IMLebanon

عن مجتمع يستلذّ بمشاهد الدماء! (بقلم رولا حداد)

georges-rif

لم تكن جريمة نحر جورج الريف صادمة في مجتمع كالمجتمع اللبناني سوى لأنه تمّ تصويرها. لبناني يقتل لبنانياً آخر على قارعة الطريق بات خبراً عادياً في وطن ينجرّ من جديد الى دوامة عنف تعصف هذه المرّة بمنطقة الشرق الأوسط ككل، وتحديداً بكل الدول العربية المحيطة.

في مجتمعنا حوادث إجرامية لا تقلّ خطورة أو وحشية عن قتل جورج الريف تحصل كل يوم، لكننا لا نعيرها اهتماماً، إما لأنها لم تكن مصوّرة، وإما لأن التصوير لم يحيط بالجريمة كاملة. قبل 24 ساعة من جريمة الجميزة وقعت جريمة في قبرشمون أدت الى سقوط قتيل من المارّة و3 جرحى. القتيل ربما لم يكن من المارّة بقدر ما كان من المشاهدين الذين توقفوا على جانبي الطريق يتفرّجون على شارع تحوّل حلبة مصارعة بين عشرات الأشخاص. إنه الوحش بداخلنا الذي يستمتع بمشاهدة العنف، تماما كما كان الجمهور يحضر أيام الرومان مشاهد رمي بشر للأسود ليتمتّع بمشاهد الدم!

هل سألتم أنفسنا، ولو لمرّة لمَ نجحت “داعش” في إثارة الرعب في نفوس العرب والعالم من دون أن تملك طيارة حربية واحدة، أو هليكوبتر واحدة، أو صاروخ أرض- جو واحد أو صواريخ بالستية او رؤوساً نووية، أو…؟ نجحت لأنها بثت الرعب عبر أفلامها الهوليوودية- الهيتشكوكية لعمليات الذبح والقتل الجماعي والإحراق والإغراق. أما السؤال الأهم فهو لماذا كانت تحصل هذه الأفلام الدموية المرعبة على هذه النسبة العالية من المشاهدات على الإنترنت؟ الجواب هو نفسه: إنه ذلك الوحش الكامن فينا والذي تطبّع على مشاهد الدماء التي “تُحَيون” مجتمعنا عوضاً عن أن تأنسنه!

ربما لذلك نفهم لماذا كل الإعلام الغربي يمتنع عن بث أي مشهد في دماء للرأي العام، بدءًا من حوادث 11 أيلول 2001 التي أدّت الى مقتل أكثر من 3000 أميركي في برجي التجارة العالميين في نيويورك، وصولا الى كل العمليات الإرهابية التي تجري في الولايات المتحدة كمثل إطلاق النار في تينيسي قبل ايام أو قبلها قتل 9 مصلين سود في كنيسة على يد أميركي أبيض، الى غيرها من الجرائم.

في لبنان ثار الرأي العام في وجه قاتل جورج الريف، مع أنه لم يبقَ لبناني لم يحضر فيديو إعدامه على قارعة الطريق وبالسكين! لكن هذا الرأي العام لم تعنِه جريمة بشامون ولا جريمة دهس ريتا الدهام في سوق جبيل، والقتل قبلها بأسبوع على خلفية موقف شاحنة. جريمة قتل إيف نوفل لا تزال ماثلة في أذهان اللبنانيين لكنها على طريقة مافيا آل كابوني بالرشاشات وليست بحد السكين. أما جريمة قتل جورج أبو ماضي على قارعة الطريق في عين الرمانة تحت منزله، وبحدّ سكاكين عشرات ركاب الدراجات النارية، فلم تثر الرأي العام اللبناني لأن زوجته المفجوعة على مشاهدته يتخبّط في دمائه لم تتنبّه الى ضرورة تصوير جريمة نحر زوجها لتأمين مقتضيات التعاطف الشعبي!

مسؤولية كل ما تقدّم تقع على غياب الثلاثي الآتي: الدولة، التربية والإعلام. فلا الدولة تقوم بدورها ولا بقيت لها هيبة بفعل أن مجموعات كبيرة من اللبنانيين هم أقوى من الدولة وفوق قوانينها. أما المواطن فبات لا ينتمي الى الدولة ولا يؤمن بها نهائياً. ولا تربية فعلية في مدارسنا بل تدريس لمواد بهدف النجاح في الامتحانات الرسمية من دون أن يكون للتربية والتنشئة أي موقع في مدارسنا. أما الإعلام عندنا فيبحث عن مجرّد الإثارة ولو على بحيرات من الدماء بحثاً عن “زبون” إضافي يشاهد أو يكبس click!

مع هكذا معادلات لا عجب بعد اليوم إن تحولنا غابة يسيطر منطق الأقوى عليها وسط جمهور بات يستلذّ بمشاهد الدماء!