IMLebanon

شركات الطاقة تتكالب على إيران لقطف ثمار الاتفاق النووي

RouhaniIranOil

كريستوفر آدمز ونجمة برزجمير وإيد كوكس وأنجلي رافال

الشركات لم تُعلن عن وجودها، بعد، لكن المفاوضات ستكون شاقة وصارمة – من هنا فإن الشركات تشعر بالقلق.

في الأيام والأسابيع التي سبقت الاتفاق النووي يوم الثلاثاء الماضي بين الغرب وإيران، كانت هناك مجموعات متفرقة من الزوّار تفد بشكل متواصل من بعض أكبر مجموعات الطاقة في العالم، إلى طهران.

حسب بعض التقارير، المسألة في الواقع تتجاوز مجرد تبادل بطاقات الأعمال. بحسب تعبير أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الغرب. ليس هناك عدد كبير من اللاعبين الكبار في الصناعة الذين يستطيعون تجاهُل “متجر الحلوى” المتمثل في إيران – التي تستعد حالياً لعرض مشاريع النفط والغاز بعدة مليارات الدولارات.

مجموعة من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المُتعلقة بالنفط، المفروضة منذ عام 2012، حالت دون إجراء مفاوضات مُفصّلة. بمجرد رفعها، فإن المحادثات الجادة بشأن العودة إلى البلاد ستبدأ، مع الشركات الكُبرى الأوروبية أولاً.

بالنسبة لشركات من شاكلة رويال داتش شل وإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، من بين تلك التي التقى المسؤولون فيها نظراءهم الإيرانيين في طهران، ذلك اليوم قد يكون على بُعد أشهر.

المفاوضات مع مجموعات الطاقة الأمريكية – الغائبة منذ عمليات التأميم التي أعقبت عام 1979 – يُمكن أن تنطلق أيضاً. على أن مجموعة مُعقدة من القيود ستحتاج إلى الإلغاء في الولايات المتحدة، قبل الشروع في ذلك.

مع ذلك، بالنسبة لإيران المُتعطشة للنقود، المستميتة لإعادة تأهيل صناعة النفط والغاز التي أضعفها سوء الإدارة، والفساد وضعف الاستثمار، يوجد الآن الاحتمال الحقيقي لفرصة جديدة للحياة – وزيادة كبيرة في الإيرادات من زيادة الإنتاج والتصدير. وتقدّر الولايات المتحدة أن طهران قد أضاعت 160 مليار دولار من مبيعات النفط في الأعوام الثلاثة الماضية، بسبب انخفاض الصادرات إلى أوروبا وقيام البلدان الآسيوية مثل الهند بالبحث عن إمدادات بديلة.

يقول دانيال يرجين، مؤلف كتاب التاريخ الكلاسيكي للنفط، (الجائزة)، “إن إيران تحتاج إلى الاستثمار والتكنولوجيا بشكل كبير”، لكن المحادثات ستكون بعيدة عن كونها سهلة، حيث تتطلب الواقعية من الإيرانيين بعد انخفاض بنسبة تبلغ 50 في المائة في أسعار النفط.

ويُضيف “ما تغيّر هو أن الشركات لم تعُد تُلاحق البراميل كما كانت تفعل عندما كانت أسعار النفط ترتفع. إنها الآن حقاً سوق يهيمن عليها المُشترون عندما يتعلق الأمر بصفقات النفط والغاز”.

“ستحتاج إيران إلى وضع قرن من العلاقات المضطربة مع صناعة النفط الدولية خلفها، وأن تُركّز على العلاقة التجارية والبرهنة على أنها قادرة على التنافس، فالشركات الكُبرى مشغولة بالتكاليف والربحية”.

البحث عن الاستثمار

على افتراض أنه تمت إزالة العقوبات الاقتصادية الرئيسة بحلول أوائل عام 2016، فإ بيجان زنجانه، وزير النفط الإيراني، واثق من أن إيران بإمكانها بسرعة زيادة الإنتاج والصادرات، بمقدار يصل إلى مليون برميل يومياً.

ويُعتقد أنه من المرجح أيضاً الإفراج عن 40 مليون برميل من النفط المُخزّن في الناقلات الإيرانية، الأمر الذي سيؤثّر أكثر في الأسعار.

