهاء ولاية رئيس الأركان في الجيش يحل في السابع من آب، فاذا تعذر التعيين، سيكون وزير الدفاع محكوما بالتمديد، وهو ما سيسري في نهاية أيلول على قيادة الجيش، في ظل تقديرات بأن التمديد حتمي في ظل استحالة توافر الثلثين على تعيين أي قائد جديد للجيش.

ثاني عشر، قالها جبران باسيل بالفم الملآن أمام كل الوزراء: «نحن لا يهمنا موضوع التعيينات الأمنية، بل تهمنا آلية العمل في مجلس الوزراء»، فهل إن ما جرى، ويمكن أن يجري، يصنف في خانة محاولة استثمار «حرب الصلاحيات» في المعركة العونية الداخلية على مسافة عشرة أيام من فتح باب الترشيح لرئاسة «التيار الحر»؟.

صحيفة “الأخبار” كتبت انه على وقع الهتافات العونية التي علت سماء السرايا الحكومية، بهدف «كسر قرار سلام ومحاولة نهشه كل الصلاحيات»، انعقدت جلسة مجلس الوزراء، التي لم تختلف أجواؤها في البداية عن التوتر الذي ساد محيط رياض الصلح منذ ساعات الصباح الأولى.

في الداخل، ومع دخول الوزراء الواحد تلوَ الآخر باتجاه «قاعتهم»، أخذت التحليلات مداها بشأن مصير الحكومة والشارع معاً. لم يكُن أي منهم يحمل جواباً شافياً يردّ به على أسئلة الصحافيين الذين انتظروا خمس ساعات. فلا حلّ ولا مبادرة ولا أفق واضح. للتيار الوطني الحر في الحكومة والشارع حسابات، بات الحلفاء كما الخصوم على بيّنة منها. ولرئيس الحكومة اقتناع بأن ما يفعله رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون ليس بالون اختبار لبرودة أعصابه، بل معركة يقودها العماد حتى آخر رصاصة في جيبه. وكان واضحاً أن وزيرَيه حضرا ومعهما «مشكلهما». فما كادت الجلسة تبدأ حتى انفجر باسيل بوجه سلام، قاصداً افتعال مشهد أمام المصورين الذين أُخرجوا بالقوة.

“عراضة” باسيل فاجأت جميع الوزراء الذين لم يتوقعوا أن يذهب وزير الخارجية إلى هذا الحد في مخاطبة رئيس الحكومة، متوجهاً إليه بصوت عالٍ قائلاً: «أنت تُخالف الدستور وتتعدّى على صلاحيات رئيس الجمهورية. أنا هنا رئيس الجمهورية، ومن حقّي بحسب الدستور أن أُدير الجلسة وأن أعترض على جدول الأعمال». سلام، الذي لم يتمالك أعصابه، حاول إسكات باسيل «أنا لم أعطك الإذن بالكلام وهذه مشاغبة غير مقبولة». لكن باسيل رفع الصوت معلقاً على كلام سلام: «أنا مش ناطر إذن منك».

