IMLebanon

ما صحة تأييد عون لاقتراح “جنبلاطي” رفضه سابقاً؟

walid-jumblat-michel-aoun-new

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

يترقب الوسط السياسي ماذا سيقول رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النيابي ميشال عون من مقره في أول تعليق له على تأجيل تسريح قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير لمدة سنة، وما صحة ما يتردد في الكواليس السياسية من انه عاد ووافق على إيجاد مخرج لبقاء قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز في الخدمة العسكرية الفعلية قبل إحالته على التقاعد في 15 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بعدما كان الأخير كما أبلغ عدداً من الوزراء والنواب أنه لا يطلب شيئاً لنفسه وأنه خارج البازار السياسي؟.

فهل ينتهز عون الاجتماع الاستثنائي لتكتله ليصارح جمهور “التيار الوطني الحر” بكل شاردة وواردة رافقت الاتصالات والمشاورات التي سبقت تأجيل تسريح الضباط الثلاثة وتمحورت حول إمكان التوصل الى تسوية لتفادي المزيد من التأزم السياسي؟ أم أنه سيتجنب الدخول في كل هذه التفاصيل مع أن الوزير السابق سليم جريصاتي كان لمح في أعقاب الاجتماع الأسبوعي للتكتل الثلثاء الماضي الى وجود تسوية يجري العمل لإنضاجها من دون أن يكشف عن مضمونها.

وهل يفضل أن يحجب الأنظار عن طبيعة المشاورات التي جرت بحثاً عن مخرج للتعيينات الأمنية والعسكرية وبالتالي يتصرف وكأن شيئاً لم يكن على رغم أن وزيريه جبران باسيل والياس بوصعب كانا طلبا في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عدم اتخاذ أي قرار في خصوص هذه التعيينات لإعطاء فرصة للجهود الرامية بحثاً عن هذه التسوية من أجل إنجاحها وقوبل طلبهما بتأييد فوري من وزيري “حزب الله” محمد فنيش وحسين الحاج حسن؟

بين عون والوزيرين

أما قول بعضهم، ترجيحاً ان عون لم يكن في صورة هذه الاتصالات، فيتنافى مع تعاطي أعضاء تكتله من نواب ووزراء معه والعودة إليه في كل شاردة وواردة وبالتالي من غير الجائز “اتهام” الوزيرين بأنهما قررا أن يفتحا على حسابهما الخاص حيال مسألة أساسية بالنسبة إلى “الجنرال” لا يجرؤ أحد على التفريط فيها.

وبصرف النظر، وفق قول مصادر وزارية ونيابية لـ “الحياة”، عن الموقف الذي أعلنه أخيراً أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان من أن التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية مرفوض مبدئياً من التكتل والذي أراد منه العودة بموقفه إلى المربع الأول أي نقطة الصفر التي سبقت دورة المشاورات التي سبقت جلسة مجلس الوزراء والتي تعامل معها العماد عون إيجابياً من خلال ما قاله جريصاتي. وبعيداً من اللغط الذي يراد منه حجب الأنظار عن كل هذه الوقائع – كما تقول المصادر نفسها، فإن عون لم يرفض في المبدأ التمديد للعميد روكز مع أنه عارضه في السابق واعتبر في أكثر من موقف أن وجود العماد قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية غير قانوني وغير شرعي، وإلا ما الدافع الذي أملى على المدير العام للأمن العام اللواء الركن عباس إبراهيم التحرك في كل اتجاه قبل أن يحط في عين التينة ويلتقي رئيس المجلس النيابي نبيه بري بحثاً عن مخرج لهذه التعيينات لتفادي إقحام البلد في مزيد من التأزم.

ماذا طرح اللواء إبراهيم؟

إبراهيم قام بمبادرة رغبة منه في قطع الطريق على تصاعد منسوب التوتر السياسي، لكنه – وفق المصادر عينها – لم يتحرك من تلقاء نفسه، بحثاً عن دور له وإنما بادر إلى استكشاف الأجواء المحيطة بالتعيينات العسكرية والأمنية قبل أن يتوصل إلى بلورة مجــموعة من الأفكار جرى التداول فيها.

وعلمت “الحياة” أن إبراهيم بحث مع بري في مخارج عدة أبرزها رفع سن التقاعد للعسكريين الذي يحتاج إقراره إلى عقد جلسة تشريعية، سواء عبر فتح دورة استثنائية للبرلمان، أم بالتريث إلى حين بدء الدورة العادية في أول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول المقبل.

