IMLebanon

اتساع الصراع على إدارة أصول المؤسسة الليبية للاستثمار

Libyan-Investment-Authority-LIA2
قال حسن بوهادي رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار، التي شكلتها الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، إن هناك جهات تسعى لتقويض عمل المؤسسة، التي تسعى جاهدة لتطبيق معايير المساءلة والشفافية، في إشارة إلى المؤسسة المنافسة التي مقرها طرابلس.
وأضاف أنه اجتمع مؤخرا بممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمناقشة سبل تمكين مؤسسته من إدارة أصولها “بذكاء” في ظل بقائها قيد التجميد منذ عام 2011. وطالب بالسماح للمؤسسة بالإدارة الفاعلة والبناءة لتلك الأصول.

وهناك اليوم مؤسستان تحملان الاسم نفسه، حيث يوجد مقر المؤسسة الأخرى في العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها حكومة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وهي تؤكد أنها لا تزال تحافظ على استقلاليتها في الصراع السياسي بين الحكومتين المتنازعتين في طرابلس وشرق ليبيا.

وأكد بوهادي أن مؤسسته عازمة على عدم القيام بأي عمليات لنزع حقوق الملكية لأي من الأصول الحالية والجديدة أو حيازتها، وأنها تسعى لكسب تأييد المجتمع الدولي لدعم مثل هذه الإجراءات في الوقت الراهن.

وتتفق هذه التصريحات مع آراء المؤسسة المنافسة في طرابلس، التي أكد رئيسها عبدالمجيد بريش في تصريحات لـ”العرب” الشهر الماضي ضرورة استمرار تجميد الأصول الليبية، لأنه أفضل الخيارات، لحين قيام حكومة مركزية موحدة، من أجل عدم ضياع تلك الأموال.

واتهم الجهات التي تحاول السيطرة على أصول المؤسسة، بأنها إما تريد استغلال تلك الأموال التابعة للشعب الليبي، أو أنها لا تفهم قواعد إدارة أموال الصناديق السيادية، في إشارة إلى المؤسسة المنافسة.

وقال بوهادي إنه يسعى للحصول على ما يعرف بـ”التجميد الذكي”، والذي يتيح للمؤسسة إدارة استثماراتها بحيث يتسنى لها حماية ورفع قيمة أصولها، مع الإبقاء على النطاق الأولي للاستثمار محاطا بسياج عقوبات الأمم المتحدة.

وأكد أنه لم يطرأ أي تغيير يذكر على الأوضاع الاستثمارية للمؤسسة الليبية للاستثمار. وأضاف أن الخطة الاستراتيجية تتمثل في اتباع نهج الاحتواء لعقوبة التجميد ريثما يتم تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في ليبيا، مع ضمان الحصول على التراخيص المناسبة لإدارة كل جانب من جوانب الاستثمار بطريقة عملية وبناءة لضمان تحقيق أفضل العوائد.

خطورة المنافسة

وكان بريش قد أكد لـ”العرب” أن محاولات المؤسسة التي يقودها بوهادي لانتزاع إدارة أصول الصندوق السيادي كبدت المؤسسة الكثير من الجهد والوقت والمال.

وأوضح أن محاولاتها في بريطانيا لانتزاع التمثيل الشرعي لم تسفر عن شيء، بعد تبديد الكثير من الأموال والجهود. وأكد أن السلطات البريطانية قالت في النهاية إنها تعترف بالبرلمان والحكومة الشرعية، لكنها لا تعترف بالمؤسسات المنبثقة عنهما، لمنافسة المؤسسات السيادية في طرابلس.

وأكد بريش أن المؤسسة الليبية للاستثمار وكذلك البنك المركزي والمؤسسة الليبية للنفط، لا تزال مستقلة ولا تخضع للحكومة المنبثقة عن المؤتمر العام في طرابلس.

وحذر من أن الظروف الحالية غير مناسبة للبدء برفع التجميد عن أصول صندوق الثروة السيادي، معلنا معارضته لخطط الإدارة المنافسة. وقال إن أي رفع للتجميد قد يعرض الأموال للخطر بسبب صراعات الأطراف السياسية على أموال الشعب الليبي.