بدوره، ردّ رئيس الحكومة الذي كان في ذروة انفعاله، بحسب مصادر وزارية، فقال «لمّا أنا بحكي إنت بتسكت». فورة الوزير العوني لم يبرّدها سوى تدخّل زميله في الحكومة الوزير حسين الحاج حسن الذي أمسك بباسيل في محاولة للتهدئة قائلاً: «يُمكنك أن تقول ما تشاء، ولكن ليس بهذه النبرة ولا بهذا الأسلوب»، قبل أن يتدخل الوزير رشيد درباس، متوجهاً إلى باسيل «أنتم تقولون إن الدستور يعطي الوزير صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا يعني أنني أنا أيضاً رئيس جمهورية، وأنا لن أقبل بتّ أي بند قبل أن تحصل تشكيلات دبلوماسية تناسبني». ومنعاً لتفاقم الإشكال الساخن، بعد دخول وزيرَي الاشتراكي على خطّ الاشتباك الكلامي دفاعاً عن سلام، سحب الوزير نهاد المشنوق باسيل خارج القاعة لضبط انفعاله، مؤكداً أمامه أنه «لا يجب التعاطي مع سلام بهذه اللهجة ولا يجوز تحويل أزمة الحكومة إلى مشكلة شخصية مع الرئيس سلام. فهذا أسلوب غير مقبول»، محاولاً «منع الانفجار وحفظ كرامة رئاسة الحكومة». وقال المشنوق إن «سلام هو صورة الاعتدال، وإنه لا بديل منه سوى التطرف. فهل تريدون الوصول إلى هذه المرحلة؟». واقترح بعدها أن ينضم كل من الرئيس سلام والوزير محمد فنيش إلى الخلوة التي اقترح خلالها وزير الداخلية «إمرار أحد البنود، ووقع الاختيار على البند المتعلق بدفع مستحقّات المستشفيات. فلم يقبل باسيل بالاقتراح إلا بعد موافقة سلام على تخصيص الجلسة المقبلة بعد الأعياد لمناقشة الآلية».

وقبل طرحه المبادرة، تشاور المشنوق مع الوزيرين أبو فاعور وعلي حسن خليل، إلا أن الأخير اعترض على اللقاءات الجانبية، لأنه لم يدعَ إليها، بحسب مصادر وزارية أكدت لـ«الأخبار» أن «هذا الأمر من صلاحية رئيس الحكومة»، علماً بأن مصادر عين التينة نفت في حديث إلى «الأخبار» هذا الجوّ، مؤكّدة أن «الوزير حسن خليل اعترض على مبدأ اللقاءات الجانبية، لا على عدم دعوته، فلا يجوز طرح الحلّ في زوايا السرايا وهناك 24 وزيراً تهجم بعضهم على بعض داخل الجلسة». وكان خليل قد سجّل اعتراضاً لدى سلام، مشيراً إلى أن «الحلّ يجب أن يناقش أمام جميع الوزراء، وعلى عكس ما قيل، فإن خليل هو الذي رفض الانضمام إلى الاجتماع». وأشارت المصادر إلى «قرار وزيرَي أمل عدم الدخول في الاشتباك»، وقالت «نحن نقف على الحياد، وما حصل اليوم (أمس) ليس فيه انتصار لأحد»، وإن العونيين جهدوا في الوصول إلى حل من داخل الحكومة بعدما فشلوا في حشد الناس». كما أن «سلام لم يكسر عون، هو فقط فرمل اندفاعته إلى تكرار تجربة الجلسة الأولى، وموضوع بحث الآلية ليس جديداً، ونحن بحثنا بها سابقاً».

وبعد انتهاء الخلوة، عاد الأربعة إلى الجلسة بجوّ مختلف، فحاول باسيل «إصلاح الوضع مع سلام بمدحه»، لتتبخر معها سحب الدخان الأسود في الداخل. وبعد رفع الجلسة، خرج الوزراء الذين ظهر على وجه البعض منهم ملامح الاستياء، كالوزيرين وائل أبو فاعور وآلان حكيم. فيما تولّى آخرون شرح مجريات الجلسة. مصادر رئيس الحكومة أكدت لـ«الأخبار» أن «باسيل تقصّد افتعال مشكل لتسجيل نقطة لصالحه في السياسة، لكنّه في الوقت نفسه فتح باباً للحلّ يمكن البناء عليه في الأسبوعين المقبلين».

وفي تقويم لمشهد أمس، قالت المصادر: «تمّام سلام لا يخاف ولا يُخيف. هو ربح حكومته، وفي المقابل كسب التيار الوطني الحرّ الجو السياسي والشعبي، ولا سيما في ضوء موقف حزب الله الذي يدفع باتجاه تسوية مع الجنرال عون». بدورها، أكدت مصادر مستقبلية أن «الرئيس سعد الحريري والنائب فؤاد السنيورة وسلام حرصوا قبل الجلسة على عدم دخول وزراء المستقبل بالمشكل منعاً لترسيخ نظرية المواجهة السنية ــ المسيحية»!