وحرص بري، كما تقول المصادر – على إعطاء إبراهيم الوقت الكافي للاستماع إلى هذا المخرج الذي طرحه عليه، وهنا اقترح احتمال فتح دورة استثنائية لا يعترض “تكتل التغيير” على فتحها للبحث في أمور عالقة أخرى.

موقف بري

وكان بري صريحاً في إجابته على ما طرحه إبراهيم وقال له “فليوقّع تكتل التغيير” على مرسوم فتح الدورة وبعدها لكل حادث حديث” من دون أن يغيب استحضار موقف قيادة الجيش من رفع سن التقاعد. ليس لأنه مكلف مالياً فحسب بل لأنه يؤدي إلى مزيد من التضخم في صفوف كبار الضباط وتحديداً ممن هم برتبة عميد لأن القيادة غير قادرة على استيعابهم وإنما يمكن أن يؤخذ به بعد سنوات ريثما تكون تمكنت من إعادة النظر في الهيكلية التنظيمية للمؤسسة العسكرية لتصبح قادرة على الإفادة منهم، لا سيما أن العماد قهوجي كان وراء إعطاء حوافز لكبار الضباط من أجل التقاعد المبكر للتخفيف من “التخمة” وبالتالي يترك القرار له فهل يوافق على ما كان سعى من أجل التخفيف منه.

وتبين أيضاً من خلال المشاورات أن عون يدفع في اتجاه رفع سن التقاعد باعتباره المخرج القانوني الوحيد لبقاء العميد روكز في الخدمة العسكرية على أن يقر القانون في هذا الخصوص من خلال فتح دورة استثنائية للبرلمان لأن تأخيره إلى حين بدء العقد العادي لن يستفيد منه روكز الذي يحال على التقاعد في 15 تشرين الأول المقبل لبلوغه السن القانونية.

كما جرى البحث – وفق المصادر – في بدائل أخرى في حال تعذر فتح دورة استثنائية للبرلمان ومنها تأجيل تسريح الضباط برتبة عميد يعني ان هذا الاقتراح هو الوجه الآخر لرفع سن التقاعد على أن يقتصر على العمداء في الجيش، اضافة الى طرح فكرة أخرى تقوم على اعادة النظر في ملاك الضباط ممن هم في رتبة لواء بما يسمح توسيعه ليشمل ترقية عدد من الضباط من بينهم العميد روكز الذي يمدد له سنة تلقائياً لأن من يحمل هذه الرتبة يتقاعد بعد بلوغه سن الـ 59 عاماً.

وطرح من أجل تسويق مثل هذا الاقتراح أن تأتي ترقية عمداء الى رتبة لواء متوازنة طائفياً وأن تكون محصورة بمن يشغلون مناصب مميزة في الجيش وسبق لهم وحققوا انجازات أمنية وعسكرية، علماً أن مثل هذا الاقتراح يستدعي اعادة النظر بتركيبة المجلس العسكري الذي يرأسه العماد قهوجي علماً أن لا ضابط مارونياً في الجيش منذ عام 1992 يحمل رتبة لواء.

لذلك، يمكن فهم الأسباب التي أملت على عون التريث الى اليوم “ليبق البحصة” من دون أن يبادر أحد من “تكتل التغيير” الى الانخراط في حملة سياسية منظمة ضد تأجيل تسريح الضباط الثلاثة، ما عدا بعض المواقف التي يراد منها تسجيل موقف من دون أن تؤثر في سير المشاورات.

على ماذا راهن عون؟

وفي هذا السياق تعزو مصادر نيابية ووزارية تأخر عون في كشف موقفه الى اليوم الى انه كان يراهن على انضاج تسوية تبين له لاحقاً أن هناك صعوبة في الوصول اليها، مع ان وفد “حزب الله” في الجلسة الحوارية الأخيرة مع “المستقبل”، في حضور المعاون السياسي لرئيس البرلمان وزير المال علي حسن خليل، كان طرح مسألة رفع سن التقاعد للعسكريين لكنها لقيت اعتراضاً من شريكه في الحوار لأسباب ادارية ومالية نظراً الى ما يترتب عليها من أعباء اضافية على خزينة الدولة وأيضاً تنظيمية ستؤدي حتماً الى “تخمة” في الضباط برتبة عميد في وقت يعمل قائد الجيش لمعالجتها.