وأضاف أن أي تصرف في أموال صندوق الثروة السيادي سيكون “شيئا خطيرا جدا إذا حدث قبل تحقيق الاستقرار على الأرض وقيام حكومة مركزية توحد البلاد.

ويجري رئيسا المؤسستين لقاءات مع محامين وصحفيين ومصرفيين في بريطانيا لإيصال رسالة تؤكد ضرورة عدم العبث بالحسابات المجمدة، لكنهما يحاولان تأكيد شرعيتهما في إدارة الأصول السيادية.

حجم الأصول السيادية

يتفق الطرفان المتنافسان على أن حجم أصول المؤسسة يقدر بنحو 67 مليار دولار، وأن نحو 90 بالمئة منها تقريبا موجودة في الأسواق العالمية المتقدمة وخاصة أوروبا وتدار من قبل إدارات مهنية.

تشير التقديرات إلى أن أصول المؤسسة موزعة في نحو 550 شركة حول العالم، وأن نحو 85 بالمئة منها مجمدة بموجب قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن النسبة المتبقية هي أموال دخلت بعد قرار التجميد في سبتمبر 2011.

ويستند ذلك التقييم إلى معلومات مصدقة من المؤسسات المالية الحكومية والدولية، بعد إنجاز دراسة فنية ومالية خلال العامين الماضيين. وتقدر أصول الصناديق السيادية الليبية في البلدان العربية بنحو 6 مليارات دولار، معظمها في مصر، تليها تونس والمغرب، إضافة إلى بعض الأصول الصغيرة في بلدان أخرى.
وقد ارتفعت أسعار معظم تلك الأصول المملوكة بشكل كامل للمؤسسة لأنها تتركز في العقارات والأراضي، حيث تملك المؤسسة على سبيل المثال، فندق شيراتون القاهرة ونحو 40 هكتارا من الأراضي في وسط العاصمة المصرية.

ويظهر سوء إدارة الأموال الليبية جليا في أفريقيا، حيث استثمر نظام القذافي نحو 1.5 مليار دولار في نحو 12 بلدا أفريقيا، معظمها في شركات اتصالات، وكان غرضها في الغالب الدعاية السياسية. وقد تلاشت تلك الاستثمارات تماما باستثناء بعض الأصول القليلة في أوغندا وساحل العاج اللتين قامتا بتأميم تلك الشركات في السنوات الأخيرة.

وتتوزع معظم أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في حصص أسهم وأوراق مالية وسندات في الاقتصادات المتقدمة، إضافة إلى حصص في عدد من شبكات المصافي النفطية ومحطات الوقود والعقارات.

ويقول بوهادي إن مؤسسته تطمح لخلق مؤسسة قوية وفاعلة، وأنها تعمل لتهيئة بيئة تتيح للمستثمرين خلق فرص عمل في ليبيا ودعم البرامج الرامية لتطوير المهارات وبناء القدرات وتوفير التمويل الأولي لصالح المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل ليبيا. وقال إن المؤسسة تعمل مع الوزارات الليبية لعقد شراكات مع مؤسسات مالية عالمية مثل البنك الدولي للمساعدة في بناء البنية التحتية.

دعاوى عالمية

وكان عبدالمجيد بريش قد أكد لـ”العرب” أن الدول الأوروبية لا تعترف بالمؤسسات المنبثقة عن الحكومة المنتخبة، ولا بمؤسسة تحتكر حقوق التصرف في الأصول السيادية الخارجية لأنها تملك حقوق التوقيع الحصرية فيما يتعلق بتلك الأصول.

وقال إن مؤسسته تواصل متابعة التطورات في الدعاوى القضائية التي أقامتها ضد مصرفي غولدمان ساكس الأميركي وسوسيتيه جنرال الفرنسي أمام المحاكم البريطانية، لكن تدخل المؤسسة المنافسة التي يرأسها بوهادي تهدد بضياع تلك الجهود.

