IMLebanon

نفايات بيروت الى عكار ولا مبالاة في المتن وكسروان!

waste-4

تناولت صحيفة الأخبار قضية النفايات في بيروت وكسروان والمتن الشمالي، فكتبت ميسم رزق: روايتان مختلفتان حول توصّل تيار المستقبل ونواب عكار وفعالياتها إلى تسوية تقضي “باستقبال عكار نفايات بيروت وضواحيها مقابل تنفيذ مشاريع إنمائية في المنطقة”. لكن الثابت الوحيد بينهما أن “المستقبل” خطّط وقرر أن تكون هذه المحافظة المنسيّة هي الوجهة الوحيدة لرفع ثقل النفايات عن كاهله.

شقّت أزمة النفايات التي أغرقت شوارع العاصمة، “العمق السياسي والاستراتيجي” للمستقبليين، تيار المستقبل الى تيارات: بيروتي وعكاري وإقليمي (نسبة الى إقليم الخروب). تراشقَ نوابه بالاتهامات، وكادوا يتقاذفون أكياس النفايات! لكن المستقبل يبدو مقتنعاً بأن “القلّة” وحدها تولّد “النقار”، ومتى حضرت الوعود بالمال بطُل الخصام.

على هذا الأساس، تحضر عكار، كما كانت تحضر في المناسبات الانتخابية، وتُغدق عليها الوعود مجدداً بالمنّ والسلوى مقابل تحويلها مكبّاً لنفايات العاصمة وإخراج التيار من مأزقه. أما تنفيذ الوعود فأمر آخر.

في خضمّ معمعة تأجيل التسريح للضباط العسكريين وتداعياتها، كان في التيار من يبحث، بصمت وسرّية تامّة، عن حلّ يبيعه للرئيس سعد الحريري، ويتم من خلاله استيعاب ارتدادات الأزمة على التيار ونوابه من الإقليم إلى بيروت. فقد علمت “الأخبار” أن وزير الداخلية نهاد المشنوق أجرى، في الأسبوعين الماضيين، اتصالات ولقاءات مكثفة مع فعاليات عكارية كادت تصل إلى خاتمة “مرضية”، تقوم على “إنشاء عدّة مطامر في المنطقة لاستيعاب نفايات بيروت”، على أن يتمّ ذلك “بالتزامن مع تنفيذ مشاريع إنمائية في المنطقة”. وبحسب مصادر “مستقبلية”، سيُعلن في الأيام المقبلة عن التوصّل إلى هذا الاتفاق “بمسعى من الحريري ومباركة من رئيس الحكومة تمّام سلام”.

في تموز الماضي، وبعد لقاء جمعه بنائبي عكّار معين المرعبي وهادي حبيش للبحث في إعلان رئيس بلدية بيروت بلال حمد عن مشروع عقد لرمي النفايات في منطقة عكار، أكّد المشنوق أن “هذه المسألة لا يُمكن أن تحصل، وعلى أبناء عكار أن يعرفوا أنه لن يكون هناك أي ضرر أو فرض أمر واقع عليهم”. رُغم ذلك، بقيت عكار نصب عيني المشنوق. استفاد من “الجلبة” التي خلفها قرار تأجيل التسريح للضباط العسكريين وتحرك العونيين في الشارع وارتباك الحكومة. بصمت تام “شغّل” دبلوماسيته، وتوصل إلى تسوية مع فعاليات المنطقة تقوم على “إنشاء عدّة مطامر مقابل الإنماء في المحافظة”. وفي الرواية أن “وزير الداخلية أقنع بداية رؤساء عدد من اتحادات بلديات عكار (الشفت، جرد القيطع، وسط وسهل القيطع، الجومة، سهل عكار، الدريب الغربي، الدريب الأوسط، نهر الأسطوان) بالطرح”.

احتاج هذا الإقناع إلى “الكثير من الوعود التي قطعها المشنوق، ومنها إنشاء مجلس إنماء للمنطقة، وتأمين فرص عمل لشبابها”. ولأن وزير الداخلية يعلم أن الاتفاق مع رؤساء الاتحادات ليس الممر الوحيد لتنفيذ اقتراحه، وبأن “صوفته حمراء” لدى بعض نواب عكار، كانت مهمّة إقناع هؤلاء هي مهمته الثانية. ولتحقيق هذه الغاية، قرّر “استرداد دين له في رقاب مستقبليين”، منهم العقيد المتقاعد عميد حمود الذي تولّى إقناع النائب معين المرعبي، فيما “موافقة النائب خالد ضاهر في الجيب، عبر الضغط الذي سيمارسه عليه رؤساء اتحادات البلديات لاعتبارات سياسية وشعبية”.

