IMLebanon

مديرية المخابرات: مَن يريده مقبل ومَن يريده قهوجي؟

jean-kahwaji-samir-mokbel

 

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:  

ما ان تطوى صفحة في التعيينات العسكرية تفتح اخرى ملازمة لها. بات محسوما تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الاركان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع. لكن مصير مديرية المخابرات لما يزل معلقا الى النصف الثاني من ايلول.

في 20 ايلول يكون مدير المخابرات العميد ادمون فاضل امضى 42 سنة في الخدمة، وهو السقف الاعلى لسنيه، ما يحتم تالياً احالته على التقاعد، وايصاد ابواب تأجيل تسريحه مرة تلو اخرى منذ عام 2013. لكن الابواب ليست موصدة تماماً. يخرج من باب ليعود من آخر.

منذ تعديل قانون الدفاع في 26 ايلول 1984، حُظّر تعيين الاعضاء الستة في المجلس العسكري من ضباط احيلوا على التقاعد، من بينهم قائد الجيش ورئيس الاركان، واستثني الضباط الآخرون دونهم بحيث يصح استدعاؤهم من الاحتياط. عشرات المرات في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، أرجىء تسريح عسكريين من الخدمة بدافع تكليف الجيش حفظ الامن وحاجته اليهم. الا انها المرة الاولى تشهد المؤسسة العسكرية ما لم تبصره ــــ او تتصوره ــــ مرة، ينجم عن تعذر تعيين خلف صالح لسلف صالح: تأجيل تسريح كحال قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان، واستدعاء من الاحتياط كحال مرجحة لفاضل.

لم تُخرق القاعدة حتى الآن سوى مرة واحدة في نيسان 1992، بتعيين العميد رياض تقي الدين رئيسا للاركان باصرار من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. كان قد استقال من الجيش عام 1983، ثم اعاده اليه جنبلاط بعد سنتين، ففقد شرط تعيينه في هذا المنصب. سرعان ما دُعي مجلس النواب الى تعديل فقرة التحظير تلك في قانون الدفاع، لمرة واحدة، وعُيّن تقي الدين رئيساً للاركان.

توقفت السابقة عنده. لكنها احدثت ما هو اهم: وضع هذا التعيين في يد الزعيم الدرزي وحده.

على نحو مماثل، السابقة مرشحة لأن تتكرر بعد ان يحال فاضل على التقاعد في ايلول.

مع ذلك، يواجه تعيين مدير للمخابرات اكثر من مشكلة. الا ان اياً منها لا يرتبط بالضرورة بدوافع سياسية مباشرة. لا يحتاج تعيينه الى المرور بمجلس الوزراء ولا تصويت ثلثيه على الاسم كما لقائد الجيش ورئيس الاركان. بل يكتفى باقتراح يتقدم به قائد الجيش، ويوافق عليه المجلس العسكري، توطئة لصدور قرار يوقعه وزير الدفاع. عند هذا الحد فحسب ينتهي الامر.

اولى المشكلات، انها المرة الاولى يريد قائد الجيش حصر قرار التسمية والتعيين به، ولا يقتصر على الاقتراح. بل يريد مدير المخابرات رجله وحده، بعدما درج لعقود طويلة في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف على حصر علاقة مدير المخابرات برئيس الجمهورية، شأن علاقته بالمدير العام للامن العام حينذاك. في غياب رئيس للجمهورية، لا يسع مدير المخابرات الا ان يكون لقائد الجيش. آخذا بوجهة النظر هذه، سمّى قهوجي مدير مكتبه العميد كميل ضاهر للمنصب، بينما يشجع وزير الدفاع سمير مقبل على تسمية قائد الحرس الجمهوري العميد وديع غفري او العميد فادي داود المحسوبين على الرئيس ميشال سليمان لخلافة فاضل.

لعل المثير في الامر ان سليمان لم يُعط عندما كان قائدا للجيش ان يسمي مدير المخابرات (العميدين ريمون عازار وجورج خوري)، ولا عندما صار رئيسا للجمهورية (العميد ادمون فاضل).

يصطدم موقف قهوجي بأكثر من معارضة تقارب التعيين على نحو مختلف: مدير المخابرات ليس معاونه، ولا ضابطا مستقلا عن موازين القوى الداخلية وشبكات علاقات امنية معقدة مع اجهزة استخبارات دولية متعاونة. ليس ذا دور مكمّل لدور مدير مكتبه. ولأن الامر كذلك، طوى حزب الله سلفا التفكير في مرشحي سليمان، ويتأنى في الموافقة على ضاهر كي لا تكون مكافأة قهوجي مزدوجة وأكثر استفزازاً للرئيس ميشال عون. الا انه لم يقفل الحظوظ دون فاضل.

وقد يكون موقف حزب الله هو الاهم بين سائر الافرقاء اللبنانيين، نظرا الى التقاطع الحاد في العلاقة وتبادل المعلومات واللعبة الامنية بينه وبين مديرية المخابرات.

ثانيها، خلافا لتاريخ عريق في الاستخبارات العسكرية اللبنانية، لا يأتي رجالها واخصهم على رأسها الا من الجهاز نفسه، ما خلا استثناءي جول البستاني وسيمون قسيس. حل فيها انطون سعد وغابي لحود وجوني عبده في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف، وميشال رحباني وريمون عازار وجورج خوري من بعده. معظم هؤلاء تمرسوا في ادارة الاستخبارات العسكرية، الى ان توالت السوابق في اكثر من مكان كي يحط في الامن مَن لم ينشأ فيه وعليه. جيء بالعميد وفيق جزيني الى الامن العام وكان يشغل مدير مكتب قائد الجيش (سليمان)، وفاضل الى مديرية المخابرات وكان يشغل رئاسة الغرفة العسكرية لوزير الدفاع الياس المر. وها ان التقليد الجديد يقترب من ضاهر.

ثالثها، الى الآن السباق محصور بفاضل وضاهر حتى اشعار آخر. الاول في صيغة مختلفة عن تأجيل التسريح هي استدعاؤه من الاحتياط كي يستمر في المنصب نفسه، والثاني تبعاً لآلية التعيين السائدة باقتراح القائد وتوقيع الوزير بعد المرور بالمجلس العسكري الذي بات للمفارقة يتألف من الضباط الثلاثة المؤجلي التسريح انفسهم: قهوجي وسلمان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير.

رابعها، تجري مداولات بعيدة من الاضواء تبحث في اسم ثالث حلا وسطا بين مَن يريده القائد ومَن يريده الوزير، وتفادي ادراج سابقة الاستدعاء من الاحتياط ما دام في المؤسسة العسكرية عمداء آخرون يستحقون. بعيداً من الاضواء زكى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رئيس فرع جبل لبنان في المديرية العميد ريشار حلو، على نحو مماثل لسوابق جاءت بمديري المخابرات من فروع المناطق: اولهم ميشال رحباني رئيسا لفرعي البقاع وبيروت، وريمون عازار وجورج خوري رئيسين لفرع جبل لبنان. في ما مضى زكّى البطريرك مار نصرالله بطرس صفير خوري لخلافة عازار على رأس المديرية عام 2005. أضف ان لحلو مراساً في المديرية لست سنوات خلت ما يجعله احد الاسماء المقترحة. بيد انه لم يتجاوز حتى اللحظة احتمال الابقاء على فاضل بذريعة ما بلغ الى مسؤولين رسميين من سفارات دول كبرى، عبر موظفيها الامنيين، انهم يحبذون استمرار فاضل في ضوء تعاونه معهم في السنوات الاخيرة، وخصوصا في ملف مكافحة الارهاب.