على أن طهران تُركّز على جائزة أكبر، فالوزير يريد من الخبرة الغربية إحياء الحقول والبنية التحتية القديمة في إيران، واستعادة مكانتها باعتبارها رابع أكبر مُنتج بعد السعودية والولايات المتحدة وروسيا. الهدف هو زيادة الإنتاج بنسبة 50 في المائة خلال خمسة أعوام فقط، ليصل إلى خمسة ملايين برميل يومياً.

وراء الكواليس، وإلى جانب ما تبقّى من المحادثات الدبلوماسية، فإن العمل يجري بالفعل. مهدي حسيني، مستشار وزارة النفط في إيران يقول “إن طهران تضع اللمسات الأخيرة على عقد جديد، تأمل أنه سيؤدي إلى إبرام صفقات مع المستثمرين الأجانب بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار”.

ما يصل إلى 50 مشروعا يمكن أن تكون مُتاحة بسهولة، مع صفقات تشمل التنقيب، وتطوير الحقول البرية والبحرية وتوفير التكنولوجيا الجديدة. ومن المرجح أن تشتمل على حقول الغاز الضخمة في حقلي الغاز الجنوبي والشمالي، التي تحمل في طيّاتها نحو 350 تريليون قدم مُكعبة من الاحتياطات غير المُستغّلة، وحقول النفط الرئيسية مثل الأهواز، جاشساران، مارون وأجاجاري، التي تم تقدير وجود 200 مليار برميل من النفط الخام فيها، وأساساً كانت تنتج طوال عقود من الزمن. يُمكن أن يكون هناك تعاون أيضاً في مجال البتروكيماويات والغاز الطبيعي المُسال.

على وجه الخصوص، يقول العاملون في الصناعة “إن طهران حريصة على جلب شركة نفط أجنبية للمساعدة على بناء مصنع الغاز الطبيعي المُسال، من أجل معالجة الغاز من حقل الغاز الجنوبي، وهو جزء من الاحتياطي الذي تشاركه إيران مع قطر”. من بين أولئك الذين يُشاع أن يكونوا شركاء محتملين، توجد مجموعة شل التي كانت الرائدة في تكنولوجيا تحويل الغاز إلى سائل، وستكون أكبر مورّد في القطاع الخاص للغاز الطبيعي المُسال بعد عملية استحواذها المُقترحة بقيمة 55 مليار جنيه على مجموعة بي جي.

رغبة إيران في جذب المساهمين الأجانب واضحة. وفقاً لوكالة وود ماكينزي الاستشارية، تحتل إيران المرتبة الثالثة كأكبر مالك للنفط والغاز في العالم، مع أكثر مما يُعادل 250 مليار برميل من النفط في الاحتياطات المُتبقيّة.

على عكس القطب الشمالي غير المُستكشف، فقد تم رسم مواردها وتكاليف الإنتاج فيها منخفضة. كذلك فإن استقرارها السياسي بالنسبة لاستقرار العراق، الذي يُمزّقه الصراع مع “داعش”، هو موطن جذب آخر.

في الواقع، مع كفاح مجموعات الطاقة من أجل تحقيق استكشافات كبيرة، تقول وكالة وود ماكينزي “إن إيران توفّر فرصة “ذهبية” بالنسبة لشركة النفط المتكاملة والشركات العملاقة الوطنية”.

يقول باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لشركة توتال “لا نزال بحاجة إلى مراجعة التفاصيل، (لكن) شركة توتال تملك تاريخا طويلا في إيران، وهي مستعدة للعودة عند رفع العقوبات إذا كانت الشروط مُثيرة للاهتمام”.

سيحدد زنجانه شروط طهران للمشاركة – مجموعة من الشروط معروفة باسم (عقد نفط إيران) التي وصفت بأنها أكثر جدوى من الاتفاقات السابقة – في وقت لاحق من هذا العام.

السؤال الكبير هو ما إذا كانت العقود ستكون جذّابة بما فيه الكفاية. وفي حين إن طهران لن تقدم صفقات مشاركة الإنتاج، المُفضّلة من قِبل معظم المستثمرين الأجانب، إلا أنها ستحسن شروط الخدمة المكروهة على نطاق واسع أي عقود “إعادة الشراء”.

