IMLebanon

وزير العمل يقرّ الرشوة في وزارته

LaborMinistry1
إلهام برجس

ألف باء الوظيفة العامة، وموجبات الموظف هي أن “ينجز معاملات أصحاب المصالح بسرعة ودقة وإخلاص ضمن حدود إختصاصه” (المادة 14 نظام الموظفين – فقرة 4)، وعليه خلال تأديته لوظيفته أن يلتزم بمبدأ المساواة بين المواطنين، التزاماً منه بالدستور. ذلك أن المواطنين في “جمهورية لبنان الديمقراطية” يفترض ان يتمتعوا بـ”المساواة في الحقوق والواجبات” (مقدمة الدستور- بند “ج”) .
ويحظر على الموظف، وفقاً للمادة 15 من نظام الموظفين- فقرة 7، أن “يلتمس أو يقبل توصية ما، أو أن يلتمس أو يقبل مباشرةً أو بالواسطة، بسبب الوظيفة التي يشغلها، هدايا أو إكراميات أو منحاً من أي نوع كانت”. بتعبير آخر، يحظر على الموظف أن يتقاضى أي رشوة. والرشوة وفقاً لقانون العقوبات، المادة 351، هي قبول “كل موظف وكل شخص ندب الى الخدمة العامة سواء بالإنتخاب أو بالتعيين، وكل امرىء كلف بمهمة رسمية… لنفسه أو لغيره هدية أو وعدا أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته”. ويعاقب القانون نفسه كل من عرض هدية أو منفعة على موظف على سبيل أجر غير واجب ليعمل أو لا يعمل عملاً من أعمال وظيفته أو ليؤخر تنفيذه (المادة 355). والحال أن المشرع في المادة الأخيرة ساوى بين حالتي قيام الموظف بواجباته، والذي يتأخر بها. وذلك إنطلاقاً من أن السرعة في إتمام المعاملات هي جزء لا يتجزأ من واجبات الموظف.
إذن، ألف باء الوظيفة العامة تغيب غياباً تاماً عن القرار رقم 101/1 الصادر عن وزير العمل سجعان قزي والرامي الى إنشاء صندوق خاص لموظفي العمل، والذي يمول من “مساهمات المواطنين إختيارياً، الذين يريدون إنجاز معاملاتهم بأقصى سرعة دون إنتظار المهل المتبعة لسير المعاملات الإدارية”. ولإنشاء هذا الصندوق أسبابه الموجبة وفقاً للقرار، والتي تبدأ بـ”مطالبة بعض المواطنين انجاز معاملاتهم بأقصى سرعة دون إنتظار المهل المحددة لكل معاملة”. تبريرالقرار هو أنه يخدم المصلحة العامة وحسن سير المعاملة، ولكن كيف؟ من خلال توقف المواطنين عن “اللجوء الى السماسرة وتحقيق الربح على حساب الموظفين”. والى هذا الحد يبدو أن قزي وجد نفسه في موقف صعب ربما، بين أرباح السماسرة وأرباح الموظفين، وللموظفين بالطبع الأولوية. اليس الأجدى بالوزير أن يتخذ الإجراءات اللازمة لوقف بدعة السماسرة في وزارته، ومعاقبتهم. وما هو حساب الموظفين من الأرباح، ليحصل السماسرة على جزء منها؟. القرار واضح بالنسبة للجهة التي تذهب اليها الأموال الإضافية: الموظفين. فتوزع “المساهمات وفق نظام الحصص وقد حدد أقصاها ب 1200 حصة”. ويتم التوزيع وفقاً للمادة السادسة من القرار بين المدير العام (8 حصص)، رئيس مصلحة (7 حصص)، فئة ثالثة (6 حصص لكل موظف)، موظفي فئة رابعة (5 حصص لكل موظف)، وفئة خامسة (4 حصص لكل موظف). كما يحدد القرار في المادة الخامسة منه قيمة المساهمة المالية، وهي 50 ألف ليرة عن كل معاملة من المعاملات المذكورة في المادة. وبكل الأحوال، لا بد من الثناء على اعتراف الوزير في القرار الرسمي، بوجود سماسرة في وزارته.
وفقاً للقرار، يدفع المواطن مبلغ وقدره 50 ألف ليرة، ليتم إنهاء معاملته بسرعة فائقة، من دون إلتزام المهل المحددة لكل معاملة. ويؤدي دفع المبلغ بالتالي الى تقديم معاملة المقتدر على دفعه على معاملة من لا يملك المبلغ أو يمتنع عن دفعه. بمعنى آخر، يؤدي عدم دفع المبلغ المالي المذكور الى تأخير المعاملة، مقابل تسريعها بالنسبة لمن يقوم بالدفع. يضاف الى الخرق الفاضح للمساواة بين المواطنين في هذا القرار، ما يؤدي اليه من تنظيم للرشوة. فتعريف جرم الرشوة ينطبق بشكل واضح وصريح على مضمون القرار. ذلك أن صاحب المعاملة، يدفع أموالاً للموظفين عبر الصندوق وذلك بدلاً عن قيامه بواجبات وظيفته، أي الإنجاز السريع للمعاملة. ويكون بالتالي الوزير قزي قد نظم تلقي الموظفين للرشاوى، وحفظ حق الجميع بتلقي الرشوة، حرصاً على أن تستفيد كل الوزارة من كل رشوة تدفع.
وبغض النظر عن التوصيف القانون لـ” القبض” الذي يحاول أن ينظمه القرار، فهو بكل الأحوال غير قانوني، ذلك أن المادة 26 من نظام الموظفين تحدد شروط صرف مكافأة للموظف “الذي يقوم بعمل يستدعي التقدير”. واللافت أن القرار لم يعتبر هذه المبالغ مكافآت، ومع العلم أن السرعة في إنهاء العمل أمر لا يستدعي التقدير كونه من ضمن واجبات الموظف العادية. يبقى أن المادة نفسها تنص على أن المكافئة تحدد “بقرار من الوزير المختص من ضمن الإعتمادات المرصودة لهذه الغاية في بنود الموازنة…”. فكيف تصرف أموال للموظفين من خارج الموازنة من مساهمات المواطنين أصحاب المعاملات. بالنتيجة، إن أي محاولة لنزع توصيف “الرشوة” عن القرار، تبوء بالفشل أمام فداحة القرار.