ولم يلق الاقتراح الذي رفضه “المستقبل” دفاعاً “مستميتاً” من “حزب الله”، وكأن الأخير حرص على القيام بواجبه حيال حليفه الإستراتيجي عون من دون أن يظهر انه يعد العدة للوقوف الى جانبه بلا تحفظ برد فعله إذا ما دعا جمهوره للنزول الى الشارع احتجاجاً على قرار نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الوطني سمير مقبل تأجيل تسريح قهوجي وسلمان وخير فيما مصير العميد روكز لا يزال يتأرجح بين أخذ ورد، على رغم تقدير الجميع لقدراته العسكرية ومناقبيته وتحميل بعضهم عون مسؤولية “حشره” عندما بادر الى طرحه كمرشح لقيادة الجيش خلفاً لقهوجي.

كما إن عون أخطأ، ليس بطرح روكز لخلافة قهوجي، وإنما لأن صاحب هذا الطرح يتموضع في الموقع السياسي إلى جانب “حزب الله” الذي لن يشاركه في التصعيد وقد يكتفي بمواقف من باب رفع العتب لدعم حملاته السياسية والإعلامية من دون الانخراط في لعبة الشارع.

موقف جنبلاط

أما في خصوص موقف رئيس “اللقاء النيابي الديموقرطي” وليد جنبلاط حيال البحث عن مخارج قبل إحالة روكز على التقاعد، فقالت مصادره لـ “الحياة” أن وزيري اللقاء وائل أبو فاعور وأكرم شهيب نأيا بنفسيهما عن الانخراط في هذه المشاورات بعد أن كان سبق لجنبلاط أن سحب مبادرته من التداول التي يعمل “التيار الوطني” من أجل إعادة الاعتبار إليها، وأكدت أن ما يهمه عدم حصول فراغ في المؤسسة العسكرية فكيف إذا كان يطاول المواقع الأساسية فيها. وبالتالي لم يكن الوزيران طرفاً في البحث عن تسوية ومن يعود إلى محضر الجلسة الأخيرة للحكومة يلاحظ أنهما تجنبا التدخل في السجال الذي حصل.

ومع أن “اللقاء الديموقراطي” انطلق في موقفه من منع حصول فراغ في المؤسسة العسكرية، فإن تيار “المردة” بزعامة النائب سليمان فرنجية قال كلمته منذ اللحظة الأولى بأنه مع التمديد لقهوجي منعاً للفراغ في حال تعذّر تعيين قائد جيش جديد.

فهل يحمل عون تبعات رد فعل جمهوره في الشارع بعد أن كان طرفاً في “البازار” بحثاً عن مخرج يشمل روكز؟ ومن سيقف معه ميدانياً من حلفائه وكيف سيقدم موقفه إلى محازبيه؟ وهنا لا يمكن عزل الزيارة المفاجئة التي قام بها كنعان إلى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب في حضور رئيس جهاز التواصل والإعلام فيها، ملحم رياشي، عن التداول في طبيعة رد فعل “التيار الوطني”.

وتردد أن زيارة كنعان كانت مقررة قبل تعذّر إنضاج التسوية السياسية ورغب من خلالها في الوقوف على رأيه في احتمال فتح دورة استثنائية للبرلمان لأن “تكتل التغيير” أوحى مع بدء البحث عن مخرج أنه لا يعترض على فتحها، لكنه يترك القرار النهائي إلى ما بعد التشاور مع جعجع شريكه في “إعلان النيات”.

لذلك، فإن ابتداع بعض الأفكار بحثاً عن مخرج لاسترضاء عون بدأ يواجه صعوبة فيما لبنان يقترب من الدخول في مرحلة “كباش” سياسي جديد مع وجود شعور لدى قيادات “14 آذار” وقوى سياسية فاعلة خارج الاصطفاف السياسي بين “8 آذار” و “14 آذار” بأن ما يهم إيران بعد توقيعها على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، التركيز على الساحة اللبنانية لانتزاع المزيد من الأوراق التي تجعلها الدولة القادرة على خلافة الدور الذي كان يقوم به النظام السوري في لبنان وهذا ما يدفع القوى المحلية المناوئة لها إلى عدم تقديم تنازلات.