لكن لمصادر اتحادات البلديات رواية أخرى، تؤكّد فيها على “وحدة الموقف في ما بينها”، وتجزم بأن “الاتفاق لم يصل إلى خواتيمه المرجوة”. وتسرد المصادر بعض تفاصيل اللقاء الذي جمع المشنوق برؤساء الاتحادات الذين عبّروا عن “استيائهم من سياسة الحريري الذي لم يوزّر أحداً من أبناء المنطقة في كل الحكومات التي ترأسها”، إضافة الى أن “نوابنا لا يُعبّرون عن رأي قاعدتهم الشعبية، بل ينفّذون أوامر الرئيس الحريري العليا”. وعن فكرة المطامر، قالت المصادر إنها “تعود إلى وجود مطمر في قرية سرار العكارية منذ عام 1992، يستقبل يومياً 400 طن”، وتعود ملكية أرض المطمر التي تبلغ مساحتها 4 ملايين متر مربّع إلى شخص يدعى خلدون ياسين. وبعد إرسال فريق متخصص من البنك الدولي لإجراء دراسة على الأرض، تبّين أنه يمكنها استيعاب كمية أكبر من تلك التي تُطمر فيها”. حينها “اتصل النائب هادي حبيش بفعاليات من المنطقة للاستفسار عن إمكانية دمج نفايات عكار وبيروت في المطمر نفسه”. بعد ذلك، حصل لقاء مع المشنوق “وتمّ الاتفاق على توزيع مبالغ مالية على البلديات والقرى التي لا بلديات فيها. ومن ضمن بنود الاتفاق دفع 50 دولاراً مقابل كل طن نفايات، على أن يصل إلى المطمر يومياً بين 1500 و2500 طن من نفايات بيروت وضواحيها، شرط أن يتمّ دفع المبالغ سلفاً، لإقامة مشاريع إنمائية تنفّذها اتحادات البلديات، بمراقبة وزارة الداخلية”. وقالت المصادر إن “بوادر هذا الاتفاق ولّدت إشكالات بين النواب العكاريين؛ فمنهم من أيّد ومنهم من عارض، فجمّد الاتفاق”.

وتحدثّت المصادر عن “اجتماع ثان مع وزير الداخلية تعهّد فيه بدفع 100 مليون دولار لضمان سلوك الإتفاق”، لكن “فعاليات المنطقة رفضوا دخول كيس نفايات قبل البدء بالمشاريع”، لسبب واحد أنهم “لا يفون بوعودهم”. ومن بين العوائق التي تقف سدّاً في طريق التنفيذ هي عدم دعوة أي من فعاليات الطائفة العلوية، حيث إن القرى التي ستمرّ فيها الشاحنات موجودة على الطريق البحري حيث الثقل العلوي. وتعليقاً على حضور النائب خضر حبيب الاجتماع، قالت المصادر “هو لا يمون في تياره، فهل يمون على القرى العلوية التي لا يجرؤ حتى على زيارتها؟”.

بين الروايتين، تبقى ثابتة واحدة، وهي أن الوجهة الوحيدة التي اختارها تيار المستقبل لرفع “النفايات” عنه هي منطقة عكّار. يُمكن المرعبي أن يخرج بتصريح “تمويهي” يرفض خلاله أن “تكون عكار مكبّاً ومطمراً للنفايات”. كذلك يُمكن خالد ضاهر أن يرفع صوته ضد زيارة “نهاد صفا”. لكن هذا ليس أكثر من كلام “شعبوي”، إذ إن المؤشرات على سلوك اقتراح وزير الداخلية طريق التنفيذ تبقى أكبر من هذه التصريحات. فيومان شماليان طويلان قضاهما وزير الداخلية في عكار، حضر خلالهما مهرجان القبيات ولقاءً موسعاً في منزل المرعبي في بلدة البرج، يحملان في طياتهما الكثير من المعاني، ليس أقلها “القبول بما ينوي المشنوق فعله”. وتأكيد الأخير أنه طرح “في مجلس الوزراء فكرة إنشاء مجلس لعكار، ولن أتوقف عن المحاولة في كل جلسة”، يبدو جزءاً من الاتفاق الذي لم يُعلن عنه بعد.