وأضاف أن المنافسة على شرعية التمثيل لا وقت لها، وأنه دعا بوهادي للعمل معه في إطار المؤسسة الليبية للاستثمار لتوحيد الجهود نحو الهدف الأساسي وهو حماية أموال الشعب الليبي، وعدم تضييع الجهود والأموال. وأوضح أن المؤسسة استثمرت من خلال بنك غولدمان ساكس نحو 1.3 مليار دولار خلال عهد القذافي، وأن تلك الاستثمارات لا تعادل اليوم سوى نحو 100 مليون دولار، رغم أن المصرف حقق أرباحا من إدارة تلك الاستثمارات تصل إلى 350 مليون دولار.

وتتهم المؤسسة غولدمان ساكس باستغلال قلة خبرة موظفيها في عهد النظام السابق، لتوجيههم إلى استثمارات غير مجدية ومحفوفة بالمخاطر، وهي تطالبه بدفع تعويضات تصل إلى مليار دولار عن تلك الخسائر. أما القضية المرفوعة ضد مصرف سوسيتيه جنرال، الذي استثمرت المؤسسة من خلاله نحو 1.5 مليار دولار، فتتعلق بالفساد ودفع رشاوى لمسؤولين سابقين. وتقدر قيمة تلك الاستثمار حاليا نحو 750 مليون دولار، أي أنها فقدت نحو نصف قيمتها.

وقال بريش إن الصراع غير المجدي على التمثيل الشرعي في تلك القضايا انتهى بإعادة تثبيت المحامي الذي عينته المؤسسة الليبية للاستثمار، بعد ضياع الكثير من الجهود والأموال، وتعيين حارس قضائي لحماية المصالح الليبية.

إعادة هيكلة المؤسسة

وكانت المؤسسة في طرابلس قد أعدت خطة في عام 2013 لتقسيم الأصول الموزعة في نحو 550 شركة ووضعها في محفظتين، تضم الأولى التي تحمل اسم “لغسي” نصف الشركات تقريبا، والتي ينبغي الخروج منها وتصفيتها. أما المحفظة الثانية (هولدنغ) فتضم الأصول الجيدة، التي ينبغي العمل على تحسين أدائها وتطويرها.

وقال بريش إن المؤسسة اقترحت إنشاء “صندوق الأجيال القادمة” الذي تدخل فيه السيولة من فائض مبيعات النفط والغاز الليبي، ليتم استثمارها في الأسواق الدولية، ويكون القرار فيها للجان متخصصة في المؤسسة الليبية للاستثمار، في حين تعطى الإدارة لمؤسسات دولية متخصصة.

وقدمت المؤسسة في العام الماضي قبل انقسام السلطة في حكومتين متنافستين، مشروعا لاستقطاع 10 إلى 20 بالمئة من عوائد النفط والغاز، لتأسيس صندوق لدعم الميزانية العامة وتحقيق التوازن فيها بموجب الضوابط العالمية للبنك الدولي.

وذكر بريش إن المؤسسة الليبية للاستثمار اقترحت أيضا إنشاء صندوق آخر باسم “صندوق التنمية الداخلية” بقيمة 7 مليارات دولار، يتخصص في إنشاء مشروعات داخل ليبيا لتحريك الاقتصاد، ويستند إلى معايير تجارية وبالشراكة مع شركات أجنبية لضمان الشفافية والخبرة والمواصفات العالمية.

وأضاف أن المؤسسة تسعى من وراء تلك المشاريع لتنمية البلاد وخلق فرص عمل، لتقوم بعد ذلك بطرحها في البورصة أو بيعها والانتقال إلى مشاريع أخرى لتطوير الاقتصاد في جميع أنحاء البلاد.

وأشار على سبيل المثال إلى خطة عرقلتها الصراعات السياسية لإنشاء مدينة طبية كبيرة مع شريك أجنبي وفق أحدث المواصفات العلمية والطبية والاقتصادية قرب العاصمة طرابلس، وترتبط بفرع لها في جميع أنحاء البلاد.