فريدون فيشاراكي من الشركة الاستشارية، “حقائق الطاقة العالمية”، يقول “إنها ستبدو أقرب إلى كونها اتفاقيات مشاركة الإنتاج، حيث الشركات ستنال الأجنبية الحق في الإنتاج والاحتياطيات، وتتم مشاركة المخاطر”.

إبرام الصفقات

العقود الجديدة ستمكن الشركات الأجنبية من إقامة مشاريع مشتركة مع شركة النفط الوطينة الإيرانية المملوكة للدولة، أو مع إحدى الشركات التابعة لها. ومن المتوقع أن تعمل لمدة أطول، من 20 إلى 30 عاماً.

التعويضات ستكون أكثر مرونة. بدلاً من الرسوم الثابتة، ستكون مُعدلات العوائد قائمة على مقياس مُتدرّج ومتناسبة مع المخاطر المُحيطة بالتطوير. كذلك يُمكن ربط الدفعات مع أسعار النفط. ويُعتقد أنه لن يكون هناك أي سقف على الإنفاق الرأسمالي.

بشكل حاسم، ستكون الشركات أيضاً قادرة على حجز قيمة الاحتياطات على ميزانياتها العمومية.

أما إلهام حسن زادة من الشركة الاستشارية إنرجي بايونيرز، فيرى أن هذا الأمر سيخضع “لشروط صارمة”. القانون الإيراني يمنع ملكية الأجانب الاحتياطيات، ويقول حسيني “إذا تم تفسير حجز الاحتياطات بأنه نقل للملكية لشركات النفط الدولية، نحن (إيران) لن ندع هذا الأمر يحدث”.

ويُضيف أن “شركات النفط الدولية أعلنت عن التفاصيل والاستجابة كانت إيجابية”، لكن أحد المسؤولين التنفيذيين في أوروبا ينفي أي انخراط من هذا القبيل، في حين إن آخر كان مُتشكّكاً.

بعد وصف الرسوم الثابتة التي كان يتم دفعها بموجب عقود الخدمات القديمة – التي استمرت من ستة أعوام إلى 12 عاما – بأنها “رديئة”، يعتقد أن التعاون مع المسؤولين الإيرانيين، المعروفين بأنهم مفاوضون صعاب، سيكون بعيد المنال. “الشركات ستكون نشطة، لكنني لست متأكداً بأننا سنرى انفجاراً فورياً في العقود”.

أحد مراقبي النفط الغربيين في طهران، الذي يدّعي أنه اطلع على بعض من عناصر العقود، كذلك يُشكك في الفوائد. يقول “إن الشروط المُقترحة لا تحمل شبهاً كبيراً لاتفاقيات مشاركة الإنتاج. حيث لن تتم مشاركة رأس المال والاستثمار والإنتاج، كذلك لن تتم مشاركة مخاطر التمويل”.

علاوة على ذلك، فإن عوامل اللبس السياسية والقانونية لا تزال موجودة. الاتفاق النووي يُمكن أن ينهار بسرعة، وسيف إعادة فرض العقوبات في حال انتهاك إيران شروط الاتفاق، ما زال مشهراً.

كما سيشعُر المسؤولون التنفيذيون في شركات النفط بالقلق أيضاً من العمل مع المورّدين المحليين، الذين يُشتبه أنهم على صلة مع الحرس الثوري الإيراني، الذي كان قد استفاد في الماضي من مكافآت العقود الكبيرة.

وحقيقة أن الولايات المتحدة حددت شركة النفط الوطنية الإيرانية بأنها إحدى الشركات التابعة للحرس، يُمكن أن تُلحق الضرر بسمعة أي شركة تباشر أي أعمال تجارية معها.

بالنسبة لتلك الشركات التي تباشر الاستثمار بالفعل، هناك أيضاً التهديد باتخاذ إجراءات قانونية من الأفراد الذين يشتكون ضد إيران على أساس دعمها الإرهاب. مارك دوبويتز من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي شركة استشارية قائمة في واشنطن يقول “إنه تم منح نحو 18 مليار دولار في المحاكم الأمريكية لمُدّعين ضد إيران”. كما يُمكن بذل الجهود لفرض تلك المكافآت ضد أي شركة لديها عمليات هناك.