وعن ازمة النفايات في كسروان، كتبت ليا القزي: اكتفى اتحاد بلديات كسروان بعقد جلسة عمومية وحيدة لبحث أزمة النفايات، وتأليف لجنة لم تعقد أي اجتماع. لا يبدو الاتحاد جديا في محاولة ايجاد الحلول. ويبدو غير مبال بأي مبادرات فردية تُقدم

قبل عام 1994، تاريخ توقيع شركة “سوكلين” لعقدها مع مجلس الانماء والاعمار، كان لبلدية جونية 12 شاحنة لنقل النفايات. عملت سنوات طويلة في جمع نفايات أبناء “العاصية” ورميها في مكب برج حمود. لم تصمد المنطقة طويلا أمام السعي إلى تلزيم جمع النفايات لـ”سوكلين”، وكان رئيس اتحاد بلديات كسروان الحالي نهاد نوفل أحد رؤساء الحربة في ذلك.

جونية وسائر قرى القضاء، ليست اليوم بمنأى عن أزمة النفايات التي لامست مُعظم المناطق اللبنانية. المشهد هو نفسه يتكرر ساحلا، وسطا وجردا. لم يكن ينقص أهالي القضاء ما يُعانونه من مشاكل يومية، حتى أتتهم أزمة “الزبالة” التي لا يبدو أن لها حلولا تلوح في الأفق. لم ينتفض الكسروانيون كما فعل أهالي اقليم الخروب، مثلاً. اتحاد البلديات تنصل من مسؤولياته. أصدر أخيراً مُذكرة تفيد بأن “كل واحد يدبرّ حالو”. أما رؤساء البلديات، فسحبوا أيديهم من الموضوع على قاعدة أن أحدا لا يقبل أن تُنقل نفايات بلدة أخرى الى أرضه. مُقابل ذلك، قُدمت مبادرات فردية من شأنها أن تُمثّل حلاّ لهذه المأساة التي تخنق السكان، الا أن أياً من المسؤولين لم يتحمس لها “لأن همهم البحث عن مصالحهم لا عن حلّ للأزمة”، كما يقول مصدر مُتابع للملف.

وفي التفاصيل أن شركة “سيدار انترناشينول” لصاحبها المُهندس زياد أبي شاكر “الذي يعمل في الجنوب منذ عام 1999 من خلال انشاء محطات لفرز النفايات”، عرض القيام بأمر مُشابه في كسروان “مُقابل مردود ماديّ للبلدية التي تقبل استقبال المشروع في أرضها”. المشروع يقوم على انشاء معمل ثابت بامكانه معالجة حتى حدود الـ100 طن من النفايات. في المصنع تُفرز النفايات ومن بعدها تُدخل الى براميل التخمير. النفايات غير العضوية توضع بعد فرزها في معامل مُخصصة لها. أما النفايات العضوية، فتتحول الى سماد “أثبتت مخابر الجامعة الأميركية في بيروت مطابقتها لمعايير الزراعة العضوية”. بيد أن أبي شاكر اصطدم بـ”اتحاد البلديات الذي لم يتحمس للمشروع ولم يولِه أي أهمية”، اضافة الى أن البلديات “تخوفت من ردّ فعل الأهالي الذين يعيشون هاجس نقل النفايات الى أرضهم، علما أن التجارب في الجنوب تؤكد أن لا ضرر من ذلك”. الحلّ الذي يُقدمه أبي شاكر يُعد الأسرع “اذ بالامكان بدء العمل به بعد شهرين من توقيع العقود”. القصة ليست مُعقدة، ولكن الناس لا يصدقون عدم وجود خطر ناتج من المشروع”. أبي شاكر لم يكتفي بذلك، “بل جال أيضاً على رؤساء البلديات الكسروانية، طارحاً عليهم حلولا مؤقتة تحاول الحدّ من انعكاسات الأزمة. البعض تجاوب والبعض لم يفعل، القصة بحاجة أيضا الى وعي وثقافة”.

أمام تعنت اتحاد البلديات والسلطات المحليّة، “بقيت كسروان أمام حلينّ. الأول هو أن تبقى سوكلين تجمع النفايات لكون عقدها لا يزال ساري المفعول. والحل الثاني هو الطرح الذي تقدم به الصناعي نعمة افرام “الذي يرمي الى تحول النفايات إلى وقود لإنتاج الكهرباء”.

يقول أحد رؤساء البلديات، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن حل افرام “ لا يبدو أنه سيُطبق لأنه بحاجة الى أشهر قبل بدء العمل به”.

المُشكلة في كسروان أن رؤساء البلديات يُمارسون لعبة “الكرّ والفرّ”. يُقدّمون الحلول ثم لا يلبثون أن يتراجعوا عنها، اما بسبب ضغوط شعبية أو سياسية كما حصل في بلدية المعيصرة مع رئيسها زهير نزيه. فبحسب المصادر، “منذ ستة أشهر، طرح نزيه تقديم ارض في نطاق بلدته الا أنه تراجع بعد ضغوط من رئيس مجلس النواب نبيه بري”. رئيس بلدية يحشوش كارل زوين اعترض “على اقامة مكب على مقربة من نهر ابراهيم الملوث أصلا”. أما رئيس بلدية رعشين جرجورة عقيقي، فقد “تطوع خلال الاجتماع العمومي الذي عقده اتحاد البلديات”، مؤكدا أن بلديته “تملك أرضا كبيرة ولن ينزعج أحد اذا ما استُعملت مكباً للنفايات. فوجئنا بعد فترة حين أنكر ما تفوه به”. في جرود كسروان كان الاعتراض على أن نقل النفايات الى مشاعها سيتسبب في تلويث المياه الجوفية. يقول رئيس البلدية أن “الاغراءات المادية وصلت الى حدّ الـ180 ألف دولار رغم ذلك لم تقبل أي بلدية نقل النفايات اليها”.

منذ يومين، برزت مبادرة أخرى بدأ التداول بها وتقوم على أساس توفير معمل فرز متحرك يتنقل بين القرى الكسروانية دون تحديد ماذا سيحصل ببقايا النفايات.

نفْضُ رؤساء المجالس البلدية أيديهم من مُشكلة هم جزء منها، يبدو هينا مقارنة بلامبالاة النواب فريد الخازن ونعمة الله أبي نصر وجيلبرت زوين ويوسف الخليل، وخصومهم النواب السابقين.

اما عن نفايات المتن الشمالي، فكتبت رلى إبراهيم: كشفت أزمة سوكلين “ستر” بلديات المتن الشمالي وفرزتها ضمن نموذجين: يضم الأول رؤساء بلديات نشطين ومبادرين، فيما يضم الثاني مجموعة “ريّاس” خمولين يشكلون امتداداً لاهتراء مؤسسات الدولة. أما النواب فيكتفي بعضهم بالصراخ، فيما يصمت البعض الآخر ويهرب عندما يحتاج إليه الناخبون

حين تغيب الدولة، يكبر هامش البلديات في إبراز أهمية دورها الإنمائي والخدماتي. وفي أزمة النفايات، يبدو التحدي مضاعفاً بالنسبة إلى البلديات بسبب معاناتها أصلاً من سطوة الدولة ممثلة بشركة سوكلين على جزء من أموالها. لذلك، استغلت بعض بلديات المتن الشمالي الظرف الراهن لتبدأ على عجل فرز نفاياتها بنفسها وبتكاليف مخفضة كثيراً مقارنة بما كانت تجبر على دفعه لسوكلين.

ففي رومية مثلاً، استطاع رئيس البلدية لويس أبو حبيب معالجة نفايات بلدته بربع هذه الكلفة: “كانت سوكلين تتقاضى نحو 350 ألف دولار سنوياً، في حين سأتمكن وفق دراساتنا من تأمين حلّ لا تتعدى كلفته ثمانين ألف دولار”! الخطوة الأولى كانت بإزالة مستوعبات سوكلين من الشوارع وحثّ الناس على تقسيم النفايات عضوية وغير عضوية، يقول أبو حبيب لـ”الأخبار”، على أن يعاقب ببطاقة حمراء كل من لا يلتزم بالأمر، وصولاً الى الامتناع عن جمع نفاياته. أما الخطوة الثانية فتمثلت بنقل النفايات العضوية الى “أرض في الهواء الطلق ومعالجتها عبر تقنية “التسبيخ”، أي تحويلها الى مواد لتحسين التربة”. تستفيد رومية من خبرات إحدى المؤسسات البيئية لإنجاح مشروعها، علماً بأنه يتم بيع النفايات غير العضوية الى التجار المهتمين بشرائها.