كما لا ينبغي أيضاً التقليل من أهمية العقبات التقنية. لقد كان للعقوبات أثر كبير في الإنتاج. حيث انخفضت الطاقة الإنتاجية للنفط إلى نحو 2.8 مليون برميل يومياً، من 3.6 مليون برميل يومياً في عام 2011.

وتباطأ إنتاج الغاز الطبيعي إلى 5.7 تريليون قدم مربعة في عام 2013.

يقول حسيني “إنه قد تم إغلاق عديد من الآبار. بعضها ربما قد تضرر كثيراً بحيث إننا بحاجة إلى حفر آبار جديدة”.

أما بيير ماجنوس نيسفين من الشركة الاستشارية ريستاد للطاقة فيقول “لا أريد أن أكون متشائماً أكثر من اللازم، فهناك احتمال وجود كمية كبيرة من إنتاج وتصدير (النفط الخفيف) المُكثّف، لكن فيما يتعلق بإنتاج النفط الخام، فأنا أكثر تشكّكاً”.

ويُشير نيسفين إلى حقول مارون، الأهواز، جاشساران وأجاجاري، حيث معدلات الانتعاش منخفضة بحيث تصل إلى 25 في المائة، ما يتطلب كثيرا من الإنفاق.

كذلك فإن المشاريع مثل مشروع جنوب أزاديجان ومشروع مُلحقات حقل الغاز الجنوبي – حيث كانت طهران غير راضية عن شركائها الصينيين – قد عانت بعض المشكلات. ويُضيف “كثير من النشاط الصناعي يجب أن يتم لتحفيز هذه الحقول، مثل الحفر وضخ الماء والغاز”.

اللعب على المدى الطويل

حتى إذا تم الاتفاق على المشاريع خلال أشهر، فإن التنفيذ الفعلي سيستغرق عدة أعوام، ويقول محللون “إن الاستثمار اللازم يُمكن أن يرتفع بسهولة إلى 200 مليار دولار”.

وكالة وود ماكينزي ترى إنتاج النفط الخام قد يرتفع إلى 3.4 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020، أقل من هدف طهران، لكنها تُضيف أن “الإنتاج يُمكن أن يصل إلى 4.4 مليون برميل يومياً في غضون عقد من الزمن، مع الاستثمارات الأجنبية الكافية، في ظل امتلاك إمكانات “هائلة” من الغاز، على المدى الطويل”.

يغلب على الظن أن إيران تريد الخبرة الأمريكية، على الرغم من أن المسؤولين يصرّون على أنه لا يوجد لديها أي تفضيل.

مثل هذه العودة من شأنها أن تكون مهمة جداً. شركات إكسون موبيل، شيفرون وكونوكو فيليبس مُتخلّفة كثيراً عن منافساتها في أوروبا، فيما يتعلق بتحديد مكانتها عند رفع العقوبات، لأن اللوائح الأمريكية أكثر تعقيداً.

لقد تم إبعاد الشركات الأمريكية عن إيران لمدة أطول، والخطر باتخاذ إجراءات قانونية ضد أي شركة تحاول الاستثمار هناك يظل أكبر.

التشريعات والأوامر التنفيذية تفرض مثل هذه القيود واسعة النطاق على التعاملات التجارية في الولايات المتحدة مع إيران، بحيث تأخذها الشركات الأمريكية على أنها تعني أنه حتى في النقاشات الافتراضية عن العقود ما بعد رفع العقوبات، هي أمر غير قانوني.

لا توجد شركة نفط أمريكية واحدة تقول إنها قامت بإجراء محادثات حول صفقات محتملة مع إيران. فهم شركة إكسون للقانون هو أن المسؤولين التنفيذيين فيها ممنوعون من الحديث عن التعامل مع أي من المسؤولين الإيرانيين.

أما ما تقوله شركة شيفرون فهو إنها “تمتثل تماماً للقانون الأمريكي ولا تشترك في المناقشات التجارية مع إيران”. بالمثل، تقول شركة كونوكو “إنها لا تُشارك في أي من مثل هذه المحادثات”.

في الوقت الراهن، لن تستفيد من اهتمامها بإيران إلا في حال تغيّرت الظروف.

في نهاية المطاف، سيتم إبرام الصفقات، لكن لا تتوقعوا أي تدافع: “شركات النفط الكبيرة” ستتعامل بحرص للدخول في متجر الحلويات المذكور، رغم سيل لُعابها.