نجاح تجربة رومية شجع بلدية بعبدات على اللحاق بها، فيما كان رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة قد بدأ منذ نحو سبعة أشهر عملية فرز النفايات في المنازل ثم بيعها وإعطاء مردودها لأصحابها. هو نفسه ابتكر أخيراً حلّاً لتصريف النفايات غير القابلة للفرز عبر تكديسها في قطعة أرض تبلغ مساحتها 10 آلاف متر مربع ومعالجتها بمعايير أوروبية. غير أن بعض “المجتمع المدني” وقف في وجه هذا الحلّ، فتعطّل مؤقتاً لعدم رغبة الشختورة في “افتعال المشكلات بين الأهالي”. وذلك رغم تأكيد المقربين منه أنه “سيبدأ بتطبيقه في القريب العاجل، بعد أن يأخذ موافقة وزارتي البيئة والصحة ويثبت مراعاته لكل الظروف الصحية، ما دام يتسلح بموافقة المجلس البلدي”.

على المقلب الآخر، تبرز الفضائح، حيث تكتفي بعض البلديات كالزلقا وبكفيا وقرنة شهوان بتشجيع سكانها عبر بعض البيانات على فرز النفايات، من دون أن تجد حلّاً للنفايات غير العضوية. بلدية الزلقا تعمد الى رمي النفايات في عقار بحري قرب معمل للسكر، بينما لم يُعرف كيفية معالجة بلديتي بكفيا والقرنة لهذه النفايات. وفيما تعتبر عملية الفرز بمثابة إنجاز كبير وخطوة على سكة “عصرنة” النفايات والحفاظ على البيئة، تصرّ بعض البلديات على معالجة أوساخها بالطرق التقليدية التي تعيد مشاهد الحرب الأهلية الى الأذهان. وما على الراغب في التفرّج على إبداعات “الريّاس” سوى التوجه الى جبل المونتيفردي في بيت مري حيث تفترش النفايات المساحات الخضراء الجميلة، أو الى ضبيه التي غرقت في الضباب يوم الخميس الماضي، ليس لأنها لندن بالطبع، بل لأن نفاياتها كانت تُحرق على كورنيش المارينا البحري. فعوض أن يكون هذا الكورنيش متنفّساً لأهالي المنطقة، بات فسحة خاصة للتلوث تسرح فيها زفاتة أحد المقاولين وكسارته التي تحول جزءاً منها إلى مكبّ لنفايات ضبيه الى جانب المكب الآخر المستحدث في أحد عقارات البلدية البحرية حيث كان يفترض أن تنشأ حديقة للأطفال. وقد انتقلت عدوى رمي النفايات قرب البحر تمهيداً لردمه أكثر ربما إلى إنطلياس أيضاً، التي وجدت في الجزء الآخر من البلدة أرضاً مجاورة لنبع مياه الفوار تكدّس عليها نفاياتها وتحرقها. أما بصاليم، فكاد يفرط عقد مجلسها البلدي جرّاء محاولتها رمي النفايات بين المنازل، ثم في مطمر قريب من البيوت السكينة. وقد بدأ في المتن الشمالي الحديث عن مافيا “زبالة” تستغل ضيق حال البلديات لتفرض عليها أسعاراً مرتفعة لشراء النفايات: في جلّ الديب مثلاً، وصل سعر نقلة الكميون الواحد الى 700$.

في الخنشارة يتم نقل النفايات الى معمل زحلة مقابل 200$ للطن، علماً بأن أحد المقاولين عرض إبرام عقود مع مختلف بلديات ساحل المتن الشمالي بسعر 65$ للطن الواحد من دون أن تتمكن البلدات من الاتفاق معه لعدم معرفتها مصير عقود سوكلين والمناقصات الجارية حالياً. لذلك، اتخذت بلدية جل الديب قراراً يقضي بتكديس أكياس القمامة على قطعة أرض تملكها بالقرب من البحر مع ضمانها إقامة عازل بين الأوساخ والبحر. غير أن درك الشواطئ أوقف العملية، طالباً منها أخذ موافقة محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل الذي رمى الكرة في ملعب وزير الأشغال العامة والنقل. وهكذا تعطل “الحل” وبقيت النفايات راقدة في مكانها وتتمدد. نواب المتن الشمالي لا يرون في ما يحصل سبباً كافياً للتدخل والمساهمة في إرساء الحلول، ومن كان يُعرّف عن نفسه كممثل المجتمع المدني في المجلس النيابي غائب عن السمع والبصر كلياً، فيما يمثل نائب آخر نموذجاً مصغراً عن رجالات الدولة اللبنانية: تتكدّس النفايات أمام منزله، فيهاتف رئيس البلدية كي يتخلص من البراميل الخضراء ليتمكن من شرب القهوة على بلكونه في الهواء الطلق مجدداً.